بقلم: الشيخ حسن الشمري
إنّ أي نهضة لابدّ أن تملك عمقاً استراتيجياً يتمثّل أولاً في المبادئ، وثانياً في الدعم الشعبي، وثالثاً في التخطيط الاستراتيجي، وهذه العوامل تعدّ من القواعد الأساسية التي تقوم عليها النّهضات لأنها تساهم بشكل فعال في تحقيق النتائج المطلوبة فضلاً عن امتلاكها قوة المبادرة التي باتت إحدى العوامل المساعدة في تحقيق النتائج، ومن العوامل المهمة لنجاح النّهضة يكمن في ((الدعم الشعبي)).
فباتساعه وقوة فاعليته يعطي للنهضة قوة لكي تأخذ حجمها المطلوب في واقع الأمة، لذا أثبت علم الاجتماع فيما يخص تقدم النهضات، إنّ نجاح أيّ نهضة مرهون بمدى تقدم علاقاتها الاجتماعية من هنا فإنّ النهضات التي حقّقت النجاحات المطلوبة إنما انطلقت من عمق علاقتها بالمجتمع.
فالنهضات العملاقة هي الضاربة في عمق المجتمع، وبعمق جذورها تعلو سماها كما يقول علماء الحضارة.
ولقد امتلكت نهضة الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام عمقاً اجتماعياً قلّ نظيره.
جاء في كتاب (من معالم الحق) للشيخ محمد الغزالي:
((إنّ ملوك بني أمية لما أخطأوا لُعنوا وتنادى المسلمون عليهم من كل جانب حتى أسقطوا دولتهم، وما كان ذلك يحدث لو تولى الأمر أهل البيت، ولما يعلمه النهازون والدجّالون من محبّة المسلمين لنبيهم وبيته اصطنعوا أنساباً يمتّون بها إليه، وأقاموا حكومات كانت بسيرتها المنحرفة وبالاً على الإسلام وأهله، وتاريخنا السابق واللاحق يحكي أبناء أسر انتحلت الشرف، والشرف هو بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالتوالد، وباسم هذا الشرف المكذوب أُلحقت بالأمة الإسلامية من الأذى ما تزال تترنح منه حتى الساعة.
لقد أصاب ابن عمر في قوله للحسين: ((والله لا يليها أحد منكم أبداً)).
لقد صرف الله الحكم بخيره وشره عن آل محمد ليسوي الناس شؤونهم بأنفسهم، ويحلّون مشكلاتهم مع حكامهم بأيديهم باللطف أو بالعنف، باللسان أو بالسنان.
وخير لآل محمد أن تسبغ عليهم مشاعر العطف وهم مظلومون من أن تتبعهم مشاعر الحقد، وهم حكام جبارون (يا للعجب).
بيد أن حسيناً هاجته رسائل أهل العراق وهم يستقدمونه ليجعلوا الأمر له، إنه أهلٌ للسيادة بنفسه وبنسبه، وها هي ذي الجموع تدعوه فكيف يتأخر))[1].
لقد أشار الشيخ محمد الغزالي إلى الموقع الذي يمتلكه الإمام عليه السلام في قلوب الناس ((إنه أهل للسيادة بنفسه وبنسبه، وها هي ذي الجموع تدعوه فكيف يتأخر)). ولكن الشيخ أخطأ في عبارته ((وخير لآل محمد أن تسبغ عليهم مشاعر العطف وهم مظلومون من أن تتبعهم مشاعر الحقد، وهم حكام جبارون)). فإذا كان يقصد أهل البيت الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، ومنهم الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين عليهم السلام فقد ناقض نفسه، إذ كيف يصف الإمام الحسين عليه السلام ((إنه أهل للسيادة بنفسه وبنسبه))، ويقول قبلها: ((تتبعهم مشاعر الحقد وهم حكام جبارون)).
لقد تولى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إمارة البلاد وعاش الناسُ في بُلَهْنِية من العيش، وسموٍ في المعاني كانت مثالاً في الحياة الحرة السعيدة، ولم يشر أحد إلى حكم الإمام بالحقد والضغينة باستثناء القليل ممن أعمى الحقد بصيرته.
