بقلم: الأستاذ نجيب الراوي
يوم الحسين (عليه السلام) في التاريخ يوم الحق، فقد أبى الله إلاّ أن يكون الحق جوهر الحياة الإنسانية، والقوة التي توجه كفاءات الناس في حقول الخير والفلاح، وأن يكون لهذا الحق حماة وأنصار ينشرونه في الدنيا رغم أنف الظالم، ويقرونه في الأرض رغم قوى الباطل، لهم من إيمانهم به قوة، ومن الإعتقاد من سمو مبادئه نصير، وقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) – والتاريخ يشهد- إمام هؤلاء الأنصار، بل كان المثل الأعلى للتضحية دون الحق، بل كان دمه المداد الذي كتب به الدهر تأريخ الحق.
فالإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن طالب ملك، أو مفتوناً بسلطان- كما يظن البعض على جهل وغي- إنما كان فداء الحق الذي وقع عليه اختيار القدر، لأنه كان الشخص الذي تتمثل فيه عناصر الإنسانية ومثلها العليا، والشخص الوحيد الذي يقدر بما حباه ربه أن يقف بوجه الظلم ويلقي الحجة على الظالمين فان اجابوه فقد فاز الحق، وأن تنكروا له واعتدوا عليه، فقد ايقظ في الأمة عوامل الثورة والتمرد، ونفخ فيها قوة الكفاح والشجاعة وأرشدها الى مواطن الضعف في حاكميها الطاغين وهذا ما كان، فدم الحسين الذي أريق في كربلاء هو النور الذي أضاء للمسلمين طريقهم السوي.
ومن هنا كان الحسين(عليه السلام) أعظم مدافع عن الحق في الإسلام بل في الدنيا، ولولاه ولولا إيمانه الذي لم يثبط عزمه وعقيدته التي وطنت نفسه على التضحية وهو عارف بها منذ البدء لكان الإسلام غير ما عرفناه، وكان الحق وهماً تردده الأساطير.
وليس هذا فقط، بل أن تضحيته (عليه السلام) كانت سبباً قوياً في جمع قلوب الناس على رأي واحد، وفي توحيد جهودهم وقواهم للدفاع عن الحق أينما كان وفي كل زمان، فكان بهذا اقوى عامل في وحدة القلوب وأقوى رابطة بين الأقوام، ومن الوحدة يطلع الأخاء والحب والرحمة والحنان، والمساهمة في السراء والضراء ولحين الضر، وهكذا جمع الإمام الكريم في شخصه الفذ أسمى صفات الإنسانية، جعلها الناس جيلاً بعد جيل، وقبيلاً اثر قبيل مهما كانت مذاهبهم، ومهما كانت طرائقهم، الرموز المقدسة في الحياة، ما أن يصلها الأنسان، أو يبلغ حدها، إلاّ ويبلغ درجة الكمال.
لئن باعد الزمن بيننا وبين يوم الشهيد فقد قربنا منه التاريخ الذي ما برح يعرضه لنا وضاءاً مشرقاً كله شمم وإباء، ونخوة ونجدة، وحمية وتضحية، واخلاق هاشمية ما بعدها من أخلاق. ولكن اذا كان سلفنا الصالح يكتفي من يوم الإمام بالدمعة الحارة، والزفرة الملتهبة، وتلاوة سورة الفاتحة فإننا في يومنا هذا غيرنا بالأمس، ويجب أن نكون غيرنا بالأمس.
نحن اليوم وقد طلعنا على الدنيا في عصر رائدهُ العقل، وعنوانه تحرر الفكر، وعشنا مع شعوب تأتي كل ساعة بالعجب العجاب من مبتكرات العقل حتى أوشكت ان تسيطر على الدنيا بالذرة، يجب علينا أن نأخذ من الحسين ويوم الحسين(عليه السلام) أنفع الدرس، درس الإنسانية الأكبر، وأنها لخسارة عظمى إذا لم يستفد منه المسلمون وعلى ضوء هدايته يسيرون.
وعندي أول درس يجب أن نأخذه هو الأتحاد، الأتحاد في الحق على الباطل، وفي الأخاء على التفرقة، وفي الحرية على الإستبداد، وفي الإسلام على عنفات الراي، فأعظم ما تبلى به الأمة التفرقة، وتمييز هذا عن ذاك، لمذهب أو جاه. أو عنصرية أو رأي.
إن الأمة وحدة متجانسة. كما يشترك جميعها في الواجبات يجب أن تتمتع جميعاً في الحقوق. فلا يقدم كسول ويظفر بكل شيء لأنه ابن جاه أو الثروة والنفوذ، أو بدافع النعرة المذهبية أو العنصرية. فيكون تقدمه للأمة تأخراً. وللعدل الإجتماعي تقهقراً. وللإتحاد صدعاً. ويؤخر المجد النابغ لأنه ابن الفقر لاسند له إلاّ ساعدهُ. ولا معين له إلاّ ربه. فتخسر الأمة فيه العقل والنفع.
فإذا كنا أمة تشعر بأنها أمة موحدة الرأي والهدف. لها آمال مشتركة تسعى لتحقيقها. لها وطن واحد تذود عنه. يجب أن تكون خصومتنا لمن يفرق بيننا بأية صفة ولأية غاية.
ولا شك أننا نناشد قادة الرأي والمثقفين هذه الوحدة. فليتقوا الله في ضمائرهم . وليتقوا الله في مستقبل أمتهم وليمدوا يداً لمن يستحقها ولمن تستفيد أمته منه. وأنه لخجل والله عظيم أن نبقى في فرقة نفسية واجتماعية وفكرية وفوق هذا كله ندعي اننا امة. ويجب أن نحتل مكاننا تحت الشمس.
إرسال تعليق