بقلم: السيد نبيل الحسني
إنّ مما ثبت في سيرة العقلاء وعلى اختلاف معتقداتهم، وثقافاتهم، في شرق الأرض وغربها، أن يكون لديهم مقدسات أو حُرم، أو حصانات، وغيرها، من المفردات اللفظية التي تدل على معنىً واحد وهو «الحياة».
بمعنى أوضح: كلما ظهرت رموز تمد الإنسانية بالحياة، كانت لهذه الرموز حرمة، ومقام، وشأن، وقداسة واعتبار؛ وكلما كان هذا الرمز أو ذاك أقدر في رفد الحياة الإنسانية بديمومية أطول وأكبر، كانت حرمته أعظم وأجل.
وإذا نظرنا إلى القرآن الكريم من هذا المنظار فإن قدسيته تنبع من كونه الأقدر على مد الإنسانية بالحياة على الأرض فهو ينظم وينقي جميع شؤون الإنسان، وما يرتبط به من نبات، وحيوان، وجماد؛ ولذا فهو الأقدس.
ولأن القرآن هو شرع الله، فقد أصبح للقائمين على حمل هذه الشريعة قدسية أيضاً، وهو ما دل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي»( المبسوط للسرخسي: ج 16، ص 69).
ولأنهم عدل القرآن صاروا الرافد الثاني الذي يرفد الإنسانية بالحياة.
ولأجل ديمومية الإنسان، وبقاء حياته الفكرية والروحية والبدنية قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي»( صحيح مسلم: ج7، ص122).
كي لا تأتي أدوات الموت فتعطل الحياة على الأرض وتنشر الدمار وتهلك الحرث والنسل قال تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) (سورة البقرة، الآيات: 205 ــ 206).
ولو نظرنا إلى المعتقدات الدينية، أو رموز الحضارة الإنسانية، نجد هذا المعنى يتجسد عند تلك الرموز حسبما يرون من عناصر تتوفر فيها القدرة على حفظ الحياة ودوامها.
فمنهم من يرى: أنّ الأنهار هي منبع الحياة، ومنهم من يرى الشجرة، ومنهم من يرى الشمس، وغيرها.
فكل رمزٍ من هذه الرموز كانت له قدسية عند الرائي لهذه الآثار الحياتية، وهذا كله من منظار قدسية الأشياء وحرمتها، لا من منظور الخالقية والعبودية لله عز وجل وتوحيده.
ومن هنا: اكتسب كثير من الأماكن قدسيتها من كونها موضعاً ينبع منه الحياة، فالجامعات في مختلف الثقافات والبقاع لها حرمة لأنها ترفد الإنسانية بالحياة وهو العلم وتدريسه، ولأجله سميت باحة الجامعة بـ«الحرم الجامعي». فهل كان الحرم الجامعي قد اكتسب هذه الحرمة من كونه موضعاً للحج، أو الصوم، أو الصلاة، أم لكونه رمزاً وموضعاً ينطلق منه حياة الفكر، وحياة الروح، وحياة البدن؛ وكل أقسام الحياة على الأرض، بل وخارج الأرض، وهو ما دأبت عليه الوكالات الفضائية فكل العاملين فيها تبحث عن الحياة في الكواكب الأخرى.
ولذلك: يتجسد هذا المعنى في ساحة الجندي المجهول، وساحات مختلف العواصم التي تزينت بالنصب التذكارية للثورات، والثوار، والمفكرين، والمبدعين، الذين أسسوا للحضارة وكانوا أحد مكوناتها.
وعليه: كيف لا تكون ساحة الطف في كربلاء حرماً نبع منه رافد من روافد الحياة، وكيف لا يكون «الحرم الحسيني» بأعظم من «الحرم الجامعي» وقد تجسدت فيه القيم الإنسانية بشخوص تلك الرموز وإمامهم عليه السلام في العدل والحرية والإباء، والإيثار، والحمية، والشجاعة، والعفة، وعلو النفس، والتضحية، والعزة، والثبات على المبدأ، وإصلاح الأمة، وهو القائل ــ بأبي وأمي ــ: «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمةِ جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر» (مقتل السيد المقرم رحمه الله: ص 139).
وهل يكون الإصلاح إلاّ برفع عوامل الموت التي دبت في الأمة كالجهل، والفقر، والمرض والشؤم، والانحطاط، والفساد، والظلم، والجور، وإلغاء الآخر، وكبت الحريات، والاضطهاد، فكل هذه العوامل والرموز التي تنشر الموت تم دفعها بالأسس والثوابت التي سنها الإمام الحسين عليه السلام على ساحة الطف.
بل سنّها قبل أن يصل إلى أرض كربلاء، وهو في الطريق يلتفت إلى أصحابه وأهل بيته عليهم السلام، واصفاً لهم حال الأمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كيف دب الموت في أوصالها.
فقال، بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه: «أنه قد نزل بنا ما قد ترون، وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، ولم يبق منها صبابة ألا كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، والى الباطل لا يتناهى عنه، فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً فاني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما»( اللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس: ص 48).
ولذا: جدد الحياة في أمة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، باستشهاده، وأصحابه وأولاده، وطفله الرضيع ذي ستة الأشهر وهو يرفرف بين يديه مذبوحاً؛ فسلام الله عليهم أجمعين.
فكان موته حياة لا تموت؟ لأن فيها قيم السماء والحق.وكانت حياته موتاً لرموز الظلم والجهل والباطل.
ومن هنا: حُملت تربة كربلاء لمساجد المسلمين، لأن فيها حياة تلك المساجد، وفيها تتبلور تلك النصب التذكارية للقيم والحضارة الإنسانية.
