بقلم: السيد نبيل الحسني
دور التهجد في الإعداد الروحي لخوض المهمات وتحمل الملمات
كثيراً ما يتعرض الإنسان لحوادث مختلفة خلال فترة حياته، منها حوادث قد ألمت به كالفقر والمرض والعسر وغيرها من الشدائد ونوازل الدهر.
ومنها ما لم يقع كالخروج للقتال فلا يعلم الإنسان مصيره ولا يدري لمن النصر والهزيمة؛ أو كالدخول على الحاكم الجائر لا يدري الداخل ما يحل بأمره وغيرها من مهمات الأمور.
هذه الحوادث كيف يستقبلها الإنسان؟ وكيف يتعايش معها؟ وماذا أعد لها؟ وهل يمتلك القدرة في المواجهة؟ أسئلة كثيرة ومختلفة كاختلاف الظروف والحالات التي يمر بها الإنسان؛ كما أن أجوبتها متعددة كتعدد الأسئلة، وكلها يمكن حدوثها لاختلاف مستوى التفكير عند الناس واختلاف ظروفهم الحياتية.
إلا أن عاشوراء قد قدمت دروساً تضمنت جميع هذه الأسئلة وأجوبتها! لأنها جمعت أعظم الشدائد والنوازل على مر الدهر. ولاسيما ليلة العاشر فقد ألقت بهمومها وأحزانها وحذرها على الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، فكيف استقبلها حجة الله؟ وماذا أعد لهذه النازلة والشدة؟!.
سؤال قد فرض نفسه في ساحة الذهن وألقى بظلاله على فكر الباحث والمتتبع لقضية كربلاء وما دار فيها من مآسٍ ومهام جسيمة أرهقت كاهل القارئ لها فكيف بمن عاشها وعايشته حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ملحمة عاشوراء.
ولذا؛ فقد أعد الإمام الحسين عليه السلام لهذه النازلة العظيمة ركائز أربعاً، اشترك فيها الزمان والمكان فكانت كالآتي:
أولاً: الصلاة.
ثانياً: تلاوة كتاب الله تعالى.
ثالثاً: كثرة الدعاء.
رابعاً: الاستغفار.
فأما الزمان الذي اتخذه حجة الله في قيام هذه الركائز؟ فكان الليل، والعلة في ذلك هي النهج الذي خطه القرآن الكريم للحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله في تخصيص هذا الوقت للتزود بالطاقات والفيوضات الربانية والتي عرفها القرآن بـ«التهجد» كما جاء في قوله تعالى في (سورة الإسراء، الآية: 79): {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}.
وقوله تعالى في (سورة المزمل، الآيات: 1 ــ 6): {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}.
ولقد حظي التهجد في مدرسة العترة المحمدية عليهم السلام بحيز كبير من الأحاديث الشريفة التي كانت بمجموعها دليلاً عملياً للمؤمنين في نظم أمورهم الدنيوية والأخروية وإعدادها.
فالتهجد ليس مجرد قيام وصلاة في جوف الليل يتحمل فيه القائم عناء السهر، وإنما هو ــ في مدرسة أهل البيت عليهم السلام ــ منهج للإعداد النفسي، والروحي، والإيماني، والجسدي.
ويمكن للباحث المتتبع أن يلمس هذا الإعداد للنفس والروح والجسد من خلال هذه الأحاديث التي كشفت هذه الخواص بشكل جلي، وهي كما يلي:
1. نزل جبرائيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله، فقال له: «يا جبرائيل عظني،فقال: «يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه. شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه كف الأذى عن الناس» (من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 1، ص 471).
2. وعن الصادق عليه السلام قال: «إن من روح الله عز وجل، ثلاثة: التهجد بالليل، وإفطار الصائم، ولقاء الإخوان» (الأمالي للطوسي: ص 172).
3. وعنه عليه السلام ، قال: «عليكم بصلاة الليل فإنها سنة نبيكم، وأدب الصالحين قبلكم، ومطردة الداء عن أجسادكم» (ثواب الأعمال للشيخ الصدوق: ص 41).
4. وروى هشام بن سالم عنه عليه السلام أنه قال: «في قول الله عزوجل: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}، قال: قيام الرجل عن فراشه يريد به وجه الله عزوجل، لا يريد به غيره» (علل الشرايع للصدوق: ج 2، ص 363).
ولأجل هذه المزايا وغيرها اتخذ الإمام الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء، ليلة للمناجاة والصلاة وتلاوة كتاب الله تعالى، وكثرة الدعاء والاستغفار، والتزود بالطاقات والفيوضات الإلهية.
