بقلم: الشيخ محمد حسين المظفر
كان في الكوفة هوى لعلي (عليه السلام) قبل أن تأتيه الخلافة مرغمة، واي بلاد لم يكن للمرتضى(عليه السلام) يومئذ فيها صوت داو..؟ اللهم إلاّ الشام، فقد ربض فيها أبن هند عشرين عاماً والياً، وهذا الأمد الطويل جعلها مغرساً لنواة آماله، وقد تطلع لأمر ما كان ليأتيه صدفة، دون أن يمهد له السبيل ويعد له العدة والعدد، وما كان مقتل عثمان إلاّ حدثاً يرتقبه ويحسب له الأيام والساعات ليجعله احبولة لاصطياد أمانيه العذاب.
فما كانت بلاد الإسلام - خلا الشام - تستغرب النبأ عن البيعة لأمير المؤمنين بل قابلته بالرضى والطاعة. وما حادثة البصرة - لولا المغرون - بواقعة، ولا مصر لولا الدعوة الى خلافة - بمخالفة.
كان بالكوفة رجال يوالون أبا الحسن (عليه السلام) ويرون الإمامة فيه وإن قبع في بيته وحاربته الأيام، وما جنده لحرب البصرة إلاّ الكوفة وما تلكأت عن الإجابة أياماً إلاّ بإغراء أبي موسى الأشعري وتخذيله، وكيف رأيتها عادت الى الطاعة يوم جاء اليها (الأشتر رضي الله عنه) وأوقع بالأشعري استنهضها للخروج ومن ثم تعرف مكانة مالك في المصر.
فلأمير المؤمنين (عليه السلام) أمة بالكوفة تقول بإمامته قبل أن يجعلها عاصمة سلطانه، إنما نمت تلك البذرة بعد أن حل بها عقيب واقعة البصرة نعم بها فئة، لم يجل الصدأ عن قلوبهم سحر بيانه وقواطع حججه وبليغ مواعظه والناس معادن.
وزاد رفع المصاحف في أولئك المخالفين لرأيه فجعل من الكوفة ثلة ثالثة تسمت الخوارج، وما قلعت جذورها حادثة النهروان بعد ان وشجت ونما غرسها الوبيل بخدعة ابن النابغة.
فالكوفة بعد صفين عادت على ثلاث فرق علوية لا ترى لغيره امامة، وحرورية لا ترى له امامة، وثالثة اشركته مع غيره في الإمامة وهذه ترى الإمامة لكل من ارتقى عرش الحكم من أي ناحية وطريق، فعلي(عليه السلام) ومعاوية امامان وان كانا حرباً شعواء، واعداءاً أمواتاً وأحياء، وان حارب علي(عليه السلام) معاوية على الدين، وحارب معاوية علياً على الدنيا والملك.
اما التشيع والخروج بعد حرب صفين فمذهبان معلومان أغنت مواقف اربابها عن التدليل على وجودهما. ولا نحسب أن روح الخوارج بادت بالكوفة خاصة بعد أن ابيدوا يوم النهروان، لأن الذين انفصلوا عن الخوارج بعد الإحتجاج عليهم ذلك اليوم لم ينـزلوا عن رايهم ايقاناً بفساده، وإنما تنازلوا هرباً من حر السيف، اللهم إلاّ فئة قليلة وضح لها الحق فعادت اليه.
وازداد القوم انغماساً في الخلاف عندما ابيد اصحابهم يوم النهروان وهم من أهل الكوفة، وكم لهم بالكوفة من عشيرة وأهل وذرية، وكم يبلغ بالمرء الحقد والضغينة على الثكل، وأين من يخضع للحق وإن حز وريديه .
وأما الفرقة الثالثة فإنها كانت اكثر أهل الإسلام ذلك اليوم ولم تتمخض لولاء العترة وإن عاد السلطان لأبي الحسن(عليه السلام) ولم تخلص الكوفة له وهي عاصمة خلافته في الولاء والإتباع.
فكانت هذه المذاهب الثلاثة في الكوفة متخالفة وما اتفقت بعد أن افترقت وكان التخاصم بينها دوماً بالحجة مرة وبالحرب أخرى، ولا يتغلب مذهب على مذهب إلاّ بقوة السيف، وما استطاع معاوية بأساليبه الجمة في محاربة التشيع أن يقتلع شجرته من الكوفة، وكيف يقلعها وهي متوشجة العروق، وأحسب أن حب أهل البيت إذا صار شغاف القلوب لا ينخلع عنها رغبة أو رهبة، علم ان السيف والخوف حاكمان على انطباعه ورصد ان على كونه ومهما وجد منفذاً برز للعيان بروز النار من تحت الرماد.
