بقلم: الشيخ وسام البلداوي
حاولت جاهدا ان أجد أشياء محددة يمكن تلخيصها على شكل نقاط استطيع من خلالها حصر واستقصاء جميع أو اغلب مراتب الإكرام التي منّ الله سبحانه بها علينا بواسطة وسبب الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه فلم افلح في ذلك، ولا أظن احد من الناس إلى يومنا هذا قد افلح في هذه المهمة، لأن الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه نعمة من النعم الإلهية، بل هو من أعظم النعم والألطاف والمنن التي منحت للبشرية، ونعم الله سبحانه وتعالى لا يمكن للعادين حصرها ولا إحصاؤها، وكيف يطيقون ذلك وقد اخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه الناطق والنبأ الصادق عن عدم إمكان ذلك بقوله: ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ))[1]، هذا فضلا عن النعم الأخرى المتفرعة والمتولدة من وجوده صلوات الله وسلامه عليه واستشهاده وثواب زيارته والبكاء عليه، ومن كل نعمة من هذه النعم تتولد نعم أخرى لا علم لأحد بها إلا الله سبحانه وتعالى ولو أراد الحامدون أن يحمدوا الله على نعمة المن على هذا العالم بسيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه وبقية النعم المتفرعة على وجوده صلوات الله وسلامه عليه لما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وكيف يستطيعون ذلك ولسان حالهم يقول كما قال الإمام علي بن الحسين السجاد صلوات الله وسلامه عليه في احد ادعيته: (فآلاؤك جمة ضعف لساني عن إحصائها، ونعماؤك كثيرة قصر فهمي عن إدراكها فضلا عن استقصائها. فكيف لي بتحصيل الشكر وشكري إياك يفتقر إلى شكر فكلما قلت لك الحمد، وجب علي لذلك أن أقول لك الحمد)[2].
حاولت جاهدا ان أجد أشياء محددة يمكن تلخيصها على شكل نقاط استطيع من خلالها حصر واستقصاء جميع أو اغلب مراتب الإكرام التي منّ الله سبحانه بها علينا بواسطة وسبب الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه فلم افلح في ذلك، ولا أظن احد من الناس إلى يومنا هذا قد افلح في هذه المهمة، لأن الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه نعمة من النعم الإلهية، بل هو من أعظم النعم والألطاف والمنن التي منحت للبشرية، ونعم الله سبحانه وتعالى لا يمكن للعادين حصرها ولا إحصاؤها، وكيف يطيقون ذلك وقد اخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه الناطق والنبأ الصادق عن عدم إمكان ذلك بقوله: ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ))[1]، هذا فضلا عن النعم الأخرى المتفرعة والمتولدة من وجوده صلوات الله وسلامه عليه واستشهاده وثواب زيارته والبكاء عليه، ومن كل نعمة من هذه النعم تتولد نعم أخرى لا علم لأحد بها إلا الله سبحانه وتعالى ولو أراد الحامدون أن يحمدوا الله على نعمة المن على هذا العالم بسيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه وبقية النعم المتفرعة على وجوده صلوات الله وسلامه عليه لما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وكيف يستطيعون ذلك ولسان حالهم يقول كما قال الإمام علي بن الحسين السجاد صلوات الله وسلامه عليه في احد ادعيته: (فآلاؤك جمة ضعف لساني عن إحصائها، ونعماؤك كثيرة قصر فهمي عن إدراكها فضلا عن استقصائها. فكيف لي بتحصيل الشكر وشكري إياك يفتقر إلى شكر فكلما قلت لك الحمد، وجب علي لذلك أن أقول لك الحمد)[2].
إكرامنا بأصل نعمة الوجود بسبب الحسين عليه السلام
كثيراً ما نقرأ في الروايات الشريفة والأدعية المباركة والزيارات المقدسة ان أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ــ ومن ضمنهم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بل هو سيدهم ــ هم العلة والسبب الذي من أجله خلق الله سبحانه الخلق وكوّن الكون، ولولاهم لما وجدت سماء مبنية ولا ارض مدحية، ولا شمس مضيئة، ولا لأنعم الله بالوجود على كل موجود، وهذا ليس من الغلو في شيء، أو من القول بلا دليل حاشا أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من القول بغير دليل، ونستطيع من خلال بعض الخطوات الاستدلالية البسيطة إثبات هذه الحقيقة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهذه الخطوات هي كالتالي:
أولا: من يدقق النظر والفكر في أجزاء هذا الكون أولا، وفي نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة ثانيا، يجد ان كل جزء من أجزاء الكون موجود لهدف وغاية، قد تصل إليها عقولنا تارة، وقد تغفل أو تعمى عنها تارات أخرى، فالغائية والهدفية متحققة وعلى أساسها قد وجد الوجود وكون الكون، وهو أمر يكاد يكون بديهيا ومستغنيا عن البرهان، لا سيما للمؤمنين بوجود الله سبحانه وتعالى وحكمته.
