بحث عقائدي: هل كان الإمام الحسين عليه السلام مخيّرا في قتله؟

بقلم: الشيخ علي الفتلاوي

الأجل أو الموت يقين لا شك فيه يطرد الإنسان ويلحقه أينما يحل ولو في بروج مشيدة، قال الله تبارك وتعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)([1]).  ومما يطرده الموت الرسول أو الإمام رغم علاقته الوطيدة بالله تعالى بدليل قوله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)([2]). وقوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)([3]).

فلذا نعتقد: أن للرسول أجلاً وللإمام أجلاً لا يخطيه وهذا ما تؤكده الروايات الكثيرة والتي منها وصية أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن إذ يقول: «اعْلَمْ يا بُنَيَّ إنَّكَ إنّما خُلِقْتَ لِلآخِرَةِ لاَ لِلدُّنْيا، ولِلْفَناءِ لاَ لِلبَقاءِ، ولِلمَوتِ لاَ لِلحَياةِ، وأنَّكَ في قُلْعَةٍ وَدارِ بُلْغَةٍ وَطَريقٍ إلَى الآخِرَةِ، وأنَّكَ طَريدُ المَوْتِ الّذي لاَ يَنجو مِنْهُ هارِبُهُ، وَلاَ يَفُوتُهُ طالِبُهُ، ولابُدَّ أنَّهُ مُدْرِكُهُ، فَكُنْ مِنْهُ عَلى حَذَرٍ أنْ يُدْرِكَكَ وَأنْتَ عَلى حالٍ سَيِّئَةٍ، قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْها بِالتَّوْبَةِ فَيَحولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذلِكَ، فَإذا أنْتَ قَدْ أهْلَكْتَ نَفْسَكَ»([4]).

وكذلك الإمام الحسين عليه السلام له أجل لابد أن يلاقيه، إلا أننا نعتقد أن الإمام الحسين عليه السلام قد ادخر الله تعالى له درجة عنده لن ينالها إلا بالشهادة وهذا ما ورد عن جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول له: «بأبي أنت، كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الأمة، يرجون شفاعتي، مالهم عند الله من خلاق، يا بني إنك قادم على أبيك وأمك وأخيك، وهم مشتاقون إليك، وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة»([5]).

فيظهر من قوله هذا: أن له أجلا ولكن قد يكون موتا بالسم أو قد يكون قتلاً في سبيل الله تعالى فلذا خيّره الله تعالى بين أن يصحى في سبيله فينال درجته التي ادخرها له وبين أن يموت مسموماً بناء على قولهم عليهم السلام: «ما منّا إلا مسموم أو مقتول»([6]).

فاختار المصرع الذي يريده الله تعالى ويحبه، وهذا الاختيار يدفع الشبهة القائلة بأن الإمام لا يعلم موته وكيفيته ومكانه أو زمانه، ولأن الإمام عليه السلام سيد شباب أهل الجنة ومحبوب لله تعالى أخبره الله تعالى على لسان جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه المرتضى عليه السلام أنه سيقتل في كربلاء إذا كان يريد ما يحبه الله تعالى له.

علم الإمام عليه السلام

قال الإمام الحسين عليه السلام: «كَأنّي بِأوْصالي تُقَطِّعُها عُسْلانُ الْفَلَواتِ بَيْنَ النَّواويسِ وَكَرْبَلاءَ، فَيَمْلأَنَّ مِنّي أكْراشاً جَوْفاء وَأجْرِبَةً سَغْبَى، لا مَحيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضَى اللهِ رِضانا أهْلُ الْبَيْتِ، نَصْبِرُ عَلى بَلائِهِ وَيُوَفِّينا أجْرَ الصّابرينَ، لَنْ تَشِذَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم لُحْمَتُهُ، وَهِيَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ في حَظيرَةِ القُدْسِ، تَقَرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ وَيُنْجِزُ بِهِمْ وَعْدَهُ، مَنْ كانَ باذِلاً فينا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلى لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ مَعَنا فإنَّني راحِلٌ مُصْبحاً إنْ شاء اللهُ تَعالى».

لكي لا نصاب بالدهشة، ولا نقع في المغالاة، ولكي تتضح الحقائق وتعرف المواقع لابد من الإشارة إلى مفهوم الإمامة والوقوف على معناها الحقيقي، ولا يتم هذا إلا من خلال التأمل في أحاديث أهل البيت عليهم السلام الذين عرفونا الإمامة بأحلى صورها وأكمل معانيها وصرحوا بضرورة الإيمان بها.