كان اختلاف هذه الفرق عاملاً قوياً في الغدرة بالحسن (عليه السلام) ، وإن كان السأم من حرب صفين وخوف العودة الى مثلها حرباً تأكل العرب عاملاً آخر في الخذلان والكوفة جبلت على الملل كما طبعت على النكثة ولا رأي لملول، ولا ثبات لملول، والعجب ان الشام ما شكت التعب والسأم من حرب صفين، وما غدرت بمعاوية مللاً من الحرب وكانت الحرب بهم أفتك، والقتل فيهم أكثر ومن ثم تعرف الفرق جلياً بين المصرين، ولماذا لا يسود معاوية وجنده الشام. ولماذا لايمل الحياة أبو الحسن وجنده الكوفة.
قد يخال أن معاوية قضى على التشيع بكل ما أوتي من حول وحيلة حتى لم يبق بها شيعي معروف، ولكن ما انقضت أيامه الجائرة إلاّ وتطالعت الشيعة من أوجارها متلعين أجيادهم، يريدون التمرد على الحكم الأموي، والليث يثبت بعد الربضة، واذا وثب اخرى وخيفت سطوته.
وأما الحرورية فليست لهم في العهد قوة يستطيعون بما على الإستقلال فهم لا يقدرون على حرب الحزبين الآخرين وهم لهما حرب، نعم يودون أن يضربوا كلاً منهما بالآخر بغضاً للفريقين، فأينما أصابت سهامهم فتح، فهم ينتظرون من يكون الغالب ليكونوا معه فانه امضى في الضربة.
واما اشياع أمية فقد ساورتهم الحيرة حين رأوا الشيعة ينتفضون كأنما نشطوا من عقال، وأمير أولئك الأشياع النعمان بن بشير وهو ضعيف أو يتضعف، وقوة الجند من قوة القائد وعزمه فكيف ينهضون لإخماد نار الشيعة وأميرهم باد عليه العجز والخور..؟
ولا تخفى عليك حال غثاء الناس في كل كورة فإنهم لا يندفعون بدافع الإيمان والعقيدة، وإنما هم اتباع كل ناعق، وان الذين يجمعهم الهتاف، وتفرقهم الصرخة لا يسر اجتماعهم ولا يسيء تفرقهم، فبينما هم مقبلون تراهم مدبرين، من دون حاد حثهم على الإقبال، ولا انتباه دعاهم الى الإدبار، وإنما الشأن كله في رؤوس الناس في بلد غير الكوفة فبهم يبلغ المرء امانيه ان امتلك قلوبهم، ويخسر مآربه ان استعصت عليه نفوسهم، ولكن الرؤوس في الكوفة كالأذناب فيها سريع توثبهم سريع تشتتهم حلومهم كحلوم الأطفال، وعقولهم كعقول ربات الحجال، لا يستقيمون على رأي، ولا يمضون على مبدأ واحد، فكم كان بها من وثبة، وكم كان بها من غدرة..!!
كاتب شيعة الكوفة بعد موت معاوية الحسين بن علي (عليهما السلام) ، ومن لهم مفزع يلجأؤن إليه فراراً من جور أمية غير الحسين(عليه السلام) مثال العدل والهدى..؟ والحرورية واجمة، واتباع امية حائرة، نعم ساير شطر منهم شيعة الحسين(عليه السلام) فكاتبوه كما كاتبه الشيعة وهل كان ذلك منهم سيراً خلف العلوية، وقد أصبح الخطير شأنهم، أو مجاملة خوفاً من أن تعود القوة للشيعة فلا شفيع لهم لو جاهروا بالخلافة والحجة قد قامت – وكيف لا تقوم ويزيد الخليفة- ولا سبيل لهم غير المتابعة وإن ابطنوا الخلافة..؟
أرسل اليهم الحسين (عليه السلام) بعد الإلحاح في الطلب ثقة بصيراً من أهل بيته (مسلم بن عقيل) ليأخذ له البيعة منهم ويجمعهم على الحق، فبايعته الشيعة طيعة، والأموية بين راكض يقتفي أثر أهل الولاء وبين صامت ينتهز الفرصة للوثبة. واما الهمج الرعاع فقد هتف بهم داعي الولاء فإتبعوه.
