بقلم: الشيخ وسام برهان البلداوي
قال: أخبرنا علي بن محمد، عن ابن جعدبة، عن ابن أبي مليكة، قال: (تزوج الحسن بن علي خولة بنت منظور، فبات ليلة على سطح أجم، فشدت خمارها برجله والطرف الآخر بخلخالها. فقام من الليل فقال: ما هذا؟ قالت: خفت أن تقوم من الليل بوسنك فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب، فأحبها فأقام عندها سبعة أيام. فقال ابن عمر: لم نر أبا محمد منذ أيام، فانطلقوا بنا إليه، فأتوه، فقالت له خولة: احتبسهم حتى نهيئ لهم غذاء. قال: نعم. قال ابن عمر: فابتدأ الحسن حديثا ألهانا بالاستماع إعجابا به حتى جاءنا الطعام)[1].
والإشكال على هذه الرواية يقع في عدة أوجه، نشير إلى أهمها فيما يلي:
الوجه الأول: الرواية ضعيفة السند ساقطة عن الحجية
لان في طريق إسنادها ابن جعدبة وهو يزيد بن عياض[2] الذي أكثر أهل الجرح والتعديل الكلام فيه وفي قدحه ونحن ننقل أقوال جملة منهم:
1: قال عنه ابن حزم: (ويزيد بن عياض ــ هو ابن جعدبة ــ مذكور بالكذب ووضع الأحاديث )[3].
2: قال الذهبي: (يزيد بن عياض بن يزيد بن جعدبة الليثي... قال البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال يحيى: ليس بثقة. وقال علي ضعيف ورماه مالك بالكذب. وقال النسائي وغيره: متروك. وقال الدارقطني:ضعيف. وروى عباس عن يحيى: ليس بشيء، ضعيف. وروى يزيد بن الهيثم عن ابن معين: كان يكذب. وروى أحمد بن أبي مريم، عن ابن معين: ليس بشيء، لا يكتب حديثه...)[4].
3: وقال الرازي: (يزيد بن عياض بن جعدبة الليثي من أنفسهم حجازي، يكنى أبا الحكم انتقل إلى البصرة ومات بها في زمن المهدي... عن عبد الرحمن بن القاسم قال سألت مالكا عن ابن سمعان فقال: كذاب قلت يزيد بن عياض قال: أكذب وأكذب. حدثنا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول: يزيد بن عياض ضعيف ليس بشيء... نا عبد الرحمن قال سألت أبى عن يزيد بن عياض فقال:ضعيف الحديث،منكر الحديث. نا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن يزيد بن عياض فقال: ضعيف الحديث وانتهى إلى حديثه فيما كان يقرأ علينا فقال: اضربوا على حديثه ولم يقرأ علينا)[5].
4: وقال البخاري: (يزيد بن عياض بن يزيد بن جعدبة الليثي حجازي هو أخو انس بن عياض،منكر الحديث)[6]، وقال أيضا: (يزيد بن عياض بن جعدبة الليثي المدني منكر الحديث حجازي)[7].
الوجه الثاني: هل يمكن أن يبيت الإمام صلوات الله وسلامه عليه على سطح لا يستر عنه النظر؟!
الرواية تنص على ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه نام مع زوجته على سطح أجم،قال الراوي (فبات ليلة على سطح أجم،فشدت خمارها برجله والطرف الآخر بخلخالها) والأجم كما عند أهل اللغة هو: (كل بيت مربع مسطح)[8]ومعنى انه مسطح أي لا سياج له ولا سور يحيط به يمنع الإنسان من السقوط عنه بدليل انها خافت على الإمام صلوات الله وسلامه عليه من السقوط كما يدعي الراوي فلو كان هنالك سور وسياج يحيط بالسطح لما بقي مبرر لخوفها.
وعليه فإذا ثبت أن ليس للسطح سياج يمنع الإنسان من السقوط يثبت كذلك انه لم يكن هنالك ساتر يحول بين النظر وبين من كان على السطح لان السطح لو كان يحيط به ساتر من أي نوع من أنواع الستر لكان كافيا في تنبيه الإمام الحسن إذا قام من الليل بوسنه[9]، لان الوسنان هو النائم الذي ليس بمستغرق في نومه[10]، والذي ليس بمستغرق في نومه ينتبه بأقل صوت أو ارتطامه بأدنى حاجز.
