سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم صور ومشاهد

بقلم: السيد نبيل الحسني



قبل المضي في بيان بعض الصور التاريخية والمشاهد الروائية عن كيفية سبي بنات النبوة ونساء الرسالة نود أن نشير إلى أن هؤلاء النسوة قد شاء الله تعالى حفظهنّ من القتل ومن التعرض لعفتهن على الرغم من تعدد أنواع الظلم والوحشية التي تعامل بها أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم معهن وذلك بدليل قول سيد الشهداء عليه السلام في وداعه لهن فقال: «استعدوا للبلاء، واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شر الأعداء ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ويعذب عدوكم بأنواع العذاب ويعوّضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة فلا تشكوا ولا تقولوا ما ينقص من قدركم»[1].

أولاً: سلب سيد شباب أهل الجنة عليه السلام بعد قتله


إن القارئ لصفحات التاريخ الإسلامي وهو يمر على أحداث سنة 61هـ ليجد نفسه مذهولاً لا يدري أمام تلك المشاهد التي جرت في كربلاء أهو أمام أرض إسلامية وأناس نطقوا بالشهادتين أم هو أمام قبيلة من قبائل الجن أو لعله يوهم نفسه أنه يقرأ لتاريخ قبائل الامزون وأكلة لحوم البشر الذين تجردوا من جميع القيم التي تربطهم ببني جلدتهم فأمسوا لا يعرفون سوى رؤية الدم وهو يصبغ الأديم ولا تأنس آذانهم إلا بآهات النساء الوالهات وصراخ الأطفال الوجلين.

بل لم يشأ القارئ أن يصدق أن هؤلاء القوم لم يكتفوا بممارسة جميع أنواع التعذيب والرعب حتى تصارعوا على سلب ثوب مخرّق.

ويكفي من هذه المشاهد ما رواه أصحاب المقاتل عن سلب سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام على يدي هؤلاء القوم الذين لم يؤمنوا بوجود الجنة طرفة عين منذ أن أبصرت عيونهم الدنيا، ولذا انقضوا على سيد شبابها بهذه الصورة التي يريدها التاريخ قائلا: (وأقبل القوم على سلبه عليه السلام فأخذ إسحاق بن حوية قميصه، وأخذ الأخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي عمامته، وأخذ الأسود بن خالد نعليه وأخذ سيفه جميع بن الخلق الأودي ويقال رجل من بني تميم اسمه الأسود بن حنظلة.

وجاء بجدل فرأى الخاتم في إصبعه والدماء عليه فقطع إصبعه وأخذ الخاتم وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته، وكان يجلس عليها فسمي قيس قطيفة، وأخذ ثوبه الخلق جعونة بن حوية الحضرمي وأخذ القوس والحلل الرحيل بن خيمثة الجعفي وهاني بن شبيب الحضرمي وجرجر بن مسعود الحضرمي وأراد رجل منهم أخذ تكة سرواله وكان لها قيمة، وذلك بعدما سلبه الناس يقول، أردت أن أنزع التكة فوضع يده اليمنى عليها فلم أقدر على رفعها فقطعت يمينه! فوضع يده اليسرى عليها فلم أقدر على رفعها فقطعتها وهممت بنزع السروال فسمعت زلزلة فخفت وتركته وغشي عليّ، وفي هذه الحال رأيت النبي وعلياً وفاطمة والحسن، وفاطمة تقول: يا بني قتلوك، قتلهم الله، فقال لها: يا أم قطع يدي هذا النائم فدعت عليّ وقالت: قطع الله يديك ورجليك وأعمى بصرك وأدخلك النار فذهب بصري وسقطت يداي ورجلاي فلم يبق من دعائها إلاّ النار)[2].

ثانيا: سلب بنات النبوة وسبيهن


قال أصحاب المقاتل: (لما قتل أبو عبد الله الحسين عليه السلام مال الناس على ثقله ومتاعه وانتهبوا ما في الخيام وأضرموا النار فيها وتسابق القوم على سلب حرائر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ففررن بنات الزهراء عليها السلام حواسر مسلبات باكيات وإن المرأة لتسلب مقنعتها من رأسها وخاتمها من إصبعها وقرطها من أذنها والخلخال من رجلها، أخذ رجل قرطين لأم كلثوم وخرم أذنها وجاء آخر إلى فاطمة ابنة الحسين فانتزع خلخالها وهو يبكي قالت له: ما لك؟ فقال: كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله قالت له: دعني، قال: أخاف أن يأخذه غيري.

ورأت رجلا يسوق النساء بكعب رمحه وهن يلذن بعضهن ببعض وقد أخذ ما عليهن من أخمرة وأسورة ولما بصر بها قصدها ففرت منه فأتبعها رمحه فسقطت لوجهها مغشياً عليها ولما أفاقت رأت عمتها أم كلثوم عند رأسها تبكي.

ونظرت امرأة من آل بكر بن وائل كانت مع زوجها إلى بنات رسول الله بهذه الحال فصاحت يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله لا حكم إلا لله يا لثارات رسول الله فردها زوجها إلى رحله.

