تأليف صباح عباس حسن الساعدي
لا خلاف في أن كل رواية وكل دليل جاء في سنة النبي وأهل بيته عليهم السلام، لا بد أن يعرض على الكتاب الكريم، فإن وافق الكتاب جاز الأخذ به بل وجب، وإن خالفه فلا يجوز الأخذ به، وهذا أمر لا نقاش فيه بين العلماء، وما ذكر في علم الأئمة عليهم السلام مخالف للكتاب؛ فقد وردت آيات قرآنية دلت على عدم علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
كما في قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[1]. وقوله عز وجل: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}[2]. وقوله: {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}[3].
إلى غير ذلك من الآيات المشابهة لما ذكرنا، وهذه الآيات صريحة في نفي العلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ثبت في محله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من جميع الأئمة اتفاقاً، فما يثبت لهم عليهم السلام يثبت له صلى الله عليه وآله وسلم بالأولوية، وكذا ما لا يناله صلى الله عليه وآله وسلم لا يناله الأئمة عليهم السلام بوجه أولى، فبمقتضى الأولوية تكون أدلة الإطلاقية معارضة للقرآن، فلا بد من تركها وضربها عرض الجدار. {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}.
الجواب عن هذه الشبهة
وفي مقام الجواب على هذه الشبهة نقول:
أولاً: من الممكن أن نذكر توجيها لهذه الآيات؛ بحيث يجعلها منسجمة مع النظرية تمام الانسجام والوئام، وهو أن العلم المنفي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو العلم الاستقلالي والذاتي له، أي أن المراد من الآيات هو: أنك - أيها النبي - لولا تعليم الله لك وإفاضته عليك لما كنت تعلم شيئاً إطلاقاً، وهذا هو مقتضى فقر البشر إلى الله، لكنه تعالى منَّ عليك فأعطاك علوم الأولين والآخرين، وعلمك كل شيء قابل للتعلم منذ أن خلقك، لعلمه بحقيقتك.
وقد ذكر بعض المحققين كلاماً قريباً مما ذكرنا ناسب نقله لتعميم الفائدة، قال الميرزا أبو الحسن الشعراني:«... وقد أجبنا بذلك عن سؤال ورد علينا في علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام، مضمونه: أنكم تقولون: إنهم عليهم السلام كانوا عالمين بكل شيء منذ بدء وجودهم، وقد قال الله تعالى خطاباً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ}.
فقلت في الجواب: لا يدعي أحد من الشيعة الإمامية أن النبي والأئمة عليهم السلام كانوا مستغنين عن الله تعالى، بلى ندعي استغناءهم عن الخلق فقط، علمهم بتعليم الله تعالى إياهم، ولم يكن علمهم عين ذاتهم، فإن هذه خاصة لواجب الوجود، ولا ينافي ذلك كونهم عالمين منذ بدء خلقتهم من الله تعالى، ولو لم يكن تعليمه إياهم لم يكونوا عالمين بذاتهم، كما أن وجودهم من الله تعالى، ولولا إيجاده لم يكونوا موجودين بذاتهم، فعدم علمهم مقدَّم على علمهم؛ لأن عدم علمهم ذاتي وعلمهم مقتبس من العلة، وما بالذات مقدم على ما بالغير، والآيتان لا تدلاَّن على مضي زمان عليه صلى الله عليه وآله وسلم وهو جاهل، إلا إنْ ادَّعى مدَّع اختصاص التقدم والتأخر عرفاً ولغةً بالزمانيين، وليس كذلك، بل يطلقان على الذاتيين أيضاً؛ إذ لا يختلف أهل العربية في أن الفاء وثم تدلاَّن على الترتب، ومع ذلك يصح في اللغة أن يقال: تحركت اليد فتحرك المفتاح دون العكس، مع كون الحركتين معاً زماناً، وتأخر حركة المفتاح عن حركة اليد ليس بالزمان بل بالذات؛ فثبت أن أهل العرف واللغة يعرفون معنى التأخر الذاتي ويستعملونه في كلامهم، ولا يجب حمل جميع ما ورد في الكتاب والسنة من الترتب والتأخر على الزماني، ولا يصح دعوى مَن يدعي اختصاص التأخر الذاتي بأصحاب العلوم النظرية، وأنه شيء لا يعرفه أهل اللغة والعرف، فقوله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}. أي: ما كنت تعرفها بنفسك، بل هو شيء عرفته بتعليم الله تعالى إياك منذ أول خلقتك» [4].
ــــــــــــــــ
[1] الأعراف: 188.
[2] الشورى: 52.
[3] هود: 49.
[4] المازندراني، محمد صالح، شرح أصول الكافي، ج 4، ص 143، هامش رقم 3.
إرسال تعليق