تعدد الزوجات في نظر التشريع الإسلامي وفوائده الفردية والاجتماعية

بقلم: الشيخ وسام البلداوي

لا يخفى أنَّ الإسلام له رأيٌ في أصل الزواج والتزويج يمتاز به عما هو متداول حاليا بين معتنقي الديانة المسيحية واليهودية، فالمسيحية اليوم كما ذكرنا سابقا تؤمن بما جاء على لسان بولس وترى استحسان عدم الزواج للذي لم يكن متزوجا، بل ويحسن في نظرها للرجل أن لا يمس امرأة،واستثنوا من هذا الاستحسان، الإنسان الخائف على نفسه من الزنا، فيمكن له حينئذ أن يتزوج، ولكن لا ينبغي أن يتزوج بأكثر من امرأة واحدة، وأما العذارى، فقد استحسن بولس أن يبقين هكذا كما هن عليه من دون زوج ولا زواج، وعلل استحسانه واجتهاده الشخصي بالظروف، فقال (أن هذا حسن لسبب الضيق الحاضر).
أما الإسلام فيخالف هذه النظرة بالكلية فهو قد ندب وحفز من لم يتزوج على الإسراع في الاقتران بزوجة،وجعله نصف الدين[1] وفي بعض الأخبار جعله ثلثي الدين[2]، وجعل عبادة المتزوج تعدل أضعافا كثيرة من عبادة غير المتزوج[3]، وشجع على تزويج البنات وجعل من سعادة الأب والأم والعائلة أن تتزوج ابنتهم في سن مبكر[4]، وأمر أن لا يحول بينهم وبين الزواج عائق العوز والحاجة وأكد على أن الزواج وسيلة من وسائل الغنى وتوسيع المعيشة قال تعالى: ((وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))[5].
وأوجب على الرجل أو المرأة أن يتزوجا في حالة خوفهما من الوقوع في معصية الزنا، بعكس حكم الإنجيل الذي يجعل من الزواج في حالة الخوف من الوقوع في الزنا مستحبا كما هو ظاهر كلام بولس الذي تقدم ذكره.

تعدد الزوجات في الإسلام تجري عليه الأحكام الخمسة


كل ما بيناه سابقا كان في أصل الزواج وأساسه، أما تعدده فالقاعدة العامة تنص على انه جائز ومباح، ومعنى كونه مباحا، هو ان الشريعة الإسلامية لم توجبه على الرجل، وفي المقابل لم تحرمه عليه.
 وهذه الإباحة في تعدد الزوجات تكون بالظروف الطبيعية فحسب، وقد تلحق مسالة تعدد الزوجات أحكاما أخرى تبعا لتغير الظروف فيتغير حكمها من الإباحة إلى حكم آخر من الأحكام الخمسة، فقد يستحب وقد يكره وقد يجب وقد يحرم تبعا لنوع المصلحة ومستواها أو المفسدة ومقدارها.

الفوائد الفردية والاجتماعية لتعدد الزوجات


والمهم الذي نريد ان نتناوله بشيء من التفصيل هو ان التعدد إذا كان له مبررات تبيحه وتجوزه تكون له نتائج طيبة تعود على الإنسان نفسه، وعلى المجتمع بفوائد وعوائد جمة، وفيما يلي جملة من تلك العوائد والفوائد التي يمكن أن يحققها الزواج بأكثر من زوجة:

أولا: التعدد ينتج عنه كثرة النسل الذي به تعمر الأرض


واليه أشار صاحب كتاب فقه السنة حيث قال: (أن للإسلام رسالة إنسانية عليا كلف المسلمون أن ينهضوا بها،ويقوموا بتبليغها للناس.
وهم لا يستطيعون النهوض بهذه الرسالة إلا إذا كانت لهم دولة قوية،قد توفر لها جميع مقومات الدولة:من الجندية، والعلم، والصناعة، والزراعة والتجارة، وغير ذلك من العناصر التي يتوقف عليها وجود الدولة وبقاؤها مرهوبة الجانب نافذة الكلمة قوية السلطان.
ولا يتم ذلك إلا بكثرة الأفراد، بحيث يوجد في كل مجال من مجالات النشاط الإنساني عدد وفير من العاملين، ولهذا قيل: "إنما العزة للكاثر" وسبيل هذه الكثرة إنما هو الزواج المبكر من جهة، والتعدد من جهة أخرى)[6].

