لو كان الأئمة يعلمون الغيب المطلق فلماذا يزداد علمهم كل ليلة جمعة؟

بقلم: الشيخ صباح عباس حسن الساعدي

إن هناك مجموعة من الروايات دلت على أنهم عليهم السلام يزدادون في كل ليلة جمعة وهذه الروايات إنما تنسجم مع القول بعدم علمهم عليهم السلام.

من ضمن الشبهات التي يمكن أن تواجه نظرية علم الإمام المطلق، هو بعض ما ورد من الأخبار التي تصرح بأن الأئمة عليهم السلام يزدادون علماً في كل ليلة جمعة، فقد أورد الكليني في الكافي باباً خاصاً أسماه بـ: (في أن الأئمة عليهم السلام يزدادون في ليلة الجمعة)، وقد ذكر فيه روايات ثلاث، نذكر واحدة منها: فعن أبي يحيى الصنعاني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «قال لي: يا أبا يحيى، إن لنا في ليالي الجمعة لشأنا من الشأن. قال: قلت: جعلت فداك، وما ذاك الشأن؟ قال: يؤذن لأرواح الأنبياء الموتى عليهم السلام، وأرواح الأوصياء الموتى، وروح الوصي الذي بين ظهرانيكم، يعرج بها إلى السماء، حتى توافي عرش ربها، فتطوف به أسبوعاً، وتصلي عند كل قائمة من قوائم العرش ركعتين، ثم تُردُّ إلى الأبدان التي كانت فيها، فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملؤا سروراً، ويصبح الوصي الذي بين ظهرانيكم وقد زيد في علمه مثل جم الغفير»[1].

الجواب عن هذه الشبهة


إنّ هذه الروايات لا يمكن الأخذ بها لأمور:

الجواب الأول: إن هذه الروايات ضعيفة السند


فالرواية الأولى المذكورة في الكافي ضعيفة بموسى بن سعدان؛ حيث ضعفه علماء الرجال[2].

والثانية ضعيفة أيضاً بأحمد بن أبي زاهر؛ فقد ضعفه النجاشي، وقال:«...وحديثه ليس بذلك النقي...»[3]، وبيوسف الأبزاري أيضاً؛ حيث إنه لم يذكروه في كتبهم[4].

وأما الرواية الثالثة والأخيرة، فهي كسابقتيها من جهة سلمة بن الخطاب؛ حيث ضعفه الأعلام في كتبهم[5].

وعليه فلا توجد رواية من هذه الطائفة يمكن الاعتماد عليها، أو تقع معارضاً للروايات التي تثبت كون علمهم مطلق والتي هي صحيحة السند، بل متواترة.

الجواب الثاني: ان هذه الروايات أخبار آحاد وهي معارضة بالمتواتر


لو سلمنا جدلاً بأن هذه الروايات صحيحة السند، فهي أيضاً لا تصمد أمام الجم الغفير من الأدلة التي ذكرت على نظرية علم الإمام عليه السلام، فتلك متواترة وموافقة للقرآن، وهذه أخبار آحاد، فلا يمكن الأخذ بها والتعويل عليها.

الجواب الثالث: ان هذه الروايات جاءت لمراعاة حال السائل أو السامع


يحتمل أن يكون الإمام عليه السلام راعى السامعين في هذه الروايات؛ كأن كان من الحاضرين من لا يتحمل ما هو الواقع في علمهم عليهم السلام، مع علمه بأن علومهم تفوق علوم الجميع، ولا يقاس بهم أحد، فأراد العلم ومعرفة كيفية علمهم عليهم السلام، فذكر له الإمام إحدى الحالات التي تتجلى فيها الأشياء، وتنكشف له بحقائقها.

قال المولى المازندراني:«... أن علومهم بالأشياء التي توجد علوم إجمالية ظلية، وعند ظهورها عليهم في الأعيان كل يوم وليلة علوم شهودية حضورية، ولا شبهة في أن الثاني مغاير للأول وأكمل منه، والله أعلم...»[6].

ــــــــــــــــــــــ
[1] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص253.
[2] أُنظُر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، ص404. وأيضاً: ابن الغضائري، أحمد بن الحسين، رجال ابن الغضائري، ص90. وأيضاً: الحلي، الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال، ص406.
[3] أُنظُر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، ص88.
[4] أُنظُر: الشاهرودي، علي، مستدركات علم رجال الحديث، ج8، ص285.
[5] أُنظُر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، ص187. وأيضاً ابن الغضائري، أحمد بن الحسين، رجال ابن الغضائري، ص66. وأيضاً: الحلي، الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال، ص354.
[6] أُنظُر: المازندراني، محمد صالح، شرح أصول الكافي، ج5، ص337.

إرسال تعليق