وثانيا: ان كل جزء من أجزاء الكون قد اوجد من اجل جزء آخر منه، وجميعها من اجل الإنسان، ومن تأمل آيات الكتاب العزيز يجد هذا المعنى واضحا جدا، فحينما يتكلم عن الحيوانات والغاية من وجودها يقول سبحانه وتعالى ((وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ))[3]، ثم يجمل سبحانه وتعالى القول في آية ثالثة ليجعل كل ما في الأرض مخلوقا للإنسان فيقول: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))[4]، وحينما يتكلم سبحانه وتعالى عن أجزاء الكون الأخرى كالشمس والقمر والليل والنهار يقول: ((وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ))[5]، إذن فالإنسان وبحسب هذه الآيات الشريفة سبب لخلق الأرض وما عليها، والشمس والقمر، والليل والنهار، وسائر الأنعام، وهو علة من أجله تم إيجادها، فهو علتها الغائية كما يقول الحكماء والفلاسفة، ولولاه لما خلقن ولا اوجدن.
ثالثا: والإنسان كما لا يخفى على احد مؤمن وكافر، ومن غير المعقول ان تخلق السماوات والأرض والشمس والقمر والبحار والجبال بما فيها من اجل الإنسان الكافر، فلابد حينئذ ان تكون كل هذه الموجودات مخلوقة للإنسان المؤمن، دون الكافر، كما قال الله سبحانه وتعالى: ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ))[6] فهي للذين آمنوا أصالة ويشاركهم الذين كفروا فيها بالتبع، أما يوم القيامة فليس للكافر في النعم نصيب، وهي للذين آمنوا خالصة.
رابعا: ان هؤلاء المؤمنين الذين خلق الله الكون وما فيه من أجلهم صنفان أيضا، فمنهم مأموم تابع، ومنهم إمام متبوع وهو المعبر عنه في بعض الروايات بالحجة، والإمامة منصب واسع يشمل الأنبياء والأوصياء، وما دونهم مأموم تابع، والإمام والحجة في كثير من الروايات الشريفة، هو سبب وعلة وجود غيره من بقية أصناف أهل الإيمان من المأمومين، ولولا وجوده المقدس لساخت الأرض وانمحت من الوجود، فعن أبي حمزة قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أتبقى الأرض بغير إمام ؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت)[7].
وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت له: أتبقى الأرض بغير إمام ؟ قال: لا، قلت: فإنا نروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنها لا تبقى بغير إمام إلا أن يسخط الله تعالى على أهل الأرض أو على العباد، فقال: لا، لا تبقى إذا لساخت)[8].
وعن (أبي جعفر ــ الباقر ــ عليه السلام قال: لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها، كما يموج البحر بأهله)[9].
وسبب ذلك يعود إلى أنه لولا وجود الحجج من الأنبياء والأوصياء لم يعبد الله سبحانه، ولكان الناس أمة واحدة على الكفر والإلحاد، والكافر كما عرفنا سابقا ليس أهلا لان توجد الأرض والسماوات من أجله، ومع انحصار الإنسان بصنف الكافر لا يبقى هدف ولا غاية لان تخلق الأرض وبقية أجزاء الكون، فتنمحي حينئذ وتفنى، فالإمام ــ بغض النظر عن كونه نبيا أو رسولا أو وصيا ــ هو الأمان لأهل الأرض من ان تزول ومن عليها، وهو سبب بقائهم ولأجله يرزقون، وهو سبب وجودهم وعلة إنشائهم.