إنّ خطوات الإمام الحسين عليه السلام إزاء الحشد الشعبي تثير الانتباه، وعلينا أن نستفيد منها، ومن الطرق المثالية في هذا المجال ضمّ العائلة الكريمة إلى نهضته.
وهذه أمثلُ طريقةٍ يمكن عبرها تحشيد الناس، وتكوين واقع شعبي متميز يختلف في خصائصه عن الحشد الفوضوي.
لقد كوّن الإمام (صلوات الله عليه) واقع شعبي تميّز بالكفاءة والاستقامة والعلم.
ولولا الضغوط المتواصلة من الحكم السفياني، وتثبيط رجالات الحكم للناس بما فيهم وعّاظ السلاطين لتغيّرت المعادلة كلياً، ولرأينا الآلاف المؤلفة قد التحقت بثورة الإمام عليه السلام.
ولكن ماذا نفعل وفي كل نهضة مباركة نواجه وعّاظ السلاطين أمثال شريح القاضي، وسمرة بن جندب، وعروة بن الزبير، وغيرهم.
وفي نظري فإنّ أخطر ما يواجه النّهضات الصّالحة يكمن في وعّاظ السلاطين، فهؤلاء عقبة كأداء، قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ))[2].
فما لم تتخلّص النهضة من هؤلاء فلن تفلح في امتلاك الواقع الشعبي، إنّ إحدى وسائل السيطرة على وعّاظ السلاطين يتمثّل في فضحهم وكشف واقعهم السيئ.
وأنا لا أميل إلى استخدام العنف إزاءهم لأنّ العنف يعطيهم زخماً من المصداقية هم بأمسّ الحاجة إليه.
لقد ساهمت عائلة الإمام عليه السلام بما فيها النساء الطاهرات في حشد الكثير من الناس سواء قبل الثورة أو بعدها.
وقد أعطت عائلة الإمام عليه السلام بعداً عاطفياً أثّر كثيراً في تفجير الحسّ الإنساني لدى الناس، مما ساهم في إنشداد المجتمع إلى النهضة الحسينية المباركة.
ثم إنّ عقائل النبوة والرسالة جسّدوا واقعاً تجلى فيه كلّ معاني الإيثار ونكران الذات والإخلاص، فخلق صورة حية في أذهان المجتمع، أنّ الإمام صادق في مسعاه، وسليم في أهدافه التي تكمن في إصلاح الواقع الإسلامي الذي تراكمت عليه آثار الحكم الجاهلي تباعاً.
ومن جانب فإنّ عائلة الإمام خلقت جواً إعلامياً ظلّت تفاصيله تتفاعل في مفاصل المجتمع ممّا أثار سخط الناس على الحكم السفياني.
ولا شكّ فإنّ الإمام عليه السلام كان يحتاج إلى الإعلام كي يوصل صوت الثورة إلى أصقاع العالم، وأفضل من يوصل الصوت (المرأة اللبيبة والعاقلة)، فكانت العقيلة زينب عليها السلام التي صنعت قاعدة عريضة لثورة الإمام عليه السلام قبل وبعد الثورة، فالإمامعليه السلام هيّأ القلوب والنفوس في استقبال الحدث الكبير عبر الصوت العاقل الذي استطاع أن يصنع قاعدة عريضة ضدّ الحكم السفياني الذي حشد جميع القوى في مجابهة الإمام عليه السلام، وفي مقدمتهم وعّاظ السلاطين، فكان على الإمام عليه السلام أن يقدم على حشد القلوب والنفوس والعقول، وقد تهيأت.
جاء في كتاب (العسكرية الإسلامية ونهضتنا الحضارية) فيما يخص العامل المعنوي: ((ويعبر المشير مونتجمري عن أهمية العامل المعنوي فيقول: ((إنّ أعظم عامل من العوامل المؤدية إلى تحقيق النجاح هو روح المقاتل، وإنه لأمر جوهري وهام أن يفهم المرء أنّ المعارك تكسب أولاً وقبل كل شيء في قلوب الرجال، ومن أجل ذلك فإنّ جميع الجيوش تعنى أشد العناية بوضع النظم والأساليب التي تستهدف بناء معنويات رجالها والمحافظة عليها ووقايتها من عوامل الضعف أو الانهيار))[3].
