هل يجوز للمسلم أن يقول: (علي صلوات الله عليه)؟

بقلم: الشيخ وسام البلداوي

اجتمعت كلمة الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قبل شيعتهم في جواز ان يصلي المؤمن على غير الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فجوزوا الصلاة على سائر الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وعلى الصديقة السيدة فاطمة بنت محمد صلوات الله وسلامه عليها، بل وجوزوا الصلاة على غيرهم من الأولياء والصلحاء، والأحاديث المنقولة عنهم والزيارات التي وردت بحقهم وبحق بعض الأولياء والصلحاء كالعباس ابن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، وكثير من أولاد الأئمة وأصحابهم كسلمان المحمدي وغيره، كل هذا وغيره خير شاهد على جواز ذلك.

أما باقي مذاهب المسلمين فتكاد تجمع على عدم جواز ذلك، لان الصلاة بزعمهم كما يقول عبد الكريم الرافعي في فتح العزيز: (قد صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما أن قولنا عز وجل صار مخصوصا بالله تعالى جده وكما لا يقال محمد عز وجل وإن كان عزيزا جليلا لا يقال أبو بكر وعلي صلوات الله عليهما وإن صح المعنى)[1].

وقال محيي الدين النووي في روضة الطالبين: (قال الأئمة: وينبغي أن لا يقول: اللهم صل عليه، وإن ورد في الحديث، لان الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه. وكما أن قولنا. عز وجل. صار مخصوصا بالله تعالى. فكما لا يقال: محمد عز وجل وإن كان عزيزا جليلا، لا يقال: أبو بكر، أو علي، صلى الله عليه، وإن صح المعنى)[2].

وقال الآلوسي في تفسيره: (وقال القاضي عياض: الذي ذهب إليه المحققون وأميل إليه ما قاله مالك. وسفيان، واختاره غير واحد من الفقهاء والمتكلمين أنه يجب تخصيص النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالصلاة والتسليم كما يختص الله سبحانه عند ذكره بالتقديس والتنزيه ويذكر من سواهم بالغفران والرضا)[3].

وقال المقريزي: (الرابع: أن الصلاة صارت في لسان الأمة مخصوصة بالنبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم تذكر مع ذكر اسمه لا يسوغ ذلك لغيره وكما لا يقال محمد عز وجل ولا محمد سبحانه وتعالى لئلا يعطى رتبة الخالق فهكذا لا ينبغي أن تعطى غير النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم رتبته فيقال: فلان صلى الله عليه وسلم)[4].

وخالف هذا الحكم بعض أئمتهم فذهب البعض إلى الكراهة وذهب آخر إلى الجواز لان الصلاة بمعنى الدعاء فتجوز لكل احد، قال الرافعي في فتح العزيز: (وصرح ــ الصيدلاني ــ بنفي الكراهة في العدة وقال أيضا الصلاة بمعنى الدعاء تجوز على كل أحد أما بمعنى التعظيم والتكريم يختص به الأنبياء عليهم السلام والمشهور ما سبق ــ وهو عدم الجواز ــ)[5].

وقال الآلوسي: (وحمل البيهقي القول بالمنع على ما إذا جعل ذلك تعظيما وتحية وبالجواز عليها إذا كان دعاء وتبركا، واختار بعض الحنابلة أن الصلاة على الآل مشروعة تبعا وجائزة استقلالا وعلى الملائكة وأهل الطاعة عموما جائزة أيضا وعلى معين شخص أو جماعة مكروهة)[6].

سبب رفض بعض المذاهب الصلاة على غير الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين


وقد بين غير واحد من المخالفين سبب حكمهم بعدم جواز الصلاة على غير الأنبياء والمرسلين، لان الصلاة على بعض الأولياء والأئمة قد أصبح شعارا للشيعة الإمامية ولكي يمنعوا أتباعهم من التشبه بشيعة أهل البيت منعوا عليهم ذلك ولم يجوزوه، قال الرافعي: (فقد ثبت نهي مقصود عن التشبه بأهل البدع وإظهار شعارهم والصلاة على غير الأنبياء مما اشتهر بالفئة الملقبة بالرفض)[7].

