تربة كربلاء في الأدب العربي

بقلم: السيد نبيل الحسني


لم يشأ بعض الأدباء أن تمر أمام ناظرهم كربلاء دون أن يسطروا روائعهم في هذا الفن الذي يلاصق النفس ويجلو القلب، ويسحر الروح حسبما تميل إلى ضروبه الأذواق. فمن النثر ما نقشه العقاد على صفحات الأدب العربي لتحاكي الزمن والنفوس عن تلكم التربة التي لازمت الدهر فهي باقية ببقائه، حاكية لأجياله عن صروح القيم التي نزلت من السماء فكانت بحق بوصلةً تدل الإنسان إلى إنسانيته.

المسألة الأولى: ما ورد فيها نثراً

يقول العقاد عن خصوصية أرض كربلاء: «فهي اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة، والذكرى، ويزوره غير المسلمين للنظرة والمشاهدة. ولكنها لو أعطيت حقها من التنويه والتخليد لحق لها أن تصبح مزاراً لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسةِ وحظاً من الفضيلة.
لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى، وألزم، لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين عليه السلام فيها»( أبو الشهداء لعباس محمود العقاد: ص 145).

المسألة الثانية: ما ورد فيها شعراً

أما الشعر فبه يكتمل النصاب في رفد النفس بتلكم المعاني وهنا: نقتبس لونين من الشعر.
الشعر الحر ومن فرسانه الشاعر: «معروف عبد المجيد» الذي رمى في ساحة كربلاء من قوس ديوانه «بلون الغار» سهاماً عدة كان منها «مناحة الرؤوس المسافرة»:

كربلاء... كربلاء
يا عبرة الأرض وشهقة السماء
ومئذنة العرش ومبكى الأنبياء
ومحط المعجزات الخارقة
حيث يعبق أريج الورد المدماة
المدلاة
من عرى قلوب الوالهين
أية ذكرى تلك موجعة وساحقة
ومشعلة وحارقة..!
وأي ماض لن يعود
وما كان ليعود
وأي خاطر كان ومر
كنشيد غجري
في حفل بربري وحشي
ثقل به دفتر الزمان
آه لك، ومنك..!!
آه لك أيها الجسد الملقى مجدلاً
على مسرح الفنون الجاهلية
بلا رأس، ولا خشبة
ولا نظارة، ولا نص..!
وآه منك أيها الرأس الدائر
في مدن اليباب
وضمائر الخراب
أربعين يوماً
أربعين جيلاً
أربعين ادماً
  
(بلون الغار، بلون الغدير، لمعروف عبد المجيد: ص 43)

أما في باحة العروض فقد قطفنا لوناً يحاكي في ذراته الضوئية ذرات تراب كربلاء الحسينية. عن لسان سليل العترة المحمدية، وهو يرثي جده الحسين بن علي بن أبي الطالب عليهما السلام. قائلاً:

يا تربة الطف المقدسة  التي

هالوا على ابن محمد بوغاءها


حيث ثراك فلاطفته سحابة


من كوثر الفردوس تحمل ماءها

واريت روح الأنبياء وإنما


واريت من عين الرشاد ضياءها

أفلا بهم تنعى الملائكة من له


عقد الاله ولا هم ولاءها

ألآدم تنعى وأين خليفة


الرحمن آدم كي يقيم عزاءها

وبك انطوى وبقية الله التي


عرضت وعلم آدم أسماءها

أم هل إلى نوح وأين نبيه


نوح فليسعد نوحها وبكاءها

ولقد شوى بثراك والسبب الذي


عصم السفينة مغرقا أعداءها

أم هل إلى موسى وأين كليمه


موسى لكي وجداً يطيل نعاءها

ولقد توارى فيك والنار التي


في الطور قد رفع الاله سناءها

لا بل غداة عرت رزيتك التي


حمل الأئمة كربها وبلاءها

دفنوا النبوة وحيها وكتابها


بك والإمامة حكمها وقضاءها

(ديوان السيد حيدر الحلي رحمه الله: ج 1، ص 25)

إلى آخر قصيدته الهائية وهو يستعرض فيها ما جرى على آل النبوة في كربلاء وما خصها الله من الفضل والكرامة.


إرسال تعليق