فإذا لم يكن للبيت سور ولا ستر فكيف يعقل أن يبيت المؤمن من عوام الناس عليه، وإذا كان المؤمن بل حتى غير المؤمن ممن له أدنى مراتب الغيرة ينزه نفسه وأهله عن هذا الفعل فكيف يا ترى يمكن أن تغيب هذه الحقيقة البديهية عن ذهن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه وهو سيد العفة وإمام الحياء.
فالرواية إذن مع ضعفها تسئ لشخصية الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه وتخدشه في عفته وتحاول أن تقلل من غيرته على أهله وزوجاته حاشاه.
الوجه الثالث: رأي الشرع في النوم على سطح لا سياج له
ان أصل النوم على سطح لا ستر له ولا حاجز يمنع الإنسان من السقوط منهي عنه في الشرع ووردت روايات كثيرة تنهى عنه منها:
ما روي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (من بات فوق بيت ليس له أجار فوقع فمات برئت منه الذمة ومن ركب البحر عند ارتجاجه فقد برئت منه الذمة)[11].
وعن ابن عمران الجوني قال كنا بفارس وعلينا أمير يقال له زهير بن عبد الله فقال حدثني رجل ان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من بات فوق إجار أو فوق بيت ليس حوله شيء يرد رجله فقد برئت منه الذمة ومن ركب البحر بعد ما يرتج فقد برئت منه الذمة)[12].
قال الهيثمي معلقا على الحديثين السابقين: (رواه أحمد مرفوعا وموقوفا وكلاهما رجاله رجال الصحيح)[13].
ومن المستحيل بحال من الأحوال أن يبيت الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه على سطح دار منهي عن المبيت عليه شرعا ومعاب عليه عرفا لانه اعلم بسنة جده من كل أحد.
الوجه الرابع: لماذا أقحم ابن عمر في هذه الرواية؟
الرواية المزعومة تذكر أن عبد الله بن عمر قال: (لم نر أبا محمد منذ أيام، فانطلقوا بنا إليه، فأتوه، فقالت له خولة: احتبسهم حتى نهيئ لهم غذاء، قال: نعم، قال ابن عمر: فابتدأ الحسن حديثا ألهانا بالاستماع إعجابا به حتى جاءنا الطعام).
وهو يوحي بان العلاقة ما بين عبد الله بن عمر وبين الإمام الحسن عليه السلام كانت علاقة ود ومحبة بحيث يشتاق ابن عمر للإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه إذا ما غاب عنه أياما فيحمله شوقه وحنينه للإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه أن يأخذ أصحابه وينطلق بهم لرؤيته والسؤال عنه.
وهذا نقيض ما عرف من سيرة عبد الله بن عمر بن الخطاب فانه وبحسب مواقفه الكثيرة لم يكن يضمر لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عموما أدنى حب ومودة واحترام ولم يكن بالشخص الذي يشتاق لمجالسة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليه وسماع حديثهم بل المستفاد من سيرته العملية والقولية انه كان لا يطيق القرب من أهل البيت صلوات الله وسلامه عليه عموما، وله في هذا المجال قصص وأخبار نذكر بعضا منها:
1: عبد الله بن عمر لم يبايع الإمام علي صلوات الله وسلامه عليه
لا شك في ان المسلمين عامة بايعوا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه قال اليعقوبي: (بايعه طلحة والزبير والمهاجرون والأنصار، وكان أول من بايعه وصفق على يده طلحة بن عبيد الله... وقام الأشتر فقال: أبايعك يا أمير المؤمنين على أن علي بيعة أهل الكوفة، ثم قام طلحة والزبير فقالا:نبايعك يا أمير المؤمنين على أن علينا بيعة المهاجرين، ثم قام أبو الهيثم بن التيهان وعقبة بن عمرو وأبو أيوب، فقالوا: نبايعك على أن علينا بيعة الأنصار، وسائر قريش. وبايع الناس)[14].
