بقلم: الدكتور علي كاظم المصلاوي
مقدمة الإجراء
الطفّيّات مصطلح آثر الباحث نسبته للقصائد المتضمِّنة وصفاً لواقعة الطف وما جرى فيها من فاجعة حلَّتْ بالإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه.
ولا ريب في أن هذا المصطلح يشمل جميع القصائد التي بكت الحسين عليه السلام وتفجَّعت بمقتله في تلك الواقعة الأليمة منذ حلولها سنة إحدى وستين للهجرة وإلى الآن.
وقد اقتصر الباحث على طفيات الشريف الرضي لتكون بادرة أولى لدراسة شعر الشعراء الذين نالهم حبُّ الحسين فرثوه بأحسن ما استطاعوا قولاً وما دبَّجوه من بيان. وقد كان الشريف الرضي هو الموحي للباحث بهذا المصطلح، إذ جاء على شاكلة حجازياته الشهيرة والتي سارت (على نسق مع هاشميات الكميت، وخمريات أبي نؤاس، وزهديات أبي العتاهية)[1] والحجازيات كما هو معروف عنها (المقطعات الشعرية التي لها وجه اتصال بالحجاز مباشرة أو بالتأدية إليه)[2].
ويمكن أن أضيف سبباً آخر لدراسة الطفّيّات عند الشريف الرضي وهو نسبه الشريف المتَّصل بالحسين عليه السلام مما يضفي وقعاً خاصاً لبنية القصيدة مما لو لم ينتسب حقيقة له.وفوق هذا وذاك فان الشريف الرضي شاعرٌ ممسك بإحكام أدواته الشعرية، فهو كما قال الثعالبي فيه: (إنه أشعر الطالبيين…. ولو قلت أنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق…)[3]، وقال في مراثيه (ولستُ أدري في شعراء العصر أحسن تصرفاً في المراثي منه)[4] وقال فيه الدكتور زكي مبارك: (الشريف الرضي أفحل شاعر عرفته اللغة العربية، وأعظم شاعر تنسَّم هواء العراق)[5] وقال فيه الدكتور البصير: (انه في طليعة شعراء اللغة العربية… وفارس حلبتي الرثاء والفخر وإمام الغزل العذري)[6] وقيل فيه: (… إذا قصد المراثي جاء سابقاً والشعراء منقطعة الأنفاس …)[7] دلالة على عظم باعه ومقدرته وطول نفسه في هذا المضمار. وقد نعَتَهُ الأدباء لرقة شعوره وكثرة مراثيه بـ(النائحة الثكلى)[8] فقد امتاز الشريف (برثائه البليغ المفعم صفاءً ومودةً ووفاءً وإخلاصاً)[9].
والطفيات - بعد ذلك - قصائد رثائية مخصصة في استشهاد الحسين عليه السلام ونفرٍ من أهل بيته وأصحابه في واقعة الطف.
وحين تصفح الباحث ديوان الشريف الرضي بطبعة دار صادر المتكونة من جزأين - وهي المعتمدة في البحث - وجد خمس قصائد في رثاء الحسين عليه السلام كانت موضوع الصفحات القادمة من البحث.
فدرس الباحث البُنى الهيكلية والموضوعية والداخلية (اللغة الشعرية) معطياً لكل بنية منها مبحثا وقد تقدمها مدخل للدراسة. واتبع ذلك خاتمة ضمَّت أهمَّ النتائج التي توصل لها البحث تبعها ثبت المصادر والمراجع.
وابتعد الباحث ما أمكنه عن التاريخيات ومتعلقاتها السياسية والمذهبية ليقترب من استكشاف طريقة صياغة الشاعر لموضوعه وكيفية تشكيله شعرياً.
مدخل الإجراء
أ ـ البنية الهيكلية
إذا كان قوام الشعر العربي هو القصيدة[10]، فإن الحديث عن بناء القصيدة ومراحل تكوينها لا ينصرف إلا إلى القصائد الطوال التي تتعدد فيها الموضوعات وتسير على نظام معين ونسقٍ موروث سنَّه القدماء منذ عهد متقدم في الجاهلية، وتبعه المتأخرون في صدر الإسلام وسار على نهجهم كثير من شعراء العصر الأموي والعباسي على تفاوت في مقدار التبعية والالتزام[11]. وحسبنا أن نقول ان هذا النظام لم يكن عشوائياً وإنما كان منظماً ومرتباً ومراعياً في ذلك المستمع أو المتلقي. وهذه الأجزاء التي يتألف منها بناء القصيدة الهيكلي، والتي سنعرض لها بشكل موجز هي:
1 ـ المطلع
لقد اهتم النقاد القدامى بالمطلع، فهو إلى جانب تمثله الناحية الموسيقية المتأتية من (تصيير مقطع (آخر) المصراع الأول في البيت الأول من القصيدة مثل قافيتها)[12] فانهم يعدونه ضرورة لازمة في بناء القصيدة لأنه مذهب الشعراء المطبوعين المجددين، وكانوا يعدون الشعر قفلاً (أوله مفتاحه)[13] و(عولوا على أهميته في مطلع القصيدة لأنه يميِّز بين الابتداء وغيره، ويفهم منه قبل تمام البيت روي القصيدة وقافيتها)[14]. كما اشترطوا أن يكونَ حلواً سهلاً وفخماً جزلاً؛[15] فالمطلع يقع في السمع من القصيدة، والدال على ما بعده، المتنزل من القصيدة منزلة الوجه والغرة. فإنما كان بارعاً وحسناً بديعاً ومليحاً رشيقاً، وصدر بما يكون فيه من تنبيه وإيقاظ لنفس السامع، أو أشرب بما يؤثر فيها انفعالاً ويثير لها حالاً من تعجيب أو تهويل أو تشويق، كان داعياً إلى الإصغاء والاستماع إلى ما بعده[16]. وكذلك لاحظوا مناسبة المطلع لموضوع القصيدة، فإذا كان المقام مقام حزن كان الأولى بالمطلع أن ينبئ بذلك من أول بيت وإذا كان المقام مقام تهنئة أو مديح كرهوا الابتداء بما يتشاءم به[17]، أي تطبيق القاعدة البلاغية مراعاة الكلام لمقتضى الحال.
أما المطلع غير المصرع فقد سماه حازم القرطاجني بـ(التجميع) إذ يخلف ظنّ النفس في القافية[18]، وعُدّ أكثر عيباً من الإكفاء والسناد في القوافي[19].
وقد يلجأ الشاعر إلى التصريع الداخلي وهو أن يصرع أكثر من موطن في القصيدة الواحدة، واصطلح عليه الدكتور يوسف حسين بكار بـ(تجديد المطلع)[20] وهو (دليلٌ عل قوة الطبع، وكثرة المادة، إلا أنه إذا كثر في القصيدة دلَّ على تكلف…)[21].
ولوحظ اهتمام الشريف الرضي بالتصريع والتصريع الداخلي في شعره عامة، وهذا ينبئ عن تمسك الرضي واعتزازه بأصالة القصيدة العربية واحترام خصوصياتها ونزوعه نحو عفوية الأداء الشعري الذي تخلقه لحظة الإلهام الشعري الحرة[22].
وإذا ما انتقلنا إلى ما بعد المطلع المصرع أو غير المصرع نجد الشاعر يتسلسل إلى موضوعه في مقدمة تمهيدية لموضوعه الرئيس، وغالباً ما تبدأ بالديار والوقوف على الأطلال وبكائها والتأمل فيها، وهذا هو الأسلوب العام في ابتداء المطولات في الشعر الجاهلي[23] وقد أخذ النقاد في العصر العباسي ينظرون من خلال تركيب بناء القصيدة الجاهلية ولا يتعدونه، وكان على رأس هؤلاء ابن قتيبة الذي رأى (أن لا مندوحة من المقدمة التي تتألف من الوقوف على الأطلال والغزل ووصف الرحلة. هذا الشرط القسري يؤكده ابن رشيق حين يعيب الشعراء الذين يهجمون على الغرض مكافحة، ويتناولونه مصافحة ولا يجعلون لكلامهم بسطاً من النسيب، ويسمي قصائدهم في هذه الحال بتراء كالخطبة البتراء)[24].
ويعلل ابن قتيبة سبب الابتداء بالمقدمة الطللية والغزلية، فالأطلال لذكر أهلها الظاعنين، والغزل لاستمالة القلوب واستدعاء الأسماع[25]، وتابعه ابن رشيق في هذا المنحى[26].
إنَّ الالتزام الشكلي يعد قيداً على الشاعر المحدث، وقد لا يتناسب مع كل الموضوعات والظروف التي تتهيأ القصيدة من خلالها ليؤطرها الشاعر بالإطار الذي يتناسب وتلك الظروف، وهذا ما ذهب إليه ابن الأثير الذي تململ من أسر القصيدة القديمة وترك الحرية للشعراء في أبتداءاتهم[27].
2 ـ التخلص
ويسمى براعة التخلص وحسن التخلص[28] الذي يؤلِّف معالم الارتباط الموضوعي والزمني بين أغراض القصيدة الواحدة[29] والشاعر المجيد هو الذي يحسن الانتقال، فيغادر موضوعه الأول إلى الذي يليه دون خلل أو انقطاع، ويجعل معانيه تنساب إلى الموضوع الآخر انسياباً بحيث لا يشعر قارئه بالنقلة، بل يجد نفسه في موضوع جديد هو استمرار للأول وامتدادٌ له، وبين الموضوعين تمازجٌ والتئام وانسجام[30]. والتخلص بعد ذلك يدلُّ على حذق الشاعر، وقوة تصرفه وقدرته وطول باعه[31]، ولم يكن القدماء يعنون به عناية الشعراء المحدثين بل يذهب ابن طباطبا إلى أن حسن التخلص من مبتدعات المحدثين لأن مذهب الأوائل في ذلك واحد، وهو قولهم عند وصف الفيافي وقطعها بسير النوق، وحكاية ما عانوا في أسفارهم: انا تجشمنا ذلك إلى فلان يعنون الممدوح، كقول الأعشى:
إلى هوذةِ الوهَّابِ أُزْجِي مَطِيَّتي **** أُرَجِّي عَطاءً صالِحاً مِنْ نَوالِكَا[32]
وكانوا يقولون عند الانتقال: (دع ذا) و(عد عن ذا)[33].
أما ذا لم يوفق الشاعر في تخلصه وجاء على غير ما وصفه النقاد فهو اقتضاب أو الطفر أو الانقطاع إذ يقطع الشاعر كلامه ويستأنف كلاماً غيره من مدح أو هجاء ولا يكون للثاني علقة بالأول. وقد ذهبوا إلى أن هذا هو مذهب الشعراء المتقدمين من مثل امرئ القيس والنابغة الذبياني وطرفة ومن تلاهم من طبقات الشعراء، أما المحدثون من مثل أبي تمام والمتنبي فقد تصرفوا في المخالص وأبدعوا فيها[34]، ولا شك أن الشريف الرضي هو واحدٌ من أولئك المحدثين الذين تميزوا بحسن تخلصهم والإجادة فيه وهذا ما ستخبرنا عنه طفياته.
3 ـ الخاتمة
مثلما اهتم القدماء بالمطالع اهتموا أيضاً بالمقاطع أو خواتم القصائد ونظروا إليه من الزاوية نفسها التي نظروا إليها للمطالع من حيث الاهتمام بالسامع أو المخاطب لأن ختام القصيدة في عرفهم يمثل (قاعدة القصيدة، وآخر ما يبقى منها في الأسماع، وسبيله أن يكون محكماً: لا تمكن الزيادة عليه، ولا يأتي بعده أحسن منه، وإذا كان أول الشعر مفتاحاً له وجب أن يكون الآخر قفلاً عليه)[35]. وذهب حازم القرطاجني إلى وجوب (أن يكون ما وقع فيها من الكلام كأحسن ما اندرج في حشو القصيدة، وان يتحرَّز فيها من قطع الكلام على لفظ كريه أو معنى منفِّر للنفس عمَّا قصدت إمالتها إليه… وإنما وجب الاعتناء بهذا الموضع لأنه منقطع الكلام وخاتمته. فالإساءة فيه معفية على كثير من تأثير الإحسان المتقدم عليه في النفس. ولا شيء أقبح من كدر بعد صفو…)[36] ولذلك اشترط فيه أن يكون الاختتام في كل غرض بما يناسبه فيكون بمعانٍ سارة فيما قصد بة التهاني والمديح، وبمعانٍ مؤسية فيما قصد به التعازي والرثاء، كذلك أوجب أن يكون اللفظ فيه مستعذباً والتأليف جزلاً متناسباً[37].
