بقلم: السيد عبد الله شبر
قال الشهيد الثاني[1]: ليتذكر بذلك تطهير القلب من نجاسة الأخلاق ومساوئها، فإنك إذا أمرت بتطهير ظاهر الجلد وهو القشر وتطهير الثياب وهي أبعد عن ذاتك فلا تغفل عن تطهير لبك الذي هو ذاتك وهو قلبك.
فاجتهد في تطهيره بالتوبة والندم على ما فرط، وتصميم العزم على ترك العود في المستقبل، وطهر بها باطنك فإنه موقع نظر المعبود.
وتذكر لتخليك لقضاء الحاجة نقصك وحاجتك، وما تشتمل عليه من الأقذار وما في باطنك، وأنت تزين ظاهرك للناس والله تعالى مطلع على خبث باطنك وخسة حالك، فاشتغل بإخراج نجاسات الباطن والأخلاق الداخلة في الأعماق المفسدة، لكن لا على الإطلاق لتستريح نفسك عند إخراجها ويسكن قلبك من دنسها ويخف لبك من ثقلها، وتصلح للوقوف على بساط الخدمة والتأهل للمناجاة.
قال الصادق عليه السلام ـ أي في مصباح الشريعة ـ: «سمي المستراح مستراحاً لاستراحة النفوس[2] من أثقال النجاسات واستفراغ الكثافات والقذر فيها»[3].
والمؤمن يعتبر عندها أن الخالص من حطام الدنيا كذلك تصير عاقبته، فيستريح بالعدول عنها ويتركها ويفرغ نفسه وقلبه عن شغلها، ويستنكف عن أخذها وجمعها استنكافه عن النجاسة والغائط والقذر، ويتفكر في نفسه المكرمة في حال كيف تصير ذليلة في حال.
ويعلم أن التمسك بالقناعة والتقوى يورث له راحة الدارين، فإن الراحة في هوان الدنيا والفراغ من التمتع بها، وفي إزالة النجاسة من الحرام والشبهة فيغلق عن نفسه باب الكبر بعد معرفته إياها، ويفر من الذنوب، ويفتح باب التواضع والندم والحياء، ويجتهد في أداء أوامره واجتناب نواهيه، طلباً لحسن المآب[4] وطيب الزلف[5]، ويسجن نفسه في سجن الخوف والصبر والكف عن الشهوات إلى أن يتصل بأمان الله في دار القرار ويذوق طعم رضاه، فإن المعول ذلك وما عداه لا شيء[6].
ـــــــــــــــ
[1] الشهيد الثاني: الشيخ الأجل زين الدين بن علي بن أحمد بن محمد بن جمال الدين بن تقي الدين بن صالح تلميذ العلامة العاملي الجبعي الشهيد الثاني، أمره في الثقة والعلم والفضل والزهد والعبادة والورع والتحقيق والتبحر وجلالة القدر وعظم الشأن وجمع الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر، ومحاسنه وأوصافه الحميدة أكثر من أن تحصى وتحصر، مصنفاته كثيرة مشهورة.
أمل الآمل، الحر العاملي: 1/ 85، باب الزاي.
[2] في المصدر "الأنفس".
[3] مصباح الشريعة، الإمام الصادق D: 126، الباب 59 في التبزر، والظاهر من سياق أحاديث الباب إن العنوان في التبرز وليس التبزر، وقد أوردنا النص أمانة للنقل.
[4] المآب: المرجع.
غريب الحديث، ابن سلام: 2/ 69.
[5] الزلف والزلفة والزلفى: القربة والدرجة والمنزلة.
لسان العرب، ابن منظور: 9/ 138، مادة "زلف".
[6] رسائل الشهيد الثاني، الشهيد الثاني: 116 ــ 117، أسرار الصلاة.
إرسال تعليق