بقلم: السيد نبيل الحسني
لم يكن معسكر الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء
قد اقتصر على بنات علي أمير المؤمنين عليه السلام وبنات الإمام الحسين عليه السلام
تتقدمهن العقيلة زينب بنت فاطمة الزهراء عليهما السلام بل قد ضم كذلك بعض نساء
الأنصار إلا أن الفارق بينهن وبين بنات النبوة هو أن كثيراً منهن لم يرد لهن ذكر
في كتب التاريخ أو المقاتل، ولذلك فقد أصبح من المتعذر حصر عددهن الحقيقي كما
يتعذر معرفة عدد أبنائهن إلا أن هذا لا يمنع من إيراد أسماء من ظهر لهن موقف مميز
في يوم عاشوراء ولذا نود أن نورد بعض هذه المواقف تيمناً للبحث، كي نقدم صورة
واضحة عن تلك الآثار التي حققتها تلك النخبة من النسوة لاسيما بنات النبوة
والرسالة والتي يتضح من خلالها الحكمة في إخراج الإمام الحسين عليه السلام لعياله إلى
كربلاء وهو ما سنختم به الدراسة ضمن المبحث الآتي:
1 ــ أم وهب
(سيدة من النمر بن قاسط،
زوجة عبد الله بن عمير الكلبي، من بني عليم، أخبر زوجته أم وهب بعزمه على المسير
إلى الحسين عليه السلام، فقالت له: (أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك، إفعل وأخرجني
معك)، فخرج بها ليلا حتى أتى حسينا، فأقام معه.
ولما شارك زوجها في القتال
وقتل رجلين من جند عمر بن سعد (أخذت أم وهب امرأته عمودا، ثم أقبلت نحو زوجها تقول
له: (فداك أبي وأمي، قاتل دون الطيبين ذرية محمد)، فأقبل إليها يردها نحو النساء،
فأخذت تجاذب ثوبه، ثم قال: (إني لن أدعك دون أن أموت معك) فناداها حسين، فقال: «جزيتم
من أهل بيت خيرا، ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهن، فإنه ليس على النساء
قتال، فانصرفت إليهن».
وخرجت إلى زوجها بعد أن
استشهد حتى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب وتقول: (هنيئا لك الجنة)، فقال شمر بن
ذي الجوشن لغلام يسمى رستم: (أضرب رأسها بالعمود)، فضرب رأسها فشدخه، فماتت
مكانها)([1]).
والنص
التاريخي يدل بوضوح على حجب المرأة عن القتال وإن كانت في دار الحرب، على الرغم من
قلة الناصر وتعرض سيد شباب أهل الجنة إلى القتل هو وعياله. إلا أننا نلمس في حركة أم وهب الجهادية في يوم عاشوراء
الروح العقائدية والتوطين على بذل النفس
في نصرة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحرص على نيل الشهادة وإن
كانت غير مكلفة شرعا بالقتال في ساحة المعركة؛ ولذا فقد رزقها الله تعالى الشهادة
وأن تختم حياتها برفقة زوجها لتكون معه في منزل واحد في الآخرة.
2 ــ أم عمرو بن جنادة الأنصاري
وهذه المرأة قدمت يوم
عاشوراء صورة جديدة من صور حضور المرأة في ساحة القتال قلما نجد له نظيراً إن لم
تكن قد تفردت بها وذلك أن عاطفة الأمومة، بما تفرضه على المرأة من قوى سايكلوجية
وفايسلوجية لتجعلها أسيرة إلى ولدها دون أن تدرك أنها مغلوبة على أمرها بواسطة هذه
الغريزة، أي الأمومة.
ولذا: قد يعتاد الناظر إلى تشابه الصور
الأمومية عندما تفجع الأم بولدها فتكون بين الويل والصراخ واحتضان هذا الفقيد
العزيز الذي لا يعوض بشيء فهي الثكلى، ومن ثكلت انشغلت في حين وقوع مصابها بما بين
يديها من الألم والمصاب.