وعن البلاذري في انساب الأشراف قال: (حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي حدثني محمد بن عائشة، حدثنا معتمر بن سليمان قال: قلت لأبي: إن الناس يقولون: إن بيعة علي لم تتم قال: يا بني بايعه أهل الحرمين وإنما البيعة لأهل الحرمين)[15].
والأدلة على بيعة عامة المهاجرين والأنصار للإمام أمير المؤمنين كثيرة صحيحة دالة باجمعها على ان الناس قد بايعوا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه طائعين غير مقهورين ولا مرهوبين.
ولكن ابن عمر وجماعة معه أصروا على مخالفة إجماع المسلمين ورفضوا الدخول في بيعته صلوات الله وسلامه عليه والإقرار بولايته، واستمر إصرار بن عمر على عدم بيعته إلى أن ارتحل أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه عن هذه الدنيا شهيدا، قال الطبري: (وبايع الناس عليا بالمدينة وتربص سبعة نفر فلم يبايعوه منهم سعد بن أبي وقاص ومنهم ابن عمر.. ولم يتخلف أحد من الأنصار إلا بايع فيما نعلم)[16].
وقال ابن كثير: (بايع الناس عليا بالمدينة، وتربص سبعة نفر لم يبايعوا، منهم ابن عمر ولم يتخلف أحد من الأنصار إلا بايع فيما نعلم)[17].
2: عبد الله بن عمر يبايع معاوية ويزيد
ومع ان عبد الله بن عمر قد ترك بيعة الإمام أمير المؤمنين والصلاة والقتال معه نراه يسارع إلى بيعة الحجاج قال ابن حجر: (لم يذكر ابن عمر خلافة علي لأنه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه كما هو مشهور في صحيح الأخبار[18]، وكان رأي ابن عمر أنه لا يبايع لمن لم يجتمع عليه الناس[19]، ولهذا لم يبايع أيضا لابن الزبير ولا لعبد الملك في حال اختلافهما، وبايع ليزيد بن معاوية ثم لعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير)[20].
وقال أيضا: (ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي، واجتمع عليه الناس[21] وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه[22])[23].
3: كراهية ابن عمر لأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه
وهذه الازدواجية في أفعال ابن عمر لا مبرر لها غير كرهه لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهذا الكره هو الذي منع ابن عمر من رفض بيعة الإمام أمير المؤمنين وبالعكس حبه لأعداء أهل البيت هو الذي دعاه للارتماء في أحضانهم. وهذا الكره والحقد هو نفسه الذي حدى به أن لا يعتبر الإمام أمير المؤمنين من ضمن الخلفاء فقد اخرج ابن عساكر عن ابن عون عن محمد عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو قال: (أبو بكر الصديق أصبتم اسمه عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه ابن عفان ذو النورين قتل مظلوما يؤتى كفلين من الرحمة معاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة والسفاح وسلام ومنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير العصب كلهم من بني كعب بن لؤي كلهم صالح لا يوجد مثله)[24].
وعن مسند احمد عن ابن عمر قال: (خرج علينا رسول الله ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال: رأيت قبيل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين فأما المقاليد فهذه المفاتيح، وأما الموازين فهي التي تزنون بها فوضعت في كفة ووضعت أمتي في كفة، فوزنت بهم فرجحت، ثم جئ بأبي بكر فوزن بهم فوزن، ثم جئ بعمر فوزن، ثم جئ بعثمان فوزن بهم، ثم رفعت)[25].
قال الهيثمي معلقا على سند هذا الحديث في مجمع الزوائد: (ورجاله ثقات)[26] فابن عمر كما ترى في كلا الحديثين تجاهل إمامة أمير المؤمنين وخلافته فلم يعدّه لا من الخلفاء ولا من الذين يرجح ميزانهم على جميع الناس شانه في ذلك شان كل من أبي بكر وعمر وعثمان مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان عند ابن عمر أدنى إنصاف قد اعتبر ضربة من ضربات الإمام أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم يوم الخندق تعدل عمل الثقلين إلى يوم القيامة.
