أسباب النزول وأهميتها في علم التفسير

بقلم: عدي جواد علي الحجار

ما هي أسباب النزول؟

علم أسباب النزول من فروع علوم القرآن, وهو علم يبحث فيه عن سبب نزول سورة أو آية ووقتها ومكانها وغير ذلك, «فأسباب النزول هي: أمور وقعت في عصر الوحي واقتضت نزول الوحي بشأنها». ( محمد باقر الحكيم- علوم القرآن: 38).

فهي ليست بمعنى السبب والعلة التامة قطعاً, وإنما هي مناسبة دعت إلى نزول آية أو آيات بنحو الاقتضاء, وكل ذلك بترتيب الله وعلمه, إذ لا يتوقف البيان للناس على هذه الواقعة حسب بحيث لولاها لما صدر بيان من الشارع, لكن هذه المناسبة كانت أول مصاديق الداعي والاقتضاء.

الغرض من علم أسباب النزول

ثم أن معرفة أسباب النزول يعتمد على ما نقل عن السلف. والغرض منه ضبط ما يتعلق بالآيات من اقترانها بالمناسبة, ليتعرف المفسر على وجه من وجوه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم، ومنه ما له خصوصية, ومنه ما يكون عاماً.

أهمية علم أسباب النزول

فقد يحتاج المفسر إلى معرفة السبب أشدّ احتياجاً ليسير على ضوئه في فهم النص, إذ ربما لا يمكن معرفة تفسير الآية من دون الوقوف على سبب نزولها, لأِن النص القرآني المرتبط بسبب معين للنزول تجئ صياغته وطريقة التعبير فيه على وفق ما يقتضيه ذلك السبب، فما لم يعرف ويحدد, لا تُستجلى أسرار صياغته، ولا شكَّ: «أنه لا يحل القول فيه إلا بالرواية والسماع ممن شاهد التنزيل». ( الواحدي: أسباب النزول:4).

1: أهميته في الاختلاف التفسيري والشرعي

وحيث أن أسباب النزول يدرس فيه كلام الله تعالى في القرآن من حيث ارتباطه بالأحداث والوقائع التي وافقت نزوله في عصر الوحي, واقتضت نزول الوحي بشأنها، فكان له الأثر الكبير في تنوع الفهم واختلاف التفسير, نتيجةً لاختلاف الرواية لمناسبة نزول آية معينة, فالأسباب تؤدي دوراً كبيراً في إيضاح مفاد الآيات وتبيين أهدافها, وتلقي ضوءاً على مضامينها, فيفيد كل مفسر بحسب فهمه من ذلك السبب حتى مع وحدة السبب.

ومما وقع من الاختلاف بسبب مناسبة النزول ما أشار إليه ابن الجوزي, في معنى الولاية من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). ( سورة المائدة:51).

حيث فسرت بالتولي في الدين تارة, وبالنصرة والاستعانة تارة, والعهد أخرى(زاد المسير:2/ 288-289), إذ ذكروا في أسباب نزولها ثلاثة أقوال:

السبب الأول

أنها نزلت في أبي لبابة حين قال لبني قريظة إذ رضوا بحكم سعد: إنه الذبح. ويفهم من هذه الموادّة, ويكون معنى: (لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ )..
«أي: لا تعتمدوا على الاستنصار بهم، متوددين إليهم».( الطبرسي- مجمع البيان:3 / 355) بالملاطفة والملاينة, إذ دلت الآية على أنه ينبغي أن يعامل اليهود والنصارى بالغلظة والجفوة دون الملاطفة، والملاينة(الطبري - جامع البيان: 6/374).

السبب الثاني

إن عبادة بن الصامت قال: (يا رسول الله إن لي موالي من اليهود، وإني أبرأ إلى الله من ولاية يهود، فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر، ولا أبرأ إلى الله من ولاية يهود، فنزلت هذه الآية. ويفهم منها معنى المهادنة والموادعة خوفاً من غلبتهم ودولة الأمر لهم). (الطبرسي - مجمع البيان:3 / 354 – 355).

السبب الثالث

إنه لما كانت وقعة أحد خافت طائفة من الناس أن يدال عليهم الكفار، فقال رجل لصاحبه: أما أنا فألحق بفلان اليهودي، فآخذ منه أماناً، أو أتهود معه، فنزلت هذه الآية. ويفهم منها أخذ العهد والاستنصار والاستعانة(الطبري-جامع البيان:6/374).

وهذا الميل إلى المحاربين من أهل الكتاب وموالاتهم ينظر إليه على أنه مماثلتهم في مخالفة الأمر مرةً, والدخول في دينهم والخروج عن الإسلام أخرى.

ويتفرع عليه أن تفسير "الولاية" في ذيل الآية، وهو قوله تعالى: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) في العون والنصرة.

وفي قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ).

ذكر ابن الجوزي (ت597هـ) قولين:
1 - من يتولهم في الدين، فإنه منهم في الكفر.

2 - من يتولهم في العهد فإنه منهم في مخالفة الأمر. (زاد المسير:2/ 289).

وهذه الأسباب والأقوال المتفرعة عليها, من ولاية الدين والذي تترتب عليها أحكام تغاير ما لو قيل أن هذه الولاية تعني مخالفة الأمر, أو أنها تختص بالمنافق من دون غيره, أو المحارب عموماً, أو خصوص اليهود والنصارى, إلى غير ذلك مما يمكن التفريع به, كالقول بتسرية حكم الآية لما بعد زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم , أو أن الولاية المقصودة هنا هي مجرد مخالفة لا تستلزم الخروج من الدين, وما يتفرع على ولاية الدين, مع اختلاف التفسيرات والأحكام المترتبة عليها, قال ابن جرير الطبري : «ولم يصح بواحد من هذه الأقوال الثلاثة خبر يثبت بمثله حجة فيسلم لصحته القول بأنه كما قيل. فإذ كان ذلك كذلك, فالصواب أن يحكم لظاهر التنزيل بالعموم على ما عم». ( الطبري- جامع البيان:6/374).

فقد يفهم أن من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزب أو الدين أو غير ذلك, إذ أن الولاية في اللغة مما يحتمل معاني كثيرة جداً, فتغاير شأن النزول قد يعطي فهوماً متنوعة, يمكن أن تنتج تفسيرات مختلفة, كما في هذا الشاهد القرآني, حيث يمكن أن يفهم منها الردع عن التودد, والردع عن الاستنصار, والردع عن المهادنة, وعدّ الموالي مخالفاً أو خارجاً عن الدين, ودلالة نفاق المتولي لمطلق المحارب أو أهل الكتاب أو اليهود والنصارى خاصة, أو اختصاص ذلك بزمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم , أو تعديته إلى ما بعده, كل ذلك بناءً على التأمل في سبب النزول واعتماده لجعله قرينة على فهم معين.

إرسال تعليق