بقلم: الدكتور
مهدي حسين التميمي
لقد سجلت المرأة في معركة
الطف أدواراً متميزة في مشهد النصرة والفداء كانت من أنصع الصفحات وأكثرها إشراقاً
في التاريخ الرسالي، وقد جاوزت المرأة في ذلك طبيعتها المعتادة في الحرص على سلامة
أبنائها وأزواجها وتمني دفع الغوائل عنهم إلى الحالة الأسمى في التضحية بدفع
الأبناء والأزواج معاً إلى سوح الوغى وحثهم على الصمود والبسالة فيها، وتقبل
استشهادهم فيها بالرضا والاطمئنان!
وفي حالة من تلك
الحالات النادرة في مشهد التضحية ما كان من أم عمرو بن جنادة الأنصاري فإنه لما
قتل أبوه في المعركة دفعته أمه ليقاتل دون الحسين عليه السلام وكان شاباً، وقد
أشفق عليه الحسين عليه السلام وقال: "هذا شاب قتل أبوه، ولعل أمه تكره
خروجه"، فقال: "إن أمي هي التي أمرتني"، ثم برز وهو يرتجز:
أميري حسين ونعم الأمير سرور فؤاد البشير النذير
علي وفاطمة والداه فهل تعلمون له من نظير
وكانت أم وهب - وهو نصراني
التحق بالإمام الحسين عليه السلام وهو في الطريق - قد حثته أمهُ على القتال قائلة
له: "قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله"، فاستأذن الحسين عليه السلام
وانحدر إلى المعركة فقاتل حتى قتل جماعة ورجع إلى أمه، وقال: "أرضيتِ يا
أماه"! فقالت: "لا أرضى حتى تقتل بين يدي أبي عبد الله".
فخرج من
فوره وقتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً، وقطعوا يمينه فصار يقاتل بشماله
فقطعوا شماله، فأخذت زوجته عموداً من حديد وانحدرت إلى المعركة تقاتل معه، ولما لم
يكن له بد من إرجاعها فانه عض بأسنانه على ثيابها ليرجعها إلى الخيمة فأفلتت نفسها
منه وعادت إلى الحرب، فاستغاث بالحسين عليه السلام، فقال: جزيتم من أهل بيت خيراً،
ارجعي إلى النساء بارك الله فيك فانه ليس عليكن قتال"، ولم يزل بها حتى
أرجعها، فوقفت تنظر ما يكون من زوجها حتى قتل، فجاءت وجعلت تخضب شعرها بدمه، وتمسح
جبينها بنحره، فأمر الشمر غلاماً يقال له رستم فضربها بعمود من الحديد فصرعت إلى
جنب زوجها.
وحمل جسد وهب إلى ابن سعد (قائد حملة الأعداء) فجعل ينظر إليه ويقول:
"ما أشد صولتك" وأمر بقطع رأسه ورمي به إلى معسكر الحسين عليه السلام
فأخذته أمه وجعلت تمسح الدم والتراب عنه وتقول: "الحمد لله الذي بيّض وجهي
بشهادتك بين يدي أبي عبد الله"، ثم قالت: "الحكم لله يا أمة السوء، إن
النصارى في كنائسها، واليهود في بيّعها لخير منكم"، ثم رمت برأس ولدها نحو
عسكر ابن سعد. ومن عجيب الاتفاق ما ذكر من أن الرأس قد أصاب صدر قاتل وهب وقتله،
ثم إن أم وهب أخذت عمود خيمة وتوجهت إلى المعركة فقتلت نفرين وجاء الحسين عليه
السلام فردها إلى الخيمة([1]).
ومن مواقف الشهامة
والمبدئية العالية للمرأة ما لم يكن لمثله من أولئك الرجال الأوغاد الذين حملتهم
مطامعهم وأهوائهم إلى الاستكانة للشر والبغي - ما كان من أمر خولي بن يزيد الأصبحي
مع زوجته فإنه عهد إليه برأس الإمام الحسين عليه السلام وقد أتى به إلى منزله
ووضعه تحت أجانة، ودخل فراشه ثم قال لامرأته: جئتك بغنى الدهر، هذا رأس الحسين
عليه السلام معك في الدار"!، فغضبت لما أخبرها بذلك وقالت له: "ويحك لقد
جاء الناس بالذهب والفضة، وجئتني برأس ابن بنت رسول الله!، والله لا يجتمع رأسي
ورأسك في بيت أبداً"، وقامت من فراشه وخرجت من الدار، وقالت: "لا زلت
أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من الأجانة وإليها، ورأيت طيوراً بيضاء ترفرف
حولها"([2]).