قال الإيجي في المواقف: (وقتل أكابر الجاهلية حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم يوم الأحزاب لضربة علي خير من عبادة الثقلين)[27] واخرج المتقي الهندي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: (لمبارزة علي لعمرو بن عبد ود أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة)[28]، ولكن حقد ابن عمر وبغضه لأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أعماه عن رؤية الحق حقا وإتباعه.
4: رأي ابن عمر في خروج الحسين صلوات الله وسلامه عليه على يزيد
لم يكن رأي ابن عمر في الحسين صلوات الله وسلامه عليه مغايرا لرأيه في أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، فمثلما كان ابن عمر ناقما معترضا على خلافة أمير المؤمنين مناهضا له بالقول قبل الفعل كذلك كان موقفه تجاه الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وخروجه ضد يزيد الفاسق لعنه الله، فقد اخرج الطبري وغيره، أن عبد الله بن عمر التقى بالحسين وابن الزبير في الطريق فقال لهما: (اتقيا الله ولا تفرقا جماعة المسلمين)[29].
ولم يقف رأي بن عمر المعارض للخروج على يزيد عند الحسين صلوات الله وسلامه عليه فحسب بل كان معارضا لكل من يخرج على يزيد بن معاوية في حرب أو قتال من سائر الناس ولا يتورع من ان يصف كل من يخرج على يزيد بانه ناكث للذمة والبيعة كما فعل مع أهل الحرة الذين خرجوا على يزيد بن معاوية ورفضوا توليته،فقد اخرج البخاري عن نافع قوله: (لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وأني لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال وأني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا تابع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه)[30].
وعن نافع أيضا قال: (جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... يقول: من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)[31].
فمثل هكذا دفاع مستميت عن يزيد وعن توليته يؤكد لنا بشكل لا يقبل الشك أن هوى ابن عمر وميوله أموية صرفة وان ما يشاع عن ابن عمر بأنه رجل الزهد والحفاظ على الدماء والتقوى والحفاظ على لم الشمل كله خطل من القول وعدم فهم واعي لهذه الشخصية التي كانت تعيش حالة الازدواجية في المعايير فما دام الأمر يتعلق بنصرة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين واثبات حقهم فانه يتبع أسلوب العزلة والحياد والابتعاد عن الدخول في أي موقف يمكن أن يكون لصالح علي بن أبي طالب وأولاده صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أما حينما يتعلق الأمر بآل أمية وأمثالهم من المناوئين لعلي واهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين نراه يستشيط غيظا وحرقة ويدعوا إلى عدم شق الوحدة والحفاظ على البيعة وعدم السماح بأي شيء يمكن أن يعكر صفو أعداء علي ومناوئيه.
5: حقائق عن شخصية ابن عمر لها صلة بالموضوع
وبقي ان نشير إلى تساؤلين مهمين نستطيع من خلالهما فهم الرواية الرابعة المتعلقة بزواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه والتي جاء اسم ابن عمر فيها:
التساؤل الأول: هل كان ابن عمر يكذب في أحاديثه؟
وللإجابة على هذا التساؤل نكتفي بنقل رواية صريحة وصحيحة لا تحتاج إلى شرح فيها إجابة واضحة على هذا الأمر فقد اخرج البخاري عن علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمرو قال ابن عمر والله ما وضعت لبنة على لبنة ولا غرست نخلة منذ قبض النبي صلى الله وسلم قال سفيان فذكرته لبعض أهله قال والله لقد بنى)[32].
التساؤل الثاني: ما هو مدى علاقة ابن عمر بالنساء؟
قال ابن عمر: لقد أعطيت من الجماع شيئا ما أعلم أحدا أعطيه إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أبو أسامة: حدثنا عمر بن حمزة: أخبرني سالم، عن ابن عمر، قال: إني لأظن قسم لي منه ما لم يقسم لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل: كان ابن عمر يفطر أول شيء على الوطئ)[33].