خامسا: كما هو معلوم فإن الإسلام هو دين الله سبحانه وتعالى في الأرض، وحجته البالغة على العباد، كما قال تعالى ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ))[10]، والإسلام دين تكامل وفقا لتكامل البشرية، حتى ختم على يد النبي الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسبب اختيار النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لمهمة الخاتمية هو تلك المواصفات والقابليات الكمالية التي يتفرد بها عن سائر من سبقوه من الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وجميع أهل الأرض، فهو صلى الله عليه وآله وسلم إمامهم وخيرتهم وسيدهم، لان مرتبة (خاتم الأنبياء والمرسلين) فوق كل الرتب التي يمكن ان يتمتع بها الأنبياء والمرسلون، فلا ضير ان يكون حاملها فوق كل الأنبياء والمرسلين، ولو لم يكن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أكملهم وأقدرهم على أداء الرسالة الخاتمة لما ختمت الشرائع على يديه الكريمتين، ولو لم تختم الشرائع لبقي الإسلام الذي هو دين الله سبحانه وتعالى ناقصا لا يحقق الغرض من تشريعه وتأسيسه، ولبقيت الناس على الشريعة اليهودية المحرفة والمسيحية المشركة، ولورث أهل الشرك والكفر الأرض ومن عليها، ولتخلف الهدف الذي من أجله خلق الكون، إذ ان الكون ــ وكما عرفنا سابقا ــ وما فيه مخلوق للمؤمن فإذا لم يكن هنالك مؤمن لم يكن هنالك سبب لبقائه واستمراره، بل لم يكن هنالك سبب لخلقه من الأساس، لان الله سبحانه وتعالى يعلم غيب السماوات والأرض قبل خلق السماوات والأرض، لأنه من غير المعقول ان يخلق الله الكون ليتكامل وليرث الذين آمنوا الأرض ومن عليها ويتمتعوا بخيراتها، ثم لا يتحقق الهدف، ويرثها الذين كفروا والمشركون، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ووجوده وإكماله للشرائع السماوية وإرساله بالرسالة الخاتمة هو الذي حقق الهدف والغاية من الخلق، وبه استمر خط التوحيد واكتمل، وبسببه سيرث الذين آمنوا الأرض ومن عليها، فهو السبب الذي تفضل الله سبحانه وتعالى به على كل جزء من أجزاء الكون بنعمة الوجود.
سادسا: ان مبدأ الخاتمية كان مشروعا طويل الأمد يمتد بامتداد عمر البشرية، ويستمر إلى آخر يوم من أيامها، وهو أمر يحتاج إلى أشخاص يحملون حمل الرسالة ويستمرون في تبليغها وحفظها وصيانتها من التلاعب والتحريف والتزوير كما فعل بالشرائع السابقة والأديان السالفة، وهي مهمة لا يتسع لها العمر الطبيعي للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فكان ولابد ان يكون له أوصياء وحجج يؤدون هذا الدور المكمل، فكان الأئمة الاثنا عشر صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هم الحجج الذين أكملوا مسيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وحفظوا شريعته.
فلولا وجود أشخاصهم المقدسة لبقيت الرسالة الخاتمة بلا راع ولا حفيظ، ولوقع المحذور الذي بيناه في النقطة السابقة، ولاستولى الباطل على أهله وعطلت حدود الإسلام وفروضه، ولضاعت جهود الأنبياء العظام والرسل الكرام والأوصياء والشهداء منذ أبينا آدم صلوات الله وسلامه عليه إلى نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وبذلك يضيع هدف الخلق وعلة الإيجاد بالتقريب الذي تقدم في النقاط السابقة، فبوجودهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين منّ الله سبحانه وتعالى على الخلق بالخلق وعلى الكون بالتكوين والإنشاء، فهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين علة غائية وسببية لإكرام العباد بنعمة الوجود بل بكل النعم الأخرى المتفرعة على ذلك.
سابعا: الأئمة والحجج من أولاد أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قضى الله سبحانه وتعالى وقدر ان يولدوا من سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، التي كما في الروايات الشريفة لم يكن لها كفو غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، فهي صلوات الله وسلامه عليها سبب في وجودهم وهم سبب لإيجاد هذا العالم بكل تفاصيله، وسبب السبب سبب أيضا، وعلة العلة علة أيضا.
وبهذا التقريب، استطعنا ان نثبت ان شاء الله، كون أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عموما، والإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه الذي هو مورد كلامنا في هذه الصفحات على وجه الخصوص، هم السبب الذي به منّ الله سبحانه وتعالى علينا وعلى كل ما في الوجود بنعمة الوجود.
ــــــــــــــــــــ
[1] سورة النحل الآية رقم 18.
[2] الصحيفة السجادية (ابطحي) للإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه ص 409 ــ 410.
[3] سورة النحل الآية رقم 5.
[4] سورة البقرة الآية رقم 29.
[5] سورة ابراهيم الآية رقم 33.
[6] سورة الأعراف الآية رقم 32.
[7] الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص179.
[8] المصدر السابق.
[9] المصدر السابق.
[10] سورة آل عمران الآية رقم 19.
[2] الصحيفة السجادية (ابطحي) للإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه ص 409 ــ 410.
[3] سورة النحل الآية رقم 5.
[4] سورة البقرة الآية رقم 29.
[5] سورة ابراهيم الآية رقم 33.
[6] سورة الأعراف الآية رقم 32.
[7] الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص179.
[8] المصدر السابق.
[9] المصدر السابق.
[10] سورة آل عمران الآية رقم 19.
إرسال تعليق