واشترط أبو هلال العسكري في الخواتيم، أن يكون أجود بيت في القصيدة وأدخل في المعنى الذي قصد له الشاعر في نظمها… أو أن يتضمن حكمة أو مثلاً سائراً، أو تشبيهاً حسناً[38].
وتجدر الإشارة إلى أن هناك نهايات تشعر أن المعنى مازال مستمراً إذ ينهي الشاعر قصيدته فجأة وعلى غير ختام، ويبقى المعنى بحاجة إلى تكملة واستمرار[39]. ولعل ذلك عائدٌ إلى توقف الانثيال الشعري عند الشاعر لأي سبب كان أو نفاذه. مما يؤدي إلى استشعار القارئ أن للكلام بقية لم تتم إذ لم ينسجم مع الذي قبله. وهذا الأمر حاصل إذا علمنا يقيناً أن القصيدة قد جاءت كاملة ولم يحذف أو يفتقد منها شيء.
ومهما يكن من أمر فإن الباحث عمد إلى جعل هذه المرتكزات (المطلع، التخلص، الخاتمة) ضمن البنية الهيكلية أو الخارجية للقصيدة، وراح يتلمس هيكلة الشريف الرضي لطفياته من المطلع وحتى الخاتمة وكيف انتقل من موضوعه الأول إلى موضوعه الثاني، وهل هناك وحدة ربط بين الموضوعين، أم أن الشريف لم يكن في ذهنه إلا أن يجاري النمط القديم من البناء، أم أنه تلمَّس البناء القديم ليدخل في بنيته شيئاً جديداً مضافاً ابتدعه هو. وهذا ما سيعرضه الباحث في موضعه من البحث.
ب ـ البنية الموضوعية
لا شك في أن القصيدة مهما كان نوع ابتداءاتها فإن لها موضوعاً رئيساً تتمحور عليه، بل إن الابتداء يتطوع لهذا الغرض كيما يناسبه ويتسلسل به حتى النهاية التي تأتي مكملة للموضوع، لذا كانت بنية الموضوع ملخصة لفحوى الابتداء والانتهاء.
ولكل موضوع محاوره التي يدور حولها الشاعر، نافثاً أحاسيسه ومشاعره وأفكاره وهمومه، ومنفِّساً عن انفعالاته، طارحاً تأملاته في الكون والحياة الأشياء. ولا ريب في (أن القوة التي تصهر الأجزاء بعضها ببعض وتخلق التوازن بين الصفات المتضادة هي الخيال: القوة التي بواسطتها تستطيع صورة معينة أو إحساس واحد أن يهيمن على عدة صور أو أحاسيس في القصيدة فيحقق الوحدة فيما بينها بطريقة أشبه بالصهر[40]. ولعل معالجة أفكار الموضوع أو مضامينه إذا اقتربت من التجريد كانت عقيمة أو غير ذات جدوى مما لو تعرضت للتصوير المجازي وكان ذلك بطريق الموضوعية الأدبية[41].
ج ـ البنية الداخلية (اللغة الشعرية)
تعدّ اللغة الشعرية أهم المرتكزات في البناء الفني للقصيدة وإذا ما اشترك الشاعر مع غيره في البناء الخارجي فإنه يفترق في طبيعة صياغة البناء الداخلي، إذ إن اللغة الشعرية تمثل قدرة ومهارة متفردة في صياغة التجارب الشعورية، كما أنها تعكس ثقافة الشاعر ومشاعره وأفكاره تجاه الكون والأشياء وبتحليل تلك اللغة يتم الكشف عن مواطن الجمال والإبداع في العمل الأدبي وقيمه الفنية.
(واللغة ظاهرة فنية تأثرت بدورها بحركات التطور والتجديد التي طرأت على الشكل الفني العام للقصيدة العربية القديمة وهي تنتقل من مرحلة حضارية فنية إلى أخرى، من العصر الجاهلي فالعصر الإسلامي فالأموي فالعباسي)[42] ورأى نقادنا القدامى أن سلامة اللغة من شروط جمالية القصيدة، كما كانوا يؤمنون بأن لغة أي قصيدة يجب أن تتناسب مع موضوعها. ويجب أن تكون متجانسة، ومن نوع واحد[43]. وتكمن أهمية اللغة من أن من خلالها تنبعث الأفكار والصور والموسيقى ولا تعرف هذه العناصر إلا من خلال تركيبات اللغة التي ندرسها في القصيدة[44].
واللغة الشعرية بعد ذلك (تنظيم متناسق مقصود للكلمات، يعبر عن انفعال نفسي حاول الشاعر استجلاءه بهذا التنظيم مما حملها بطاقات إيحائية انبجست من تزاوج علاقة الحقيقة بالمجاز من جهة والبناء بالإيقاع من جهة أخرى وأدت التأثير المطلوب في المتلقي)[45].
ومن خلال هذا التعريف نتبين ثلاثة مستويات في تشكيل لغة شعر أي شاعر وهذه هي الألفاظ والصياغة والإيقاع. وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذه المستويات متواشجة منصهرة فيما بينها، تتذبذب قوة تأثير كل منها في الآخر. وما الفصل الذي اصطنعناه بينها إلا لأغراض الدرس الذي تستدعيه العملية النقدية التحليلية للنص الشعري.
و تجدر الإشارة ايضا إلى ان مكونات القصيدة (البنية الخارجية والموضوعية والداخلية) هي متلاحمة ومتآصرة فيما بينها متبادلة التأثير بنسبة متفاوتة. ولم يكن الفصل الذي اصطنعناه إلا فصلاً منهجياً لأغراض الدرس فحسب.
المبحث الأوّل: البنية الهيكلية للطفّيّات
لقد امتازت الطفيات المستقرأة من ديوان الشريف الرضي بالطول فانتظمت مكونات بنائها بصور كلية، فقد بلغت أقصر قصيدة منها ستةً وعشرين بيتاً، وأطولها اثنينِ وستينَ بيتاً، مما يشير إلى طول نفس الشريف الرضي في التعبير عن أحاسيسه ومشاعره تجاه موضوع التجربة الشعرية. كما تشير إلى مسك الشاعر أدواته الشعرية بحيث لا يضيع على المتلقي نشوته بالتحام القصيدة ووحدة مشاعرها من بدئها حتى نهايتها وكأنها بلا نهاية، وهذا الأمر لم يكن متعلقاً بالطفيات فحسب وإنما بأغلب شعره[46].
وإذا كان الخط العام في مقدمات المرثية عموماً عند الشريف الرضي وهو أما أن (تبدو ذات مقدمة حماسية أو فخر ذاتي وخيبة أمل وشكوى من الزمان مع احتفاظها بوحدتها المضمونية الرائعة أوقد تكون مرثاة بلا أية مقدمة أو تكون مرثاة مدينة متميزة بمضمونها وأبعادها السياسية والأخلاقية)[47] فإن الطفيات لم تبتعد عن هذا التقسيم كثيراً، فقد وردت أولى طفيات الشاعر والتي نظمها سنة (377هـ) أي عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، بلغ طولها الأربعين بيتاً، استهلها بمقدمة يفتخر بها بنفسه ويشكو من ظرف ألمَّ به[48]:
صاحت بذَوْديَ بغدادٌ، فآنسَني *** تقلُّبي في ظُهورِ الخيلِ والعيرِ
وكلّما هَجْهَجَتْ بيْ عَنْ منازِلِها *** عارَضْتُها بجَنَانٍ غيرِ مذْعُورِ
أطْغى على قاطنِيها غيرَ مُكْتَرِثٍ *** وأفعلُ الفِعْلَ فيها غيرَ مأْمُورِ
خَطْبٌ يُهًدِّدُني بالبُعدِ عنْ وَطَني *** ومَا خُلِقْتُ لغَيْرِ السّرْجِ والكُورِ
إنّيْ، وإنْ سامَني ما لا أُقاوِمُهُ *** فقدْ نجَوْتُ، وَقِدْحي غَيْرُ مَقْمورِ
عجْلانَ أُلبِسُ وجهي كلَّ داجِيَةٍ *** والبرُّ عُريْانُ مِنْ ظبيٍ ويعفورِ
وقارئ هذه الأبيات يحس بعمق غضب الشاعر على الأوضاع التي يواجهها كما يحس بعمق معاناته وحزنه الشديد من خلال افتخاره بنفسه ومبالغته فيه كرد فعل عكسي لما يصيبه ويواجهه.
وإذا رجعنا إلى هذه الحقبة من حياته نجدها (مرحلة عناءٍ وشقاء، إذ صرف أبوه من النقابة، ثمّ اعتقل بعد سنتين اعتقله عضد الدولة، وسجنه في قلعة بفارس من سنة 270هـ إلى سنة 378هـ قضى الرضي مع أخيه وأمه ثمانية أعوام عجاف بالبؤس وعيش الكفاف، بما تبيعه أمه من أملاكها وحليها…)[49] ومن الطبيعي أن تأتي قصائده متمثلة مشاعره أكمل تمثل، ولعل تمرده على الوضع الذي هو فيه كان وراء تخليه عن مرتكزين مهمين في بناء القصيدة، وهو عدم تصريعه مطلع القصيدة وتخليه عن المقدمة الطللية، وهذا مصداق على فكرة (أنَّ الشكل الفني للقصيدة مرتبط بالنظام السياسي والفكري لعصر الشاعر، فإن التمرد والخروج عليه يعني تمرداً وخروجاً سياسياً وثقافياً على ذلك العصر…)[50].
ومهما يكن من أمر فإنّ الشاعر بعد هذه الأبيات الغاضبة يجرِّد من نفسه شخصية القائلة التي راحت تصبِّره على أحزانه[51]:
وربَّ قائلةٍ، والهمُّ يُتْحفني *** بناظرٍ منْ نِطافِ الدمعِ ممطورِ
خفِّضْ عليكَ، فللأحزانِ آوِنةٌ *** وما المُقيمُ على حُزْنٍ بمَعْذورِ
فيجيبها بحزمٍ وقوةٍ:
فقُلْتُ: هَيْهاتَ فاتَ السَّمْعُ لائِمَهُ *** لا يُفْهَمُ الحُزْنُ إلاَّ يومَ عاشورِ
ولا شكَّ أنَّ المرأة أقدر على امتصاص حزن الشاعر وألمه، وأقدر على إثارته بشتى الانفعالات والأحاسيس. كما أنَّ هذا الأسلوب (حوار العاذلة أو القائلة) كان متبعاً عند بعض شعراء الجاهلية[52].
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ربط الشاعر بحسن تخلصه موضوع حزنه وما ألمَّ به من مكاره وصعاب بموضوع واقعة الطف وما حدث في يوم عاشوراء، وكأنَّ الأحزان التي مرَّتْ وتمرُّ به ليست حزناً قياساً بما حدث يوم عاشوراء، بل إنَّ الحزن لا يفهم وليس له معنى إلا في ذلك اليوم العصيب فأجابها بقوله:
فقُلْتُ: هَيْهاتَ فاتَ السَّمْعُ لائِمَهُ *** لا يُفْهَمُ الحُزْنُ إلاّ يومَ عاشورِ
إنَّ انتقالة الشاعر جاءت موفقة كل التوفيق، وطبيعية منسابة بين مقدمة القصيدة وغرضها وكذا خاتمتها التي أنهاها الشاعر بها مخاطباً نفسه محرضاً إياها على المجد والرفعة وعدم التهاون ولكنه حزين يلقى الزمان بجرح غير مندمل وبقلب غير مسرور[53]:
ما ليْ تَعَجَّبْتُ من همِّي ونفْرَتِهِ *** والحزنُ جرحٌ بقلبيْ غيرُ مسْبورِ
بأيِّ طرْفٍ أرى العلياءَ إنْ نَضَبَتْ *** عَيْني، ولَجْلَجتُ عَنْها بالمعاذِيرِ
ألْقى الزمان بكَلْمٍ غيرِ مندملٍ *** عُمْرَ الزمانِ، وقلْبٍ غيرِ مَسْرُورِ
ثم يخاطب جدَّه الحسين عليه السلام بنداء مفجع:
يا جدِّ لا زالَ لي همٌّ يحرِّضُني *** على الدُّمُوعِ ووجْدٌ غيرُمقْهورِ
والدمعُ تحفزُهُ عيْنٌ مُؤَرّقةٌ *** حَفْزَ الحنيّةِ عنْ نَزْعِ وتوْتيرِ
إنَّ السلوَّ لمَحظورٌ على كَبِدِي *** وما السلوُّ على قلبٍ بمَحْظُورِ
أما طفيته الأخرى فقد نظمها سنة 287هـ أي لما كان عمره الثامنة والعشرينَ، وقد بلغ طولها اثنين وخمسين بيتاً، وقد استهلها بمقدمة حكمية مصرّعة المطلع، بلغ طولها اثني عشر بيتاً ثمَّ جاء البيت الذي تخلص به إلى غرضه.