فكان هو وأصحابه عليهم السلام بين قائمٍ وراكعٍ وساجدٍ، لهم دوي كدوي النحل لا يفترون من ذكر الله تعالى ومناجاته والتضرع إليه، والرهبة منه، والتبتل إليه، والابتهال له، عزّ شأنه راجين في ذلك رضاه ورضا رسوله صلى الله عليه وآله ملتمسين توفيقه في نصرة شرعه ودينه.
فكان لهم ما سألوا الله من أجله، فقد أجاب دعوتهم فمضوا مضرجين بدمائهم مجزرين كالأضاحي في ساحة قدسه في البقعة المباركة من جانب الطور الأيمن، ضحىً من يوم عاشوراء.
اثر التهجد والعبادة على سير المعركة في يوم عاشوراء
لقد أثر تهجد الإمام الحسين عليه السلام وصحبه على الأعداء تأثيراً بالغاً ومن عدة جوانب:
المسألة الأولى: الجانب الرسالي
فقد كشف هذا الوقوف بين يدي الله ومناجاته أن لهؤلاء القوم قضيّة ربانية مرتبطة بالرسالات السماوية، وأنهم ليسوا طلاب سلطة ولا دعاة ملك أو رئاسة وإنما هم امتداد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته. فهذه الفعال هي فعال الأنبياء والمرسلين عليه السلام وعباد الله الصالحين.
المسألة الثانية: الجانب النفسي
في الجانب النفسي نجد أن للمناجاة تأثيراً معاكساً على الأعداء، بمعنى: كل ما يدخله الدعاء والمناجاة والعبادة من ارتياح وانبساط نفسي على المؤمن، يكون على عكسه حال الظالم. وخاصة حينما يرى أمام عينيه وقوف المظلوم ومناجاته لله رب العالمين.
والسبب في ذلك؛ إن الظالم يتملكه شعور نفسي خاص يتكون من مجموعة إدراكات ذهنية مختلفة وهي كالآتي:
1. كإدراكه بأنه متلبس بالظلم.
2. وأنه من صنف أهل الشر.
3 . وأن عاقبته سيئة.
4. وأن مصيره إلى النار والعذاب.
5. وأنه وضيع.
6. وأنه أداة تستهلك بيد غيره.
7. وأنه يدمر نفسه كي يتنعم بالدنيا غيره.
8. وأنه عار على أبنائه وعشيرته.
9. وأنه موضع لعنة الله على مر الأجيال.
وغيرها من الإدراكات التي تدور في الذهن فتستشعرها النفس بمرارة وحسرة فتكون هذه الأحاسيس أشد ألماً على النفس من آلام الجراح. ولذلك؛ نجد الكثير من الظالمين حينما يعيش هذه الحالة النفسية تأخذه العزة بالإثم كما دلّ عليه قوله تعالى في (سورة البقرة، الآيات: 205 ــ 206): {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
فلا يجد من الناحية النفسية غير المضي بهذا الظلم، إلاّ في حالة واحدة وهي تغليب العقل على النفس فيأخذ من هذه المشاهد التي يراها من أهل الخير والصالحين فيشد النفس إلى اللحاق بهم بعد التوبة والمغفرة.
المسألة الثالثة: الجانب العسكري
في الجانب العسكري أوجد تهجد الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه رعباً في نفوس الأعداء بمستوى كبير جداً؛ فقد بدا هذا الوقوف وهذا التهجد وكأنه وقعة حرب شرسة تدور رحاها على مقربة من الناظر. فهؤلاء الذين انتصبوا وقوفاً فبدوا للناظر رماحاً يزهر من أسنّتها النور، هم في يوم غد تتصدع من قارعة سيوفهم القلوب المتحجرة. وهذا الدّوي الآتي من هذه الشفاه التي رطبها الاستغفار، بدا للسامع قرقعة امتزج فيها صوت الأتراس حينما تصطك فوق أكتاف الفرسان وهم يجولون بخيولهم فيعلو صوت السنابك وهي تدق الصخور.
إنه مشهد تداخلت فيه الصور فاحتار الرائي والسامع بأيهما يعقل؟!
ولذلك: «انحاز من معسكر عمر بن سعد في هذه الليلة إلى معسكر الإمام الحسين عليه السلام اثنان وثلاثون رجلاً لما رأوا منهم هذا التهجد» (البحار للمجلسي: ج 44، ص 394، ط دار إحياء التراث العربي).
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته الطاهرين.
