بقلم: السيد نبيل الحسني
إنّ مما أثار أضغان المنافقين وأصحاب المصالح والأغراض الشخصية والقلوب المريضة هو قيام أم المؤمنين خديجة عليها السلام ببذل هذا المال في نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقاموا ببث الشبهات حول هذا المال ومصادرة دوره في قيام هذا الدين.
إن مما قام به أولئك المغرضون هو نسبهم هذا الدور المتميز والحيوي والجهادي في سبيل الله تعالى الذي قامت به أم المؤمنين خديجة عليها السلام إلى أبي بكر وتقولوا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مال خديجة إلى أبي بكر كما أخرجه أحمد في المسند عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر).( مسند أحمد: ج2، ص253).
جواب أبي جعفر الاسكافي المعتزلي (المتوفى سنة 220هـ)
ولقد أجاد أبو جعفر الاسكافي المعتزلي في جوابه الذي نقله عنه الجاحظ (المتوفى سنة 255هـ) ــ على الرغم من موالاته لبني أمية ــ في الرد على هذه الرواية، وإظهار زيفها، وبيان بطلانها، فقال:
(أخبرونا على أي نوائب الإسلام أنفق هذا المال، وفي أي وجه وضعه فإنه ليس بجائز أن يخفى ذلك ويدرس حتى يفوت حفظه، وينسى ذكره؟ وأنتم فلم تقفوا على شيء أكثر من عتقه بزعمكم ست رقاب لعلها لا يبلغ ثمنها في ذلك العصر مائة درهم.
وكيف يدعى له الانفاق الجليل، وقد باع من رسول الله صلى الله عليه وآله بعيرين عند خروجه إلى يثرب، واخذ منه الثمن في مثل تلك الحال، وروى ذلك جميع المحدثين؟!
وقد رويتم أيضا: انه كان حيث كان بالمدينة غنيا موسرا، ورويتم عن عائشة أنها قالت هاجر أبو بكر وعنده عشرة آلاف درهم، وقلتم: إن الله تعالى انزل فيه: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى). ( سورة النور، الآية: 22).
قلتم هي في أبي بكر ومسطح بن أثاثة، فأين الفقر الذي زعمتم انه أنفق حتى تخلل بالعباءة؟!
ورويتم: أن لله تعالى في سمائه ملائكة قد تخللوا بالعباءة! وان النبي صلى الله عليه وآله وسلم رآهم ليلة الإسراء، فسأل جبرائيل عنهم فقال هؤلاء ملائكة تأسوا بأبي بكر بن أبي قحافة صديقك في الأرض، فإنه سينفق عليك ماله، حتى يخلل عباءة في عنقه؟!
وأنتم أيضا رويتم أن الله تعالى لما انزل آية النجوى فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ). (سورة المجادلة، الآية: 12).
الآية لم يعمل بها إلا على بن أبي طالب وحده، مع إقراركم بفقره وقلة ذات يده، وأبو بكر في الحال التي ذكرنا من السعة أمسك عن مناجاته، فعاتب الله المؤمنين في ذلك، فقال: (أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ). (سورة المجادلة، الآية: 13).
فجعله سبحانه ذنبا يتوب عليهم منه، وهو إمساكهم عن تقديم الصدقة، فكيف سخت نفسه بإنفاق أربعين ألفا وامسك عن مناجاة الرسول، وإنما كان يحتاج فيها إلى إخراج درهمين؟!!
وأما ما ذكر من كثرة عياله ونفقته عليهم، فليس في ذلك دليل على تفضيله، لان نفقته على عياله واجبة، مع أن أرباب السيرة ذكروا انه لم يكن ينفق على أبيه شيئا، وانه كان أجيرا لابن جدعان على مائدته يطرد عنها الذبان(العثمانية للجاحظ: ص318).
قال الجاحظ: وقد تعلمون ما كان يلقى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببطن مكة من المشركين، وحسن صنيع كثير منهم، كصنيع حمزة حين ضرب أبا جهل بقوسه ففلق هامته، وأبو جهل يومئذ سيد البطحاء ورئيس الكفر، وامنع أهل مكة، وقد عرفتم أن الزبير سل سيفه، واستقبل به المشركين، لما أرجف أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد قتل، وأن عمر بن الخطاب قال حين أسلم لا يعبد الله سرا بعد اليوم، وان سعدا ضرب بعض المشركين بلحى جمل، فأراق دمه ــ وغيرها ــ فكل هذه الفضائل لم يكن لعلي ابن أبي طالب فيها ناقة ولا جمل، وقد قال الله تعالى:(لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا). (سورة الحديد، الآية: 10).
فإذا كان الله تعالى قد فضل من أنفق قبل الفتح، لأنه لا هجرة بعد الفتح، على من أنفق بعد الفتح، فما ظنك بمن قاتل وأنفق من قبل الهجرة، ومن لدن مبعث النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم إلى الهجرة أعظم من القيام بأمر الإسلام بعد الهجرة، وأفضل من القيام بأمر الإسلام بعد الفتح (العثمانية للجاحظ: ص39).