وقد تعرض في مقدمته لحتمية الفناء للإنسان وكل الأشياء، وإن الدنيا غدارةٌ بأهلها مع طول الأمل والفناء فيها، والأزهار ذابلة لا محالة، واليأس قاتل والأمل مقتول، وقد جرد من نفسه شخصية وراح يخاطبها بقوله[54]:
راحلٌ أنتَ، واللياليْ نُزولُ *** ومضرٌّ بِكَ البَقاءُ الطويْلُ
لا شُجاعٌ يَبـقى فيعتنق البيـــ *** ـضَ ولا آمِلٌ ولا مأمُولُ
غايةُ الناسِ في الزَّمانِ فَناءٌ *** وكذا غايَةُ الغُصُونِ الذُبُولُ
إنَّما المرْءُ للمنيــََّـةِ مخْبــو *** ءٌ، وللطــعْنِ تُسْتَجَمُّ الخُيــولُ
منْ مقيلٍ بينَ الضلــوعِ إلى طوج *** لِ عَناءٍ، وفي التُّرابِ مقيلُ
فهو كالغيْمِ ألْقَتْهُ جَنوبٌ *** يومَ دجْنٍ، ومزَّقَتهُ قبولُ
عادةٌ للزمانِ في كلِّ يَوْمٍ *** يتناءَى خِلٌّ، وتبكي طُلُولُ
فاليالي عونٌ عليـكَ مع البيـــ *** ـنِ، كمـا ساعَـدَ الزوابلَ طــولُ
ربما وافقَ الفتى مِنْ زمانٍ *** فرحٌ، غيرُهُ به متْبولُ
هيَ دُنيا إنْ واصلَتْ ذا جَفَتْ هـ *** ـذا مَلالاً، كأنها عُطْبولُ
كلُّ باكٍ يُبْكى عليهِ، وإنْ طـــا *** لَ بَـقـاءٌ، والـثــاكلُ المَثكـولُ
والأَمانيُّ حسْرَةٌ وعَناءٌ *** للذيْ ظنَّ أنَّها تَعْلِيلُ
في هذه المقدمة نلحظ أنّ الشاعر فيها كان أكثر اتزاناً كابحاً انفعالات الشباب الجامحة، وقوراً ينظر إلى الدنيا غير ما ينظر إليها المغترُّ بها كما جاء تصريعه المطلع مناسباً لطبيعة الشعور الذي طغى عليه… شعور المترفِّع العارف بدايات الأمور ونهاياتها. ولا ريب بعد ذلك أن تجيء مقدمة الشريف نابضة بالصدق وحسن التصوير لانفعالاته تجاه موضوعه إذ عرفنا الظروف القاهرة والحوادث المتقلبة التي مرَّ بها الشريف وأسرته وخرج منها قوياً متماسكاً ينظر لها بعين الحكيم العارف كنهها وأسرارها. ومن خاطر الحكيم أن يستعبر بغيره، وما أحسن الاستعبار والتأسي بما أصاب ابن فاطم كناية عن الحسين عليه السلام من حوادث أليمة قاسية[55]:
ما يُبالي الحِمَامُ أينَ ترقّى *** بعدما غالتِ ابنَ فاطمَ غولُ
فجاء تخلصه هذا مستحكماً استحكام الموت وقضائه الذي لا مهربَ منه ولامردَّ لهُ، فخلـَّفَ أوقعَ الأثر في نفس المتلقي وأرهبه من هذه العاقبة الأليمة.
وبعد أن يعرض لما حلَّ بالحسين عليه السلام مظهراً تفجعه وحزنه عليه، طالباً بالثأر ممن قتله، عارضاً قوته وشجاعته، شاهراً سيفه، ورافعاً سنانه في سبيل النيل من الطغاة الذين يتحكمون بالفضلاء من الناس وهم أوضع الخلق وأحقرهم ليتسلسل إلى خاتمة القصيدة بشكل طبيعي وهي فخره بانتسابه إلى أهل البيت وحبِّه لهم[56]:
صَبَغَ القلبَ حُبُّكمْ صبغةَ الشـيــ *** ـبِ وشيبي، لولا الرَّدى، لا يَحُولُ
أنا مولاكُمُ، وإنْ كنتُ منكمْ *** والِدي حيْدَرٌ، وأُمّي البَتُولُ
وإذا الناس أدرَكـوا غايةَ الفخــ *** ـرِ شآهم مَــنْ قال َ جدّي الرسولُ
ثم يوصل هذا بافتخاره بنفسه وبشعره وحبه لمعالي الأمور[57]:
يفرحُ الناسُ بي لأنيَ فَضْلٌ *** والأنامُ الذي أراهُ فضولُ
فهم بيْــنَ مُنْشِدٍ مــا أقفيـ *** ـه سروراً، وسامــعٍ مـا أقُولُ
ليتَ شعري، من لا ئمي في مَقالٍ *** ترتضيهِ خواطرٌ وعقولُ
أتركُ الشيءَ عاذري فيه كـلَّ الـ *** ـناسِ من أَجْـلِ أنْ لحاني عَـذولُ
هو سؤْلي إنْ أسْعدَ اللهُ جدِّي *** ومعالي الأمورِ للذِّمرِ سُولُ
والشريف الرضي بفخره هذا يحسُّ بعلوه ومكانته المرموقة في مجتمعه فكيف وجده الرسول ووالده حيدر كناية عن علي بن أبي طالب وأمه البتول كناية عن فاطمة بنت الرسول عليهم السلام، إنها رموز مقدسة ينحدر منها الشاعر، وتمثل قيماً أخلاقيةً ومعاني إنسانية نبيلة.
أما الطفية الثالثة والتي نضمها سنة 291هـ والتي بلغ عدد أبياتها الثمانيَة والخمسينَ بيتاً، استهلها بمقدمة طللية مصرَّعة المطلع بلغت خمسة عشر بيتاً تضمنت مناداة المنازل وسكب الدموع فيها، وتبع ذلك تذكر منازل الأحبة، وأماكن تواجدهم، ومرابط خيلهم، وآثار الرماد….[58]:
هذي المَنازِلُ بالغَميمِ، فنادِها *** واسكُبْ سَخيَّ العَيْنِ بَعْدَ جَمادِها
إنْ كانَ دَيْنٌ للمُعالِمِ، فاقضِهِ *** أوْ مُهْجَةٌ عِنْدَ الطُّلُولِ ففادِها
يا هَلْ تَبُلُّ مِنَ الغَلِيْلِ إلَيْهِمُ، *** إشْرافَةٌ للرّكْبِ فَوْقَ نِجادِها
نُؤْيٌ كمُنْعَطِفِ الحَّنيَّةِ دُونَهُ *** سُحْمُ الخُدودِ لهنَّ إرْثُ رمادِها
ومَناطُ أطْنابٍ وَمَقْعَدُ فِتْيَةٍ *** تَخْبُو زِنادُ الحَيِّ غَيْرَ زِنادِها
ومَجَرُّ أرْسانِ الجِيادِ لغلْمَةٍ *** سَجَفوا البُيُوتَ بشُقرِها ووِرَادِها
ثمَّ يذكر حبسه لعصابةٍ كانت متلهفةً لتلكَ الديارِ وهي على هذه الحالة فلم يستطيعوا أنْ يغادروها حتى كأن قوائم مطيِّهم متركزة في الأرض كالأوتاد، ولكنهم برغم ذلك انثنوا عنها وكان سلوهم البكاءَ والشجنَ. ثمَّ يخبرنا الشاعر أنَّ هذه العصابة متقلدة لحمائل سيوفها وإن دمعها عزيزٌ عليها لا ينزلُ إلا لأسباب عظيمة[59]:
ولقَدْ حَبَسْتٌ على الدِّيارِ عِصابَةً *** مَضْمومَةَ الأيدي إلى أكْبادِها
حَسْرَى تَجاوَبُ بالبُكاءِ عُيُونُها *** وتَعَطّ بالزَّفَرَاتِ في أبْرادِها
وقفُوا بها حتّى كأنَّ مطِيَّهُمْ *** كانتْ قوائِمُهُنَّ مِنْ أوْتادِها
ثمَّ انثنَتْ، والدَّمعُ ماءُ مَزَادِها *** ولواعِجُ الأشْجانِ مِنْ أزْوادها
مِنْ كُلِّ مُشْتَمِلٍ حَمايِلَ رَنَّةٍ *** قَطْرُ المَدامِعِ مِنْ حُليّ نِجادِها
ثمَّ يدعو الشاعر بتحية للطلل وصاحبه من ديمةٍ تشفي السقيم إذا هطلتْ[60]:
حيّتكَ بلْ حَيَّتْ طُلُولكَ ديمةٌ *** يشفي سَقِيمَ الربعِ نفثُ عهادها
وغدتْ عليك من الخمائل يِمنةً *** تستامُ نافِقَةً على رُوَّادِها
ثمَّ يتساءلُ الشاعرُ مستنكراً عن ماذا تطلبون من النواظر غير العبرات والسهاد على ما حلَّ بتلك الديار، ثمَّ ينفي وجود الدمع ونزوله، إنْ العينَ جامدة وجافلة على ما حلَّ بكم[61]:
هل تطلبُونَ مِنَ النوَاظِرِ بعدَكُمْ *** شيئاً، سِوى عبراتِها وسُهادِها
لمْ يَبْقَ ذُخْرٌ للمدامِعِ عنكُمُ *** كلا، ولا عَيْنٌ جَرى لرُقادِها
ثمَّ يجيئ بيتُ التخلصِ متناسقاً مع ما ابتدأ به الشاعر ووصل إليه فيخبر فيه أن الدموع متشاغلة بأمر أكبر من بكاء الديار إنها مشغولة لبكاء فاطمة على أولادها[62]:
شَغَلَ الدُّمُوعَ عنِ الدِيارِ بكاؤُنا *** لِبُكاءِ فاطمةٍ على أولادِها
وهنا يربط الشاعر بين موضوع متصور على وجه الحقيقة، وهو بكاء فاطمة على أولادها الذين سقطوا في معركة الطف، وحلَّ ما حلَّ ببناتها من بعد ذلك، وبين بكاء الديار وأطلالها.
إن الشاعر عندما يقف على الأطلال وهو في قمة الحضارة العربية في العصر العباسي نقول إنه يستوحي النمط القديم من القصيدة ويتمثله ويوظفه في قصيدته وكأنما هو فعلاً قد وقف على الطلل، وحينما يتخيل الشاعر أنَّ فاطمة عليها السلام تبكي على أولادها إنما هو أيضاً يستوحي الحالة التي عليها فيما لو كانت موجودة على قيد الحياة.
إنَّ هذا الاستحضار يوقع في قلب المتلقي ويثير عواطفه ويحرك دموعه ولعل الشاعر بفعله هذا يواسي فاطمة عليها السلام بكاءها ونحيبها على أولادها، أملاً بشفاعتها يوم القيامة.
وإذا كان الشريف الرضي متميزاً على رأي أحد الباحثين (بنظرته الجديدة المتميزة إلى الطلل، فهو بيت مهجور، أو زمن متصرم أو امرأة معرضة أو شباب مولٍّ أو أمل ضائع)[63] فإننا نضيف إلى ذلك أرضاً مقدسة وقف بها الرضي وأناخ بها وتذكر ما جرى عليها وبكى على من سقطوا بها، وتحسَّر على مجده المضاع فيها.