لقد ملك الإمام عليه السلام القلوب بالقناعة والإيمان، ثم استولى على النفوس بالحب والمودة، وفتح العقول بالفكر والعلم، ثم خاض المعركة ضد الطغمة الحاكمة، فأعطت نتائج مهمة.
وقد يسأل البعض: وأين الدعم الشعبي من ثورة الإمام ومجموع من التحق بالإمام عليه السلام لا يتعدى المائة، وفي رواية مائة وخمسين؟!. والجواب:
أولاً
إنّ النتائج التي تمخّضت عنها ثورة الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام تؤكّد الواقع المثالي للدعم الشعبي الذي ملكته ثورة الإمام عليه السلام، ومن جانب فإنّ حجم الرفض الشعبي لحكم الطغمة السفيانية يؤكّد على تفاعل الناس مع الثورة، فالشام كادت أن تنقلب على يزيد كما يذكر المؤرخون.
ثانياً
إن الكثير كان يرغب في الانضمام إلى جيش الإمام، وهذا ما يؤكده قول الفرزدق: ((قلوب الناس معك وسيوفهم عليك))[4]، ولكن وكما أسلفنا فإنّ همّة وعّاظ السلاطين كانت عالية في تثبيط الناس وإركاسهم في مستنقع الذلة والمهانة.
ثالثاً
إنّ معظم البلدان كانت ترفض الانضمام إلى جيش يزيد بن معاوية، فالبصرة لم يخرج منها أحد، وكذلك المدينة واليمن وغيرها من المدن.
وإذا جئنا إلى الكوفة فإنّها كانت عصيّة وتعيش هاجس الثورة الأمر الذي أدّى بعبيد الله بن زياد إلى تسفير (50 ألف) عائلة موالية لآل البيت عليهم السلام إلى إيران.
إنّ أي نهضة لابدّ أن تملك عمقاً استراتيجياً يتمثّل أولاً في المبادئ، وثانياً في الدعم الشعبي، وثالثاً في التخطيط الاستراتيجي، وهذه العوامل تعدّ من القواعد الأساسية التي تقوم عليها النّهضات لأنها تساهم بشكل فعال في تحقيق النتائج المطلوبة فضلاً عن امتلاكها قوة المبادرة التي باتت إحدى العوامل المساعدة في تحقيق النتائج، ومن العوامل المهمة لنجاح النّهضة يكمن في ((الدعم الشعبي)).
فباتساعه وقوة فاعليته يعطي للنهضة قوة لكي تأخذ حجمها المطلوب في واقع الأمة، لذا أثبت علم الاجتماع فيما يخص تقدم النهضات، إنّ نجاح أيّ نهضة مرهون بمدى تقدم علاقاتها الاجتماعية من هنا فإنّ النهضات التي حقّقت النجاحات المطلوبة إنما انطلقت من عمق علاقتها بالمجتمع.
فالنهضات العملاقة هي الضاربة في عمق المجتمع، وبعمق جذورها تعلو سماها كما يقول علماء الحضارة.
ولقد امتلكت نهضة الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام عمقاً اجتماعياً قلّ نظيره.
جاء في كتاب (من معالم الحق) للشيخ محمد الغزالي:
((إنّ ملوك بني أمية لما أخطأوا لُعنوا وتنادى المسلمون عليهم من كل جانب حتى أسقطوا دولتهم، وما كان ذلك يحدث لو تولى الأمر أهل البيت، ولما يعلمه النهازون والدجّالون من محبّة المسلمين لنبيهم وبيته اصطنعوا أنساباً يمتّون بها إليه، وأقاموا حكومات كانت بسيرتها المنحرفة وبالاً على الإسلام وأهله، وتاريخنا السابق واللاحق يحكي أبناء أسر انتحلت الشرف، والشرف هو بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالتوالد، وباسم هذا الشرف المكذوب أُلحقت بالأمة الإسلامية من الأذى ما تزال تترنح منه حتى الساعة.
لقد أصاب ابن عمر في قوله للحسين: ((والله لا يليها أحد منكم أبداً)).
لقد صرف الله الحكم بخيره وشره عن آل محمد ليسوي الناس شؤونهم بأنفسهم، ويحلّون مشكلاتهم مع حكامهم بأيديهم باللطف أو بالعنف، باللسان أو بالسنان.