ثانيا: في التعدد حل لظاهرة العنوسة


ان في تعدد الزوجات حلاً مهماً لظاهرة العنوسة التي تئنُّ من لأوائها فئة ليست بالقليلة من الفتيات اللاتي لم يحالفهن الحظ بالزواج في سنين مبكرة من أعمارهن،والتي تبقى الواحدة منهن تعاني بعد أن تيأس من انتظار شريك حياتها من مشكلات نفسية وعاطفية، والتي ينتج عنها أضرار وعواقب لا يعلمها إلا الله سبحانه، فمن هذه الأضرار ما تصيب نفس الفتاة كتمكين حالة اليأس في نفسها، وقتل الأمل والرغبة في مواصلة الحياة في قلبها،ليدفع هذا الشعور بالكثير منهن إلى الانتحار فكم من حالة انتحار حصدت الكثير من نفوس الفتيات كانت إحدى أقوى أسبابها هي المعاناة التي كانت تتعرض لها الفتاة جراء حالة العنوسة وبالخصوص بعد فقد الأب والأم وزواج بقية الأخوة والأخوات.
أو المضار التي يعانيها المجتمع من وجود حالة العنوسة بين أفراده من جراء تعرض الكثير من العوانس اللاتي يسهل استغلالهن والتأثير عليهن للانحراف بسبب الضغوطات النفسية أو الغريزية التي صار المجال أمامها مفتوحا بسبب الانفتاح الإعلامي والمعلوماتي.
والحل الأمثل لكل تلك المشاكل يكون بتفعيل مبدأ تعدد الزوجات، ففيه استنقاذ لروح إنسانة لها كيان وعواطف وأحاسيس، ومنحها الأمل والسعادة التي لا تتأتى بغير نظام تعدد الزوجات، وتمكينها من مواصلة حياتها بصورة سليمة عن طريق تمكينها من تأدية وظيفتها كأم ومربية وزوجة، وتحصينها والمجتمع من مخاطر ضغط الحاجة الجنسية والغريزية التي إما أن تكبت وتكتم فتؤدي إلى البؤس والضياع وإما أن تشبع بغير الزواج الشرعي فتؤدي إلى خسران الفتاة نفسها وآخرتها، وخسران المجتمع فردا من أفراده وتحويله إلى عنصر ضار بنفسه وبالآخرين.

ثالثا: في التعدد حلُّ لمشكلة الأرامل والأيتام


ان في تعدد الزوجات حلاً لمشكلة الأرامل والأيتام والتي غالبا ما يبتلى بها المجتمع عقيب تعرضه لحالات الحرب أو القتل الجماعي الذي يقع نتيجة النزاعات الطائفية أو العرقية أو الاستعمارية، فينتج عن ذلك القتل وتلك الحروب مجموعة هائلة من الأرامل اللاتي يفقدن الزوج بوصفه المعيل و الحافظ لحقوق زوجته المادية والجسدية.
وكذلك ينتج عن ذلك القتل وتلك الحروب مجموعة هائلة من الأيتام الذين يفقدون بفقد آبائهم المربي والموجه والناصح والمعيل والحامي، ومن يمنحهم الحنان والدعم والتجربة، وغير ذلك من الفوائد والمهام التي يمكن أن يؤديها الوالد إلى أولاده.
ولا يخفى على متدبر ما لفقد الأب والزوج من الآثار السلبية على الأسرة لا سيما إذا كان أفرادها صغارا في مقتبل العمر، ليس لهم معيل ولا مربي يقوم مقام الأب الفقيد، بل حتى لو وجد ذلك المعيل فان هنالك وظائفاً ومهاماً لا يقدر أن يقوم بأعبائها غير الزوج والأب.
 فوجود المعيل لا يغني الزوجة ولا يسد احتياجاتها النفسية والجسدية، ووجود المعيل لا يسد الفراغ الذي سيتركه الأب في حياة أولاده، ولا يؤدي الدور الإرشادي والتوجيهي للأب والذي من لوازمه الحضور المستمر والمراقبة لإفراد الأسرة. ولكن جُّل هذه المشاكل تحل ويقطع دابرها بتعدد الزوجات فالأسرة التي فقدت أباها والزوجة التي فقدت زوجها لو قدر لها أن تسعد بزوج ثانٍ، فان كثيراً من المشاكل التي تعاني منها الزوجة كالاحتياجات الجسدية،والاستقرار النفسي، وتوفير لوازم المعيشة، ستحل وتتوفر بهذا الزواج.
 أما من حيث الأيتام فسيعود هذا الزواج الثاني عليهم بفوائد وعوائد جمة، فدور المرشد والمربي والناصح والمعلم والمتكفل سيؤديه ذلك الزوج الثاني،وحتى لو لم يكن أداء الزوج الثاني متكاملا، فانه سيكون أفضل بكثير من تركهم هملا من دون معيل ولا مربي.

