المفهوم المنحرف للمناقب في الإيديولوجيا الأموية

بقلم: السيد نبيل الحسني

في العقيدة الأموية للمنقبة مفهوماً آخر يرتكز على تسقيط الخصم والنيل منه بغض النظر عن ما لهذا الخصم من تقوى أو كرم أفعال أو شأنية اجتماعية وذلك أن هذه المراتب الثلاثة لا وجود لها في هذه العقيدة؛ إذ الرؤية مختلفة، والمعطيات الفكرية مغايرة لما عليه القرآن واللغة والعرف العربي.


وخير شاهد على هذه الإيديولوجيا في المجتمع العربي والإسلامي ما رواه ابن أبي الحديد المعتزلي وغيره عن ابن الكلبي عن أبيه، عن عبد الرحمن بن السائب، قال: (قال الحجاج يوماً لعبد الله بن هانئ، وهو رجل من بني أود ــ هي من قحطان ــ وكان شريفاً في قومه، قد شهد مع الحجاج مشاهده كلها، وكان من أنصاره وشيعته: والله ما كافأتك بعد!

ثم أرسل إلى أسماء بن خارجة سيد بنى فزارة: أن زوج عبد الله بن هانئ بابنتك فقال: لا والله ولا كرامة!، فدعا بالسياط، فلما رأى الشر قال: نعم أزوجه.

ثم بعث إلى سعيد بن قيس الهمداني رئيس اليمانية: زوج ابنتك من عبد الله بن أود.

فقال: ومن أود! لا والله لا أزوجه ولا كرامة!

فقال: عليّ بالسيف، فقال: دعني حتى أشاور أهلي، فشاورهم، فقالوا: زوجه ولا تعرض نفسك لهذا الفاسق، فزوجه.

فقال: الحجاج لعبد الله: قد زوجتك بنت سيد فزارة وبنت سيد همدان، وعظيم كهلان وما أود هناك!

فقال: لا تقل أصلح الله الأمير ذاك! فإن لنا مناقب ليست لأحد من العرب، قال: وما هي؟

قال: ما سب أمير المؤمنين عبد الملك في ناد لنا قط. قال: منقبة والله.

قال: وشهد منا صفين مع أمير المؤمنين معاوية سبعون رجلا، ما شهد منا مع أبي تراب إلا رجل واحد، وكان والله ما علمته امرأ سوء. قال: منقبة والله.

قال: ومنا نسوة نذرن، إن قتل الحسين بن علي أن تنحر كل واحدة عشر قلائص، ففعلن. 

قال: منقبة والله.

قال: وما منا رجل عرض عليه شتم أبي تراب ولعنه إلا فعل وزاد ابنيه حسناً وحسيناً وأمهما فاطمة. قال: منقبة والله.

قال: وما أحد من العرب له من الصباحة والملاحة ما لنا.

فضحك الحجاج، وقال: أما هذه يا أبا هانئ فدعها وكان عبد الله دميما شديد الأدمة مجدورا، في رأسه عجر، مائل الشدق، أحول، قبيح الوجه، شديد الحول)[1].

فهذا المنهج الجديد أخذ في النفوذ في المجتمع الإسلامي منعكساً على العلاقات الفردية والأسرية فضلاً عن تفريق الأمة وتمزيق وحدتها وذلك لضياع المنهج القرآني في ضبط العلاقات الاجتماعية وحفظ الحقوق الشخصية ولم يعد الإنسان يرى لأحد من أهل الدين والعلم والأخلاق شأناً فقد اختلفت المفاهيم وتداخلت القيم فما هو مثلبة أصبح منقبة وما هو قبيح أصبح جميلاً إذ لم يعد للقبح في المجتمع ضابطة ولا للجمال رؤية فقد ذهبت الدلالات، حتى الرموز والإشارات أصبحت عاجزة عن البيان لهذا الإنسان.

ــــــــــــ
[1] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج4، ص61؛ الغارات للثقفي: ج2، ص842 ــ 843؛ النصائح الكافية لابن عقيل: ص106؛ فرحة الغري لابن طاووس: ص52.

إرسال تعليق