ملاحظة مهمة: تركنا التعرض إلى الروايات التي تتحدث عن رتبة الإمامة، ووجوب معرفة الإمام، ودور الإمام في الأرض، ودعوة كل أمة بإمامهم، وفائدة معرفة الإمام وضرر عدم معرفته، وشرائط الإمامة وخصائص الإمام وغير ذلك ممّا يتضمن الكثير من المواضيع لكي لا يخرج البحث عن عنوانه وهو علم الإمام بالرغم من أن كل هذه المواضيع ذات صلة من بعيد أو قريب بالموضوع الذي نحن بصدده.

1ــ ورد عنهم عليهم السلام ما يوافق العقل إذ يقولون أن من العدل الإلهي أن لا يدع الله تعالى الناس في حيرة من أمرهم بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلابد من هاد يهديهم لما يريد الله تعالى ولابد من عالم يعرف الناس الحق من الباطل ولابد من حجة لله على الناس لكي لا يكون لأحد حجة على الله تعالى ونكون الحجة البالغة له عز وجل، وهذا المعنى نجده في قول الإمام الصادق عليه السلام إذ يقول: «إنّا لَمّا أثْبَتْنا أنَّ لَنا خالِقاً صانِعاً مُتَعالِياً عَنّا وَعَنْ، جَميعِ ما خَلَقَ... ثُمَّ ثَبَتَ ذلِكَ في كُلِّ دَهْرٍ وَزَمانٍ مِمّا أتَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَالأنْبِياءُ مِنَ الدَّلاَئِلِ وَالبَراهينِ، لِكَيْ لاَ تَخْلُوَ أرضُ اللهِ مِنْ حُجَّةٍ يَكونُ مَعَهُ عِلْمٌ يَدُلُّ عَلى صِدْقِ مَقالَتِهِ وَجَوازِ عَدالَتِهِ»([7]).

وعنه عليه السلام: «إنَّ الأرْضَ لاَ تَخْلُو إلاّ وَفيها إمامٌ، كَيْما إنْ زادَ المُؤْمِنونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ، وإنْ نَقَصُوا شَيْئاً أتَمَّهُ لَهُمْ»([8]). وقال الإمام الباقر عليه السلام:«إنَّ اللهَ لَمْ يَدَعِ الأرْضَ بِغَيْرِ عالِمٍ، وَلَولا ذلِكَ لَمْ يُعْرَفِ الحَقُّ مِنَ الباطِلِ»([9]).

2ــ وهناك تصريح ورد عن الإمام الصادق عليه السلام يقول فيه أن الإمام لابد أن يكون عالما لكي يرجع إليه الناس فيعلم الحلال والحرام دون الوقوع في الخطأ، ولابد أن يكون هذا الإمام العالم مستغنياً عن الناس في هذا الأمر: «إنَّ الأرْضَ لاَ تُتْرَكُ إلاّ بِعالِمٍ يَحْتاجُ النّاسُ إلَيْهِ ولاَ يَحْتاجُ إلى النّاسِ، يَعْلَمُ الحَرامَ وَالحَلالَ»([10]).
وهناك الكثير من الروايات التي تشير إلى ضرورة وجود الإمام تطلب من مصادرها.

3ــ عرف أهل البيت عليهم السلام الإمامة بأنها من تمام الدين كما في قول الإمام الرضا عليه السلام: «وَأنْزَلَ في حِجَّةِ الوَداعِ وَهِيَ آخِرُ عُمْرِهِ صلى الله عليه وآله وسلم (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...)([11])، وَأمْرُ الإمامَةِ مِنْ تَمامِ الدِّينِ»([12])، وهي القاعدة التي يستند عليها الإسلام الحقيقي كما في قوله عليه السلام: «إنَّ الإمامَةَ أُسُّ الإسْلامِ النّامي وَفَرْعُهُ السّامي»([13]).