ومهما يكن من أمر فالباحث يرى أن وقفة الشريف الطللية لتوحي ببعدٍ ما خاصة وأنه قد ربطها بواقعة الطف، فالشاعر كان منطلقاً من بدء القصيدة من أن أرض الطف هي الطلل الذي ناداه، وما المنازل التي استحضرها إلا منازل الحسين وأهل بيته في أرض الطف وما العصابة التي راح يتكلم عنها إلا أنصار الحسين وشيعة أبيه الطالبين بثأره، إنَّ هذا الأمر يعضده ما جاء قبيل نهاية القصيدة نفسها التي عاد الشاعر فيها إلى الوقوف بالطلل من جديد وحدده بالطف[64]:
قِفْ بي، ولوْ لَوْثَ الإزارِ، فإنَّما *** هيَ مهجَةٌ عَلِقَ الجوى بفؤادِها
بالطَّفِ حيثُ غدا مُراقُ دمائِها *** ومُناخُ أينقها ليومِ جلادِها
القفرُ مِنْ أوْراقِها، والطيْرُ منْ *** طُرَّاقُها، والوحشُ مِنْ عُوَّادِها
تجري لها حَبَبُ الدُّمُوعِ، وإنَّما *** حَبُّ القُلُوبِ يكنّ من أمْدادِها
يا يَوْمَ عاشُوراءَ كَمْ لكَ لَوْعَةً *** تتَرَقّصُ الأحْشاءُ مِنْ إيقادِها
ما عُدْتَ إلا عادَ قَلْبي غلّةٌ *** حرّى، ولَوْ بالَغْتُ في إبْرادِها
مثْلُ السَّليمِ مَضيضَةٌ آناؤُهُ *** خُزْرُ العيونِ تَعُودُهُ بِعِدادِها
لقد طوّع الشاعر الموروث الشعري القديم ليصوغ بنية جديدة وطللاً جديداً هو أسمى وأعمق من طلل الجاهلي الذي وقف وبكى واستبكى وسأل الطلل ولم يجبه. فطلل الشرف الرضي طلل الروح السامية إلى خالقها والمترفعة عن مباهج الدنيا الفانية، وهو بعد ذلك ينطلق من تجربة شعورية صادقة نابضة بالحياة، مفعمة بالحبِّ المثالي كما هو متجلٍ في طفياته.
ثمَّ يتسلسل الشاعر إلى ختام قصيدته وذلك بنداء جدِّه الحسين عليه السلام كما فعل في طفيته (صاحت بذودي بغداد) إلا أنه يسترسل في وصفه لأهل البيت عليهم السلام، موضحاً أنَّ نظمه هو ثناءٌ لا يبلغ درجتهم السامية، ولكنه برغم ذلك يختمها بقوله:
أغنى طلُوعُ الشمْسِ عنْ أوْصافِها *** بجلالها وضِيائها وبَعَادِها
فقد وجد في الشمس ضالته في مبلغ وصفه لأهل البيت دون أشياء أخرى عرَّجَ في وصفها قبل نهايته هذه.
أما الطفية الرابعة والتي نظمها سنة 395هـ، وقد بلغت ستةً وعشرينَ بيتاً بدأها بمقدمة ذاتية حزينة، وقد جرَّد من نفسه شخصية مهمومة شاكية تقلبها بالرمل أيدي أحبتها وقد راح يرعى نجوم الليل وطرفه موزع بين النجم والدمع، وما تغمض إلا ليعاودها خيال أحبتها البعداء وكانت أيضاً مصرعة المطلع[65]:
وراءَكَ عَنْ شاكٍ قليلٍ العَوائدِ *** تُقَلِّبُهُ بالرَّمْلِ أيدي الأباعِدِ
يُراعي نُجُومَ الليْلِ والهَمَّ، كُلَّما *** مضَى صادِرٌ عنّي بآخَرَ وَارِدِ
توَزَّعَ بَيْنَ النَّجْمِ والدَّمْعِ طَرْفُهُ *** بِمَطْروفَةٍ إنْسانُها غيرٌ راقِدِ
ومَا يَطّبيها الغُمْضُ إلا لأنهُ *** طَريقٌ إلى طَيْفِ الخَيالِ المُعاوِدِ
ثمَّ يذكر الشاعر أحبته وإن ذكره لهم ذكر الصبا بعد عهده، وإنه متعلق بالمنى والمواعيد، ثمَّ يصف نظرته إلى دارهم وقد حلَّتْ بها كثبان الرمل المتطاولة ويخبرنا أنّ شوقه القديم لم ينقص لها وإن دمعه عليها ليس يجمد، وهو إلى جانب ذلك له كبد مقروحة مسقومة[66]:
ذكرْتُكُمُ ذِكْرَ الصِّبا بعد عهْدِهِ *** قَضى وَطَراً منّي وَلَيسَ بِعائِدِ
إذا جانَبُوني جانباً مِنْ وِصالِهِمْ *** عَلِقْتُ بِأطْرافِ المُنى والمَوَاعِدِ
فيا نَظْرَةً لا تنْظُرُ الَعَيْنُ أُخْتَها *** إلى الدّارِ مِنْ رَمْلِ اللِّوى المُتَقاوِدِ
هيَ الدّارُ لا شَوْقي القَديْمُ بِناقِصٍ *** إلَيْها، ولا دَمْعي عليها بجامِدِ
وَلي كَبِدٌ مَقْروحَةٌ لَوْ أضاعَها *** مِنَ السُّقْمِ غيري ما بَغاها بناشِدِ
ثمَّ يتساءل مستنكراً بقوله[67]
أما فارقَ الأحْبابَ قَبْلِي مُفارِقٌ *** ولا شَيَّعَ الأضْعانَ مثْلي بواجِدِ
ولكن داءَ الهمِّ قد عاوده ولم يزل بقلبه حتى عاد منه عائذُ فمهد بذلك للتخلص لموضوعه الرئيس[68]:
تأوبُني داءٌ مِنْ الهمِّ لمْ يَزَلْ *** بِقَلْبيَ حتى عادَنيْ منْهُ عائدِي
تذكَّرْتُ يومَ السِبْطِ مِنْ آل هاشِمٍ *** وما يَوْمُنا مِنْ آلِ حَرْبٍ بِواحِدِ
والملاحظ على هذه المقدمة أنَّ الشاعر قد سيطر عليه شعورٌ بعدمِ الارتياح، ولعله كان مرهقاً بسبب مسؤولياته الكثيرة في نقابة الطالبيين[69]، فانعكس ذلك على بنية القصيدة بانتقال الضمير من المخاطب الغائب إلى المتكلم الحاضر، ثم العودة إلى الغائب ثمَّ العودة إلى المتكلم الحاضر، ثمَّ هذا التنقل في الموضوعات وكأنها متفرقة غير متلاحمة، على عكس ما وجدناه في مقدمات الطفيات المتقدمة. ثم إنّ ختام هذه الطفية جاء غير مريح للمتلقي وكأنَّ الشاعر أراد أنْ يتخلص منها وقد نفد انثياله الشعري على غير عادته فكان قصيراً مقارنةً بقصائده الطفية الأخرى.
ثمَّ أنَّ معالجة الموضوع لم تكن كما في طفياته الأخرى، فقد اقتصر الشاعر على ثلاثة أبيات من ضمنها بيت التخلص، ثم أخذ يندد بظلم الأمويين والعباسيين لأهل البيت إلى أن يختمها بقوله[70]:
كذبتُكَ، إنْ نازَعْتَني الحقَّ ظالماً *** إذا قلتُ يَوْماً إنني غيرُ واجِدِ
ولعل هذا التنقل متأتٍ من تأثره بالأسلوب القرآني الذي تشيع فيه هذه الظاهرة لذا احتفظ الشريف الرضي بمقومات البناء الفني لهذه الطفية من مقدمة وحسن تخلص وخاتمة.
أما الطفية الخامسة فقد نظمها في أخريات حياته، وهي أشهر وأطول طفياته، إذ بلغت اثنين وستين بيتاً، جاء مطلعها مصرّعاً[71]:
كَرْبلا لا زِلْتِ كَرْباً وبلا *** كَمْ لَقِي عنْدَكِ آلُ المُصْطَفى
وكثيراً ما كان الشاعر يلجأ إلى التصريع الداخلي أو ما يعرف بـ(تجديد المطلع)[72] فيها وذلك ليشد المستمع لما يطرحه، ويزيد من انتباهه مع تمدد القصيدة بشكل واضح.
وهو والحالة هذه أشبه بمحطات استراحة ينطلق عقب كل محطة إلى مسافة شعورية انفعالية جديدة. وهو إلى جانب ذلك استعمل مختلف الأساليب التركيبة والبيانية والإيقاعية مما يجعلها نشيداً متردداً على طول الدهر، فلا زالت تقرأ هذه القصيدة، فتثير مشاعر الحزن، وتستفز مكامن الدمع.
وقد بدأها الشاعر بنداء محذوف موجه إلى كربلاء المكان الذي حدثت فيه واقعة الطف، ثمَّ يسترسل عبر هذه النافذة ليسرد ما وقع فيها من حوادث قتل وسبي وانتهاك حرمات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي لم يرعوا له رعياً ولم يوفوا له عهداً، ويصوره الشاعر غاضباً أشد الغضب لفعلتهم النكراء شاكياً إلى الله تعالى ما صنعوه بأهل بيته الكرام. ثم يختمها بقوله على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخاطب الله سبحانه وتعالى[73]:
ربِّ إنّي اليَوْمَ خَصْمٌ لهُمُ *** جِئْتُ مظْلُوماً وذا يَوْمُ القَضا
إنها خاتمة حزينة يسلم بها المحزون ألمه وحزنه وشكواه إلى رب العالمين ليخفف عنه ما حلَّ به ويأخذ بيده، وينتقم من أعدائه ويحاسبهم على ما فعلوه.
المبحث الثاني: البنية الموضوعيّة للطفّيّات
الموضوع بالنسبة للشاعر غير منفصل عن هيكله الخارجي ولاعن بنائه الداخلي وهذا أمرٌ مفروغٌ منه، وحين متابعة الموضوع في الطفيات نجده قد دار على ثلاثة محاور رئيسة، فالأول مثّل الحسين عليه السلام ومصرعه في أرض الطف وما مثّل من قيم دينية وخلقية مقدسة، وما أضفى عليه الشاعر من وصف لشجاعته وكرمه وظمئه، وهذا المحور في الغالب ما يبدأ به الشاعر بعد بيت التخلص أو به. لذا رصد الباحث خلال هذا المحور مداخل الشاعر لموضوعه وكيفية سلوكه به.
وتفرعت من هذا المحور محاور فرعية متعلقة به ومستكملة وهي محور السبايا ورحلة الأسر، ومحور الدعاء بالسقيا لأرض الحسين عليه السلام.
أما المحور الرئيس الثاني، فقد تمثّل بقَتَلَةِ الحسين عليه السلام، إذ عرض الشاعر لظلمهم لأهل البيت عليهم السلام، ومجانبتهم وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقتلهم وسبيهم لأولاده وبناته.
وقد تفرع من هذا المحور محورٌ مهم دار حول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بوصفه نبي هذه الأمة ورسولها المنتجب الذي اصفحوا عن وصاياه ونقضوا عهده، وقتلوا ابن بنته وسبوا بناته وعياله بصورة غير انسانية.
أما المحور الرئيس الثالث فقد مثل الشاعر بكل أفراحه وآلامه وصبره وفخره وغضبه وتهديده بالثأر من قتلة الحسين عليه السلام، وكان هذا المحور متواشجاً كليّاً مع المحورين السابقين، فلم يفرده الباحث بل عمد على مجاراة الشاعر في انفعاله بحسب المواقف التي طرحها المحوران السابقان.