وكانت
امرأة من آل بكر مع زوجها وقد رأت ان القوم قد احتملوا على نساء الحسين عليه
السلام وفسطاطهن وهم يسلبونهن فأخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط وقالت: "يا آل
بكر بن وائل اتسلب بنات رسول الله، لا حكم إلا بالله يا لثارات رسول الله".
فردها زوجها إلى رحله.
وعلى خلاف تلك المواقف
المبدئية الصادقة والجريئة لأولئك النسوة، ممن كانت لهن أدوار بارزة في البذل
والتضحية في موقعة الطف كانت المواقف المتخاذلة والمهينة من بعض الرجال اللاهثين
وراء مطامع الدنيا الرخيصة، كمثل هؤلاء الذين كاتبوا الإمام الحسين عليه السلام من
الكوفة أن يقدم إليهم معبرين في رسائلهم عن مبايعته والنصرة له، ثم انحازوا بعد ذلك
إلى صف أعدائه منصاعين للإغراء والتهديد معاً، وقد ناداهم الحسين عليه السلام يوم
عاشوراء بأسمائهم: "يا شبث بن ربيعي، ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن أشعث، ويا
زيد بن الحارث.. ألم تكتبوا إلي أن أقدم قد أيْنعت الثمار وأخضر الخباب وإنما تقدم
على جند لك مجندة!"، فأنكروا ذلك قائلين: "لم نفعل"!.
وكان الخطاب الجليل القدر
للسيدة زينب عليها السلام لهؤلاء من أهل الكوفة ولغيرهم ممن خانوا أمانة الولاء
والنصرة لآل بيت النبوة وتركوهم طعماً سائغا للسفاكين خطاباً تجلت فيه فصاحة
الإدلاء عن مشهد الخيانة والغدر ما حرك في النفوس اللواعج، وأذكى في الضمائر حساً
دفيناً من الولاء المكبوت، والذي تحرك بعدئذ في أشكال شتى من التعبير عن ندامة فات
موعدها لتجد لها صوراً حاضرة من ذلك في حالات من الثأر والانتقام من القتلة
وأشياعهم كان أجلاها وأكثرها وضوحاً ما كان من ثورة المختار الثقفي الذي اقتص ممن
شاركوا في جريمة الطف، وقد تعقبهم ليثأر منهم.
وقد تحققت في بعض مشاهد الثأر من ذلك نبوءة الإمام الحسين عليه السلام ودعاؤه على البعض من قتلته، وما كان من سوء العاقبة لهم ما ورد ذكره في خطبة السيدة زينب عليها السلام في الكوفة:"فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا تحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وإن ربكم لبالمرصاد"، وبمثل ذلك ما جاء في خطبة فاطمة بنت الحسين عليه السلام: "تباً لكم فانظروا اللعنة والعذاب، فكان قد حل بكم وتواترت من السماء نقمات، فيسحتكم بعذاب ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا"([3]).
وقد تحققت في بعض مشاهد الثأر من ذلك نبوءة الإمام الحسين عليه السلام ودعاؤه على البعض من قتلته، وما كان من سوء العاقبة لهم ما ورد ذكره في خطبة السيدة زينب عليها السلام في الكوفة:"فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا تحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وإن ربكم لبالمرصاد"، وبمثل ذلك ما جاء في خطبة فاطمة بنت الحسين عليه السلام: "تباً لكم فانظروا اللعنة والعذاب، فكان قد حل بكم وتواترت من السماء نقمات، فيسحتكم بعذاب ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا"([3]).
وكان الحضور مجدداً لمشهد
التحدي من فارسة الطف زينب بنت علي عليهما السلام حين تمادى عبيد الله بن زياد في
تعسّفه لما رجع من معسكره بالنخيلة فدخل قصر الإمارة ليضع رأس الحسين عليه السلام
الشريف بين يديه ولينكث بالقضيب ثناياه ساعة، وقد انحازت السيدة زينب عليها السلام
عن ذلك الموقف وهي متنكرة عن النساء لتوجه خطابها المهين لابن زياد وقد عرفها فقال
متشمتاً، وقد أخذته العزة بالإثم: "الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب
أحدوثتكم"!، وزاد ابن زياد من الكيد والشماتة في قوله للسيدة زينب عليها السلام:
"كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟
فأجابته السيدة زينب عليها
السلام جواباً استحضر فيه الشاهد التاريخي مسيرة الإبلاغ الرسالي وعنوانه الأكبر
في الشهادة وحضوره في الكل الإيماني الذي لا يتزلزل ولا يتحول: "ما رأيت إلا جميلاً،
هؤلاء قوم كتب الله لهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم
وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ".