ولكي نطلع على حقيقة الإمامة لنتأمل حديث الإمام الرضا عليه السلام فيما أراد أن يرحل من نيسابور إلى المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا: (يا بن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث نستفيده منك ــ وكان قد قعد في العمارية فاطلع رأسه ــ  وقال: «سمعت أبي موسى بن جعفر يقول سمعت أبي جعفر بن محمد يقول سمعت أبي محمد بن علي يقول سمعت أبي علي بن الحسين يقول سمعت أبي الحسين بن علي يقول سمعت أبي علي بن أبي طالب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول سمعت جبرئيل يقول سمعت الله عز وجل يقول: لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي»، فلما مرت الراحلة نادى ــ عليه السلام ــ: «بشروطها وأنا من شروطها»)([14]).

وبعد الوقوف على هذا المعنى الرفيع للإمامة الذي صوره الإمام الرضا عليه السلام لنا نستطيع أن نقول: يجب أن يكون الإمام ذا علم واسع لا يعلو عليه إلا الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بدليل قول الإمام الرضا عليه السلام: «إنَّ العَبْدَ إذا اختارَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لأمورِ عِبادِهِ شَرَحَ صَدْرَهُ لِذلِكَ، وأوْدَعَ قَلْبَهُ يَنابيعَ الحِكْمَةِ، وألْهَمَهُ العِلْمَ إلهاماً، فَلَمْ يَعْيَ بَعْدَهُ بِجَوابٍ ولاَ يَحْيرُ فيهِ عَنِ الصَّوابِ»([15]).

وهذه باقة من الروايات التي تتحدث عن علم الإمام وسعته وهي مما يوافق العقل والحكمة: عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: «لاَ يَحْمِلُ هذا الأمْرَ إلاّ أهْلُ الصَّبْرِ والبَصَرِ وَالعِلْمِ بِمَواقِعِ الأمْرِ»([16]).

وقال الإمام الرضا عليه السلام في صِفَةِ الإمام: «مَضْطَلِعٌ بِالإمامَةِ، عالِمٌ بالسِّياسَةِ»([17]).

وجاء عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «يَحْتاجُ الإمامُ إلى قَلبٍ عَقُولٍ، وَلِسانٍ قَؤولٍ، وجَنانٍ عَلى إقامَةِ الحَقِّ صَؤولٍ»([18]).

وعنه عليه السلام أيضا في وَصْفِ الأئِمَةِ: «عَقَلوا الدِّينَ عَقْلَ وِعايَةٍ وَرِعايَةٍ، لاَ عَقْلَ سَماعٍ وَرِوايَةٍ، فَإنَّ رُواةَ العِلْمِ كَثيرٌ وَرُعاتََهُ قَليلٌ»([19]).

وجاء عنه عليه السلام أيضا: «إنَّ أوْلى النّاسِ بِأمْرِ هذِهِ الأُمَّةِ قَديماً وَحَديثاً أقْرَبُها مِنَ الرَّسولِ وَأعْلَمُها بِالكِتابِ وأفْقَهُها في الدِّينِ، أوَّّلُها إسلاَماً وَأفْضَلُها جِهاداً وأشَدُّها بِما تَحْمِلُهُ الأئِمّةُ مِنْ أمْرِ الأُمَّةِ اضْطِلاعاً»([20]).

وعن الإمام الحسين عليه السلام في كتابه إلى أهلِ الكوفة قال: «فَلَعَمْري، ما الإمامُ إلاّ الحاكِمُ بِالكِتابِ، القائِمُ بِالقِسْطِ، الدائِنُ بِدِينِ الحَقِّ، الحابِسُ نَفْسَهُ عَلى ذاتِ اللهِ»([21]).

وقال الإمام الرضا عليه السلام: «للإمامِ عَلاماتٌ: (أنْ) يَكونَ أعْلَمَ النّاسِ، وأحْكَمَ النّاسِ، وَأتْقى النّاسِ، وأحْلَمَ النّاسِ، وأشْجَعَ النّاسِ، وأسْخى النّاسِ، وأعْبَدَ النّاسِ»([22]).

وجاء عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «إنَّ أحقَّ النّاسِ بِهذا الأمْرِ أقْواهُمْ عَلَيْهِ وَأعْلَمُهُمْ بِأمرِ اللهِ فيهِ، فَإنْ شَغَبَ شاغِبٌ اسْتُعْتِبَ، فَإنْ أبى قُوتِلَ»([23]).