فعلى صعيد المحور الأول قد اتخذ الشريف الرضي طرقاً للدخول إلى موضوع طفياته أهمها التذكير بيوم استشهاد الحسين عليه السلام وهو يوم عاشوراء، ثم يأخذ بالتحدث عما جرى فيه، فكأنَّ ذكر اليوم هو الشرارة التي توقض أو تشغل انفعالات الشاعر ومشاعره لتكون مدخلاً أو نافذة للتنفيس عن ألمه وحزنه، فتراه يقول[74]:
فقُلْتُ: هَيْهاتَ فاتَ السَّمْعُ لائِمَهُ *** لا يُفْهَمُ الحُزْنُ إلّا يومَ عاشورِ
يَوْمٌ حَدا الظَّعْنَ فيه لابنِ فاطِمَةٍ *** سِنانُ مُطَّرِدٍ الكَعْبَيْنِ مَطْرورِ
وَخَرَّ للمَوْتِ لا كَفُّ تُقَلِّبُهُ *** إلا بِوَطْءٍ مِنَ الجُرْدِ المَحاضِيرِ
ظَمْآنَ سًلّى نجيعُ الطّعنِ غُلّتَهُ *** عَنْ باردٍ من عُبابِ الماءِ مَقْرورِ
كأنَّ بيضَ المَواضِي، وَهيَ تنْهَبُهُ! *** نارٌ تَحَكّمُ في جِسْمٍ مِنَ النّورِ
للهِ مُلْقًى على الرَّمْضاءِ عضَّ بِهِ *** فمُ الرَّدى بَيْنَ إقْدامٍ وتَشْمِيرِ
تَحْنو عليْهِ الرُّبى ظلاّ، وتَسْتُرُه *** عَنِ النّواظِرِ أذيالُ الأعاصِيرِ
تَهابُهُ الوَحْشُ أنْ تَدْنُوا لمَصْرَعِهِ *** وَقَدْ أقامَ ثلاثاً غيرَ مَقْبُورِ
لقد صور الشريف الرضي مصرع الحسين عليه السلام بصورة مباشرة، تاركاً تفاصيل نزوله وظعنه وأصحابه أرض كربلاء، والقصة الطويلة للمعركة غير المتكافئة بينه وبين أعدائه، مهتماً بلحظة وقوعه ووطء الخيول له وظمئه الذي سلى غليله طعن المدى المتكاثف، وهو والحالة هذه يشبِّهُهُ الشاعر بجسم من النور تحكمت فيه النار، وترى الشاعر يتأوه على ذلك الملقى على الرمضاء وقد عضَّ فم الردى عليه، وما كانت الا الربى تحنو عليه ظلاً، وتستره عن النواظر الرمالُ المتطايرة التي ألمح إليها الشاعر بقوله (أذيال الأعاصير)، ولم تكن الوحوش العاتية من الجرأة حتى تدنو من مصرع هذا النور المهاب الذي بقي ثلاثة أيام لم يدفن أو لم يوار فيكون له قبر.
ونجد الشاعر في طفية أخرى يدخل إلى موضوعه من المدخل نفسه وذلك في قوله[75]:
أيُّ يوْمٍ أدْمى المدامِعَ فيهِ *** حادِثٌ رائعٌ وخطبٌ جليلُ
يومُ عاشوراءَ الذي لا أعانَ الصْـ *** ـصَحْبَ فيهِ ولا أجارَ القبيلُ
ولكنه يذهب لغير ما ذهب إليه في الطفية المتقدمة، فهو بعد هذين البيتين يذكر وفاء الحسين عليه السلام لعهد الله الذي عاهده، ويذكر عدم إطاعة قتلته النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه بعدما أوصى بأهل بيته وهو منهم ولكنهم طلبوا الثارات القديمة منه، وحاربوه بأعذار غير مقبولة وراحوا يجلبون الحرب عليه[76]:
يا بْنَ بِنْتِ الرسُولِ ضيَّعَتِ العَهـ *** ْـدَ رجالٌ، والحافِظَونَ قليلُ
ما أَطاعُوا النبيَّ فيكَ، وقَـدْ مـا *** لَتْ بأَرْماحِــهِمْ إليــكَ الذُّحُولُ
وأحالُوا على المقادِيرِ في حَــر *** ْبِكَ لَوْ أنَّ عُذْرَهُــــمْ مَقْبـُولُ
واسْتَقالوا منْ بعدِ ما أَجْلبوافيــ *** ـهـا أالآنَ أيُّهـــا المستَقِيْـلُ
إنَّ أمْراً قّنَّعْتَ مِنْ دُونِـهِ السيــ *** ـفَ لمنْ حازَهُ لمرعىً وَبِيْلُ
ثمَّ يصف الشاعر شجاعة الحسين عليه السلام وبطولته الفائقة وخصاله الكريمة بوصف بديع:
يا حُساماً فلَّــتْ مضارِبُه الــ *** ـهامَ وقد فلَّهُ الحســـامُ الصقيلُ
يا جَواداً أدْمى الجَوادَ مِنْ الطَّـعْـ *** ـنِ وولّى ونَحْـــرُهُ مبْلــُولُ
حَجَلَ الخيْلُ مِنْ دِماءِ الأعادي *** يَوْمَ يبْدو طَعْنٌ وتَخْفى حُجُولُ
وبعد ذلك يستنكر الشاعر على نفسه فيقول[77]:
أتراني أُعِيْرُ وَجْهيَ صَوْناً *** وعلى وَجْهِهِ تَجُولُ الخُيُولُ
أتراني ألذُّ ماءً، ولمّا *** يروَ مِنْ مُهْجةِ الإِمامِ الغَلِيْلُ
قبلتْهُ الرِّماحُ وانتَضَـــلَتْ فيـ *** ــهِ المنايا وعانَقــَتْهُ النُصُولُ
وأنت تقرأ هذه الأبيات أو تسمعها لتسمع بكاء الشاعر المفجع ونحيبه لمصرع الحسين عليه السلام وقد راح يواسيه بهذا الاستفهام المؤلم الذي يذكِّر بأفضع اللحظات على قلب الحسين عليه السلام وآلمها عليه. فجاء تعبيره مفعماً بالشعور الصادق المعبر، والإحساس النابض الحي عن تلك اللحظات الأليمة.
ونجد الشريف الرضيُّ - أيضاً - قد استعمل الدخول نفسه في طفيته الأخرى فتراه يقول[78]:
تذكرتُ يَوْ مَ السِبْطِ مِنْ آلِ هاشمٍ *** وما يوْمُنا مِنْ آلِ حرْبٍ بواحدِ
وظامٍ يُريْغُ الماءَ قدْ حِيلَ دُوْنَهُ *** سقَوْهُ ذباباتِ الرِّقاقِ البواردِ
أتاحُو لَهُ مُرَّ المَوارِدِ بالقنا *** على ما أباحُوا مِنْ عِذابِ الموارِدِ
فهو يذكر ظمأ الحسين عليه السلام وقد حيل بينه وبين الماء، وقام القوم بسقياه ولكن بذبابات السيوف القواطع، وأتاحوا له مرَّ الموارد بالرماح بعدما أباحوا لأنفسهم دونه عذب الموارد.
أما الطفيتان الأخريتان ففي إحداهما سلك الشريف الرضي طريق الدخول إلى موضوعه بتشاغل عينه عن الديار وأهلها لبكاء فاطمة على أولادها، إذ أنهم لم يخلفوها في الشهيد إشارة إلى الحسين عليه السلام الذي رأى حقَّه وقد مثله الشاعر بـ(دُفَع الفرات) يمنع أو يذاد عن وروده ليندفع الشاعر للتعريض ببني أمية وجذور العداوة لأهل البيت - كما سنتناوله لاحقاً - قال الشريف الرضي[79]:
شَغَلَ الدموعَ عنِ الِّديارِ بُكاؤنا *** لبُكَاءِ فاطِمةٍ على أوْلادِها
لمْ يَخْلِفُوها في الشَّهيْدِ وقَدْ رَأى *** دُفْعَ الفُراتِ يُذادُ عن أورادِها
أتَرى دَرَتْ أنَّ الحُسيْنَ طَرِيدَةٌ *** لقنا بَني الطّرْداءِ عندَ وِلادِها
إنَّ هذا الاستثمار لاسم فاطمة عليها السلام الذي عمله الشاعر كان يومي من خلاله أنّ ظلامة فاطمة عليها السلام وغصب حقها في ميراث أبيها وما جرى عليها من مأساة([80]) كان ممتدّاً ومتواصلاً مع ما ألحق بالحسين عليه السلام من ظلم وقتل فيزيد الشاعر من ألم الفجيعة ونارها كيما يحرق القلوب قبل العيون.
وقبل ختام القصيدة يلجأ الشاعر إلى مناداة يوم عاشوراء بغصة ولوعة تترقص الأحشاء من إيقادها[81]:
يا يَوْمَ عاشوراءَ كمْ لكَ لوْعَةً *** تترقَّصُ الأحشاءُ مِنْ إيقادِهَا
ما عُدْتَ إلا عادَ قَلْبي غلّةٌ *** حرّى، ولَوْ بالغْتُ في إبْرادِها
مِثْلُ السَّليمِ مَضيضَةٌ آناؤُهُ *** خُزْرُ العُيُونِ تَعُودُهُ بَعِدادِها
إنَّ هذا اليوم -يوم عاشوراء - مثل للشاعر منعطفاً مهماً في تأريخ الإسلام والشيعة بوجه خاص -فهو ليس يوماً قتل فيه الحسين عليه السلام ونفرٌ من أهل بيته وأصحابه فحسب وإنما كان دليلاً دامغاً على فساد بني أمية وظلمهم لأهل بيت النبوة، ومجافاتهم لوصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيهم، وتوّجوا ظلمهم بقتل الحسين عليه السلام ومن معه ولم يراعوا حرمة نسائه وعياله بل سبوهن وساقوهن سوق الإماء. فكان هذا اليوم يوم ظلامة الشيعة الذين راحوا يستمدون قوتهم وصبرهم وتصديهم من ذلك اليوم الرهيب مستلهمين فيه قوة الحسين عليه السلام وصبره وتصديه لاعدائه. وإنَّ الأحداث السياسية التي كان يعيشها الشريف الرضي في زمن العباسيين لم تكن بأحسن حال من أيام الأمويين بل كانت أشدَّ سوءاً، فالظلامة ازدادت بازدياد القتل والتنكيل والتشريد بأئمة الشيعة وأعوانهم المخلصين وهذا ما نلحظه في طفياته.
أما الطفية الأخيرة والتي لم تحوِ مقدمة ما إذ باشر الشاعر فيها غرضه وصافحه مصافحة، بدأ موضوعه بنداء محذوف موجه إلى كربلاء[82]:
كربلا لا زِلْتِ كرْباً وبلا *** كَمْ لقي عندَكِ آلُ المصْطَفى
إنّ هذه الكلمات القليلة البسيطة تتجدد في كل حين بتجدد الذكرى الأليمة في كل عام.
وبعد هذا النداء المحذوف والسؤال الاستنكاري الصارخ يسترسل الشاعر في عرض ما حدث في أرض كربلاء ليثبت للسامع أنها أرض كرب وبلاء[83]:
كَمْ على تُرْبِكِ لمّا صُرِّعوا *** مِنْ دَمٍ سالَ ومِنْ دمْعٍ جَرى
كَمْ حَصانِ الذَّيلِ يَرْوِي دَمعُها *** خَدَّهاعنْدَ قَتيلٍ بالظّما
تَمْسَحُ التُّرْبَ على إعْجالِها *** عَنْ طُلى نَحْرٍ رَميلٍ بالدّما
وَضُيوفٍ لفَلاةٍ قَفْرَةٍ *** نَزَلُوا فِيْها على غَيْرِ قِرَى
لمْ يَذوقوا الماءَ حتَّى اجْتَمَعوا *** بِحدى السيفِ على وِرْدِ الرَّدى
تَكْسِفُ الشمسُ شُموساً منْهُمُ *** لا تُدانيها ضِياءً وَعُلى
وَتَنُوشُ الوَحْشُ مِنْ أجسادِهِمْ *** أرْجُلَ السَّبْقِ وَأَيمانَ النّدى
وَوُجُوهاً كالمصابيحِ، فَمِنْ *** قَمَرٍ غابَ، ونَجْمٍ قَدْ هَوى
غَيَّرَتْهُنَّ الليالي، وَغَدا *** جايِرَ الحُكْمِ عليْهِنَّ البِلى
والسامعُ لهذه الأبيات ليشهد إيماناً بأنَّ مثل هذه الأرض قليلٌ لها أن تُوصفَ بالكرْبِ والبلاء إذ حلَّ ما حلَّ بها مِنْ قتل وتنكيل بالحسين عليه السلام وأصحابه الميامين.