رابعا: التعدد حل لمن لا يريد فراق زوجته لعلة


وقد أشار السيد محمد مهدي الصدر في كتابه (أخلاق أهل البيت) إلى ذلك بقوله: (قد تمرض الزوجة جسميا أو عقليا،وتعجز آنذاك عن أداء رسالتها الزوجية، ولا تستطيع تلبية رغبات الزوج، ورعاية الأسرة والأبناء، مما يفضي بهم إلى القلق والتسيب.
ولا ريب أنها أزمة خانقة تستدعي العلاج الحاسم الحكيم،وهو لا يخلو من فروض ثلاثة:
أ ــ إما أن يترك الزوج هملا يعاني مرارة الحرمان من حقوقه الزوجية، ويغدو عرضة للتردي في مهاوي الرذيلة والإثم، وتترك الأسرة كذلك نهبا للفوضى والتبعثر. وهذا إجحاف بالزوج والأسرة،وإهدار لحقوقهما معا.
ب ــ وإما أن يتخلص الزوج من زوجته المريضة بالطلاق، ويدعها تقاسي شدائد المرض ووحشة النبذ والانفراد، وهذا ما يأباه الوجدان لمنافاته مبادئ الإنسانية وسجايا النبل والوفاء.
ج ــ وإما أن يتسرى الزوج على زوجه المريضة،متخذا زوجة أخرى تلبي رغباته، وتلم شعث الأسرة، وتحيط الأولى بحسن الرعاية واللطف، وهذا هو أفضل الحلول وأقربها إلى الرشد والصواب)[7].

خامسا: التعدد حل لمن لا يريد طلاق زوجته بسبب العقم


 وقال السيد محمد مهدي الصدر أيضا: (وقد تكون الزوجة عقيمة محرومة من نعمة النسل والإنجاب،فماذا يصنع الزوج والحالة هذه، أيظل محروما من الأبناء يتحرق شوقا إليهم، وتلهفا عليهم مستجيبا لغريزة الأبوة ووخزها الملح في النفس. فان هو صبر على ذلك الحرمان مؤثرا هوى زوجته على هواه، فذلك نبل وتضحية وإيثار. أو يتسرى ــ يتزوج ــ عليها بأخرى تنجب له أبناء يملؤن فراغه النفسي، ويكونون له قرة عين وسلوة فؤاد. وهذا هو منطق الفطرة والغريزة الذي لا يحيد عنه إلا نفر قليل من الناس)[8].
وقال صاحب كتاب فقه السنة: (وقد تكون الزوجة عقيما لا تلد، أو مريضة مرضا لا يرجى شفاؤها منه، وهي مع ذلك راغبة في استمرار الحياة الزوجية، والزوج راغب في إنجاب الأولاد، وفي الزوجة التي تدبر شؤون بيته.فهل من الخير للزوج أن يرضى بهذا الواقع الأليم، فيصطحب هذه العقيم دون أن يولد له، وهذه المريضة دون أن يكون له من يدبر أمر منزله، فيحتمل هذا الغرم كله وحده؟!. أم الخير في أن يفارقها وهي راغبة في المعاشرة فيؤذيها بالفراق؟! أم يوفق بين رغبتها ورغبته، فيتزوج بأخرى ويبقي عليها فتلتقي مصلحته ومصلحتها معا؟! أعتقد أن الحل الأخير هو أهدى الحلول وأحقها بالقبول، ولا يسع صاحب ضمير حي وعاطفة نبيلة إلا أن يتقبله ويرضى به)[9].