وعنه عليه السلام: «الإمامُ المُسْتَحِقُّ لِلإمامَةِ لَهُ عَلاَماتُ، فَمِنْها: أنْ يُعْلَمَ أنَّهُ مَعْصومٌ مِنَ الذُنوبِ كُلِّها صَغيرِها وكَبيرِها، لاَ يَزِلُّ في الفُتْيا ولا يُخْطئُ في الجَوابِ، وَلاَ يَسْهو ولا يَنْسى، ولاَ يَلْهو بِشَيءٍ مِنْ أمْرِ الدُّنْيا.
والثّاني: أنْ يَكُونَ أعْلَمَ النّاسِ بِحَلالِ اللهِ وَحَرامِهِ وضُرُوبِ أحْكامِهِ وأمْرِهِ ونَهْيِهِ وَجَميعِ ما يَحْتاجُ إلَيهِ النّاسُ، (فَيَحْتاجُ النّاسُ إلَيْهِ) وَيَسْتَغْني عَنْهُمْ»([24]).

وجاء عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «كِبارُ حُدودِ وَلاَيَةِ الإمامِ المَفْروضِ الطّاعَةِ أنْ يُعْلَمَ أنَّهُ مَعْصومٌ مِنَ الخَطأِ والزَّلَلِ والعَمْدِ، ومِنَ الذُّنوبِ كُلِّها صَغيرِها وكَبيرِها، لا يَزِلُّ ولا يُخْطئُ، ولاَ يَلْهو بِشَيءٍ مِنَ الأمورِ المُوبِقَةِ للدِّينِ، ولا بِشَيءٍ مِنَ المَلاهي، وأنَّهُ أعْلَمُ النّاسِ بِحَلالِ اللهِ وَحَرامِهِ، وفَرائِضِهِ وسُنَنِهِ وأحْكامِهِ، مُسْتَغْنٍ عَنْ جَميعِ العالَمِ، وغَيْرُهُ مُحْتاجٌ إلَيْهِ، وأنَّهُ أسْخى النّاسِ وأشْجَعُ النّاسِ»([25]).

سؤال مهم

السؤال: سلمنا أن الإمام يجب أن يكون ذا علم واسع ولكن ما دليلكم على انطباق ذلك على أهل البيت بما فيهم الإمام الحسين عليه السلام؟
الجواب: يتلخص الجواب فيما يلي:
1ــ الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حق أهل البيت عليهم السلام كحديث الثقلين وحديث السفينة وغيرها من الأحاديث فراجع.
2ــ ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أهل البيت عليهم السلام هم العدل وبهم يقام العدل وتؤلف القلوب إذ يقول وهو يصِفُ لعليٍّ عليه السلام أهل الفِتْنَةِ: يَعْمَهونَ فيْهَا إلى أن يُدْرِكَهُمُ العَدْلُ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، العدلُ مِنّا أمْ مِنْ غَيْرِنا؟ فَقالَ: بَلْ مِنّا، بِنا يَفْتَحُ اللهُ، وَبِنا يَخْتِمُ، وَبِنا ألَّفَ اللهُ بَيْنَ القُلوبِ بَعْدَ الشِّرْكِ»([26]).

3ــ قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يدل على أن علياً هو الحجة لله تعالى على الناس وهذا لا يتم إلا لمن كان ذا علم ومعرفة وحكمة، ولكي نطلع على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلنستمع إليه:

ألف: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَهِدَ إليَّ في عَليِّ بنِ أبي طالبٍ عليه السلام عَهْداً، قُلْتُ: يا رَبِّ بَيِّنْهُ لي. قالَ: اسْمَعْ، قُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ، قالَ: إنَّ عَلِيّاً رايَةُ الهُدى وإمامُ أولِيائي ونورُ مَنْ أطاعَني، وهُوَ الكَلِمَةُ الّتي ألْزَمْتُها المُتَّقينَ، مَنْ أحَبَّهُ أحَبَّني، ومَنْ أطاعَهُ أطاعَني»([27]).

في هذا الحديث يشير النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن عليا يهدي غيره وهذا لا يكون إلا لمن كان ذا علم ومعرفة.

باء: لا يصح من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعل له خليفة جاهلاً بأمور الدين والدنيا، وحيث إن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم معصوم من الزلل جعل عليا خليفة من بعده لعلمه أن عليا ذو علم ومعرفة واسعة ويصلح لأن يكون خليفته ووزيره ووصيه كما ورد ذلك عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ أخي وَوَصِيّ وَوَزيري وخَليفَتي في أهْلي عَليُّ بنُ أبي طالبٍ، يَقْضي دَيْني، وَيُنْجِزُ مَوْعِدي يا بني هاشمٍ»([28]).

