بقلم: الشيخ صباح عباس حسن الساعدي
من بين الشبهات التي سجلت على نظرية علم الإمام عليه السلام، هي أن القول بكون علمهم عليهم السلام حاضراً يلزم منه لازم فاسد لا يمكن الالتزام به، وهو أن يكون نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم - بل والأئمة عليهم السلام - لغواً لا فائدة منه، فلا يبقى مجال لقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}[1].
فما معنى أن يكون الوحي يهبط على شخص غير محتاج إلى الإيحاء؟! وهل هذا إلا اللغو القبيح فعله من الحكيم؟! [2]، مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن عالما بما نزل عليه من طريق الوحي، وإذا ثبت عدم علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثبت عدم علم الأئمة عليهم السلام بالأولوية.
الجواب عن هذه الشبهة
وللإجابة عن هذه الشبهة نكتفي بذكر كلمات الأعلام الذين تصدوا لردها:
قال العلامة محمد حسين المظفر: «أولاً: بأن لعلمهم الحاضر منابع يستقون من فراتها، وموارد ينتهلون من معينها؛ ومن تلك المنابع والموارد غشيان الملائكة عليهم بالوحي والإعلام بالحوادث، وهذا لا ينافي أن يكون علمهم حاضراً ولحضوره أسباب ودواعٍ.
وثانياً: بأن إنزال الملائكة وجبرائيل والروح بالآيات والحادثات، إنَّما هو لإقامة الحجة وتأييد الدعوة، ومن ثم كان تعدد الأنبياء على الأمم، بل وتعددهم في الوقت الواحد، كما كان لكل واحد منهم آيات عديدة ودلائل أكيدة، تقوم على صدق دعواه، ومن تلك الحجج المقامة على العباد إشهاده تعالى عليهم بجعل الحفظة والكرام الكاتبين، وتسجيلهم كل عمل وقول، مع أنَّه جلَّ شأنه هو الحفيظ الرقيب والشاهد غير الغائب.
ولو أخذنا بما يدَّعيه الخصم للغي كل هذه البينات، وبطل كل هذه الآيات والحجج والبراهين[3].
وثالثاً: بأنَّ مثل هذه الحجج المقامة إنمّا تكون لطفاً منه بعباده، لتقريبهم إلى الطاعة وتبعيدهم عن المعصية، ولولا ذلك لكان في العقل وإقامته حجة على العبد، كفاية عن سواه من الدلائل المنصوبة[4].
ورابعاً: بأنّ هذه الدعوى مصادمة للبراهين العقلية والشواهد النقلية، ولا نرفع اليد عن صريح تينك الحجتين، بمجرد الاحتمال والاستبعاد، ولو جهلنا الحكمة في إنزال جبرائيل بالوحي لتأولناه بصريح العقل والنقل...» [5].
ــــــــــــــــــ
[1] القدر: 4.
[2] أُنظُر: المظفر، محمد حسين، علم الإمام، ص93. وأيضاً: اللاري، عبد الحسين، المعارف السلمانية، ص146.
[3] وقد ذكر هذا الوجه السيد اللاري في معارفه، ص146. ولكنه بعبارة قريبة منها.
[4] وهذا الوجه أيضاً ذكره اللاري في كتابه المتقدم، ص147.
[5] العلامة المظفر، محمد حسين، علم الإمام، ص94.
إرسال تعليق