وما كاد يمضي ذلك اليوم الذي ابتسمت فيه اماني الشيعة وشاهدوا فيه بوادر الظفر من اجتماع العدد الجم حول مسلم(عليه السلام) ورجوا أن ينتشقوا أطلق النسيم بعد ذلك القبوع والخنوع حتى فاجأ الكوفة عبد بني علاج عبيد الله بن مرجانة، والناس تعرف من ذلك العلج في بطشه وفتكه، فاستاءت الشيعة من هذه المفاجأة وارتجفت قلوب الرعاع من الناس، وفرح الحزب االأموي وعاد الى رأيه الخائف المتذبذب منهم فبذل ابن مرجانة اقصى احتياله واجتهاده في تفريق الناس عن ابن عقيل(عليه السلام)، فما اصبح إلاّ والناس تتطاير من حوله الى ما طبعت عليه ولم يبق غير الخلص من الشيعة واثبة بين يديه وغير لمة من الرعاع تتطاير شعاعاً اذا أحست بحر الطعان.
وثب ابن عقيل(عليه السلام) يريد حرب ابن زياد فتفرق الرعاع يخذلون الناس عنه. ويهددونهم بجموع الشام. فما أسرع ما تطاير اولائك الرعاع يهرعون الى بيوتهم حذر البطش والنكال فلم يبق لدى ابن عقيل(عليه السلام) من هؤلاء الناس الذين زحف بهم على قصر الإمارة من يشد الأزر، وأما أهل الولاء الصادق فكان زعماؤهم يحاربون بهم انصار ابن مرجانة في الدروب والشوارع والكوفة واسعة الأطراف يمتد عمرانها عدة أميال. والناس في كل محلة على ذلك الاختلاف في المذاهب والرأي. بل العشيرة الواحدة قد يكون فيها التضارب قائماً فما شعر الشيعة إلاّ ومسلم مخذول مقتول. وهاني بن عروة قد خذله قومه، فبان الوهن على الشيعة. فبقيت ثلة منهم تحارب نصراء أمية وكان من أولئك الزعماء الذين شمروا عن ساعد الجد – المختار- فخدع ابن زياد الناس بالأمان لإطفاء تلك الثائرة، ونصب راية ليأخذ اللائذ بظلها. فلام الناس المختار والناهضين لحرب الأمويين على بقائهم شاهرين اعلام الحرب. وحثوهم على الدخول فيما دخل فيه الناس (ولم يكن ينفعهم ذلك وزعيم النهضة مستشهداً) فصار الشيعة وزعماؤهم يلجأون الى تلك الراية وعندما آمن ابن مرجانة من غوائلهم عبثت يداه فيهم، فرفع بعضهم فوق المشانق وأذاق آخرين حر السيف صبراً وأودع الباقين مطابق السجون.
فلما جاء الحسين (عليه السلام) العراق وحط رحله بكربلاء إلاّ والشيعة اشتات، وفي سجن ابن زياد منهم اثنا عشر الفاً ( كما قيل) ولم يكن في استطاعة بقيتهم ان يتلع جيده وعلى المشانق أولئك الأصفياء وفي طليعتهم ميثم التمار، والسيوف قد انذرت رؤوس هاتيك البررة، والسجون مليئة بتلك البهاليل الغر، وفي مقدمتهم المختار وسليمان بن صرد وإبراهيم بن مالك ورفاعة بن شداد والمسيب بن نجية ونظرائهم وبقيت فئة من القوم عميت عنهم عيون ابن زياد تسلل شطر منهم لنصرة الحسين (عليه السلام) وفيهم امثال حبيب ومسلم بن عوسجة وبرير بن خضير قراء المصر وأهل الصلاح منه وان اكثر من قتل مع الحسين كانوا من أهل الكوفة.
وكان هذا التشتيت للشيعة من قبل ابن زياد قد قيض له ان يسوق الناس لحرب الحسين(عليه السلام) ولو كانت الشيعة على تراحمها والحسين(عليه السلام) مقبل لما استطاع ابن مرجانة ان يحول بين الحسين(عليه السلام) ودخول الكوفة ويجعجع به في كربلاء ويسوق الناس لحربه وشيعته دريئة دونه.