وبعد أن يسترسل الشاعر في عرض حال الحسين عليه السلام وأهل بيته لجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخاطب الحسين ويناديه بهذا النداء[84]:
يا قَتِيْلاً قَوَّضَ الدَّهْرُ بِهِ *** عُمُدَ الدِّينِ وأعْلامَ الهُدى
قَتَلُوهُ بَعْدَ عِلْمٍ مِنْهُمُ *** أنَّه خامِسُ أصْحابِ الكِسا
وَصَرِيعاً عَالَجَ المَوْتَ بِلا *** شَدَّ لَحْيَيْنِ وَلا مَدَّ رِدا
غَسَلُوهُ بِدَمِ الطَّعْنِ، وَما *** كَفَّنُوهُ غيْرَ بَوْغاءِ الثَّرى
مُرْهَقاً يَدْعُو، وَلا غَوْثَ لَهُ *** بأبٍ بَرٍّ وَجَدٍّ مُصْطَفى
وبِأُمٍّ رَفَعَ اللهُ لها *** عَلَماً ما بينَ نُسْوَانِ الوَرَى
أيُّ جَدٍّ وأبٍ يَدْعُوهُما *** جَدّ، يا جَدّ، أغِثني يا أبا
فهنا يؤكد الشاعر على منزلة الحسين عليه السلام وما يمثله للدين، فهو عُمُد الدين وركن من أركانه، وهو علم بارزٌ مِن أعلام الهدى، وهو خامس أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً[85]، ثمَّ يناديه بالصريع الذي لم يقم أحدٌ بشدِّ لحييه ويمد عليه الرداء كما يفعل مع كل من حضره الموت، ولكن القوم غسلوه بدم الطعن وتركوه في أرض كفنته بحبات ثراها المتطاير.
ثمَّ يرجع الشاعر إلى اللحظات الحاسمة، لحظات النزع الأخير للحسين عليه السلام فيصوره يدعو جده المصطفى وأباه علي بن أبي طالب وأمه فاطمة عليهم السلام كان يدعوهم ليغيثوه وليسارعوا في جلبه إليهم في علِّيين حيث الراحة كل الراحة والفوز كل الفوز في الجنان مع النبيين والشهداء والصالحين.
ولم ينس الشريف الرضي الدعاء بالسقيا لأرض الطفوف التي حوت جسد الحسين عليه السلام ونفر من أهل بيته وأصحابه، وهذا الدعاء من تقاليد البادية والشعر الجاهلي[86]، ظلَّ ملازماً للشريف الرضي في كثير من أشعاره الرثائية([87]) فتراه يخاطب الحسين عليه السلام بـ(ياغريب الديار) كناية عن غربة الحسين المكانية، ويصف أحاسيسه الجياشة وتمنياته لو أنه فدى الحسين بروحه، وأضطجع بقبره، ووري بالتراب الذي وري به[88]:
يا غريبَ الدِّيارِ صبْري غَرِيْبٌ *** وقَتِيلَ الأعْداءِ نَوْمي قَتِيلُ
بيْ نِزاعٌ يطغى إليْكَ وَشَوْقٌ *** وَغَرامٌ وزَفرَةٌ وَعَوِيلُ
ليتَ أني ضجيعُ قـــبرك لوْ أنْ *** نَ ثراه بمــدمعي مطْلُـــولُ
ثمَّ يدعو بالسقيا بصورة روحية شفافة إذ يقول:
لا أغبَّ الطفوف في كلِّ يَوْمٍ *** من طراقِ الأنواء غيثٌ هَطُولُ
مطرٌ ناعمٌ، وريحُ شمالٍ *** ونسيمٌ غضٌّ، وظِلٌّ ظليلُ
وإذا كان هذا الدعاء يمثل (دعاء الخير والبركة والغيث لقبر المرثي)[89] كما يمثِّلُ الخير والبركة الشاملة للأرض التي يحل بها الفقيد وتشير إلى كرمهِ أيضاً[90] فإن الشريف يشير بشكل غير مباشر إلى أن هذه الأرض ومن حلَّ بها أساس الانطلاقة الصحيحة للحياة الإنسانية النبيلة، والحياة الحقَّة الخالية من الظلم والجور، كما تمثل الثورة ضد الطغاة والمستبدين والظالمين، وهنا تصبح أرض الطف القبس الذي ينير درب الأحرار للعيش بحرية وسلام.
ويستكمل الشريف الرضي موضوع مصرع الحسين عليه السلام بذكر سبي نسائه وعياله وأهل بيته على أيد الظالمين. وإذا كان الحسين عليه السلام ابن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإن أخواته بنات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد سبين وهذا واضح في قول الشريف[91]
تُسْبى بناتُ رَسُولِ اللهِ بَيْنَهُمْ *** والدينُ غَضُّ المبادي غَيْرُ مستورِ
ويصور الشريف وضعهنَّ بصورة تستثير الألم وتستجلب الدمع الغزير فقد اركبوهن على النياق المهزولة، وسُلِبْنَ قناعهن وتنقبن بأناملهن وكانت شكوتهن البكاء ونداؤهن العويل، وكنَّ تحتَ رحمة الحادي اللئيم بعد ما كنَّ معززات محشومات مكرمات محجوبات عن العيون[92]:
والسبايا على النَّجائِبِ تُسْتا *** قُ وقد نالَتِ الجيوبَ الذيولُ
مِنْ قُلُوبٍ يَدْمى لها ناظِرُ الوجـ *** ْـدِ ومــِنْ أدمُـعٍ مَراها الهُمُولُ
قّدْ سَلَبْنَ القِناعَ عَنْ كلِّ وَجْهٍ *** فيهِ للصونِ مِنْ قِناعٍ بديلُ
وتَنقَّبْنَ بالأنـــامِلِ، والدّمْـ *** ــعُ علىكـــلِّ ذي نِقابٍ دليلُ
وتَشاكَيْنَ، والشكاةُ بُكاءٌ *** وتَنادَيْنَ، والنِّداءُ عَويلُ
لا يغبُّ الحادي العنيفُ، ولا يفــ *** تُرُ عَنْ رنّــهِ العَديلِ العَدِيـــلُ
إنها صورة رائعة رسمها الشريف الرضي وقد مثلت عمق ألمه وحزنه على بنات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهن يسبين على هذه الحالة المروعة. ولم تغب عن خياله هذه الحالة فرسمها مرة أخرى مضيفاً إليها ألماً ولوعة أكبر وأكثر فتراه يقول مخبراً بما فعل آل أمية بذرية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم[93]:
جَزَرُوا جَزْرَ الأضاحي نَسْلَهُ، *** ثمَّ ساقوا أهْلَهُ سَوْقَ الإما
مُعْجَلاتٍ لا يُوارِينَ ضُحَى، ***سُنَنَ الأوْجُهِ أوْ بِيْضَ الطُّلى
هاتِفاتٍ بِرَسُولِ اللهِ في *** بهَرِ السَّعْيِ، وعَثْراتِ الخُطَى
يَوْمَ لا كِسْرَ حِجابٍ مانِعٌ *** بِذْلَةَ العَيْنِ ولا ظِلَّ خِبا
أدْرَكَ الكُفْرُ بِهِمْ ثاراتِهِ *** وأُزِيْلَ الغَيّ مِنْهُمْ فاشتَفى
إن قتلة الحسين عليه السلام لم يراعوا حرمة له، وقد تصرفوا على غير ما أمر به الله والرسول؛ والشريف الرضي بعرضه لهذه القضية ليؤكد على ظلم آل أمية الذي بلغ مداه ليطول حتى النساء والأطفال الذين ليس لهم أيُّ ذنب أو جرم فلم يكتفوا بقتلهم الحسين بل اسروا نسائه وسبوهنَّ وساقوهنَّ إلى الشام وهنَّ على الحالة التي وصفها الشريف الرضي.
أما المحور الموضوعي الثاني والمسبب للمحور الأول وهو قتلة الحسين عليه السلام فقد جعل الشاعر لهم نصيباً كبيراً من ذاكرته مما انعكس على شعره واضحاً، ولربما طغى على موضوع المرثي نفسه. إذ نجده يهدد ويوعد الأمويين ويخبرهم أن الأسياف ليست نائمة وأن الثأر واقع لا محالة[94]
بني أميَّةَ ! ما الأسيافُ نائِمَةٌ *** عن شاهرفي أقاص الأرض موتور
والبارقاتُ تَلَوّى في مَغَامِدِها، *** والسّابِقاتُ تَمَطّى في المَضَاميرِ
إنّي لأرْقُبُ يَوْماً لا خَفاءَ لَهُ، *** عُرْيانَ يَقْلَقُ مِنهُ كُلُّ مَغْرُورِ
وللصَّوارِمِ ما شاءَتْ مَضارِبُها *** مِنَ الرِّقابِ شَرابٌ غيرُ مَنْزُورِ.
إنّ الشاعر يهدد الأمويين باليوم الموعود عند الشيعة اليوم الذي يظهر فيه صاحب الأمر محمد المهدي الإمام الثاني عشر عند الشيعة، إذ يثأر لجده الحسين عليه السلام ويأخذ بظلامته وظلامة شيعته ممن ظلموهم لحبهم الحسين عليه السلام والسير على منهاجه. وهذه الفكرة يؤكدها الرضي في موطن آخر في طفياته، فهي من عقائد الشيعة الاثني عشرية[95].