جيم: ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن عليا عليه السلام حائز على علم نبوي لا يضاهيه أحد في ذلك كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول: «أنا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعَلِيٌّ بابُها، فَمَنْ أرادَ العِلْمَ فَلْيَأْتِ البابَ»([29]).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم مشيراً إلى عليٍّ عليه السلام: «أنا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعَلِيٌّ بابُها، فَمَنْ أرادَ العِلْمَ فَلْيَأتِهِ مِنْ بابِهِ»([30]).

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: «أنا دارُ الحِكْمَةِ وَعَلِيٌّ بابُها»([31]).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «عَليٌّ بابُ عِلْمي، وَمُبَيِّنٌ لأمَّتي ما أُرْسِلْتُ بِهِ، مِنْ بَعْدي»([32]).

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أعْلَمُ أُمَّتي مِنْ بَعْدي عَليُّ بنُ أبي طالبٍ»([33]).

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: «يا عليُّ أنتَ..... وارثُ عِلْمي»([34]).
4ــ إن أمير المؤمنين عليه السلام ذا العلم الأكثر والحكمة التي لا يقاس بها أحد أوصى إلى ولده الإمام الحسن عليه السلام ليقوم مقامه وأوصى الإمام الحسن عليه السلام إلى أخيه الإمام الحسين عليه السلام ليقوم مقامه في هداية الأمة وتعريف الحق من الباطل وتعليمها الحلال والحرام، وما يدل على هذا أولا: الخبر المشهور عن النبي صلى الله عليه آله وسلم إذ يقول: «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا»([35]).

ثانيا: ما ورد في وصية أمير المؤمنين عليه السلام في الكافي عن سُليمِ بنِ قيس قال: «شَهِدْتُ وَصِيّةَ أميرِ المؤمِنينَ عليه السلام حينَ أوصى إلى ابْنِهِ الحسنِ عليه السلام وأشْهَدَ عَلى وَصِيّتِهِ الحسينَ عليه السلام ومُحَمَّداً وَجَميعَ وُلْدِهِ وَرُؤَساءَ شيعَتِهِ وأهْلَ بيتِهِ، ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ الكِتابَ والسِّلاحَ»([36]).

ثالثا: ما ورد في وصية الإمام الحسن عليه السلام إلى الإمام الحسين عليه السلام: «إنَّ الحُسَيْنَ بنَ عَليٍّ عليه السلام، بَعْدَ وَفاةِ نَفْسي وَمُفارَقَةِ رُوحي جِسْمي، إمامٌ مِنْ بَعْدي، وعِنْدَ اللهِ جلَّ اسْمُهُ في الكِتابِ، وِراثة مِنْ النّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أضافَها اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ في وِراثَةِ أبيهِ وأمِّهِ، فَعَلِمَ اللهُ أنَّكُمْ خِيَرةُ خَلْقِهِ، فاصْطَفى مِنْكُمْ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم، واختارَ مُحَمَّدٌ عَلِيّاً عليه السلام، واختارَني عليٌّ عليه السلام بالإمامَةِ، واخْتَرْتُ أنا الحُسَيْنَ عليه السلام»([37]).

فورث الإمام الحسين عليه السلام علمه عن جده وأبيه لكي يمارس دور حجة الله تعالى على الناس، وهو يعلم مقتله ومقتل أهل بيته بل يعلم الزمان والمكان لهذا القتل إذ يقول: (ولم تكد أمّ سلمة أن تنتظر نبوءة السماء تخبرها بقتل الحسين عليه السلام، ولم تصطبر أن يأتيها عزمه على السفر الطويل الذي لا لقاء بعده، حتّى أجهشت بالبكاء، وتوسّلت إليه بالعدول قائلةً: لا تحزني بخروجك إلى العراق، فإنّي سمعت جدّك رسول الله يقول: يُقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء، وعندي تربتك في قارورة دفعها إليّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

فقال الحسين عليه السلام: «يا أمّاه، وأنا أعلم أنّي مقتول مذبوح ظلماً وعدواناً، وقد شاء عزّ وجلّ أن يرى حرمي ورهطي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مأسورين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً».

