بقلم: الدكتور علي كاظم المصلاوي
ومن الموضوعات الحاضرة في الديوان
المديح إذ بلغ أربع قصائد وخمس نتف، توجه في معظمه لمدح الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم وأهل بيته عليهم السلام، وتوجه في بعض منه لمدح بعض الشخصيات الدينية
والأدبية في عصره؛ اما قصيدته في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقد كانت خليطاً
من مدح ورثاء،وانتقل فيها لمدح سبطيه الحسن والحسين عليهما السلام وقد ابتدأها
بقوله ([1]):
تجــردت للمجد يا احمدُ **** وجُرِّد
جوهرك المفردُ
وليس يجاريك غير السحاب **** فما
أنت في نيله أوحدُ
رضيناك دون الورى سيداً **** كريماً
ونحـن له اعبدُ
وفيها يقول([2]):
فمن أحرز السبق في المكرمات *** متى
نار ضيفانه تخـمدُ
جرى سيبــه مرفداً للسحاب *** بما
كان من سيبه يرفـدُ
فيا وحشة الدهر من بعـــده *** ويا
سعــد لحد به يلحدُ
لروح الجنان سمت روحـــه *** وقد
ضمٌ جثتـه المسجدُ
فالشاعر يرى في الرسول صلى الله
عليه وآله وسلم جميع الخصال المثالية التي اتسم بها منذ نعومة أظفاره حتى شب فتى
يشهد له الجميع بالمكرمات حتى المسيحيون قد شهدوا له بها فان سحاب خيره قد عم
الجميع؛ ثم يخبرنا بوحشة الدهر من بعده وقد سعد اللحد لانه يضم خير الأنام
والمرسلين وكانت روحه في الجنان اما جسده الطاهر فقد حواه المسجد المبارك؛ ثم
ينتقل إلى مديح (البدرين) ويقصد بهما الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فقال([3]):
خذا بـيدي وانصراني فـقد *** جفاني
نصيري والمنجدُ
فـإنكـما اعتـصامـي إذا *** تعاورني
الحدث الانـكدُ
وحاربني الناس حتى القريب *** فلا
منجد فــيه استنجدُ
إذا ما الأقارب قــد باعدت *** فـما
بعدها يصنع الأبعدُ
فهذا لساني احصدا حــلوه *** فحسن
الثنا خير ما يحصدُ
حلاً فاحصداه كحب الحصيد *** وغــيركما
مره يحصد
ففي هذه الأبيات تستوضح طبيعة
العلاقة بين الشاعر وأهل البيت عليهم السلام إنهم يمثلون له باباً من أبواب
استجابة الدعاء عند الله تعالى، وانهم شفعاء له ينصروه في دنياه على مكارهها وما
يتعرض له من سوء،وفي أخراه حيث يخلصوه من نيران جهنم وجليل وقوع المكاره فيها ولا
بأس ان يذكر ان شعره فيه الحلو وفيه المر بمعنى فيه الجيد وفيه الرديء ويطلب منهما
ملتمسا ان يأخذا حلوه فالمر لغيرهم.
ومن قصائده المدحية ما وجه للإمام
علي عليه السلام فنراه يقول([4]):
قصّر القومُ عن بلوغ مداكا *** فلذا
حاولوا انحطاط علاكا
لا ورب السماء لم يك فيما *** حـاولوه
إلا ارتفاع ذراكا
كان دين النبي حقاً ولـكن *** لم
يكن واضح الهدى لولاكا
لم تـزل ناصحاً له وأمينا *** وأخا
حيث دونــهم آخاكا
فالشاعر يعرض دور الإمام علي عليه
السلام في نصرة الإسلام ودحر الكافرين، ومحاولة المنافقين ان ينالوا من هذا الدور
والحط منه، ثم يعرض أحقيته في الخلافة من بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي
أقامه عليهم وأشهدهم على ذلك في موقف طالما أكد عليه الشاعر هو (يوم الغدير)
وإنكار القوم لتلك البيعة فهو يقول:
كان إنكارهم لبيعتك الغــرا *** ءَ
خطباً يزعزع الافلاكا
ثم يقسم:
قسما بالذي اقامك دون الـ *** خـلق
طراً لدينه سماكا
لو أطاعوك لارتقوا كلّ عـالٍ *** لم تؤمل له السها إدراكا
ثم يعرض ما قاساه الإمام علي عليه
السلام من الم وحسرة على ما أصاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وزوجته فاطمة وما
واجهه من محن واصطبار عليها، ثم يخاطب الإمام عليه السلام قبيل نهاية قصيدته بقوله([5]):
أنت أعلى قدراً واعظم صبراً *** ولذا جل في القلوب بلاكا
ثم يدعو أئمته عليه السلام كعادته
في القصائد الموجهة إليهم:
بابي انـتم وأمي كــراماً *** لا
أرى لي بـغيرها استمساكا
خلصوني مما أخـاف فاني *** عـدت
ضعفاً اغالط المسواكا
واجعلوني من همكم يوم لاير *** جو
امرئ من عظيم هم فكاكا
لم نزل نستقي بحـور نداكم *** وكــذلك
الكـرام حقاً كذاكا
ومن مديحه ما نجده موجهاً إلى
ابني احد وجهاء كربلاء وعلمائها وهو السيد كاظم الرشتي الحائري فنراه يقول
مخاطبهما([6]):
قصيرٌ عن مديحكما لسـاني *** قــليلٌ
في ثنائكم بياني
ولو اني ملأت الأرض نظماً *** بمدحكما
ونثراً ما كفاني
إذا كان المعزُّ هوى خضوعاً *** لعزِّكما
لما مدح ابن هاني
فالملاحظ المبالغة في هذا المديح
فلم ينظم الا من اجل المجاملة والتودد واستقطاب الآخر، فهذه القصيدة متوزعة بين
غرضين وافق بينهما الشاعر بطريقة ملفته فابتدأها بالمدح ثم أعقبه رثاء والد
المعنيين ثم رجع إلى التهنئة والمباركة على زواج احد أبناء السيد كاظم الرشتي،
وهذا يجعل الشاعر في موقف حرج استطاع ان يتخلص منه بطريقة لطيفة فنراه ينتقل من
الرثاء الى المديح بقوله:
مضيت ولم تكن تمضي إلى ان *** رأيت
بـنيك أولى بالمكانِِ
فرحـت ولم تُرح الا شهـيداً *** لما
لاقيت من عصب الشنانِِ
ولا
ريب في انها مقدرة فنية امتلكها الشاعر واستطاع من خلالها ان يخرج لنا هذه
القصيدة.
إرسال تعليق