إنّ مما أثار أضغان المنافقين وأصحاب المصالح والأغراض الشخصية والقلوب المريضة هو قيام أم المؤمنين خديجة عليها السلام ببذل هذا المال في نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقاموا ببث الشبهات حول هذا المال ومصادرة دوره في قيام هذا الدين.
إن مما قام به أولئك المغرضون هو نسبهم هذا الدور المتميز والحيوي والجهادي في سبيل الله تعالى الذي قامت به أم المؤمنين خديجة عليها السلام إلى أبي بكر وتقولوا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مال خديجة إلى أبي بكر كما أخرجه أحمد في المسند عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر).( مسند أحمد: ج2، ص253).
جواب أبي جعفر الاسكافي المعتزلي (المتوفى سنة 220هـ)
ولقد أجاد أبو جعفر الاسكافي المعتزلي في جوابه الذي نقله عنه الجاحظ (المتوفى سنة 255هـ) ــ على الرغم من موالاته لبني أمية ــ في الرد على هذه الرواية، وإظهار زيفها، وبيان بطلانها، فقال:
(أخبرونا على أي نوائب الإسلام أنفق هذا المال، وفي أي وجه وضعه فإنه ليس بجائز أن يخفى ذلك ويدرس حتى يفوت حفظه، وينسى ذكره؟ وأنتم فلم تقفوا على شيء أكثر من عتقه بزعمكم ست رقاب لعلها لا يبلغ ثمنها في ذلك العصر مائة درهم.
وكيف يدعى له الانفاق الجليل، وقد باع من رسول الله صلى الله عليه وآله بعيرين عند خروجه إلى يثرب، واخذ منه الثمن في مثل تلك الحال، وروى ذلك جميع المحدثين؟!
وقد رويتم أيضا: انه كان حيث كان بالمدينة غنيا موسرا، ورويتم عن عائشة أنها قالت هاجر أبو بكر وعنده عشرة آلاف درهم، وقلتم: إن الله تعالى انزل فيه: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى). ( سورة النور، الآية: 22).
قلتم هي في أبي بكر ومسطح بن أثاثة، فأين الفقر الذي زعمتم انه أنفق حتى تخلل بالعباءة؟!
ورويتم: أن لله تعالى في سمائه ملائكة قد تخللوا بالعباءة! وان النبي صلى الله عليه وآله وسلم رآهم ليلة الإسراء، فسأل جبرائيل عنهم فقال هؤلاء ملائكة تأسوا بأبي بكر بن أبي قحافة صديقك في الأرض، فإنه سينفق عليك ماله، حتى يخلل عباءة في عنقه؟!
وأنتم أيضا رويتم أن الله تعالى لما انزل آية النجوى فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ). (سورة المجادلة، الآية: 12).
الآية لم يعمل بها إلا على بن أبي طالب وحده، مع إقراركم بفقره وقلة ذات يده، وأبو بكر في الحال التي ذكرنا من السعة أمسك عن مناجاته، فعاتب الله المؤمنين في ذلك، فقال: (أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ). (سورة المجادلة، الآية: 13).
فجعله سبحانه ذنبا يتوب عليهم منه، وهو إمساكهم عن تقديم الصدقة، فكيف سخت نفسه بإنفاق أربعين ألفا وامسك عن مناجاة الرسول، وإنما كان يحتاج فيها إلى إخراج درهمين؟!!
وأما ما ذكر من كثرة عياله ونفقته عليهم، فليس في ذلك دليل على تفضيله، لان نفقته على عياله واجبة، مع أن أرباب السيرة ذكروا انه لم يكن ينفق على أبيه شيئا، وانه كان أجيرا لابن جدعان على مائدته يطرد عنها الذبان(العثمانية للجاحظ: ص318).
قال الجاحظ: وقد تعلمون ما كان يلقى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببطن مكة من المشركين، وحسن صنيع كثير منهم، كصنيع حمزة حين ضرب أبا جهل بقوسه ففلق هامته، وأبو جهل يومئذ سيد البطحاء ورئيس الكفر، وامنع أهل مكة، وقد عرفتم أن الزبير سل سيفه، واستقبل به المشركين، لما أرجف أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد قتل، وأن عمر بن الخطاب قال حين أسلم لا يعبد الله سرا بعد اليوم، وان سعدا ضرب بعض المشركين بلحى جمل، فأراق دمه ــ وغيرها ــ فكل هذه الفضائل لم يكن لعلي ابن أبي طالب فيها ناقة ولا جمل، وقد قال الله تعالى:(لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا). (سورة الحديد، الآية: 10).
فإذا كان الله تعالى قد فضل من أنفق قبل الفتح، لأنه لا هجرة بعد الفتح، على من أنفق بعد الفتح، فما ظنك بمن قاتل وأنفق من قبل الهجرة، ومن لدن مبعث النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم إلى الهجرة أعظم من القيام بأمر الإسلام بعد الهجرة، وأفضل من القيام بأمر الإسلام بعد الفتح (العثمانية للجاحظ: ص39).
إرسال تعليق