قالت أمّ سلمة: واعجباً، فأنّى تذهب وأنت مقتول؟!. قال عليه السلام: «يا أمّاه، إنْ لم أذهب اليوم ذهبت غداً، وإن لم أذهب في غد ذهبت بعد غد، وما من الموت ــ والله ــ بدّ، وإنّي لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، والساعة التي أقتل فيها، والحفرة التي أدفن فيها، كما أعرفك، وأنظر إليها كما أنظر إليك، وإن أحببت يا أمّاه أن أريك مضجعي ومكان أصحابي».

فطلبت منه ذلك، فأراها تربة أصحابه، ثمّ أعطاها من تلك التربة، وأمرها أن تحتفظ بها في قارورة، فإذا رأتها تفور دماً تيقّنت قتله! وفي اليوم العاشر بعد الظهر نظرت إلى القارورة فإذا هي تفور دماً)([38]).




([1]) سورة النساء، الآية: 78.
([2]) سورة الزمر، الآية: 30.
([3]) سورة آل عمران، الآية: 144.
([4]) نهج البلاغة: الكتاب 31. ميزان الحكمة: ج9، ص3911، ح19079.
([5]) الأمالي للشيخ الصدوق: ص216 ـ 217.
([6]) كفاية الأثر، الخزاز القمي: ص227. بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج27، ص217، ح19.
([7]) الكافي: ج1، ص168، ح1. ميزان الحكمة: ج1، ص151، ح804.
([8]) الكافي: ج1، ص1، ص178، ح2. ميزان الحكمة: ج1، ص151، ح805.
([9]) الكافي: ج1، ص178، ح5. ميزان الحكمة: ج1، ص151، ح806.
([10]) بحار الأنوار: ج23، ص50، ح100.
([11]) سورة المائدة، الآية: 3.
([12]) نور الثقلين: ج1، ص589، ح33. ميزان الحكمة: ج1، ص146، ح781.
([13]) الدر المنثور: ج3، ص19. ميزان الحكمة: ج1، ص147، ح784.
([14]) عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج1، ص144، ح4.
([15]) الكافي: ج1، ص202، ح1. ميزان الحكمة: ج1، ص177، ح948.
([16]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج7، ص36. ميزان الحكمة: ج1، ص157، ص846.
([17]) الكافي: ج1، ص202، ح1. ميزان الحكمة: ج1، ص1، ص157، ح847.
([18]) غرر الحكم: 11010. ميزان الحكمة: ج1، ص157، ح848.
([19]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج13، ص317. ميزان الحكمة: ج1، ص157، ح849.
([20]) نهج البلاغة: ج3، ص210. ميزان الحكمة: ج1، ص158، ح854.
([21]) الإرشاد: ج2، ص39. ميزان الحكمة: ج1، ص158، ح856.
([22]) معاني الأخبار: ص102، ح4. ميزان الحكمة: ج1، ص158، ح857.
([23]) نهج البلاغة: ج9، ص328. ميزان الحكمة: ج1، ص158، ح859.
([24]) بحار الأنوار: ج25، ص164. ميزان الحكمة: ج1، ص158 ــ 159، ح861.
([25]) بحار الأنوار: ج68، ص389، ح39. ميزان الحكمة: ج1، ص159، ح862.
([26]) أمالي المفيد: ص289، ح7. ميزان الحكمة: ج1، ص175، ح935.
([27]) نور الثقلين: ج5، ص73، ح74. ميزان الحكمة: ج1، ص181، ح961.
([28]) أمالي الطوسي: ص602. ح1244. ميزان الحكمة: ج1، ص181، ح963.
([29]) كنز العمال: 32890. ميزان الحكمة: ج1، ص185، ح984.
([30]) كنز العمال: 32979. ميزان الحكمة: ج1، ص185، ح985.
([31]) كنز العمال: 32889. ميزان الحكمة: ج1، ص185، ح987.
([32]) كنز العمال: 32981. ميزان الحكمة: ج1، ص185، ح988.
([33]) كنز العمال: 32977. ميزان الحكمة: ج1، ص186، ح989.
([34]) ينابيع المودّة: ج1، ص397، ح17. ميزان الحكمة: ج1، ص186، ح992.
([35]) الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص31.
([36]) الكافي: ج1، ص297، ح1. ميزان الحكمة: ج1، ص206، ح1119.
([37]) الكافي: ج1، ص301، ح2. ميزان الحكمة: ج1، ص210، ح1126.
([38]) أنصار الحسين عليه السلام الثورة والثوار، السيد محمد علي الحلو: ص43.

إرسال تعليق