سادسا: وللتعدد فائدة عظمى لقادة المجتمع ووجهائه


وقد تختلف الأسباب باختلاف شخص الإنسان ومنزلته فقد تكون زيجات بعض الأنبياء ورؤساء المجتمعات والقادة لأهداف لا يقدر على فهمها الفرد العادي والى ذلك يشير الشيخ مكارم الشيرازي في كلامه عن تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: (نقرأ في بعض التواريخ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج بعدة زوجات،ولم يجر إلا مراسم العقد،ولم يباشرهن أبدا،بل إنه اكتفى في بعض الموارد بخطبة بعض نساء القبائل فقط. وقد كان هؤلاء يفرحون ويسرون ويفتخرون بأن امرأة من قبيلتهم قد سميت بزوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحصل لهم هذا الفخر،وبذلك فإن علاقتهم الاجتماعية بالنبي كانت تشتد وتقوى ويصبحون أكثر تصميما على الدفاع عنه ومن جانب آخر،فمع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن رجلا عقيما،إلا أنه لم يكن له من الأولاد إلا القليل،في حين أن هذا الزواج المتعدد لو كان بسبب جاذبية هذه النسوة،وإثارتهن الجنسية،فينبغي أن يكون له من الأولاد الكثير)[10].
أقول ومن هنا أيضا نستطيع أن نوجه ونعلل سبب تزوج نبي الله سليمان لعدة من النساء من قبائل وشعوب كثيرة. موآبية وعمونية وادومية وصيدونية وحيثيه ومصرية كما ذكرت التوراة[11].
هذه هي أهم فوائد ومبررات تعدد الزوجات وقد اكتفينا منها بالمهم، وتركنا الخوض في كثير منها خوف الإطالة، فيمكن لطالب المزيد أن يراجعها في مظانها. فينبغي للمنصف أن لا ينظر إلى تعدد الزوجات من حيث كونه يوفر مجالا أوسع لقضية الغريزة الجنسية، فتجعل هذه النظرة منه هدفا تافها ورخيصا يحقره الناظر ويسخر منه السامع، بل يجب على الإنسان المنصف أن ينظر إلى ظاهرة تعدد الزوجات بموضوعية وتجرد وان يأخذه من جميع جوانبه ويلاحظه بحيثياته كافة، ليستطيع بهذه النظرة الشمولية أن يصل إلى نتيجة معقولة وصحيحة وكاملة.

ـــــــــــــــ
[1] جاء في كتاب الكافي للشيخ الكليني ج 5 ص 329 (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من تزوج أحرز نصف دينه وفي حديث آخر فليتق الله في النصف الآخر أو الباقي).
[2] قال الميرزا النوري في مستدرك الوسائل ج 14 ص 149: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من شاب تزوج في حداثة سنه إلا عج شيطانه: يا ويله عصم مني ثلثي دينه، فليتق الله العبد في الثلث الباقي).
[3] في الكافي للشيخ الكليني ج 5 ص 329: (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام فقال له: هل لك من زوجة؟ فقال: لا، فقال أبي: وما أحب أن لي الدنيا وما فيها وإني بت ليلة وليست لي زوجة، ثم قال: الركعتان يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره، ثم أعطاه أبي سبعة دنانير ثم قال له: تزوج بهذه، ثم قال أبي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اتخذوا الأهل فإنه أرزق لكم).
[4] ورد في كتاب الكافي للشيخ الكليني ج 5 ص 336 ــ 337 (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته. وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل لم يترك شيئا مما يحتاج إليه إلا علمه نبيه صلى الله عليه وآله فكان من تعليمه إياه أنه صعد المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال أيها الناس إن جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير فقال إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمره فلم يجتني أفسدته الشمس ونثرته الرياح وكذلك الأبكار إذا أدركن ما يدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة وإلا لم يؤمن عليهن الفساد لأنهن بشر).
[5] سورة النور الآية 32.
[6] فقه السنة للشيخ سيد سابق ج 2 ص 115 .
[7] أخلاق أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين للسيد محمد مهدي الصدر ص424.
[8] نفس المصدر.
[9] فقه السنة للشيخ سيد سابق ج2 ص118.
[10] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج 13، ص 314، بحث جانب من حكمة تعدد زوجات النبيصلى الله عليه وآله وسلم.
[11] سفر الملوك الأول الإصحاح 11 الفقرة 1 ــ 8 وان كنا نشك في العدد الذي ذكرته التوراة لزوجات نبي الله سليمان عليه السلام الا ان الذي قدمناه يبقى تبريرا لتعدد زوجاته عليه السلام بغض النظر عن عددهن.

إرسال تعليق