وفي طفيته الأخرى يخبر الشاعر أنّ ما كان بالعراق مآتمَ كان قبالته في الشام أعياداً[96]:
كانَتْ مآتِمُ بالعِراقِ تعدُّها *** أموية بالشامِ مِنْ أَعْيادِها
ثمَّ يذكر الشاعر أنّ بني أمية لم يراقبوا غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد أصبح ما جاء به من هدى ورحمة هباءً منثوراً وقد عبَّرَ عنه الشاعر بالزرع الذي قلع وحصد من مكانه، لقد باعوا هداهم بضلالهم وشروا غيهم برشادهم وجعلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصماً لهم يوم القيامة، كيف لا وقد سبوا بناته وقتلوا ولده الحسين ورفعوا رأسه على رماحهم[97]
ما راقَبَتْ غَضَبَ النبيِّ، وقد غَدا *** زرعُ النَّبيِّ مظَنَّةً لحصادها
باعَتْ بصائرَ دِينِها بضلالها *** وشرتْ معاطِـبَ غيّـِها برَشَادِها
جَعَلَتْ رسُولَ اللهِ مِنْ خُصَمائِها *** فلبِئْسَ ما ذَخَرَتْ ليومِ معادها
نسلُ النبيِّ على صعابِ مطيَّها *** ودمُ النبيِّ على رُؤوسِ صعادِها
ويتحسر الشاعر لهذا الحدث الجليل ويتألم لما حلَّ بالعصبة العلوية من ضيم بعدما كانت تملك العزة والفخار وكانت عصبة أمية في ذلٍّ ومهانة ووسم الذل على جيادها[98]:
وا لهْفتاه لعصبةٍ علويةٍ *** تَبِعَتْ أميَّةَ بَعْدَ عِزِّ قيادِها
جعلَتْ عِرانَ الذُّلِّ في آنافِها *** وعِلاطَ وسمِ الضيْمِ في أجيادِها
ثم يحاجج الأمويين بقتلهم الحسين عليه السلام بقوله[99]:
ولكن هذا المسوغ مفضوح، إذ انَّ الأمويين طلبوا تراث الجاهلية وثاراتها من الحسين عليه السلام الذي مثَّل بني هاشم زعماء مكة وقريش قبل الإسلام، ولما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منهم اشتعلوا غيضاً وحسداً وغيلة عليهم خاصةً بعد حروب بدر وأُحد والخندق إذ قتل منهم ساداتهم، فتحينوا الفرص لأخذ الثأر منهم ولذلك أشار الشاعر في قوله[100]:
طلبتْ تراثَ الجاهِلِيَّة عندَها *** وشفَتْ قدِيمَ الغلِّ مِنْ أحْقادِها
واستأثرتْ بالأمرِ عَنْ غُيَّابِها *** وقَضَتْ بما شاءَتْ على شُهّادِها
ثمَّ يخبر الشاعر الأمويين أنَّ الله جلَّ وعلا سابقكم إلى أرواح من قتلتم ولكنكم كسبتم الآثام في أجسادهم، ويخبرهم أيضاً إنْ هدمتم تلك القباب فإنَّ أعمدة الدين قد خرَّتْ قبل عمادها[101]:
اللهُ سابقكُمْ إلى أرواحِها *** وكَسَبْتُمُ الآثامَ في أجْسادِها
إنْ قُوِّضَتْ تلكَ القُبابُ فإنمَّا *** خرتْ عمادُ الدِينِ قَبْلَ عمادِها
إنّ الشاعر يشير إلى ما فعله المتوكل العباسي من تهديم قبر الحسين عليه السلام ومنع الزائرين وصوله[102] وفي هذه الإشارة يرمز الشاعر إلى امتداد الظلم والجور الى الحسين وشيعته حتى بعد أن قتل، وما بنوالعباس بأفضل أو أحسن من بني أمية، لذلك أوضح فكرته بصورة لا لبس فيها بقوله بعد هذين البيتين[103]:
إنَّ الخِلافَةَ أصْبَحَتْ مزْوِيَّةً *** عَنْ شَعْبِها بِبَياضِها وسَوادِها
والسامع يفقه أن الشاعر يعرض بالأمويين بذكر شعارهم الأبيض، وبالعباسيين بذكر شعارهم الأسود وكلاهما قد اغتصب الخلافة مع علمهما بأنَّ الخلافة أحق بها من نصبه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم وهو علي بن أبي طالب عليه السلام، والشيعة الاثناعشرية تذهب من بعده إلى ولديه الحسن والحسين ثم التسعة المعصومين من ذرية الحسين عليه السلام وقد ذكرهم الشاعر بأسمائهم في طفيته (كربلا لا زلت كرباً وبلا)[104] ويعتقد الشاعر بهم والشيعة بأنهم صفوة الله المختارة لإنقاذ البشرية[105]:
هيَ صَفْوَةُ اللهِ التي أوحى لها *** وقضى أوامِرَهُ إلى أمجادِها
أخّذَتْ بأطْرافِ الفخارِ، فعاذرٌ *** أن يصبِحَ الثقَــلانِ مِنْ حُسّادِها
الزُّهْدُ والأحلامُ في فتّاكِها، *** والفَتْكُ، لولا اللهُ، في زُهَّادِها
ثمَّ يذكِّر بشجاعة البيت العلوي بصورة جميلة حين يقول[106]
عُصَبٌ يُقمطُ بالنجادِ وليدُها *** ومهودُ صبيتِها ظهورُ جيادِها
تروي مَناقِبَ فَضْلِها أعْداؤُها *** أبَداً، وتُسْنِدُهُ إلى أضْدادِها
ثم يثور الشاعر على هذا الظلم فيصرخ قائلاً[107]:
يا غيْرَةَ اللهِ اغضَبي لنبيِّهِ *** وتزَحْزَحي بالبيْضِ عنْ أغْمادِها
من عُصْبَةٍ ضاعَتْ دماءُ محمَّدٍ *** وبَنِيهِ بَيْنَ يزيدِها وَزِيادِها
إنَّ الشاعر ليشير إلى رموز ظالمة يزيد وزياد وكأنه يطلقها على كل ظالم عتيد نصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام، وبعدما يرجع إلى ذكر ظلاماتهم المفجعة بصورة مؤلمة محزنة[108]:
صَفَداتُ مالِ اللهِ ملءُ أكُفِّهِا *** وأكفُّ آلِ اللهِ في أصفادِها
ضربوا بسيفِ محمَّدٍ أبناءهُ *** ضَرْبَ الغرائِبِ عُدْنَ بعدَ ذيادِها
هكذا يصور الشاعر حزنه على البيت العلوي الذي ينحدر منه ويصير إليه، إذ إنَّ هذا الظلم واقع عليه مثلما وقع على أئمته، خاصة وأنَّ مسألة الخلافة كانت تشغل ذهنَهُ فلمْ "تكن مجرد رغبة، أو نزوة أو حلم عابر لشاعر ذي صبوات ورغبات وآمال، بل كانت دعوة علنية وسرية، شغلت اهتمام الشاعر طوال حياته، وشغلت العديد من الأتباع والمؤيدين"[109] لذلك كان إحساسه صادقاً قوياً منفعلاً ملؤه الإهاب والثورة، ونجده يشير إلى هذه المعاني في طفية أخرى إذ يقول[110]:
رَمَوْنا كما تُرْمى الظِماءُ عن الروا *** يذودُونَنا عَنْ إرْثِ جدٍّ ووَالدِ
ثم يخبر أنّ الله على ما أصابنا مطلع وليس براقد وإن كان نصَّارنا راقدين:
لئِنْ رقَدَ النُّصّارُ عما أصابَنا *** فما اللهُ عمَّا نِيلَ منَّا براقِدِ
لقدْ عَلَقوها بالنبيِّ خصومةً *** إلى اللهِ تُغْني عنْ يَمِيْنٍ وشاهِدِ
ثم يقرر أن الظلم وسلب الحق ممتدٌّ من الأولين ويعني بهم الأمويين إلى الآخرين ويعني بهم العباسيين:
ألا ليْسَ فعلُ الأوَّلينَ وإنْ علا *** على قبح فِعْلِ الآخرِينَ بزائِدِ
يُريدُونَ أنْ نَرْضى وَقَدْ مَنعُوا الرضى *** لسير بَني أعْمامِنا غيرُ قاصِدِ
كذبتك، إن نازعتني الحقَّ ظالِماً *** إذا قلْتُ يوماً إنَّني غيرُ واجِدِ
إنَّ إحساس الشاعر بذلك الأسى والظلم الواقع على أئمته جعله حانقاً غضبانَا، متسائلاً شاكيا، متعجباً من همه وحزنه فتراه يقول[111]:
أكُلَّ يَوْمٍ لآلٍ المًصطَفى قمَرٌ *** يَهْوي بِوَقْعِ العَوالي والمَباتيرِ
وَكلَّ يَوْمٍ لَهُمْ بَيْضاءُ ضافيَةٌ *** يَشُوبُها الدَّهْرُ مِنْ رَنْقٍ وتَكْدِيرِ
مِغْوارُ قَوْمٍ، يرُوعُ الموتُ مِنْ يَدِهِ *** أمْسى وأصْبَحَ نَهْباً للمَغاوِيرِ
وأبيضُ الوَجْهِ مَشْهورٌ تَغَطْرُفُهُ *** مَضى بِيَوْمٍ مِنَ الأيامِ مَشْهورِ
مالي تَعَجَّبْتُ مِنْ همِّي وَنَفْرَتِهِ، *** والحُزْنُ جُرْحٌ بِقَلْبي غَيرُ مَسْبُورِ
بأيِّ طَرْفٍ أرى العَلْياءَ إنْ نَضَبَتْ *** عَيْني، وَلَجْلَجْتُ عَنْها بالمَعاذِيرِ
ألقى الزَّمان بِكَلْمٍ غَيْرِ مُنْدَمِلٍ *** عُمرَ الزَّمانِ، وَقَلْبٍ غيرِ مَسْرورِ
ولكن على الرغم من الأسى والحزن من النهايات المفجعة لأئمته لم تجعله يشعر بالاستسلام واليأس والقنوط بل جعلته أكثر تماسكاً وقوة وهو يسير على خطاهم يتأهب كل التأهب ويعد العدة لأخذ الثأر من أعدائهم، فهو ناقم أشدّ النقمة على الطغاة، فتراه يقول مخاطباً بني أحمد كناية عن أحفاد نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من ابنته الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام[112]:
يا بَني أحمَدَ إلى كمْ سِناني *** غائبٌ عنْ طعانِهِ مَمْطُولُ
وجِيادي مرْبُوطَةُ والمطايا *** ومَقامي يروعُ عَنْهُ الدَّخيلُ
كمْ إلى كمْ تَعْلُو الطغاة وكمْ يَحْـ *** ـكُمُ في كــلِّ فاضِلٍ مفْضُـــولُ
قد أذاع الغليلُ قلبي وَلكِنْ *** غيرُ بدعٍ إن استطبَّ العليلُ
إنها أسئلة غاضبة حانقة على الأوضاع السياسية وما يلقاه الشاعر من مضايقات، ويستمر الشاعر في نفث أحاسيسه الجياشة لهباً يوقد الثورة ليستحصل الثأر من قتلة الحسينِ عليه السلام متمنياً أن يكون زمامها بيده[113]:
ليْتَ أنّي أبْـقــى، فأمترقَ النا *** س وفي الكفِّ صارمٌ مسْلـــُولُ
وأجرُّ القنا لثاراتِ يــَوْمِ الطْـ *** ـطفِّ يستلحقُ الرعيـلَ الرعيــلُ
وما فتئ الشاعر يلهج بحب أهل البيت مذكِّراً بإخلاصه التام لهم، وقد صبغ حبهم قلبه صبغة الشيب دلالة على عظمه، وأنه لا يفارقه حتى بالموت، وهو عبدٌ لهم مطيع وإن كان ينحدر منهم، فوالده حيدرٌ كنية الإمام علي بن أبي طالب وأمه البتول كناية عن فاطمة عليها السلام[114]:
صبغَ القلبَ حبُّكُمْ صِبْغَةَ الشــيـ *** ـبِ وشيبي لولا الردى لا يحُولُ
أنا مولاكمْ وإنْ كنتُ منكُمْ *** والدي حيدرٌ وأمِّي البَتُولُ
ثمَّ يقول إنَّ الناس إذا أدركوا غاية الفخر كان أسبقهم وأرفعهم منزلة من كان جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
وإذا النـاس أدركوا غايـة الفـ *** ـخر شآهم مَنْ قالَ جدِّي الرَّسُـولُ
وهو إلى جانب ذلك عظيم الفخر بأئمته كثير الثناء عليهم فتراه يخاطبهم بعد أن عدد أسماءهم أو كنياتهم بقوله[115]:
يا جِبالَ المجْدِ عزّاً وعُلى *** وبدُورَ الأرْضِ نوراً وسَنا
جعل اللهُ الذي نابَكُمُ *** سببَ الوَجْدِ طويلاً والبُكا
لا أرى حُزْنَكُمُ يُنْسى ولا *** رِزْءكم يُسْلى، وإنْ طال َ المَدى
قدْ مَضى الدَّهْرُ وعفَّى بعدِكُمْ *** لا الجَّوى باخَ، ولا الدَّمْعُ رَقا
وهو يرى أنَّ لهم قدراً ومنزلة عند الله لم يصلها غيرهم:
أنتُمُ الشَّافُونَ مِنْ داءِ العمى *** وغداً ساقونَ مِنْ حوضِ الروا
نَزَلَ الدينُ عليكُمْ بيتكُمْ *** وتَخَطَّى الناسَ طُرّاً وطوى
ويستنكر الشاعر على من تركهم إلى غيرهم، وهم الأقربون من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن يتمسك بهم فهو ناج لا محالة:
أيْنَ عنْكُمْ للذي يبْغي بِكُمْ *** ظلَّ عدْن دُونَها حرُّ لظى
أيْنَ عنكُمْ لمُضلٍ طالبٍ *** وضحَ السُّبلِ وأقْمارَ الدُّجى
أيْنَ عنْكمْ للذي يَرْجُو بِكُمْ *** معْ رسولِ اللهِ فوزاً ونَجا
إنَّ هذه الأسئلة الإنكارية المتتالية في بدء الأبيات الثلاثة قد أعطت معنى الاستعبار والتأمل للذي غفل عن ذكرهم وأشاح وجهه وفكره عنهم.
ومن المحاور المترابطة بما سبق والتي عرض لها الشريف الرضي هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما يمثله من قيم خلقية ودينية وموقفه من هذه الواقعة الأليمة، فقد عمد الشاعر إلى إشراكه في معاينة ما وقع في أرض الطف، فناداه بقوله[116]:
يا رسُولَ اللهِ لوْ عايَنْتَهُمْ *** وهمُ ما بيْنَ قَتْلى وسِبا
مِنْ رَميضٍ يُمْنَعُ الظلَّ ومِنْ *** عاطشٍ يُسْقى أنابيب القَنا
ومسـوقٍ عــاثرٍ يسعى بــهِ *** خلفَ محمـولٍ على غيـرِ وطـا
مُتْعَبٍ يَشْكُو أذى السير على *** نَقبِ المَنْسمِ، مجْزُولِ المَطا
لرَأتْ عَيْناكَ مِنْهُمْ مَنْظَراً *** للحَشى شجْواً، ولِلْعَيْنِ قّذى
ولا شكَّ أنَّ هذه المحاولة تزيد من الأسى وتبعث على النحيب والبكاء لما حلَّ بالحسين عليه السلام وأهل بيته، وتعطي بعداً جديداً للفاجعة، متمثلاً باطلاع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على ما جرى في أرض الطف، على الرغم من غيابه المادي[117].
