لباس المصلي في بعده الفقهي والأخلاقي

بقلم:  السيد عبد الله شبر


قال أبو حامد[1]: وأما ستر العورة فاعلم أن معناه تغطية مقابح بدنك عن أبصار الخلق، فإن ظاهر بدنك موقع نظر الخلق، فما رأيك في عورات باطنك وفضائح سرك التي لا يطلع عليها إلا ربك، فأحضر تلك الفضائح ببالك وطالب نفسك بسترها، وتحقق أنه لا يسترها عن عين الله ساتر وإنما يكفرها الندم والحياء والخوف، فتستفيد بإحضارها في قلبك انبعاث جنود الخوف والحياء من مكامنها، فتذل به نفسك وتسكن تحت الخجلة قلبك.

وتقوم بين يدي الله قيام العبد المجرم المسيء الآبق[2] الذي ندم فرجع إلى مولاه ناكساً[3] رأسه من الحياء والخوف[4].

وفي مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: «أزين اللباس للمؤمنين لباس التقوى، وأنعمه الإيمان، قال الله عزّوجل: ((وَلِباسُ التَّقْوَىَ ذلِكَ خَيْرٌ))[5]، وإما اللباس الظاهر فنعمة من الله يستر بها عورات بني آدم، وهي كرامة أكرم الله بها عباده ذرية آدم عليه السلام ما لم يكرم بها غيرهم، وهي للمؤمنين آلة لأداء ما افترض الله عليهم.

وخير لباسك ما لا يشغلك عن الله تعالى بل يقربك من شكره وذكره وطاعته، ولا يحملك على العجب والرياء والتزين والمفاخرة والخيلاء، فإنها من آفات الدين ومورثة القسوة في القلب، وإذا لبست ثوبك فاذكر ستر الله عليك ذنوبك برحمته.

وألبس باطنك بالصدق كما ألبست ظاهرك بثوبك، وليكن باطنك في ستر الرهبة وظاهرك في ستر الطاعة، واعتبر بفضل الله عزّوجل، حيث خلق أسباب اللباس لتستر العورات الظاهرة، وفتح أبواب التوبة والإنابة لتستر بها عورات الباطن من الذنوب وأخلاق السوء.

ولا تفضح أحداً حيث ستر الله عليك أعظم منه، واشتغل بعيب نفسك، واصفح عما لا يعنيك حاله وأمره.

واحذر أن تفني عمرك بعمل غيرك، ويتجر برأس مالك غيرك وتهلك نفسك، فإن نسيان الذنوب من أعظم عقوبة الله تعالى في العاجل وأوفر أسباب العقوبة في الآجل، وما دام العبد مشتغلاً بطاعة الله ومعرفة عيوب نفسه وترك ما يشين في دين الله فهو بمعزل من الآفات، خائض في بحر رحمة الله، يفوز بجواهر الفوائد من الحكمة والبيان، وما دام ناسياً لذنوبه جاهلاً بعيوبه راجعاً إلى حوله وقوته لا يفلح أبداً»[6].


ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] محمد بن محمد بن محمد الطوسي الغزالي. مرت ترجمته.
[2] الإباق: هرب العبد من سيده.
لسان العرب، ابن منظور: 10/ 3، مادة (أبق).
[3] نكس أنكسته نكسا: قلبته.
كتاب العين، الفراهيدي: 5/313، مادة (نكس).
[4] إحياء علوم الدين، الغزالي: 1/ 158، بيان تفصيل ما ينبغي أن يحضر في القلب عند كل ركن وشرط من أعمال الصلاة.
[5] سورة الأعراف/ 26.
[6] أنظر:مصباح الشريعة،الإمام الصادق عليه السلام:30،الباب الثالث عشر في اللباس.رسائل الشهيد الثاني، زين الدين بن علي:117 ــ 118. المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني:1/379 ــ 380.

إرسال تعليق