الدور الرسالي والاصطفاء المولوي للسيدة خديجة بنت خويلد عليها السلام

بقلم: السيد نبيل الحسني

حينما يكون الأمر منووطاً بخير الأديان وخاتمها فإن الأدوار التي قام بها أهل هذه الرسالة كانت متوازية مع حجم هذه الرسالة، ولأن خديجة ممن اختارها الله لأن تكون من أهل هذه الرسالة فقد جهدت على أداء دورها الرسالي في المجالات التي حددت لها المرحلة التأسيسية من عمر الرسالة الإسلامية فكانت كالآتي:

أولا: الرسالية في حمل التكاليف الشرعية

تتلقى خديجة عليها السلام ثقل التكليف الشرعي بكل طمأنينة وثبات وعزم حتى أصبحت المعين الوحيد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تلقي الأمر الإلهي منذ نزول جبرائيل عليه السلام بالوحي وإلى يوم فارقت الدنيا.

ثانيا: الرسالية في الحياة الزوجية

لم يشهد البيت النبوي حياة نموذجية يظللها الهدوء والمودة والطمأنينة مثلما شهده بيت خديجة خلال ربع قرن أعطت فيه خديجة منهاجاً خاصاً في التربية الأسرية ينبغي بكل أسرة الأخذ به والعمل بسننه، حتى ترك هذا التعامل الرسالي أثره في قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي تكشَّف لنا من خلال حزنه الشديد على فقدها حتى كاد يُخشى عليه من الحزن.

ثالثا: الرسالية في الأمومة
قد لا يلمس الإنسان فرقاً في مشاهدة الصور الحياتية للمرأة وهي تمر بدور الأمومة باعتبار انقياد المرأة لغريزتها الأمومية وفطرتها الأنثوية؛ إلاّ أن الأمومة في بيت خديجة عليها السلام اختلفت عن غيرها، وذلك في إغداق من لم تلده خديجة بالأمومة والحنان والعاطفة؛ بمعنى أنها أعطت أمومتها بفعل سجيتها النفسية لا الغريزية الهرمونية، وهذا جانب رسالي تتفاضل فيه النساء، حينما تحنو على أبناء غيرها فضلاً عن حرمانها وابتلائها بموت الولد وصبرها على ذلك كما سيمر بيانه.

رابعاً: الرسالية في الصبر والجهاد
ربما يتصور الكثير أن الصبر خصوصية خاصة لدى الرجال بما عرف عنهم من القوة في التحمل إلا أن الحياة بتجاربها أثبتت أن المرأة أقدر من الرجل في الصبر وحبس الألم ومواصلة الحياة على ما فيها من ضنك، ولولا صبر المرأة على جدب الحياة، وقلة ذات اليد عند كثير من الرجال، لحرّم الرجال على أنفسهم أن يظلهم سقف أو ينتسب لهم ولد.

في حين أن خديجة عليها السلام مع كثرة مالها ووفرة ثرائها، وصل بها الحال مع رسول الله في شعب أبي طالب عليه السلام، حينما فرض المكيّون على بني هاشم الحصار أن قامت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التصدي لهذا الظلم بالصبر والتحمل إلى الحد الذي أكلت فيه ورق الأشجار حتى كادت تهلك جوعاً.

خامسا: الرسالية في الدفاع عن القيم
كثيرون هم الذين يدافعون عن قيمهم ومبادئهم على اختلاف المفهوم والثقافات عند أصحاب المبادئ فقد يكون الربح مبدأ من مبادئ السوق، وقد يكون السَفور مبدأ من مبادئ العصرَنة إلا أننا هنا نتحدث عن الرسالية التي كانت دليلاً على الرسالة الإلهية الخاتمة لجميع الأديان.

ومن هنا: كان دفاع خديجة عليها السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رساليا بحيث لم تحْظَ امرأة غيرها بهذا الامتياز لدرجة أنها كانت تقف أمام الحجارة تتلقاها ببدنها ووجهها كي لا يصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأذى ــ كما سيمر بيانه ــ.
الاصطناع المولوي للسيدة خديجة عليها السلام

يقدم لنا القرآن الكريم في معرض بيانه عن الرساليين حقيقة خاصة تكشف عن سر هذا التمايز فيما بينهم حتى تفاضلَ بعضهم على بعض.

على أن الاصطناع المولوي لم يكن ليستثني أحداً منهم وإن كان الخطاب المولوي موجّهاً لموسى الكليم عليه السلام؛ قال تعالى: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي). سورة طه، الآية: 41.

هذه الحقيقة الخاصة في أولئك الرساليين دلّ عليها صريح قول أمير المؤمنين عليه السلام: «فإنا صنايع ربنا» ( تحف العقول للحراني: ص7 ).

من هنا: كانت خديجة عليها السلام هي إحدى مظاهر الاصطناع المولوي الذي ظهر جلياً في الشأنية التي لها في القرآن الكريم في جملة من الآيات المباركة ــ كما سيمر بيانه ــ.

كما أن هذه الشأنية لم تقتصر على كتاب الله تعالى بل ظهرت كذلك عند النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قولاً وفعلاً في حياتها وبعد وفاتها.

وظهرت هذه الشأنية أيضا عند كثير من أئمة العترة عليهم السلام وعلماء المدارس الإسلامية، فضلاً عما حملته السُنة النبوية من بيانات واضحة حول شأنيتها عليها السلام في الآخرة في مختلف مراتبها ومحطاتها ابتداءً من البرزخ والنشور والمحشر والصراط والجنة ضمن عناوين اختصت بهذه المسأل وتحت لفظ (منزلة خديجة عليها السلام) كما سيمر بيانه.
ولم يتوقف هذا الاصطناع الرباني عند تلك الشواهد، بل ظهر كذلك في دارها الذي تزوجت فيه، وماتت فيه، وليكون محلاً خصه الله تعالى بما لم يخص به بيتاً آخر من بيوتات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى عد أفضل الأماكن بعد المسجد الحرام، فضلاً عن أن دار خديجة قد خصه الله تعالى بأهم الأحداث الإسلامية في سير النبوة منذ البعثة وحتى الهجرة النبوية.

إرسال تعليق