كان يقود جيش ابن زياد فريقان لا ثالث لهما أموي النـزعة. وحروري العقيدة والثاني وان قل عديده إلاّ إنه قوي الشكيمـة عزيـز الجانـب أمثال آل الأشعث فإنهم يقودون كندة ويعتصمون بها وهي ربع الكوفة وأمثال عمر بن حريث المخزومي ( ومخزوم ريحانة قريش) وهو بعد من شيوخ قريش الى غيرهم. وما كان خروج آل الأشعث على الحسين (عليه السلام) حباً لآل أمية ولكن بغضاً لآل أبي تراب. ولما واتتهم الفرصة خرجوا على الأمويين ايضاً دأب الحرورية في النزعة. كما خرج عبد الرحمن بن الأشعث عليهم وعاث فساداً الى ان قضوا عليه وعلى رجاله.
وأما الأول فهو أكثر قواد الجند أمثال أبن سعد وعمر بن الحجـاج وحجار بن أبجر وشبث بن ربعي واسماء بن خارجة وصالح بن وهب وسنان بن أنس وماشاكلهم، ولم يكن أكثر هؤلاء قد خرجوا لحرب الحسين اكراهاً لهم من ابن زياد ولكنهم خرجوا رغبة ونصرة للمبدأ. ولو كانوا مكرهين لما جدوا في ذلك الموقف وبذلوا قصارى جهودهم في حرب أهل البيت وزادوا على ما رغب فيه ابن مرجانة من فضائع الأعمال.
وما روى التاريخ أن أحداً من قادة الجيش كان يحمل بين حنايا اضلاعه ولاء أهل البيت(عليهم السلام)، نعم كان فيهم من يعرف مقام الحسين(عليه السلام) الإلهي وإن لم يكاتبه مثل الحر بن يزيد الرياحي فإنه استهوته الإمرة والعداة على الخروج لصد الحسين(عليه السلام) عن الكوفة وحين جد الجد عاد الى نزعته وانقاد لعقيدته فلم يختر النار على الجنة والوى بعنان فرسه نادماً تائباً وصار حرباً لبني أمية، وأما رعاع الجيش وسواده فلم تعرف عنهم عقيدة الولاء ولو كانوا أولياء البيت لأنقلب الى الحسين (عليه السلام) شطر منهم بعد أن ابلغ وبالغ في الوعظ واقامة الحجة، بل ولحز قلوبهم ذلك المشهد الفظيع الذي تتصدع له الصم الجلاميد ولئن غلب عليهم القهر ساعة الخروج فلا يغلب ساعة الموقف، ذلك الموقف الذي أنبأ العالم أن لا رحمة في قلب أحد من ذلك الجيش الكثيف وبقي سبه عليهم وعار مدى الأبد والذي يدلك على خلو الجيش من الشيعة هتاف الحسين(عليه السلام) بهم وقد زحفوا على خيامه وقد اضعفته الجراح عن مناهضتهم (يا شيعة آل أبي سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا احراراً في دنياكم) ولو كانوا شيعة آل محمد لما نسبهم الى آل أبي سفيان.
وقد احتج عليهم بثياب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولامة حربه وبما قاله بقية الصحابة الموجودين ولو كانوا من شيعتهم لما احتاج الى مثل هذا الإحتجاج لأنهم لا يجهلون تلك المكانة التي له من الرسول بل لاحتج عليهم بالولاء والحب.
وعندما أضرم النار في الخندق الذي حول الخيام سداً لهجمات الخيل قالوا له. تعجلت بنار الدنيا قبل نار الآخرة، وعندما طلب منهم المهلة للصلاة وقد حضر وقتها قالوا له: صل إن نفعتك الصلاة، الى كثير من امثال تلك الكلمات التي تنبئك بأن القوم لا يحملون بين أضلاعهم ولا ذرة من ولاء العترة، ولو أردنا أن نأتي بالشواهد من أمثال الكلمات والمواقف لاتسع بنا المجال.