دور التهجد في الإعداد الروحي لخوض المهمات وتحمل الملمات
كثيراً ما يتعرض الإنسان لحوادث مختلفة خلال فترة حياته، منها حوادث قد ألمت به كالفقر والمرض والعسر وغيرها من الشدائد ونوازل الدهر.
ومنها ما لم يقع كالخروج للقتال فلا يعلم الإنسان مصيره ولا يدري لمن النصر والهزيمة؛ أو كالدخول على الحاكم الجائر لا يدري الداخل ما يحل بأمره وغيرها من مهمات الأمور.
هذه الحوادث كيف يستقبلها الإنسان؟ وكيف يتعايش معها؟ وماذا أعد لها؟ وهل يمتلك القدرة في المواجهة؟ أسئلة كثيرة ومختلفة كاختلاف الظروف والحالات التي يمر بها الإنسان؛ كما أن أجوبتها متعددة كتعدد الأسئلة، وكلها يمكن حدوثها لاختلاف مستوى التفكير عند الناس واختلاف ظروفهم الحياتية.
إلا أن عاشوراء قد قدمت دروساً تضمنت جميع هذه الأسئلة وأجوبتها! لأنها جمعت أعظم الشدائد والنوازل على مر الدهر. ولاسيما ليلة العاشر فقد ألقت بهمومها وأحزانها وحذرها على الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، فكيف استقبلها حجة الله؟ وماذا أعد لهذه النازلة والشدة؟!.
سؤال قد فرض نفسه في ساحة الذهن وألقى بظلاله على فكر الباحث والمتتبع لقضية كربلاء وما دار فيها من مآسٍ ومهام جسيمة أرهقت كاهل القارئ لها فكيف بمن عاشها وعايشته حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ملحمة عاشوراء.
ولذا؛ فقد أعد الإمام الحسين عليه السلام لهذه النازلة العظيمة ركائز أربعاً، اشترك فيها الزمان والمكان فكانت كالآتي:
أولاً: الصلاة.
ثانياً: تلاوة كتاب الله تعالى.
ثالثاً: كثرة الدعاء.
رابعاً: الاستغفار.
فأما الزمان الذي اتخذه حجة الله في قيام هذه الركائز؟ فكان الليل، والعلة في ذلك هي النهج الذي خطه القرآن الكريم للحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله في تخصيص هذا الوقت للتزود بالطاقات والفيوضات الربانية والتي عرفها القرآن بـ«التهجد» كما جاء في قوله تعالى في (سورة الإسراء، الآية: 79): {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}.
وقوله تعالى في (سورة المزمل، الآيات: 1 ــ 6): {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}.
ولقد حظي التهجد في مدرسة العترة المحمدية عليهم السلام بحيز كبير من الأحاديث الشريفة التي كانت بمجموعها دليلاً عملياً للمؤمنين في نظم أمورهم الدنيوية والأخروية وإعدادها.
فالتهجد ليس مجرد قيام وصلاة في جوف الليل يتحمل فيه القائم عناء السهر، وإنما هو ــ في مدرسة أهل البيت عليهم السلام ــ منهج للإعداد النفسي، والروحي، والإيماني، والجسدي.
ويمكن للباحث المتتبع أن يلمس هذا الإعداد للنفس والروح والجسد من خلال هذه الأحاديث التي كشفت هذه الخواص بشكل جلي، وهي كما يلي:
1. نزل جبرائيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله، فقال له: «يا جبرائيل عظني،فقال: «يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه. شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه كف الأذى عن الناس» (من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 1، ص 471).
2. وعن الصادق عليه السلام قال: «إن من روح الله عز وجل، ثلاثة: التهجد بالليل، وإفطار الصائم، ولقاء الإخوان» (الأمالي للطوسي: ص 172).
3. وعنه عليه السلام ، قال: «عليكم بصلاة الليل فإنها سنة نبيكم، وأدب الصالحين قبلكم، ومطردة الداء عن أجسادكم» (ثواب الأعمال للشيخ الصدوق: ص 41).
4. وروى هشام بن سالم عنه عليه السلام أنه قال: «في قول الله عزوجل: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}، قال: قيام الرجل عن فراشه يريد به وجه الله عزوجل، لا يريد به غيره» (علل الشرايع للصدوق: ج 2، ص 363).
ولأجل هذه المزايا وغيرها اتخذ الإمام الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء، ليلة للمناجاة والصلاة وتلاوة كتاب الله تعالى، وكثرة الدعاء والاستغفار، والتزود بالطاقات والفيوضات الإلهية.
