بقلم: الشيخ علي الفتلاوي
في هذه المعمورة بقاع شرفها الله تعالى على غيرها من
البقاع، فلذا اختلفت الأماكن باختلاف مواقعها واختلاف عناوينها، ومن هذه البقاع
الشريفة والأماكن المقدسة كربلاء، بل هي أشرف وأقدس من مكة المكرمة، وهذا ما أشارت
إليه الروايات التالية:عن علي بن الحسين السجاد عليه السلام قال: «اتّخذ الله
تعالى كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً
بأربعة وعشرين ألف عام»([1]).
وسُئل الإمام الباقر عليه
السلام عن خصوصية أرض كربلاء؟ فقال عليه السلام:«الغاضرية هي البقعة التي كلم الله
فيها موسى بن عمران، وناجى نوحاً فيها، وهي أكرم أرض الله عليه، ولولا ذلك ما استودع
الله فيها أولياءه وأبناء نبيّه، فزوروا قبورنا بالغاضرية»([2]).
وسئل الإمام أبو عبد الله
الصادق عليه السلام، أنه من الأفضل؟ أرض مكة أم أرض كربلاء؟
فقال عليه السلام:«إنّ
أرض الكعبة قالت: مَن مثلي، وقد بني بيت الله على ظهري، ويأتيني الناس من كلّ فجّ
عميق، وجعلت حرم الله وأمنه؟
فأوحى الله إليها: أن كفّي وقرّي، ما فضل ما فضّلت به
فيما أعطيت أرض كربلاء إلاّ بمنزلة الإبرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر،
ولولا تربة كربلاء ما فضّلتك، ولو لا من تضمّنت أرض كربلاء ما خلقتك، ولا خلقت
البيت الذي به افتخرت، فقرّي واستقرّي وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير
مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلاّ سخت بك وهويت بك في نار جهنّم»([3]).
وفي فضل أرض كربلاء على
أرض مكة، قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام:«خلق الله تبارك وتعالى ارض
كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها، فما زالت
قبل خلق الله الخلق مقدّسة مباركة ولا تزال كذلك حتّى يجعلها الله أفضل أرض في
الجنّة، وأفضل منزل ومسكن يسكّن الله فيه أولياءه في الجنة»([4]).
ولا يأخذك العجب أو يكتنفك
التعصب الأعمى أو يستولي على بصيرتك الجهل فتنكر ذلك، فتقول كيف تكون أشرف من مكة
المكرمة؟
أن الذي أخبرك بقدسية مكة
هو بذاته الذي أخبرك عن فضل كربلاء وشرافتها فانظر الروايات بتأمل.
ورد في كتب الفريقين أن
حرمة المؤمن على الله تعالى أشد من حرمة الكعبة، وهذا ما أشارت إليه الأحاديث
الشريفة التالية:
فجاء في الخصال عن الشيخ
الصدوق قوله: حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن
يزيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:«المؤمن
أعظم حرمة من الكعبة»([5]).
وجاء في كتاب أصول الكافي:
عن الصادق عليه السلام قال:«لله عز وجل في بلاده خمس حرم: حرمة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، وحرمة آل الرسول، وحرمة كتاب الله عز وجل، وحرمة كعبة الله، وحرمة
المؤمن. و إن حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة»([6]).
فكيف بحرمة الإمام الحسين
عليه السلام سيد شباب أهل الجنة وسبط النبي وريحانته؟! هذه كربلاء ضمت في طياتها
رجلاً طهره الله تعالى تطهيرا، ورجلاً إماماً قام أم قعد، ورجلاً فرض الله مودته
على الأمة، وباهل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفد نجران وانتصر عليهم،
ورجلاً هو حجة الله تعالى على الخلق، فلذا ورد أن قبره في روضة من رياض الجنة وعلى
ترعة من ترعها، فقد قال الإمام الصادق عليه السلام:«موضع قبر الحسين بن علي صلوات
الله عليهما منذ يوم دفن فيه روضة من رياض الجنة»([7]).
وقال عليه السلام:«موضع
قبر الحسين ــ عليه السلام ــ ترعة من ترع الجنة»([8]).
اعلم أخي الخادم العزيز
الذي شرفه الله تعالى بهذه الخدمة أن مكان خدمتك هو مهبط الملائكة ومزار الأنبياء
والأوصياء، وليس هو شركة أو مؤسسة أو دائرة حكومية، واعلم أنك تعمل وتتواجد في
مكان ومحل عمل الملائكة، فتأمل هذه الروايات بدقة وافتح لها قلبك ليتضح لك صحة ما
أقول:
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال:«ليس من ملك
في السموات إلا وهم يسألون الله جلّ وعلا أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه
السلام ففوج ينزل وفوج يعرج»([9]).
وأيضا عنه عليه السلام،
حيث أقسم على صحة قوله قال:«كأني والله بالملائكة قد زاحموا المؤمنين على قبر
الحسين عليه السلام»([10]).
وعن أفضلية الملائكة الذين
يزورون قبر الإمام الحسين عليه السلام أم المؤمنين، ورد: (عن المفضل بن عمر قال:
قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام:«كأني والله بالملائكة قد زاحموا المؤمنين
على قبر الحسين عليه السلام».
قال: قلت: فيترأون له؟ قال
عليه السلام:«هيهات هيهات، قد لزموا والله المؤمنين حتى أنهم ليمسحون وجوههم
بأيديهم»)([11]).
وسُئل الإمام أبو عبد الله الصادق
عليه السلام عن عدد الملائكة الموكلين من الله تعالى بقبر الإمام الحسين عليه
السلام فقال:«وكّل الله بقبر الحسين
سبعين ألف ملك يصلّون عليه كل يوم شعثاً غبراً من يوم قُتل إلى ما شاء الله ــ
يعني بذلك قيام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف ــ ويدعون لمن زاره ويقولون: يا
ربّ هؤلاء زوار الحسين افعل بهم وافعل بهم»([12]).
وقال الإمام الصادق عليه السلام:«لا تدع زيارة الحسين،
أما تحب أن تكون فيمن تدعو له الملائكة»([13]).
وقال عليه السلام:«... يبكونه ــ أي الملائكة يبكون على
الحسين عليه السلام ــ ويستغفرون لزواره ويدعون الله لهم»)([14]).
إرسال تعليق