وعن الطبراني: (حدثنا الهيثم بن خلف الدوري ثنا مؤمل بن هشام ثنا يحيى بن حماد عن السري بن يحيى عن محمد بن سيرين قال ربما أفطر بن عمر على الجماع)[34].
وعن الهيثمي قال: (محمد بن سيرين قال ربما أفطر ابن عمر على الجماع. رواه الطبراني في الكبير وأسناده حسن)[35].
فيمكن لنا وبملاحظة ما قد مر أن نصل إلى نتيجة مهمة وهي ان ابن عمر لم يكن ليتورع عن الكذب والتزوير وإخفاء الحقائق في أحاديثه لاسيما التي تكون متعلقة بعلي وال علي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وان مواقفه الداعمة للحكومة الأموية والتي عرفنا بعضا منها قد شفعت له عندهم فوضعوا عنه ما اشتهر وما اختص به من شبق وميل عظيمين للنساء، ونسبوها للإمام الحسن بن علي صلوات الله وسلامه عليه المناوئ لآل أمية ولابن عمر،أو قد يكون مرادهم إظهار ابن عمر بصورة المحب لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ليمرروا بذلك غاياتهم وسمومهم عن طريق أحاديثه، وبذلك يكون إقحام اسم ابن عمر في الرواية الرابعة ليس له تبرير مقنع غير ما ذكرنا.
وبقيت لنا ملاحظة مهمة
المشهور بين المؤرخين ان خولة بنت منظور الفزارية التي ورد اسمها في هذه الرواية قد كانت فعلا إحدى زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه قال الشيخ المفيد رحمه الله: (أولاد الحسن بن علي صلوات الله وسلامه عليهما خمسة عشر ولدا ذكرا وأنثى... والحسن بن الحسن أمه خولة بنت منظور الفزارية...)[36].
والى مثله ذهب الشيخ الطبرسي رحمه الله غير انه ذكر بان أولاده صلوات الله وسلامه عليه ستة عشر ولدا وليس خمسة عشر[37].
وقال ابن شهر آشوب: (وأولاده ثلاثة عشر ذكرا وابنة واحدة... والحسين الأثرم، والحسن أمهما خولة بنت منظور الفزارية...)[38].
فينبغي هاهنا التنبيه على أن ردنا على هذه الرواية الرابعة ليس إنكارا لوجود خولة بنت منظور ضمن زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه وكيف يمكن ذلك وقد وردت روايات وأخبار متعددة تنص على كونها زوجته، فلا يكون حينئذ الرد على الرواية الرابعة إنكارا لزوجيتها منه صلوات الله وسلامه عليه،بل لان المروجين لفرية كون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه مزواجا ومطلاقا إنما يحتجون بهذه الرواية لإثبات ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه كان شديد الولع بالنساء حتى انه صلوات الله وسلامه عليه ــ وحاشاه ــ يبقى حبيس بيته لسبعة أيام لا يخرج إلى الناس لان زوجته شدت خمارها برجله، فلهذا عرضناها للتمحيص والرد.
ـــــــــــــــ
[1] تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 13 ص 249 في الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، تهذيب الكمال للمزي ج 6 ص 236 في الحسن بن علي بن ابي طالب القرشي الهاشمي، ترجمة الإمام الحسن لابن عساكر ص 152، ترجمة الإمام الحسن من طبقات بن سعد ص71.
[2] كما في كتاب المحلى لابن حزم ج 7 ص 123وغيره.
[3] المصدر السابق ج 8 ص 487،وأيضا ج 10 ص 61.
[4] ميزان الاعتدال الذهبي ج 4 ص 436 ــ 437.
[5] الجرح والتعديل للرازي ج 9 ص 282 ــ 283.
[6] التاريخ الكبير للبخاري ج 8 ص 351 ــ 352.
[7] الضعفاء الصغير للبخاري ص 126.
[8] الصحاح للجوهري ج5 ص1858 باب الميم فصل الألف،لسان العرب لابن منظور ج12 ص8 حرف الميم فصل الهمزة،تاج العروس للزبيدي ج16 ص7 مادة أجم.
