بقلم: الدكتور علي كاظم المصلاوي
تطالعنا في
ديوان الشيخ محسن (أبو الحب) الكبير مجموعة من القصائد الرثائية بلغت عشرة قصائد
ونتفتين متكونة كلاً منهما من أربعة أبيات. وتوزع الرثاء بين رثاء أهل البيت عليهم
السلام، ورثاء مجموعة من الشخصيات العلمية والأدبية في عصره فضلاً عن رثاء والدته؛
وتميز رثاؤه بشكل عام بصدق العاطفة والشعور، وإبداء الحزن واللوعة على المرثي، من
ذلك ما رثى به فاطمة الزهراء عليها السلام بقوله([1]):
كم
ليلة باتــت وليس
|
سوى
الحنين لها حشيَّه
|
|
حتى
اذا ماتت ومــا
|
ماتت
مكارمُـها السنيَّه
|
|
بأبي
التي دفنت وعُفِّيَ
|
قبــرُها
السامي تقيَّه
|
ثم يتوسل بها
إلى الله ويرجو ان تغيثه من جور الزمان وغيره فيقول مخاطباً إياها:
يا
بنت خير الـعالمين
|
وصفوة
الله الصفيـَّـه
|
|
أرجـــوك
لي غوثاً
|
إذا
مـدَّ الزمان يداً إليَّه
|
|
ولحــاجة
أو فــاقةٍ
|
لا
يشمتُ الأعـداءُ فيَّه
|
هذا ما يريده الشاعر من وراء عرضه
لظلامة فاطمة عليها السلام ورثائها؛ انه لا يريد كسباً مادياً وانما يعالج قضية
رصد لها عمره وحياته ولا يطلب من ورائها الا الشفاعة ودفع البلاء عنه في دنياه.
ونراه يرثى الامام علي عليه
السلام ويخاطبه بقوله([2]):
أ
للإسلام بعـدك من محامٍ
|
إذا
ما حلَّ ساحته اضطرابُ
|
|
أ
للأيتام بعــدك من كفيل
|
إذا
ما عضَّــها للدهر نابُ
|
|
لقد
فقدوا أبا بــراً رؤوفاً
|
بفقـدك
يوم ساربك الركابُ
|
|
أرى
شقَّ الثياب عليك عاباً
|
ومثلــك
لا تشقُّ له الثيابُ
|
|
واقسم
لو جميع الناس ماتوا
|
بموتك
لم يكن في ذاك عابُ
|
انها مشاعر صادقة يسجلها الشاعر
بلوعة وألم على ما أصاب الإمام علي وأي فقد يصل بموته فهو للإسلام محامٍ وللأيتام
كفيل وهو أب بر رؤوف للجميع لذا لم ير عيباً ان تشق عليه الثياب كعادة من يفقد شخصاً
عزيزا عليه؛ ثم يقسم لو ان جميع الناس يموتون بموته لم يكن عيباً عليهم.
إن رثاءه لأهل البيت يحمل في
جنباته قضية مبدئية عمادها الوفاء لهم وإحياء لذكرهم وذماً لأعدائهم ومبغضيهم لذا
فرثاؤه لهم يختلف عن رثائه للأشخاص الآخرين ومنهم والدته التي رثاها بقوله([3]):
أشكو
إلى الرحمـن لوعتك التي
|
أودعتها
في قــلبي الملسوعِ
|
|
ولقد
كساني الحزن بعدك مطرفاً
|
أبــد
الليالي ليس بالمنزوع
|
|
ما
كنت أول ذاهـب بين الملا
|
لكن
صبري عنك غير مطيعِ
|
فرثاؤه ظاهرة التفجع والتحسر على
ما أصابه من فقد أمه وقد ألبسه الحزن ثوباً لا ينزع، وصبره وتجلده لا يؤاتيه ولا
يطيعه على الرغم من محاولة تأسيه بقوله انها لم تكن بأول ذاهب يخطفه الموت،ولكن
ألمه ولوعته كانتا اشد وطأة عليه بسبب عدم حضوره تشييعها اذ كان خارج البلاد لذلك
قال:
غابت
وغبت وليت أني لم اغب
|
أو
ليتها طلعت علىَّ طلوعِ
|
|
ما
مــرَّ يوم فراقها بي ليـلة
|
الا
وفارق ناظريَّ هجوعي
|
|
وأشد
ما في القلــب منها انها
|
عدمت
غداة رحيلها تشييعي
|
|
ويل
المحبِّ إذا نوى أحبابــه
|
ظـعناً
وفاز سواه بالتوديعِ
|
ومن رثائه لبعض العلماء والشيوخ
الذين توفوا في عصره رثاؤه لشيخ العراقيين عبد الحسين الطهراني([4]) معظماً فقده،
مبيناً ان موته كان خسارة كبيرة وحسرة عظيمة في الصدر فنراه يصفه بقوله ([5]):
أبـو
المعالي إذا ما رمت تعرفه
|
ينبيك
عنه لسان الطرس في الكتبِ
|
|
أحى
الندى بعد ما عادت معالمه
|
كالروض
جانب عنه باكر السحبِ
|
|
ما
أجدبت سنـة الا وأخصبها
|
بصيـّـب
من نـدا كفيه منسكبِ
|
وراح يخاطبه بقوله:
عبد
الحسين وكـم عبد بطاعته
|
مولاه
فاق على الأبناء في الرتبِ
|
|
عبـدٌ
ولكنـه حــرٌّ لنسبته
|
إلى
الحسين وهذا واضح النسبِِ
|
|
كفـاه
أن عمـود الدين ناصره
|
حـباه
مرتبة فاقـت على الرتبِ
|
وقال في رثاء الشيخ مرتضى الأنصاري([6]) مشيداً
بمنزلته العلمية ومدى حزن الناس ليس فقط في العراق بل امتد إلى إيران أيضا([7]):
ما
آية الا وكــان دليلــها
|
ما
حجة الا وكان بـيانها
|
|
لبست
له ارض العراق سوادها
|
حتى
كست بسوادها ايرانها
|
|
عجبت
رعاياه علية بالبـــكا
|
حتى
أراع عجيجها سلطانها
|
فقد
أبدى الحسرة واللوعة على هذه الشخصية الدينية التي امتد تأثيرها ليس على العراق
فحسب وانما امتد إلى إيران وقد عجت الناس بالبكاء والتفجع عليه حتى أراع ذلك ذوي
السلطان والنفوذ.
إرسال تعليق