وما فتئ الشاعر يذكر أنّ ما أصاب الحسين عليه السلام وما حلَّ من بعده بأهل بيته من أسر وسبي ما هو إلا خيانة لوصية الرسول في حقِّ أهل بيته عليهم السلام[118].
(لقد جرى قتل أهل بيت الرسول بأيدي أناس كانوا يدَّعون الإسلام، وهذا ما أعطى للمأساة بعداً فجائعياً لم يتكرر في التاريخ، فلم يروِ أحدٌ في جميع مراحل التاريخ أن بشراً يقتلون أهل بيت نبيهم وباسم خلافة الدين! إلا في مناسبة واحدة هي ملحمة عاشوراء)119].
ويذكر الشاعر خصومة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الفئة، وقد حلَّ يوم القيامة، فيشيح وجهه عنهم ويشكوهم إلى الله جلّو علا فيما فعلوه[120]:
أيْنَ عنْكُمْ للذي يرجُو بِكُمْ *** مع رسُولِ اللهِ فوزاً ونَجا
يومَ يَغْدوا وَجَهُهُ عنْ معْشَرٍ *** مُعْرِضاً ممتِنِعاً عندَ اللِّقا
شاكيِاً مِنْهُمْ إلى اللهِ، وهلْ *** يُفْلِحُ الجيلُ الذي منْهُ شـــكا
ثمَّ يعرض الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لله جلّ وعلا ما فعلوه بأهل بيته ودينه:
ربَّ ما حاموا، ولا آووا، ولا *** نصُروا أهْلي، ولا أغْنوا غنا
بدَّلُوا دِيْني، ونالوا أسْرَتي *** بالعظيمات، ولمْ يرعوا ألى
لو وَلي ما قدْ وَلوُا مِنْ عتْرَتي *** قائمُ الشِّركِ، لأبقى ورعى
نقضوا عهْدي وَقَدْ أبْرَمْتُهُ *** وَعُرى الدِّيْنِ، فَما أبْقَوْا عُرى
حُرمي مُسْتَرْدَفاتٌ، وبَنُو *** بِنْتِيَ الأدْنَوْنَ ذِبْحٌ للعِدى
ثم يستنكر عليهم عدم حفظهم للجميل الذي صنعه معهم بأن أخرجهم من الشرك والضلالة إلى النور والهدى والإسلام:
أُتُرى لستُ لدَيْهِمْ كامرِئٍ *** خلَفُوهُ بِجَمِيْلٍ إذْ مَضى
ثم يطلب من الله الحاكم العادل أن يقاضي المذنبين من أمته وأنه مظلوم منهم وخصم لهم:
ربِّ إنِّي اليَوْمَ خَصْمٌ لَهُمُ *** جِئْتُ مظْلُوماً وذا يومُ القَضا
إنَّ هذا الإلحاح على ذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أكثر من موضع في الطفيات يؤكد على أن الحسين عليه السلام إمتدادٌ فعلي حقيقي للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعلى مختلف الأصعدة الدينية والأخلاقية كما يؤكد الشاعر به على انحداره من نسله وارتباطه به أشدَّ الارتباط.
وكأن مكانته التي هو عليها ما كانت وما كان ليصل إليها لولا هذا الحبل المتين المقدس الذي يتواصل معه ليمده بالإيمان والقوة، ويدعم مكانته الدينية والاجتماعية والسياسية كذلك الشعرية فتراه يقول مؤكداً هذا المعنى[121]:
وإذا الناسُ أدْرَكوا غايةَ الفخْـ *** ـرِ شآهم مَنْ قـالَ جدّي الرَّسـولُ
يفرح الناس بيْ لأنِّي فضْلٌ *** والأنامُ الذي أراهُ فُضُولُ
فهُمُ بَيْنَ مُنْشِــدٍ مـــا أُقَفِّيـ *** ـهِ سرُوراً وسامِعٌ ما أقُولُ
وهكذا يتضح بجلاء أثر واقعة الطف في تجربة الشاعر الشعورية وتجلي ذلك في الصياغة الموضوعية لها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] حجازيات الشريف الرضي: 25، د. مصطفى كامل الشيبيّ. ضمن كتاب الشريف الرضي دراسات في ذكراه الألفية.
[2] م.ن.
[3] يتيمة الدهر: 3/ 136.
[4] م.ن.
[5] عبقرية الشريف الرضي: 1/15.
[6] في الأدب العباسي: 433.
[7] نهج البلاغة (شرح محمد عبده): 7 (مقدمة الشارح).
[8] الوافي بالوفيات: 2/274.
[9] في الأدب العباسي: 421.
[10] التوجيه الأدبي: 148.
[11] ينظر: الشعر الجاهلي: 125 – 126.
[12] نقد الشعر: 51.
[13] العمدة: 1/218.
[14] سر الفصاحة: 222.
[15] ينظر: العمدة: 1/218.
[16] ينظر: كتاب الصناعتين: 455 ومنهاج البلغاء 309 – 310.
[17] ينظر: م.ن: 451 – 452، والعمدة: 1/222.
[18] ينظر: منهاج البلغاء: 283.
[19] ينظر: بناء القصيدة 174.
[20] ينظر: م.ن.
[21] العمدة: 1/174.
[22] ينظر: بناء القصيدة عند الشريف الرضي: 209، د. عناد غزوان. ضمن كتاب الشريف الرضي دراسات في ذكراه الألفية.
[23] إلى جانب المقدمات الغزلية والطللية ثمة مقدمات في الشيب والطيف وغيرها، ينظر: صور أخرى من المقدمات الجاهلية – اتجاهات ومثل، د. يوسف خليف، مجلة المجلة: 4 – 15، ومقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي: د. حسين عطوان.
[24] بناء القصيدة: 213.
[25] ينظر: الشعر والشعراء: 1/75 – 76.
[26] ينظر العمدة: 1/225.
[27] ينظر: بناء القصيدة: 214.
[28] ينظر: معجم النقد العربي القديم: 1/274.
[29] ينظر: بناء القصيدة عند الشريف الرضي: 218، د. عناد غزوان. ضمن كتاب الشر يف الرضي دراسات في ذكراه الألفية.
[30] ينظر: الشعر الجاهلي: 137.
[31] ينظر الجامع الكبير: 181.
[32] عيار الشعر: 115، والبيت في ديوان الأعشى: 136. ورواية البيت فيه:
إلى هوذةَ الوهاب أهديت مدحتي *** أرجِّي نوالا فاضلا من عطائكا
[33] ينظر: العمدة: 1/230، ومعجم النقد العربي القديم: 1/274.
[34] ينظر: بناء القصيدة: 228.
[35] العمدة: 1/239.
[36] منهاج البلغاء: 285.
[37] م. ن: 306.
[38] ينظر: كتاب الصناعتين: 463 – 465.
[39] الشعر الجاهلي: 142.
[40] ينظر: بناء القصيدة الفني: 16 – 17.
[41] ينظر: م. ن: 59.
[42] بناء القصيدة عند الشريف الرضي: 203، د. عناد غزوان. ضمن كتاب دراسات في ذكراه الألفية.
[43] ينظر: بناء القصيدة: 145 - 147
[44] ينظر: بناء القصيدة الفني: 26
[45] لغة شعر ديوان الهذليين: 5، وينظر لغة الشعر الحديث في العراق: 30.
[46] ينظر بناء القصيدة عند الشريف الرضي: د. عناد غزوان: 222. ضمن كتاب الشريف الرضي دراسات في ذكراه الألفية.
[47] م. ن: 234.
[48] ديوان الشريف الرضي: 1/487.
[49] تاريخ آداب العرب: 172، وينظر: شرح نهج البلاغة: 1/ 14.
[50] بناء القصيدة عند الشريف الرضي: 202، د. عناد غزوان. ضمن كتاب الشريف الرضي دراسات في ذكراه الألفية.
[51] ديوان الشريف الرضي: 1/487 – 488.
[52] ينظر: تاريخ الأدب العربي قبل الإسلام: 180 – 201.
[53] ديوان الشريف الرضي: 1/489.
([54]) ديوان الشريف الرضي: 2/187.
[55] ديوان الشريف الرضي: 2/188.
[56] م. ن: 190.
[57] م. ن. شآهم: سبقهم. الذمر: الشجاع. سول: كثير السؤال.
[58] ديوان الشريف الرضي: 1/360 -361.
[59] م. ن: 1/361.
[60] م. ن.
[61] م. ن.
[62] م. ن.
[63] بناء القصيدة عند الشريف الرضي: 304، د. عناد غزوان. ضمن كتاب الشريف الرضي دراسات في ذكراه الألفية.
[64] ديوان الشريف الرضي: 1/363.
[65] ديوان الشريف الرضي: 1/364 – 365. مطروفة: العين التي تدمع.
[66] م. ن: 1/365.
[67] م. ن.
[68] م. ن.
[69] ينظر: في الأدب العباسي: 412، 413.
[70] ديوان الشريف الرضي: 1/ 366.
[71] م. ن: 1/44.
[72] بناء القصيدة: 375.
[73] ديوان الشريف الرضي: 1/48.
[74] ديوان الشريف الرضي: 1/488.
[75] م. ن: 2/188.
[76] م. ن. الذحول: الثارات.
[77] م. ن.
[78] م. ن: 1/365.
[79] م.ن: 1/361 – 362.دفع الفرات: الواحدة دفعة ويعني دفقة المطر.
[80] يُنظر: تذكرة الخواص: 317 – 328.
[81] ديوان الشريف الرضي: 1/ 364.
[82] م.ن: 1/44.
[83] م. ن.
[84] م. ن: 1/45، 46.بوغاء الثرى: الأرض الرخوة.
[85] ينظر حديث الكساء في ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 31 – 34.
[86] لغة الشعر بين جيلين: 26.
[87] ينظر على سبيل المثال لا الحصر ديوان الشريف الرضي: 1/29، 30، 113، 145، 151.
[88] م.ن: 2/189.
[89] الرثاء في الشعر الجاهلي وصدر الإسلامِ: 196.
[90] م. ن.
[91] ديوان الشريف الرضي: 1/488.
[92] م.ن: 2/ 188 – 189.
[93] م.ن: 1/45.سنن الاوجه: دوائره. بهر السعي: انقطاع النفس من الاعياء.
[94] م. ن: 1/489.
[95] ينظر: م.ن: 1/47.
[96] م.ن: 1/362.
[97] م. ن.
[98] م.ن.العران:عود يجعل في انف البعير. علاط: حبل يجعل في عنقه.
[99] م.ن.
[100] م.ن.
[101] م.ن.
[102] تاريخ الخلفاء: 347.
[103]ديوان الشريف الرضي: 1/362.
[104] ينظر م.ن: 1/47.
[105] م.ن: 1/362 – 363.
[106] م.ن.
[107] م.ن.
[108] م.ن: 1/363.
[109] الاغتراب في حياة وشعر الشريف الرضي: 68.
[110] ديوان الشريف الرضي: 1/ 365 – 366.
[111] م.ن: 1/489.
[112] م.ن: 2/189.
[113] م.ن: 2/ 189 – 190.
[114] م.ن: 2/190.
[115] م.ن: 1/47. باخ: سكن. رقا: انقطع جريانه.
[116] م.ن: 1/44 – 45. نَقَبَ المَنْسَم: خُفُّ البعير، مجزول المَطا: الظهر اليابس.
[117] ينظر: ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 156 -158.
[118] م. ن: 133.
[119] الاغتراب في حياة وشعر الشريف الرضي: 17 – 18.
[120] ديوان الشريف الرضي: 1/48.
[121] م. ن: 2/ 190. شآهم: سبَقهم.
إرسال تعليق