ولعل من الناس من يخال ان في ذلك الجيش رجالاً من الشيعة، لأنهم كانوا يسلبون عقائل الرسالة وهم يبكون رحمة بهن، وإن هذه الرحمة شارة الولاء، والحق إن ذلك خيال صرف، لأن مشهد ذلك وفضاعة تلك الحادثة - وقد اضرموا النار في الخيام وفزعت النسوة والصبية مدهوشة لا تدري أين تذهب والبهاليل من سلالة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يصرع الواحد منهم تلو الآخر والأطفال تذبح عطشاً وآخرون يداسون بصدور الخيل عدواً - كاف أن يحملهم على الرحمة بهن والبكاء على حالهن وهي حال يبكي لها الصفا أسفاً وتسيل لها الدموع دماً وقد ابكت السماء والأرض، أفتستغرب من أولئك القساة ان نستمطر حال تلك النسوة والصبية عيونهم رحمة بهن، وقد أبكى الحادث أغلظهم كبداً عمر بن سعد فهل هو من الشيعة، وما يقول في حادث رق له قلب حرملة بن كاهن وهو الصخرة الصماء عندما رما بسهمه الرضيع على عضد الحسين(عليه السلام) فصار يرفرف كالطير المذبوح، أترى أن حرملة من الشيعة..؟
لقد أظهر القوم من القسوة ما لا يحد على سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى اطفاله الذين نحرتهم السهام واستقبلتهم الخيل بصدورها فوطأتهم بحوافرها، وعلى عقائل النبوة اللائـي اذعرهـن هجـوم الجند الظافر -واللئيم إن ظفر استشرى فلا يرد وجهه شيء - فمن يا ترى يمنع أولئك اللئام عن سلب هاتيك العقائل المصونة، وحماتها صرعى على الصعيد..؟ فما كان ذلك المصاب الذي حل بهن ولا الذعر الذي اصابهن ليكف تلك الأيدي الأثيمة عن انتزاعهن الحلل والحلي، حتى ان بعض أولئك السالبين قد يخرم اذن الفتاة طمعاً بالقرط ولا يمهلها لتنزعه برفق ، فكيف لا يفزع تلك الحرائر المخدرة ذلك الهجوم وحرق الخيام واستلابهن ومثلها يفزعها خفقان الطير إن هذه القسوة لا تكون أبداً من قلوب استولى عليها حب أهل البيت وولاء العترة(عليهم السلام).
وإذا أردت أن تستوضح الحال فأنظر الى وثبة المختار لأخذ الثار. فإنه ما نهض إلاّ بالشيعة وكان كثير منهم ممن ضمهم السجن وبهؤلاء انتقم من قتلة الحسين(عليه السلام) ولوكان قتلة الحسين(عليه السلام) من الشيعة لكان المختار قتل الشيعة بالشيعة. وهل اقرأك التاريخ أن المقاتلين في نهضة المختار من الشيعة..؟ ولو صح ذلك لأرتاح الى هذا التقاتل الناقمون على وثبة المختار ولم يجتهدوا في الصاق المعائب في نهضته انتصاراً لمن ابادهم المختار من قتلة الحسين ولكان انتصاره على قاتلي العترة زيادة في شماتتهم وشفاء غيظهم دون أن تكون تلك النهضة غيضاً لهم. ولئن يكونوا فرحين أحرى من أن يكونوا حاقدين.
اجل لو كان الذين كاتبوا الحسين (عليه السلام) وخذلوه كلهم من الشيعة لكان احتجاجه يوم الطف عليهم جميعاً. ولماذا إحتج على مثل حجار بن أبجر وشبث بن ربعي من أعوان أمية ولم يحتج على مثل المسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وسليمان بن صرد من أهل الولاء إنما احتج على أولئك لأنهم حضروا الحرب ولم يحتج على هؤلاء لأن مطابق السجون حالت بينه وبينهم.
فالحسين (عليه السلام) قتيل اعداءه من الحزبين الحروري والأموي، وهذه الحقيقة ناصعة ليس دونها حجاب وظاهرة حتى بالفطرة والبداهة ولذلك تجد محمد بن الحنفية حين وقع بصره على عيال أخيه راجعين الى المدينة واعلام الحزن منشورة يقول: فعلها بنو أمية. ولم يقل فعلها الشيعة ومن دون أن يسأل عمن ارتكب هذا العمل الفظيع.
وهذه النسبة التي لم يفه بها أحد قبل اليوم ما كانت وخزتها إلاّ من أقلام تحب التحريش بالشيعة دوماً. فما أكبره جرماً. وأعظمه افتراءاً الا يندى جبين نافثه من مخالفة الحق والتاريخ والوجدان، وياليت شعري من يبكيه اليوم ويندبه ويحن اليه ويزوره غير الشيعة..؟ وما العقيدة الشيعية إلاّ واحدة من بدء التشيع على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الى اليوم كما اوضحناه في كتابنا - عصور الشيعة - وما هذه بأول فرية على الشيعة تناوئ الحق وتغمط الحقيقة.
إرسال تعليق