وتبلغ الشجاعة بالسيدة
زينب عليها السلام في خطابها للقائل المتغطرس وهو في نشوة زهوه بالانتقام لتسمعه
كلاماً لا يجرؤ غيرها عليه لتنقص من قدره بنسبته إلى أمه دون أبيه، وبتقريع
المستخف بشأنه: "ثكلتك أمك يا ابن مرجانة"، ويغضب ابن زياد من كلام سيدة
الطف في ذلك المحتشد وقد همّ بالفتك بها، فكان ثمة من يردعه عن ذلك من خاصته
معبراً في ذلك عن موقف سلبي كان ولا يزال البعض من الناس لا يقدر فيه للمرأة
منزلتها، وبأي مستوى تكون ما قد قاله عمرو بن حريص: إنها امرأة وهل تؤاخذ المرأة
بشيء من منطقها، ولا تلام على خطأ"!!.
وبمثل تلك الشجاعة التي
قابلت بها السيدة زينب عليها السلام الطاغية كان التصريح لعلي بن الحسين عليهما
السلام حين نازعت ابن زياد الشماتة بقتل جده الإمام علي بن أبي طالب، وأخيه الأكبر
علي (عليهما السلام) فكان رده مسنداً إلى قرار الله وحكمه: "اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ
مَوْتِهَا ".
وقد كبر على ابن زياد أن
يرد عليه بمثل ذلك فأمر بضرب عنقه، فكانت الوقفة البطولية والشجاعة الفريدة للسيدة
زينب عليها السلام قد أنقذته من القتل أنها قد بادرت إلى اعتناقه، قائلة لابن
زياد:"حسبك
يا ابن زياد من دمائنا ما سفكت، وهل أبقيت أحداً غير هذا؟، فإن أردت قتله فاقتلني
معه" فكف عن ذلك فيما لم يكف علي بن الحسين عليه السلام عن تحدٍّ غريب ومثير
لابن زياد وقف عنده ذلك الرجل بكل غطرسته وصلفه صاغراً أمام عظم ذلك المشهد من
التحدي في موضع لا يصح فيه مثل ذلك لمن سواه.
وفي مثل ذلك الموقف الصعب الذي عبر فيه الإمام زين العابدين عليه السلام عن المنطوق الرسالي في الشهادة كونها حكم الله وقضاءه في تكريم أهل النبوة وحملة الرسالة: "أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا في الله الشهادة"... وكمثل ما هي الحكمة في الإبقاء على حياة علي بن الحسين عليهما السلام كان في الحكمة أن يخلي ابن زياد سبيل المختار بن أبي عبيد الثقفي وقد كان محبوساً عنده من يوم قتل مسلم بن عقيل عليه السلام وقد جرى بينه وبين ابن زياد كلام أغضبه فأرجعه إلى الحبس ليكون في إرجاء قتله ما قد تحقق به الانتقام من قتلة الإمام الحسين عليه السلام، بعد ذلك، وقد صدقت نبوءة عبد الله بن الحارث فيه وكان معه في السجن في قوله له: "والله لا يقتلك ولا يقتلني ولا يأتي عليك إلا القليل حتى تلي البصرة"، وكان الشهيد ميثم التمار يسمع كلامهما.
وفي مثل ذلك الموقف الصعب الذي عبر فيه الإمام زين العابدين عليه السلام عن المنطوق الرسالي في الشهادة كونها حكم الله وقضاءه في تكريم أهل النبوة وحملة الرسالة: "أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا في الله الشهادة"... وكمثل ما هي الحكمة في الإبقاء على حياة علي بن الحسين عليهما السلام كان في الحكمة أن يخلي ابن زياد سبيل المختار بن أبي عبيد الثقفي وقد كان محبوساً عنده من يوم قتل مسلم بن عقيل عليه السلام وقد جرى بينه وبين ابن زياد كلام أغضبه فأرجعه إلى الحبس ليكون في إرجاء قتله ما قد تحقق به الانتقام من قتلة الإمام الحسين عليه السلام، بعد ذلك، وقد صدقت نبوءة عبد الله بن الحارث فيه وكان معه في السجن في قوله له: "والله لا يقتلك ولا يقتلني ولا يأتي عليك إلا القليل حتى تلي البصرة"، وكان الشهيد ميثم التمار يسمع كلامهما.
فقال للمختار: "وأنت تخرج ثائراً كما قالا"، وصح أن عبد
الله بن الحارث قد خرج بالبصرة بعد هلاك يزيد وأمره أهل البصرة وبقي على هذه سنة،
وخرج المختار طالباً بدم الحسين عليه السلام فقتل ابن زياد، وحرملة بن كاهل، وشمر
بن أبي الجوشن، إلى العدد الكثير من أهل الكوفة الخارجين على الحسين عليه السلام
([4])..، وهي هذه كمثل نبوءات الأحداث في التاريخ الرسالي،
كان من بينها ما قد حصل من نبوءات النبي أشعيا وغيره مما ذكر في الكتاب المقدس مما
أوردنا ذكره في مبحثنا عن رموز التضحية والفداء في الأديان.