[9] الوسن هو النعاس راجع الصحاح للجواهري ج6 ص2214 فصل الواو،
[10] النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج5 ص186 فصل الواو مع السين.
[11] مجمع الزوائد للهيثمي ج 8 ص 99.
[12] مجمع الزوائد للهيثمي ج 8 ص 99.
[13] المصدر السابق
[14] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 178.
[15] انساب الأشراف للبلاذري ص 208.
[16] تاريخ الطبري ج 3 ص 453 ـــ 454.
[17] البداية والنهاية لابن كثير ج 7 ص 253.
[18] الثابت في صحيح الأخبار عكس ما ادعاه ابن حجر، فقد تقدم في المتن ان أمير المؤمنين قد اجتمع على بيعته كل الناس الأنصار منهم والمهاجرون ولم يمتنع عنه إلا شرذمة قليلون من أهل الأهواء والمطامع وطالبوا الفتنة.
[19] لو كان ابن حجر صادقا فيما يقول لوجب على ابن عمر ان لا يبايع أبا بكر بن أبي قحافة لان خيرة المهاجرين والأنصار وقفوا دون توليه للخلافة وعارضوا تقدمه عليهم وأهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا كانوا في مقدمتهم، وأيضا لو صدق ابن عمر في توقيه للفتنة لما بايع عمر وعثمان لان الأمة كما هو مذكور في الروايات التاريخية لم تخلوا من معارض لخلافتهما.
[20] فتح الباري لابن حجر ج5 ص18 باب ما كان من أصحاب النبيصلى الله عليه وآله وسلم يواسي بعضهم بعضا في الزراعة والثمر.
[21] كيف يمكن لمنصف ان يقول بان الأمة قد اجتمعت على بيعة معاوية بن ابي سفيان عليه اللعنة واهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لم يقبلوه واهل الكوفة لم يبايعوه إلا تحت حد السيف،وجملة من الصحابة لم يرضوا له بالإمرة منهم سعد بن أبي وقاص حيث روي انه دخل على معاوية فقال له:(السلام عليك أيها الملك فقال له فهلا غير ذلك؟ أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فقال سعد:نعم إن كنا أمرناك وفي لفظ نحن المؤمنون ولم نؤمرك) فكيف جاز لابن عمر أن يبايع لمعاوية ويخرج عن قاعدته التي حكاها ابن حجر سابقا.
[22] وأعجب العجب ادعاؤه اجتماع الناس على بيعة يزيد بن معاوية عليه اللعنة فأين ذهبت رفض أهل البيت. وفي مقدمتهم الإمام الحسين الشهيد وأهل بيته وأصحابه الذين أراقوا دماءهم دون القبول بهذه البيعة، وأين ذهبت دماء المئات من الصحابة والتابعين الذين قتلوا في واقعة الحرة التي جاءت على اثر رفضهم لبيعة الفاسق الفاجر يزيد بن معاوية. ولكنها العصبية والهوى يصدان عن الحق ويرديان الإنسان في مهالك ومهاوي الباطل.
[23] فتح الباري لابن حجر ج13 ص168 باب كيف يبايع الإمام الناس.
[24] تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 65 ص 409.
[25] مسند احمد بن حنبل ج2 ص76 مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب.
[26] مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص58.
[27] المواقف للإيجي ج3 ص628.
[28] كنز العمال للمتقي الهندي ج11 ص623.
[29] تاريخ الطبري ج4 ص254 خلافة يزيد بن معاوية.
[30] صحيح البخاري ج8 ص99 كتاب الفتن.
[31] صحيح مسلم ج6 ص22 باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع.
[32] صحيح البخاري ج 7 ص 144.
[33] سير أعلام النبلاء للذهبي ج 3 ص 223.
[34] المعجم الكبير للطبراني ج 12 ص 208 ــ 209.
[35] مجمع الزوائد للهيثمي ج 3 ص 156.
[36] كتاب الإرشاد الشيخ المفيد ج 2 ص 20.
[37] إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي ج 1 ص 416.
[38] مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب ج 3 ص 192 ــ 193.
إرسال تعليق