ذكرى أربعين سيد الشهداء عليه السلام

بقلم: الشيخ عبد الرسول كاشف الغطاء / رئيس جمعية الوحدة الاسلامية

في الوقت الذي تتدول ايدي قراءنا الاعزاء هذا العدد. تكون كربلاء البقعة المقدسة التي تضم رفات سيد الشهداء وصحبه المناجيد  -قد ماجت بعشرات الالوف من الزوار الذين يؤمونها من سائر انحاء العالم الاسلامي. غير مبالغين بكل ما يقف من الصعاب حائلاً دون اوائهم هذه الزيارة التي يستعيدون فيها اشد الذكريات وقعاً في نفوسهم مجددين بذلك ذكرى زيارة جابر الانصاري صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقبر ابي عبد الله الحسين (عليه السلام).

وما كانت كل هذه القرون التي مرت على هذه الفاجعة لتستطيع ان تمحو هذا الاثر البليغ الذي خلفته في نفوس بل ما كانت الا لتزيدها جدة وحدة.

وانت لو رايت هذه الجموع الزاخرة التي تظل تنصب كالسيل على ارض الطف طوال هذه الايام حتى تزدحم بهم المدينة على سعتها وحتى يضطر الآلاف منهم الى النوم على ارصفة الشوارع وعلى سطوح المنازل مع هذا البرد الشديد. انك لو رأيت هذه لآمنت ان هذه المئات من السنين التي مرت على ذكرى واقعة الطف لم تكن الا لتزيدها لهباً وضراماً. ولم تكن إلاّ لتبعث الناس في مطلع كل عام الى مضاعفة الجهود في سبيل تعظيم هذه الشعائر المقدسة واحياء هذه الذكريات الغالية.

بربك قل لي.. اية ذكرى تفتت الاكباد كذكرى الاربعين حين تكون عقائل الوحي ((وهن على الاقتاب)) يطلبن التعريج على الطف في طريقهن الى المدينة بعد ان عانين من الهون والاذى وما لقين من الفجيعة والضيم ما يفتت كبد الانسانية وما يترك صفحة سوداء قاتمة في تاريخ هذه الامة المنكودة. يخلفها علوج بني امية الاوغاد عليهم وعلى اتباعهم واشياعهم لعائن الله وملائكته والناس اجمعين  …اجل ان عقائل البيت النبوي ليطلبن بالحاح ان يعرج الركب بعراص الطف ليلقين بكلمة الوداع على اسودهن الضياغم المناحير الذين توسدوا الثرى بعد ذلك النضال العنيف والمعترك الهائل.

وليجددن بهم العهد بعد اربعين يوماً من مصرعهم، فلا يلبثن ان تطالعهن كربلاء… ويعلوا النشيج… ويأخذ الركب بالبكاء..

اطفال صغار. عاينوا اليتم والصغار.. وهم البراعم الفضة من الدوحة النبوية المباركة.. ونساء حرائر.. عانين افظع الوان الثكل.. واقسى انواع السبي والذل. وهن عقائل البيت النبوي الطاهر.. وحرم الرسول العظيم.

كل هؤلاء واولائك الاطهار الميامين. تشخص ابصارهم الى البقية الباقية من سلالة الحسين (عليه السلام)  الى محطة الامل ومناط الرجاء.. الى زين العابدين (عليه السلام)  وقد انهكه المرض واوهن قواه الاسر.. يريدون من ان يدلهم على قبر ابي الشهداء فيمشي بهم اليه.. وتتعالى صرخاتهم.. وتتجاوب بها ارجاء الارض واجواء الفضاء.. انهم يبثون عميدهم الشهيد شكواهم وبلواهم.. ومالقوا بعده من عنت وجور.. وظلم وطغيان.. وذل وهوان.. ثم هم بعد يقومون الى كل قبر فيقضون من البكاء عنده وطرهم. ويأخذون من الشكوى اليه نصيبهم. ولا يلبث الركب ان يسير الى المدينة.

لله هي ذكرى الاربعين ما اوجعها … وما امض وقعها.

ولله هي مأساة الطف ما اشد ألمها.. انها لسلسلة مفرغة الحلقات من الفجائع تنـزل ببيت الوحي ومهبط التنـزيل فلا حوله ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.