ويكون الموقف الأكثر جرأة
وإقداماً للمرأة في غمار الفاجعة ما قد حصل في حضور الرأس الشريف للأمام الحسين عليه
السلام عند يزيد ابن معاوية وقد وضعه أمامه في طست من ذهب وكانت السبايا من النساء
خلفه، وقد أذن للنساء أن يدخلوا في وقت أخذ فيه القضيب لينكث به ثغر الحسين عليه
السلام ويقول متشفياً بنعرة من نعرات الجاهلية وقد سمعته السيدة زينب وهو يتمثل في
ذلك بقول ابن الزبعرى:
ليت اشياخي ببدر شهدوا
لأهلوا واستهلوا طربا قد قتلنا القوم من ساداتهم لعبت هاشم بالملك فلا لست من خندف إن لم انتقم |
جزع الخزرج من وقع الأسل
ثم قالوا يا يزيد لا تشل وعدلناه ببدر فاعتدل خبر جاء ولا وحي نزل من بني أحمد ما كان فعل |
فانتفضت السيدة زينب عليها
السلام في مجلسه مشيرة إلى وجه المأساة الدامية وفظائع الفتك التي جرت عليهم في
الطف مخاطبة يزيد بذات اللهجة المتحدية ما كانت قد خاطبت بها واليه عبيد الله بن
زياد، وبالنبرة القوية المفعمة بروح التحدي لكبريائه وغطرسته، وبالعبارة المهينة
"يا ابن الطلقاء"، وهي كناية عمن دخل في الإسلام كرها، مزدرية فيه هتافه
بأشياخه في الجاهلية، داعية عليه بالويل والثبور: "اللهم خذ لنا بحقنا،
وانتقم ممن ظلمنا، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا".
ثم خاطبته بما لم يجرؤ أحد
غيرها عليه، وبتلك اللهجة المتحدية لكيده، والمقللة من شأنه مذكرة إياه بما يكون
من مصير الطغاة:
"فكد كيدك، واسع
سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل
رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على
الظالمين".
وتبلغ السيدة زينب في شجاعتها
إلى الغاية في استصغار شأن يزيد والاستهانة بتقريعه وتوبيخه، ومن ثم إنذاره بسخط
الله ورسوله وملائكته عليه، جراء ما اجترح من الجناية بحقهم ما لم يبلغنا عن امرأة
أنها قد نطقت أمام حاكم جائر مستبد بمثل ما قد نطقت به تلك المرأة المفجوعة بأهلها
وذويها وبعبارات ملؤها التحدي وكبرياء الموقف، وفي تحذير صريح بالمصير المحتوم
للظالمين: "ولئن جرت عليَّ
الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون
عبرى، والصدور حرى".
"ولئن اتخذتنا
مغنماً، لتجدنّ وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، وما ربك بظلام
للعبيد، وإلى الله المشتكى وعليه المعول".
وقد أحدثت خطبة السيدة
زينب عليها السلام تلك دوياً واسع المدى في أرجاء دمشق، تلافاها الحاكم الأموي
بمحاولة إلقاء تبعة الجريمة التي ارتكبت في الطف على عاتق واليه ابن زياد، وعمل
على إخراج الإمام السجاد عليه السلام والعيال عن الشام إلى موطنهم وتمكينهم مما
يريدون، وقد أمر النعمان بن بشير وجماعة معه بأن يسيروا معهم إلى موطنهم في
المدينة، وقد بادر زين العابدين عليه السلام لما عرف الموافقة من يزيد إلى طلب
رؤوس الشهداء كلها ليمضي بها إلى كربلاء ليلحقها بالأبدان وقد استقبلت موكب
الشهادة في كربلاء جماعة من بني هاشم ورجال من آل رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام، وقد أقاموا النواح على الحسين عليه
السلام ثلاثة أيام.
وهكذا كانت المرأة في
الطفّ، المقاتلة الشهيدة، والمضحية بأولادها وزواجها، والصامدة، الصابرة حيال
فجائعها، مثالاً حياً وشاخصاً في التضحية والفداء ما تستحق به خلود مآثرها في تلك
الصفحات المجيدة من سفر الطف الخالد، ما يلزم أن تقام له النصب، وعلائم الاحتفاء
بذكريات ومشاهد تضحياتها كمثل ما هو الاحتفاء الدائم والمتجدد لمواقف الرجال
الأفذاذ فيها، انها درر الشهادة ولآلئ المجد الرسالي الذي حققته بالعزم والعزيمة
والتضحيات الجسام وعلى القدر المتكافئ أو المتفاوت في التضحية والبذل وعلى السبيل
الواحد رجال الطف ونساؤها.
إرسال تعليق