فكان هو وأصحابه عليهم السلام بين قائمٍ وراكعٍ وساجدٍ، لهم دوي كدوي النحل لا يفترون من ذكر الله تعالى ومناجاته والتضرع إليه، والرهبة منه، والتبتل إليه، والابتهال له، عزّ شأنه راجين في ذلك رضاه ورضا رسوله صلى الله عليه وآله ملتمسين توفيقه في نصرة شرعه ودينه.
فكان لهم ما سألوا الله من أجله، فقد أجاب دعوتهم فمضوا مضرجين بدمائهم مجزرين كالأضاحي في ساحة قدسه في البقعة المباركة من جانب الطور الأيمن، ضحىً من يوم عاشوراء.
اثر التهجد والعبادة على سير المعركة في يوم عاشوراء
لقد أثر تهجد الإمام الحسين عليه السلام وصحبه على الأعداء تأثيراً بالغاً ومن عدة جوانب:
المسألة الأولى: الجانب الرسالي
فقد كشف هذا الوقوف بين يدي الله ومناجاته أن لهؤلاء القوم قضيّة ربانية مرتبطة بالرسالات السماوية، وأنهم ليسوا طلاب سلطة ولا دعاة ملك أو رئاسة وإنما هم امتداد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته. فهذه الفعال هي فعال الأنبياء والمرسلين عليه السلام وعباد الله الصالحين.
المسألة الثانية: الجانب النفسي
في الجانب النفسي نجد أن للمناجاة تأثيراً معاكساً على الأعداء، بمعنى: كل ما يدخله الدعاء والمناجاة والعبادة من ارتياح وانبساط نفسي على المؤمن، يكون على عكسه حال الظالم. وخاصة حينما يرى أمام عينيه وقوف المظلوم ومناجاته لله رب العالمين.
والسبب في ذلك؛ إن الظالم يتملكه شعور نفسي خاص يتكون من مجموعة إدراكات ذهنية مختلفة وهي كالآتي:
1. كإدراكه بأنه متلبس بالظلم.
2. وأنه من صنف أهل الشر.
3 . وأن عاقبته سيئة.
4. وأن مصيره إلى النار والعذاب.
5. وأنه وضيع.
6. وأنه أداة تستهلك بيد غيره.
7. وأنه يدمر نفسه كي يتنعم بالدنيا غيره.
8. وأنه عار على أبنائه وعشيرته.
9. وأنه موضع لعنة الله على مر الأجيال.
وغيرها من الإدراكات التي تدور في الذهن فتستشعرها النفس بمرارة وحسرة فتكون هذه الأحاسيس أشد ألماً على النفس من آلام الجراح. ولذلك؛ نجد الكثير من الظالمين حينما يعيش هذه الحالة النفسية تأخذه العزة بالإثم كما دلّ عليه قوله تعالى في (سورة البقرة، الآيات: 205 ــ 206): {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
فلا يجد من الناحية النفسية غير المضي بهذا الظلم، إلاّ في حالة واحدة وهي تغليب العقل على النفس فيأخذ من هذه المشاهد التي يراها من أهل الخير والصالحين فيشد النفس إلى اللحاق بهم بعد التوبة والمغفرة.
المسألة الثالثة: الجانب العسكري
في الجانب العسكري أوجد تهجد الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه رعباً في نفوس الأعداء بمستوى كبير جداً؛ فقد بدا هذا الوقوف وهذا التهجد وكأنه وقعة حرب شرسة تدور رحاها على مقربة من الناظر. فهؤلاء الذين انتصبوا وقوفاً فبدوا للناظر رماحاً يزهر من أسنّتها النور، هم في يوم غد تتصدع من قارعة سيوفهم القلوب المتحجرة. وهذا الدّوي الآتي من هذه الشفاه التي رطبها الاستغفار، بدا للسامع قرقعة امتزج فيها صوت الأتراس حينما تصطك فوق أكتاف الفرسان وهم يجولون بخيولهم فيعلو صوت السنابك وهي تدق الصخور.
إنه مشهد تداخلت فيه الصور فاحتار الرائي والسامع بأيهما يعقل؟!
ولذلك: «انحاز من معسكر عمر بن سعد في هذه الليلة إلى معسكر الإمام الحسين عليه السلام اثنان وثلاثون رجلاً لما رأوا منهم هذا التهجد» (البحار للمجلسي: ج 44، ص 394، ط دار إحياء التراث العربي).
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته الطاهرين.
إرسال تعليق