بقلم: السيد نبيل الحسني
وثمة سؤالاً يطرح نفسه في الأفق قائلاً: كيف جمع
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين الأمرين والمشركون قد أحاطوا بدار خديجة عليها
السلام يترقبون خروجه فكيف تمكن من الخروج والدخول والمشركون حول الدار؟
ونقول:
1 ــ
إن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما عزم عليه هؤلاء المشركون في دار
الندوة هو نفسه الذي أخبره بوقت تحركهم واجتماعهم حول داره.
بمعنى:
إن الوحي عليه السلام هو الذي قد أعطى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم جميع تحركات
المشركين والساعة التي اجتمعوا بها والوقت الذي حددوه للقدوم حول دار رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وهي ما تسمى اليوم بساعة الصفر.
ولذا:
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أعلم بهذا الوقت وهو الأعلم بما يصنع، ومن البديهي
أنه قد ذهب مع علي عليه السلام إلى الكعبة لتكسير الأصنام قبل قدوم ا لمشركين إلى
داره.
2 ــ
بل إن اختيار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتكسير صنم قريش في هذه الليلة يكشف
عن حكمته صلى الله عليه وآله وسلم في محاربة أعداء الله وأعدائه، إذ يعد اجتماعهم
في دار الندوة وانشغالهم بمكرهم كي ينالوا منه هو خير وقتٍ لتنفيذ هذه المهمة، فقد
شغلوا بأمرٍ عظيم وخلوا عن منازلهم ومجالسهم ومن ثم أصبح بيت الله مهيّأً للتطهير.
وهذا تدبير الله تعالى، فسبحان من قال: ((وَإِذْ
يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ
يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ))([1]).
فهم يمكرون لقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
والله يمكر بهم بتكسير صنمهم الأكبر وينجي عبده ورسوله من بين أيديهم فقد خاب من
افترى.
3 ــ
إن انشغالهم بتنفيذ نيتهم في قتله صلى الله عليه وآله وسلم وحرصهم على كتمان الأمر
كي لا يعلم بنو هاشم أو أحد من المسلمين فيذهبوا ليخبروا النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ويفتضح أمرهم جعلهم لا يلتفتون إلى صوت تكسير صنمهم الأكبر فقد ضرب الله على
سمعهم بما عزموا عليه من الغدر وانصراف أذهانهم إلى ما هم في تنفيذه.
وعليه:
فإن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يكون
بذاك قد ابتدأ أولاً بالذهاب إلى الكعبة لتكسير صنم قريش الأكبر والمشركون مجتمعون
في دار الندوة يتداولون أمر قتله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد رجع بعد تكسير صنم
قريش إلى منزله وحينها أخبر علياً عليه السلام بما علمه من أمر القوم وعزمهم على
قتله وحينها طلب منه أن ينام في فراشه بعد أن خيره بين القبول والرفض فاختار
الإمام علي عليه السلام فداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه.
وفي ذلك نزل قوله تعالى: ((فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ
بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ))([2]).
وبعد ذلك، أي بعد أن تجمع المشركون حول الدار خرج
منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتلو قوله تعالى: ((وَجَعَلْنَا مِنْ
بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا
يُبْصِرُونَ))([3]).
وإن في أمر الخروج من الدار وحتى الوصول إلى
المدينة ومروراً بالغار لحقائق كثيرة لم تكشف بعد نسأل الله أن نوفق لبيانها في
موضع آخر.
فلله الأمر من قبل ومن
بعد وهو ولي التوفيق.
إرسال تعليق