وانتهى القوم إلى علي بن الحسين وهو مريض على فراشه لا يستطيع النهوض فقائل يقول لا تدعوا منهم صغيراً ولا كبيرا وآخر يقول لا تعجلوا حتى نستشير الأمير عمر بن سعد وجرد الشمر سيفه يريد قتله فقال له حميد بن مسلم: يا سبحان الله أتقتل الصبيان؟ إنما هو صبي مريض! فقال: إن ابن زياد أمر بقتل أولاد الحسين وبالغ ابن سعد في منعه خصوصاً لما سمع العقيلة زينب ابنة أمير المؤمنين تقول: لا يقتل حتى أقتل دونه فكفوا عنه.

وأقبل ابن سعد إلى النساء فلما رأينه بكين في وجهه! فمنع القوم عنهن وقد أخذوا ما عليهن ولم يردوا شيئا فوكل جماعة بحفظهن وعاد إلى خيمته.

وحائرات أطار القوم أعينها *** رعباً غداة عليها خدرها هجموا
كانت بحيث عليها قومها ضربت *** سرادقاً أرضه من عزهم حرم
يكاد من هيبة أن لا تطوف به *** حتى الملائك لولا أنهم خدم
فغودرت بين أيدي القوم حاسرة *** تسبى وليس لها من فيه تعتصم
نعم لوت جيدها بالعتب هاتفة *** بقومها وحشاها ملؤه ضرم
عجت بهم مذ على إبرادها اختلفت *** أيدي العدو ولكن من لها بهم[3]

ثالثا: أم كلثوم بنت أمير المؤمنين علي عليه السلام تصف سبي الأعداء لبنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم


قالت عليها السلام حينما أدخلت السبايا إلى الكوفة وقد اجتمع الناس للنظر إليهن، فقالت: يا أهل الكوفة أما تستحون من الله ورسوله أن تنظروا إلى حرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم[4].

رابعاً: فاطمة بنت الحسين عليه السلام تصف سبي الأعداء لبنات المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم


قالت في خطبتها بجمع أهل الكوفة: (فكذبتمونا، وكفرتمونا، ورأيتم قتلنا حلالاً، وأموالنا نهباً، كأننا أولاد ترك أو كابل كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم، قرت بذلك عيونكم، وفرحت به قلوبكم، إجتراءً منكم على الله، ومكرا مكرتم والله خير الماكرين، فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة، والرزايا العظيمة: {فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[5])[6].

خامساً: العقيلة زينب عليها السلام تصف سبي الأعداء لبنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم


قالت عليها السلام وهي تخاطب يزيد بن معاوية في مجلسه: (أمن العدل يا بن  الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبايا قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، يحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناقل، ويبرزن لأهل المناهل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والغائب والشاهد، والشهيد)[7].

سادساً: الإمام زين العابدين عليه السلام يصف سبي الأعداء لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم


قال عليه السلام في خطبته في مجلس يزيد: «أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب، أنا ابن من انتهكت حرمه، وسلبت نعمته، وانتهب ماله، وسبي عياله....»[8].

سابعاً: كيف كانت حاله عليه السلام حينما أدخلوه وسبايا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم على يزيد


قال ابن الأثير: (ثم أمر بعلي بن الحسين عليه السلام فأدخل مغلولاً فقال: «لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مغلولين لفك عنا». قال يزيد: صدقت، وأمر بفك غله عنه)[9].

قال السيد المقرم: وجيء بعلي بن الحسين على بعير ظالع الجامعة في عنقه ويداه مغلولتان إلى عنقه وأوداجه تشخب دماً فكان يقول:

يا أمة السوء لا سقياً لربعكم *** يا أمة لم تراع جدنا فينا
لو أننا ورسول الله يجمعنا *** يوم القيامة ما كنتم تقولونا؟
تسيّرونا على الأقتاب عارية *** كأننا لم نشيّد فيكم دينا![10]

ولعل تتبع هذه المشاهد يخرجنا عن البحث إذ عُني بها أصحاب المقاتل؛ إلا أن في ذكرنا كفاية للبيب كي يدرك ماذا جرى على بنات الرسالة وأهل بيت النبوة.

ــــــــــــــــ
[1] مقتل الإمام الحسين عليه السلام للمقرم: ص290؛ موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام: ص592، نقلا عن الدمعة الساكبة: ج4، ص346؛ جلاء العيون للمجلسي: ص576؛ ناسخ التواريخ: ص290.
[2] مقتل الحسين عليه السلام للمقرم: ص298 ــ 299.
[3] مقتل الإمام الحسين عليه السلام للسيد المقرم: ص314 ــ 317.
[4] مقتل الإمام الحسين عليه السلام للمقرم: ص325.
[5] سورة الحديد، الآيتان: 22 و 23.
[6] الاحتجاج للطبرسي: ج2، ص28.
[7] الاحتجاج للطبرسي: ج2، ص35.
[8] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج45، ص112 ــ 113.
[9] الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج4، ص86.
[10] مقتل الإمام الحسين عليه السلام للسيد المقرم: ص332 ــ 333، خطبة السجاد عليه السلام.

إرسال تعليق