وخير لآل محمد أن تسبغ عليهم مشاعر العطف وهم مظلومون من أن تتبعهم مشاعر الحقد، وهم حكام جبارون (يا للعجب).
بيد أن حسيناً هاجته رسائل أهل العراق وهم يستقدمونه ليجعلوا الأمر له، إنه أهلٌ للسيادة بنفسه وبنسبه، وها هي ذي الجموع تدعوه فكيف يتأخر))[1].
لقد أشار الشيخ محمد الغزالي إلى الموقع الذي يمتلكه الإمام عليه السلام في قلوب الناس ((إنه أهل للسيادة بنفسه وبنسبه، وها هي ذي الجموع تدعوه فكيف يتأخر)). ولكن الشيخ أخطأ في عبارته ((وخير لآل محمد أن تسبغ عليهم مشاعر العطف وهم مظلومون من أن تتبعهم مشاعر الحقد، وهم حكام جبارون)). فإذا كان يقصد أهل البيت الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، ومنهم الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين عليهم السلام فقد ناقض نفسه، إذ كيف يصف الإمام الحسين عليه السلام ((إنه أهل للسيادة بنفسه وبنسبه))، ويقول قبلها: ((تتبعهم مشاعر الحقد وهم حكام جبارون)).
لقد تولى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إمارة البلاد وعاش الناسُ في بُلَهْنِية من العيش، وسموٍ في المعاني كانت مثالاً في الحياة الحرة السعيدة، ولم يشر أحد إلى حكم الإمام بالحقد والضغينة باستثناء القليل ممن أعمى الحقد بصيرته.
إنّ خطوات الإمام الحسين عليه السلام إزاء الحشد الشعبي تثير الانتباه، وعلينا أن نستفيد منها، ومن الطرق المثالية في هذا المجال ضمّ العائلة الكريمة إلى نهضته.
وهذه أمثلُ طريقةٍ يمكن عبرها تحشيد الناس، وتكوين واقع شعبي متميز يختلف في خصائصه عن الحشد الفوضوي.
لقد كوّن الإمام (صلوات الله عليه) واقع شعبي تميّز بالكفاءة والاستقامة والعلم.
ولولا الضغوط المتواصلة من الحكم السفياني، وتثبيط رجالات الحكم للناس بما فيهم وعّاظ السلاطين لتغيّرت المعادلة كلياً، ولرأينا الآلاف المؤلفة قد التحقت بثورة الإمام عليه السلام.
ولكن ماذا نفعل وفي كل نهضة مباركة نواجه وعّاظ السلاطين أمثال شريح القاضي، وسمرة بن جندب، وعروة بن الزبير، وغيرهم.
وفي نظري فإنّ أخطر ما يواجه النّهضات الصّالحة يكمن في وعّاظ السلاطين، فهؤلاء عقبة كأداء، قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ))[2].
فما لم تتخلّص النهضة من هؤلاء فلن تفلح في امتلاك الواقع الشعبي، إنّ إحدى وسائل السيطرة على وعّاظ السلاطين يتمثّل في فضحهم وكشف واقعهم السيئ.
وأنا لا أميل إلى استخدام العنف إزاءهم لأنّ العنف يعطيهم زخماً من المصداقية هم بأمسّ الحاجة إليه.
لقد ساهمت عائلة الإمام عليه السلام بما فيها النساء الطاهرات في حشد الكثير من الناس سواء قبل الثورة أو بعدها.
وقد أعطت عائلة الإمام عليه السلام بعداً عاطفياً أثّر كثيراً في تفجير الحسّ الإنساني لدى الناس، مما ساهم في إنشداد المجتمع إلى النهضة الحسينية المباركة.
ثم إنّ عقائل النبوة والرسالة جسّدوا واقعاً تجلى فيه كلّ معاني الإيثار ونكران الذات والإخلاص، فخلق صورة حية في أذهان المجتمع، أنّ الإمام صادق في مسعاه، وسليم في أهدافه التي تكمن في إصلاح الواقع الإسلامي الذي تراكمت عليه آثار الحكم الجاهلي تباعاً.
ومن جانب فإنّ عائلة الإمام خلقت جواً إعلامياً ظلّت تفاصيله تتفاعل في مفاصل المجتمع ممّا أثار سخط الناس على الحكم السفياني.
