بقلم:
الأستاذ المساعد الدكتور حاتم جاسم عزيز السعدي
خرج من المدينة بأهله وصحبه متوجهاً إلى مكة
ممتنعاً عن بيعة يزيد وكان خروجه ليلة الأحد ليومين بقيا من شهر رجب سنة 60 هـ وهو
يتلو قوله تعالى: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي
مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (القصص: 21).
فدخل مكة لثلاث مضين من شعبان سنة 60 هـ وهو يتلو
قوله تعالى: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ
يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) (القصص: 22).
ثم وافته كتب أهل الكوفة ووفودهم بالبيعة والطاعة
حتى اجتمع عنده اثنا عشر ألف كتاب. وعلى اثر ذلك أرسل من مكة ابن عمه مسلم بن عقيل
إلى الكوفة سفيراً وممثلاً. بلغه أن يزيد بن معاوية أرسل إليه من يغتاله ولو كان
متعلقاً بأستار الكعبة.
ونتيجة لذلك خرج من مكة في اليوم الثامن من شهر ذي
الحجة ـ يوم التروية ـ سنة 60 هـ بعد أن خطب فيها معلناً دعوته. وبعد رحلة طويلة
وشاقة دخل العراق في طريقه إلى الكوفة ولازمه مبعوث ابن زياد ـ الحر بن يزيد
الرياحي ـ حتى أورده كربلاء. وكان وصوله الى كربلاء في اليوم الثاني من المحرم سنة
61 هجرية.
وما إن حط رحله بكربلاء حتى أخذت جيوش ابن زياد
تتلاحق حتى بلغت ثلاثين ألفاً. وبعد معركة باسلة استشهد هو وأهل بيته وأصحابه يوم
الجمعة لعشر خلون من شهر محّرم الحرام سنة 61 من الهجرة، وقيل يوم السبت في كربلاء[1]
في واقعة الطف[2].
حُمِل رأسه الشريف إلى الكوفة في ليلة الحادي عشر
من المحرم. حملت عائلته من كربلاء في اليوم الحادي عشر وجيء بهم إلى الكوفة سبايا،
ثم حملوا منها إلى الشام. دفنه ابنه زين العابدين عليه السلام في اليوم الثالث عشر
من المحرم. وكان أول من زاره الصحابي الكبير جابر بن عبد الله الأنصاري في العشرين
من شهر صفر سنة 61 هـ كما زاره في هذا اليوم ابنه زين العابدين عليه السلام مع
باقي العائلة وذلك في طريقهم إلى المدينة بعد أن طيف بهم في الكوفة والشام[3].
قبره في كربلاء ينافس السماء علوًا وازدهاراً، عليه
قبة ذهبية ترى من عشرات الأميال، ويزدحم المسلمون من شرق الأرض وغربها لزيارته،
والصلاة في حرمه، والدعاء عند رأسه الشريف.
إنّ حياة الإمام الحسين من ولادته إلى شهادته حافلة
بالأحداث والاشارة - فضلاً عن الإحاطة - إلى كل ما يرجع إليه يحتاج إلى تأليف
مفرد، وقد أغنانا في ذلك ما كتبه المؤلّفون والباحثون عن جوانب من حياته عليه
السلام إذ تحدثوا في مؤلّفاتهم المختلفة عن النصوص الواردة من جدّه وأبيه في حقّه،
وعن علمه ومناظراته، وخطبه وكتبه وقصار كلمه، وفصاحته وبلاغته، ومكارم أخلاقه
وكرمه وجوده، وزهده، وعبادته، ورأفته بالفقراء والمساكين، وعن أصحابه والرواة عنه،
والجيل الذي تربّى على يديه.
وذلك في مؤلّفات قيمة.
غير أنّ للحسين عليه السلام وراء ذلك، خصيصه أُخرى وهي كفاحه وجهاده الرسالي
والسياسي الذي عُرِفَ به، والذي أصبح مدرسة سياسية دينية، لعلها أصبحت الطابع
المميز له عليه السلام والصبغة التي اصطبغت حياته الشريفة بها، وأسوة وقدوة مدى
أجيال وقرون، ولم يزل منهجه يؤثّر في ضمير الامّة ووعيها، ويحرّك العقول
المتفتّحة، والقلوب المستنيرة إلى التحرّك والثورة ومواجهة طواغيت الزمان بالعنف
والشدّة.
[1]. كربلاء مدينة إسلامية مقدسة، وهي مشهورة في التاريخ
الإسلامي وكذلك قبل الإسلام بزمن بعيد. وتقع مدينة كربلاء على بعد 105 كم إلى الجنوب الغربي من
العاصمة العراقية بغداد، على حافة الصحراء في غربي الفرات وعلى الجهة اليسرى لجدول
الحسينية. وتقع المدينة على خط طول 44 درجة و40 دقيقة، وعلى خط عرض 33 درجة و31
دقيقة، ويحدّها من الشمال محافظة الأنبار، ومن الجنوب محافظة النجف، ومن الشرق
محافظة بابل وقسم من محافظة بغداد، ومن الغرب بادية الشام وأراضي المملكة العربية
السعودية.
[2]. البغدادي، ابي بكر محمد بن أبى الثلج:
تاريخ الائمة، قم، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، مطبعة الصدر، 1406هـ، ص8.
[3]. الطبرسي، أبي الفضل علي: مشكاة
الأنوار، ط2، النجف، المكتبة الحيدرية، 1965، ص170.
إرسال تعليق