بقلم: الشيخ وسام البلداوي
الطلاق في الشرع هو: (إزالة قيد النكاح)[1]وحل لرابطة الزواج، وإنهاء للعلاقة الزوجية، ولم يشرع إلا في حالة الضرورة والعجز عن إقامة حياة سعيدة وصالحة ومستقرة بين كل من الزوج والزوجة أما لتباين الأخلاق وتنافر الطباع، أو لضرر يترتب على استبقاء الزوجة في عصمته، بأن عَلِم الزوج أن المقام معها سبب فساد دينه ودنياه، فتكون المصلحة منحصرة أو راجحة في الطلاق، واستيفاء مقاصد النكاح من امرأة أخرى.
وقد يكون الطلاق سببا مهما من أسباب تأديب الزوجة، فيما لو استعصت على الزوج وأخلت بحقوق الزوجية، فيتعين حينئذ الطلاق علاجاً لها، فتطلق حينئذ طلاقا رجعيا لتذوق ألم الفرقة وصعوبة الانفصال، عسى أن ترجع عما هي عليه مقيمة من سوء العشرة والتقصير في حق زوجها ووظائفه الشرعية والاجتماعية، فان لم ينفع معها هذا العلاج وأصرت على اللجاجة والتمادي وتضييع حق الزوج كان طلاقها من غير رجعة أولى بحالها، وقد تكون للطلاق مبررات أخرى تختلف باختلاف الزمان والمكان والبيئة المحيطة بالزوجين.
وبالجملة فإن الطلاق لا يصار إليه إلا بعد إفراغ الجهد باستعمال جميع الوسائل الممكنة في رفع الشقاق وإزالة الموانع والأضرار، لأن النكاح نعمة جليلة ينبغي أن يُحافَظ عليها ما أمكن.
الطلاق جائز بنص الكتاب والسنة
والطلاق بإجماع المسلمين جائز مباح بنص القران والسنة المطهرة، وبجوازه أفتى جميع علماء الإسلام على اختلاف مذاهبهم، قال صاحب كتاب كشف القناع:(وأجمعوا على جوازه لقوله تعالى: ((الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ))[2]. وقوله: ((فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ))[3].
لأن الحال ربما فسد بين الزوجين،فيؤدي إلى ضرر عظيم فبقاؤه إذاً مفسدة محضة فشرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه)[4].
وقال عبد الرحمن بن قدامة: (وهو حل قيد النكاح وهو مشروع والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: ((الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)). وقال سبحانه: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)).
وأما السنة فروى ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وان شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء "... وأجمع الناس على جواز الطلاق والعبرة دالة على جوازه فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وأضرارا مجردا بإلزام الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه...)[5].
وقال محيي الدين النووي: (الطلاق ملك للأزواج على زوجاتهم والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)) وقوله تعالى: ((الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)).
وأما السنة فروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلق حفصة بنت عمر ثم راجعها. وروى عن ابن عمر أنه قال كان تحتي امرأة أحبها وكان أبى يكرهها فأمرني أن أطلقها، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فأمرني أن أطلقها. وأجمعت الأمة على جواز الطلاق...)[6].
ــــــــــــــــ
[1] راجع المهذب البارع لابن فهد الحلي ج 3 ص 440 كتاب الطلاق، وراجع أيضا شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني ج 6 ص11 كتاب الطلاق.
[2] سورة البقرة، الآية: 229.
[3] سورة الطلاق، الآية: 1.
[4] كشاف القناع للبهوتي ج 5 ص 266.
[5] الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ج 8 ص 233 ــ 234.
[6] المجموع لمحيي الدين النووي ج 17 ص 61.
إرسال تعليق