وقال محيي الدين النووي: (وهل ذلك مكروه كراهة تنزيه، أم هو مجرد ترك أدب ؟ فيه وجهان. الصحيح الأشهر: أنه مكروه، لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم. والمكروه: هو ما ورد فيه نهي مقصود)[8].

وقال ابن عابدين: (فهو أمر لم يكن معروفا في الصدر الأول، وإنما حدثه الرافضة في بعض الأئمة، والتشبه بأهل البدع منهي عنه فتجب مخالفتهم)[9].

وقال ابن كثير الشانئ لكل ما يرفع من مقام أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين: (لا يجوز ذلك لان الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار أهل الأهواء يصلون على من يعتقدون فيهم فلا يقتدى بهم في ذلك والله أعلم... وقد غلب في هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب أن يفرد علي رضي الله عنه بأن يقال عليه السلام من دون سائر الصحابة أو كرم الله وجهه وهذا وإن كان معناه صحيحا ولكن ينبغي أن يسوى بين الصحابة في ذلك فإن هذا من باب التعظيم والتكريم فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه)[10] أقول: بل أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وسائر الأئمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولى من هؤلاء وأولى، ولو كان كلام هذا الشانئ صحيحا لضمهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة عليه وعلى اله الأطهار فلما لم يفعل ذلك علمنا ان مرتبتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين تفوق مرتبة من ذكرهم ابن كثير بل تفوق مراتب العالمين جميعا انسهم وجنهم على رغم انف ابن كثير وغيره من المتعصبين.

وقال الآلوسي: (ولو قيل بتحريمها لم يبعد سيما إذا جعل ذلك شعارا له وحده دون مساويه ومن هو خير منه كما تفعل الرافضة بعلي كرم الله وجهه)[11].

وقال المقريزي: (إن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم قد صارت شعار أهل البدع ذكره النووي ومعنى ذلك أن الرافضة إذ ذكروا أئمتهم صلوا عليهم ولا يصلون على غيرهم فاستحبوا مخالفتهم في ذلك الشعار)[12].

ولرد هذه العصبية البغيضة لا نزيد في القول على ما سطره المحقق البحراني قدس الله روحه في الحدائق الناضرة حيث قال: (ومن أفحش تعصباتهم أنهم مع رواية هذه الأخبار[13] أجمعوا على عدم جواز الصلاة على غيره «صلى الله عليه وآله» وغير الأنبياء بل صرح جملة منهم بالمنع من ضم آله في الصلاة إليه كل ذلك عداوة وبغضا لهم «عليهم السلام» بل صرح بعضهم بالاعتراف بذلك وأنهم إنما تركوها مراغمة للشيعة حيث إنهم يضمون أهل بيته إليه «صلى الله عليه وآله» في الصلاة عليه)[14].

ـــــــــــــــ
[1] فتح العزيز لعبد الكريم الرافعي ج5 ص529 ــ 530.
[2] روضة الطالبين لمحيي الدين النووي ج 2ص 69 ــ70.
[3] تفسير الآلوسي ج 11 ص 6.
[4] إمتاع الأسماع للمقريزي ج 10 ص 373 ــ 374.
[5] فتح العزيز لعبد الكريم الرافعي ج5 ص530.
[6] تفسير الآلوسي ج 22 ص 86.
[7] المصدر السابق.
[8] روضة الطالبين لمحيي الدين النووي ج 2ص 69 ــ70.
[9] تكملة حاشية رد المحتار لابن عابدين «علاء الدين» ج 1 ص 344.
[10] تفسير ابن كثير ج 3 ص 524.
[11] تفسير الآلوسي ج 22 ص 86.
[12] إمتاع الأسماع للمقريزي ج10 ص373.
[13] يقصد قدس الله روحه بالأخبار، أخبار تخصيص الصلاة بالآية الشريفة بالنبي الأعظم وآله الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
[14] الحدائق الناضرة للمحقق البحراني ج 8 ص 465 ــ 466.

إرسال تعليق