أما أن نشهد أن الأم تحمل رأس ولدها فتمسح الدم والتراب
عنه ثم تلثمه تقبيلا وشما لينتهي بها المقام إلى حمل رأس ولدها فتضرب العدو فتقتله
من شدة الرمية وقوة الضربة فهذا محصور بيوم عاشوراء فقط.
ولذلك: تبقى
المرأة في كربلاء تحمل من الخصوصيات والصور الجديدة الحاكية عن ثقافة المودة
للعترة النبوية ما لم يشهدها المسلمون بل لم تشهدها الإنسانية جمعاء.
أما هذه الصورة الجديدة لأم عمرو بن جنادة الأنصاري
فكانت كالآتي: قال أصحاب المقاتل: (وجاء عمرو بن جنادة الأنصاري بعد أن قتل أبوه
وهو ابن إحدى عشرة سنة يستأذن الحسين فأبى وقال: «هذا
غلام قتل أبوه في الحملة الأولى ولعل أمه تكره ذلك». قال الغلام: إن أمي أمرتني فأذن له فما أسرع أن قتل ورمي
برأسه إلى جهة الحسين فأخذته أمه ومسحت الدم عنه وضربت به رجلاً قريباً منها فمات،
وعادت إلى المخيم فأخذت عموداً وقيل سيفاً وأنشأت:
إني
عجوز في النسا ضعيفة
|
خاوية
بالية نحيفة
|
|
أضربكم
بضربة عنيفة
|
دون
بني فاطمة الشريفة
|
فردها الحسين عليه السلام إلى الخيمة بعد أن أصابت
بالعمود رجلين)([2]).
3 ــ أم عبد الله بن عمير الكلبي
وتحدث وقعة الطفوف عن أنموذج آخر للأمومة يحاكي في
تقاسيمه ملحمة الفداء والتضحية والصمود التي بنت بها الأمم مجدها وحضارتها.
قال أصحاب المقاتل: (وحمل شمر في جماعة من أصحابه
على ميسرة الحسين فثبتوا لهم حتى كشفوهم وفيها قاتل عبد الله بن عمير الكلبي فقتل
تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً وشد عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فقطع يده اليمنى
وقطع بكر بن بجير ساقه فأخذ أسيراً وقتل صبراً فمشت إليه زوجته أم وهب وجلست عند
رأسه تمسح الدم عنه وتقول: هنيئا لك الجنة أسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني
معك فقال الشمر لغلامه رستم أضرب رأسها بالعمود فشدخه فماتت، فهي أول امرأة قتلت.
فهذه بعض النماذج الفريدة كفرادة مأساة عاشوراء من نساء
الأنصار اللاتي خرجن مع أزواجهن إلى كربلاء ولو أردنا أن نتتبّع هذه المشاهد لطال
بنا المقال. وهي تدل في الوقت نفسه على كثرة وجود العنصر النسوي في معركة الطف إلا
أن حصر عددهن متعذر، وذلك لعدم تصريح الرواة بذلك، لاسيما فيما توفر لدينا من
مصادر.
إلا أننا يمكن أن نستدل على أن عددهن كان كثيراً وذلك من
خلال ما أشارت إليه رواية الشيخ المفيد رحمه الله وابن كثير وابن الأثير الجزري
وتصف دخول العقيلة زينب إلى قصر الإمارة. فقال: (ودخلت زينب أخت الحسين في جملتهم
متنكرة وعليها أرذل ثيابها فمضت حتى جلست ناحية من القصر وحفت بها إماؤها)([3]).
وهذا اللفظ يدل بوضوح على كثرة العنصر النسوي، لاسيما من
الإماء فإذا كانت العقيلة زينب ابنة فاطمة صلوات الله عليها تحف بها إماؤها فمن
البديهي أن يكون لبنات أمير المؤمنين عليه السلام إماء، وكذا أزواج سيد شباب أهل
الجنة عليه السلام ومن ثم يتعذر إحصاء عددهن.
إرسال تعليق