طريقتان للنجاة من فتن آخر الزمان وأخطاره

بقلم: الشيخ وسام البلداوي
لم يكتف أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ببيان العلة والداء حتى وضعوا له الدواء، فهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قد بينوا في أحاديثهم الشريفة كثيراً من علل آخر الزمان ومطباته وفتنه تنبيها لشيعتهم ومحبيهم من مخاطر تلك الأيام والأعوام، ولكن فضلهم ورحمتهم المستمدة من رحمة الله سبحانه وشفقتهم على شيعتهم لم تجعلهم يكتفون ببيان تلك الفتن والمصاعب والشدائد العظام حتى أخذوا سلام الله عليهم على عاتقهم بيان الموقف الشرعي الذي يجب أن يتخذ في حال هجوم الفتن على المجتمع المؤمن الموالي للإمام المهدي عليه السلام، والذي من خلاله يمكن للفرد الموالي أن يبرىء ذمته أمام الله سبحانه وتعالى وينجو بنفسه ودينه من الفتنة والامتحان وينجح في الاختبار.
ويمكن لنا أن نجد عدة من الوصايا التي صدرت من الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بهذا الخـصـوص نخـتـار مـنـهـا مـا يأتي:

  أولا:   الحث على الدعاء والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى وطلب النجاة من هذه الفتن التي لا ينجو منها إلا من ثبته الله سبحانه على الهدى والإيمان، وقد وردت الروايات بدعاء مخصوص يدعى به في زمن الغيبة يؤثر في تثبيت المؤمن على الطريق الحق وهو ما يسمى بدعاء الغريق، فعن عبد الله بن سنان قال دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه فقال:
«كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يرى ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق، فقال له أبي إذا وقع هذا فكيف نصنع؟ فقال أما أنت فلا تدركه، فإذا كان ذلك فتمسكوا بما في أيديكم حتى يتضح لكم الأمر» (راجع كتاب الغيبة للنعماني: ص161. معجم أحاديث الإمام المهدي للشيخ الكوراني: ج3/ ص399).
ودعاء الغريق كما روي عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:«ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق، قلت: وكيف دعاء الغريق؟ قال: تقول يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. فقلت: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك. فقال عليه السلام: إن الله عز وجل مقلب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».
وفي هذا الدعاء ميزتان مهمتان الأولى هي انه لا يقبل الزيادة ولا النقيصة لذلك نرى الإمام عليه السلام حينما سمع الراوي زاد من عنده كلمة الأبصار وقال: «يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك» نهاه عن الزيادة وأمره بان يلتزم حرفيا بالنص المحدد الذي هو: «يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».
والذي يظهر لنا ان المفعول التام والغيبي للدعاء لا يؤتي ثمرته إلا بالالتزام الحرفي للكلمات المحدودة الواردة في الرواية، مثله مثل الدواء الذي لابد أن يؤخذ بجرعات محددة إذا زادت لا يؤدي غرضه ولا يكون لمفعوله أثر تام.
والميزة الثانية التي في هذا الدعاء، هو الاسم الذي أطلق عليه وهو (دعاء الغريق) وفيه تشبيه دقيق وعميق لحالة المؤمن في تلك الأيام العصيبة فهو كالغريق الذي فقد كل وسيلة له بالنجاة والتجأ إلى الله سبحانه وتعالى، وفي الحديث القدسي عن الإمام الصادق عليه السلام حينما نقل مناجاة الله سبحانه لعيسى بن مريم عليه السلام توضيحاً لمعنى دعاء الغريق حيث قال الله سبحانه لعيسى: «يا عيسى ادعني دعاء الغريق الحزين الذي ليس له مغيث...».
وقد وردت رواية أخرى وفيها دعاء آخر يدعى به في عصر الغيبة يمكن أن يقي الإنسان المؤمن وينجيه من فتن آخر الزمان التي قلما يمكن الصمود أمامها كما عرفت ذلك من قبل، فعن زرارة بن أعين قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «لابد للغلام من غيبة، قلت ولم؟ قال: يخاف وأومأ بيده إلى بطنه، وهو المنتظر وهو الذي يشك الناس في ولادته فمنهم من يقول حمل ومنهم من يقول مات أبوه ولم يخلف، ومنهم من يقول ولد قبل موت أبيه بسنتين، قال زرارة: فقلت وما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان؟ قال عليه السلام: ادع الله بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك فانك إن لم تعرفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرفني نبيك فانك إن لم تعرفني نبيك لم اعرفه قط، اللهم عرفني حجتك فانك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني» (راجع الكافي للشيخ الكليني: ج1/ ص342، باب في الغيبة الحديث رقم29).
وقد ورد هذا الدعاء بصيغة ثانية وهي: «اللهم عرفني نفسك فانك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فانك إن لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فانك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني» (راجع المصدر السابق الحديث رقم 5. وكمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ص342).