ولا شكّ فإنّ الإمام عليه السلام كان يحتاج إلى الإعلام كي يوصل صوت الثورة إلى أصقاع العالم، وأفضل من يوصل الصوت (المرأة اللبيبة والعاقلة)، فكانت العقيلة زينب عليها السلام التي صنعت قاعدة عريضة لثورة الإمام عليه السلام قبل وبعد الثورة، فالإمامعليه السلام هيّأ القلوب والنفوس في استقبال الحدث الكبير عبر الصوت العاقل الذي استطاع أن يصنع قاعدة عريضة ضدّ الحكم السفياني الذي حشد جميع القوى في مجابهة الإمام عليه السلام، وفي مقدمتهم وعّاظ السلاطين، فكان على الإمام عليه السلام أن يقدم على حشد القلوب والنفوس والعقول، وقد تهيأت.
جاء في كتاب (العسكرية الإسلامية ونهضتنا الحضارية) فيما يخص العامل المعنوي: ((ويعبر المشير مونتجمري عن أهمية العامل المعنوي فيقول: ((إنّ أعظم عامل من العوامل المؤدية إلى تحقيق النجاح هو روح المقاتل، وإنه لأمر جوهري وهام أن يفهم المرء أنّ المعارك تكسب أولاً وقبل كل شيء في قلوب الرجال، ومن أجل ذلك فإنّ جميع الجيوش تعنى أشد العناية بوضع النظم والأساليب التي تستهدف بناء معنويات رجالها والمحافظة عليها ووقايتها من عوامل الضعف أو الانهيار))[3].
لقد ملك الإمام عليه السلام القلوب بالقناعة والإيمان، ثم استولى على النفوس بالحب والمودة، وفتح العقول بالفكر والعلم، ثم خاض المعركة ضد الطغمة الحاكمة، فأعطت نتائج مهمة.
وقد يسأل البعض: وأين الدعم الشعبي من ثورة الإمام ومجموع من التحق بالإمام عليه السلام لا يتعدى المائة، وفي رواية مائة وخمسين؟!. والجواب:
أولاً
إنّ النتائج التي تمخّضت عنها ثورة الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام تؤكّد الواقع المثالي للدعم الشعبي الذي ملكته ثورة الإمام عليه السلام، ومن جانب فإنّ حجم الرفض الشعبي لحكم الطغمة السفيانية يؤكّد على تفاعل الناس مع الثورة، فالشام كادت أن تنقلب على يزيد كما يذكر المؤرخون.
ثانياً
إن الكثير كان يرغب في الانضمام إلى جيش الإمام، وهذا ما يؤكده قول الفرزدق: ((قلوب الناس معك وسيوفهم عليك))[4]، ولكن وكما أسلفنا فإنّ همّة وعّاظ السلاطين كانت عالية في تثبيط الناس وإركاسهم في مستنقع الذلة والمهانة.
ثالثاً
إنّ معظم البلدان كانت ترفض الانضمام إلى جيش يزيد بن معاوية، فالبصرة لم يخرج منها أحد، وكذلك المدينة واليمن وغيرها من المدن.
وإذا جئنا إلى الكوفة فإنّها كانت عصيّة وتعيش هاجس الثورة الأمر الذي أدّى بعبيد الله بن زياد إلى تسفير (50 ألف) عائلة موالية لآل البيت عليهم السلام إلى إيران.
ـــــــــــــــــــــــ
[1] من معالم الحق ص109 للشيخ محمد الغزالي ط نهضة مصر.
[2] التوبة: ٣٤.
[3] العسكرية الإسلامية ونهضتنا الحضارية: اللواء الركن محمد جمال الدين محفوظ، ص37، عن دائرة الصحافة.
[4] مقاتل الطالبيين: أبو الفرج الأصفهاني، ص73. الإرشاد: الشيخ المفيد، ج2/ص67.
[2] التوبة: ٣٤.
[3] العسكرية الإسلامية ونهضتنا الحضارية: اللواء الركن محمد جمال الدين محفوظ، ص37، عن دائرة الصحافة.
[4] مقاتل الطالبيين: أبو الفرج الأصفهاني، ص73. الإرشاد: الشيخ المفيد، ج2/ص67.
إرسال تعليق