إنّ مما ثبت في سيرة العقلاء وعلى اختلاف معتقداتهم، وثقافاتهم، في شرق الأرض وغربها، أن يكون لديهم مقدسات أو حُرم، أو حصانات، وغيرها، من المفردات اللفظية التي تدل على معنىً واحد وهو «الحياة».
بمعنى أوضح: كلما ظهرت رموز تمد الإنسانية بالحياة، كانت لهذه الرموز حرمة، ومقام، وشأن، وقداسة واعتبار؛ وكلما كان هذا الرمز أو ذاك أقدر في رفد الحياة الإنسانية بديمومية أطول وأكبر، كانت حرمته أعظم وأجل.
وإذا نظرنا إلى القرآن الكريم من هذا المنظار فإن قدسيته تنبع من كونه الأقدر على مد الإنسانية بالحياة على الأرض فهو ينظم وينقي جميع شؤون الإنسان، وما يرتبط به من نبات، وحيوان، وجماد؛ ولذا فهو الأقدس.
ولأن القرآن هو شرع الله، فقد أصبح للقائمين على حمل هذه الشريعة قدسية أيضاً، وهو ما دل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي»( المبسوط للسرخسي: ج 16، ص 69).
ولأنهم عدل القرآن صاروا الرافد الثاني الذي يرفد الإنسانية بالحياة.
ولأجل ديمومية الإنسان، وبقاء حياته الفكرية والروحية والبدنية قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي»( صحيح مسلم: ج7، ص122).
كي لا تأتي أدوات الموت فتعطل الحياة على الأرض وتنشر الدمار وتهلك الحرث والنسل قال تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) (سورة البقرة، الآيات: 205 ــ 206).
ولو نظرنا إلى المعتقدات الدينية، أو رموز الحضارة الإنسانية، نجد هذا المعنى يتجسد عند تلك الرموز حسبما يرون من عناصر تتوفر فيها القدرة على حفظ الحياة ودوامها.
فمنهم من يرى: أنّ الأنهار هي منبع الحياة، ومنهم من يرى الشجرة، ومنهم من يرى الشمس، وغيرها.
فكل رمزٍ من هذه الرموز كانت له قدسية عند الرائي لهذه الآثار الحياتية، وهذا كله من منظار قدسية الأشياء وحرمتها، لا من منظور الخالقية والعبودية لله عز وجل وتوحيده.
ومن هنا: اكتسب كثير من الأماكن قدسيتها من كونها موضعاً ينبع منه الحياة، فالجامعات في مختلف الثقافات والبقاع لها حرمة لأنها ترفد الإنسانية بالحياة وهو العلم وتدريسه، ولأجله سميت باحة الجامعة بـ«الحرم الجامعي». فهل كان الحرم الجامعي قد اكتسب هذه الحرمة من كونه موضعاً للحج، أو الصوم، أو الصلاة، أم لكونه رمزاً وموضعاً ينطلق منه حياة الفكر، وحياة الروح، وحياة البدن؛ وكل أقسام الحياة على الأرض، بل وخارج الأرض، وهو ما دأبت عليه الوكالات الفضائية فكل العاملين فيها تبحث عن الحياة في الكواكب الأخرى.
ولذلك: يتجسد هذا المعنى في ساحة الجندي المجهول، وساحات مختلف العواصم التي تزينت بالنصب التذكارية للثورات، والثوار، والمفكرين، والمبدعين، الذين أسسوا للحضارة وكانوا أحد مكوناتها.
وعليه: كيف لا تكون ساحة الطف في كربلاء حرماً نبع منه رافد من روافد الحياة، وكيف لا يكون «الحرم الحسيني» بأعظم من «الحرم الجامعي» وقد تجسدت فيه القيم الإنسانية بشخوص تلك الرموز وإمامهم عليه السلام في العدل والحرية والإباء، والإيثار، والحمية، والشجاعة، والعفة، وعلو النفس، والتضحية، والعزة، والثبات على المبدأ، وإصلاح الأمة، وهو القائل ــ بأبي وأمي ــ: «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمةِ جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر» (مقتل السيد المقرم رحمه الله: ص 139).
وهل يكون الإصلاح إلاّ برفع عوامل الموت التي دبت في الأمة كالجهل، والفقر، والمرض والشؤم، والانحطاط، والفساد، والظلم، والجور، وإلغاء الآخر، وكبت الحريات، والاضطهاد، فكل هذه العوامل والرموز التي تنشر الموت تم دفعها بالأسس والثوابت التي سنها الإمام الحسين عليه السلام على ساحة الطف.
بل سنّها قبل أن يصل إلى أرض كربلاء، وهو في الطريق يلتفت إلى أصحابه وأهل بيته عليهم السلام، واصفاً لهم حال الأمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كيف دب الموت في أوصالها.
فقال، بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه: «أنه قد نزل بنا ما قد ترون، وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، ولم يبق منها صبابة ألا كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، والى الباطل لا يتناهى عنه، فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً فاني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما»( اللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس: ص 48).
ولذا: جدد الحياة في أمة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، باستشهاده، وأصحابه وأولاده، وطفله الرضيع ذي ستة الأشهر وهو يرفرف بين يديه مذبوحاً؛ فسلام الله عليهم أجمعين.
فكان موته حياة لا تموت؟ لأن فيها قيم السماء والحق.وكانت حياته موتاً لرموز الظلم والجهل والباطل.
ومن هنا: حُملت تربة كربلاء لمساجد المسلمين، لأن فيها حياة تلك المساجد، وفيها تتبلور تلك النصب التذكارية للقيم والحضارة الإنسانية.
إرسال تعليق