  ثانيا:   في حال حصول فتنة واضطراب اجتماعي أو عقائدي لابد للمؤمن أن يبقى على الاعتقاد القديم والموقف القديم الذي كان يعتقده قبل حصول الفتنة، لان الموقف القديم والاعتقاد القديم هو متيقن الصحة وما يصدر في زمن الفتنة هو مشكوك الصحة لا يدرى أهو حق أم باطل،فالعقل السليم والفطرة المستقيمة توجب على الإنسان أن يبقى على ما هو متيقن ولا ينقض يقينه بالشك، وبهذا الأمر العقلائي وردت نصوص روائية توجب على المكلف في عصر الغيبة الكبرى أن يبقى على ما هو عليه من الأمر القديم حتى يتبين له الحال، ومن هذه النصوص:

  ألف:   ما روي عن زرارة عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فقلت له: ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال عليه السلام: يتمسكون بالأمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم» (راجع الإمامة والتبصرة لابن بابويه: ص125. كمال الدين وتمام النعمة: ص350).

  باء:   وعن عبد الله بن سنان قال دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله فقال صلوات الله وسلامه عليه: «كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يرى ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق، فقال له أبي إذا وقع هذا فكيف نصنع؟ فقال أما أنت فلا تدركه، فإذا كان ذلك فتمسكوا بما في أيديكم حتى يتضح لكم الأمر» (راجع كتاب الغيبة للنعماني: ص161. معجم أحاديث الإمام المهدي للشيخ الكوراني: ج3/ ص399).

  جيم:   عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «يأتي على الناس زمان يصيبهم فيها سبطة يأرز العلم فيها كما تأرز الحية في جحرها، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم نجم، قلت: فما السبطة؟ قال: الفترة. قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟ فقال: كونوا على ما أنتم عليه حتى يطلع الله لكم نجمكم» (راجع كتاب الغيبة للنعماني: ص162. كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدق: ص349. بحار الأنوار للمجلسي: ج52/ ص134).

  دال:   وعن الإمام موسى بن جعفر صلوات الله وسلامه عليه قال: «إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنكم عنها أحد، يا بني إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هو محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصح من هذا لاتبعوه...» (راجع الكافي للشيخ الكليني: ج1/ ص336. بحار الأنوار: ج51/ ص150).

  هاء:   عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا أصبحت وأمسيت لا ترى إماما تأتم به فأحبب من كنت تحب وأبغض من كنت تبغض حتى يظهره الله عز وجل».

ويمكن لنا ونحن نعيش عصر الغيبة الكبرى، نرى الفتن تهجم علينا ساعة بعد ساعة ويضمحل فيها الإيمان في قلوب الناس يوما بعد يوم، أن نطبق هذه الأحاديث الشريفة على حياتنا، وننبه المؤمنين على عدم الإسراع بتصديق أصحاب الأهواء المستحدثة وأرباب البدع المضلة وقادة الرايات الضالة والبقاء على ما هم عليه والثبات على ذلك،لأننا قد رأينا بالتجربة إن كل تلكم الرايات سرعان ما خفت صوتها وانكشف أربابها واضمحلت أفكارها وهلك من اتبعها وسقط في الفتنة والامتحان من صدق بها.
أما ما هو الأمر الذي يجب أن نثبت عليه ونتمسك به؟ فهو الأمر الذي أسس أساسه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وخط نهجه الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهو أمر السفارة والنيابة العامة والمرجعية الدينية التي سار عليها القدماء من علمائنا الأعلام منذ بدء الغيبة الكبرى إلى اليوم.
فلو علم أولئك الأعلام دينا ومذهبا وطريقة أهدى من هذه التي نحن عليها لاتبعوها، فمنهجهم إذا منهج متيقن الصحة، وما استحدث من الأفكار والآراء والرايات متيقن الخطأ أو لا اقل مشكوك الصحة فينبغي عقلا وشرعا التوقف عندها والرجوع إلى من أمرنا الله بالرجوع إليهم وأمرنا الإمام سلام الله عليه بالرجوع إليهم ألا وهم علماء الدين ورواة أحاديثهم في هذا العصر.
ثبتنا الله وجميع المؤمنين من فتن آخر الزمان وأخطاره آمين يا رب العالمين.

إرسال تعليق