بقلم: السيد ياسين الموسوي
1 . قال الصدوق في كمال الدين: حدَّثنا أبو جعفر محمَّد بن علي الأسود (رضي الله عنه), قال: سألني عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه (رضي الله عنه) بعد موت محمَّد بن عثمان العَمْري (رضي الله عنه) أنْ أسأل أبا القاسم الرُّوحي أنْ يسأل مولانا صاحب الزَّمان عليه السلام أنْ يدعو الله عزَّ وجل أنْ يرزقه ولداً ذكراً قال: فسألته, فأنهى ذلك.
ثُمَّ أخبرني بعد ذلك بثلاثة ايام: إنَّه قد دعا لعليِّ بن الحسين, وإنَّه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به, وبعده أولاد.
قال أبو جعفر محمَّد بن علي الأسود (رضي الله عنه), وسألته في أمر نفسي أنْ يدعو الله لي أنْ يرزقني ولداً ذكراً, فلم يجبني إليه, وقال: ليس إلى هذا سبيل.
قال: فولد لعلي بن الحسين (رضي الله عنه) محمَّد بن علي, وبعده أولاد, ولم يولد لي شيء.
ثُمَّ قال مصّنف هذا الكتاب (كمال الدين) وهو الشيخ الصدوق المولود بدعاء الإمام الحجة محمَّد بن علي بن الحسين (رضي الله عنه): كان أبو جعفر محمَّد بن علي الأسود (رضي الله عنه) كثيراً ما يقول لي ـ إذا رآني اختلف إلى مجلس شيخنا محمَّد بن الحسن بن أحمد ابن الوليد (رضي الله عنه) وأرغب في كتب العلم، وحفظه: ليس بعجب أنْ تكون لك هذه الرغبة في العلم, وأنت ولدت بدعاء الإمام عليه السلام[1].
2 . وروى الصدوق قال: حدَّثنا أبو الحسين صالح بن شعيب الطالقاني (رضي الله عنه) في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة, قال: حدَّثنا أبو عبد الله أحمد بن ابراهيم بن مخلّد, قال: حضرت بغداد عند المشايخ (رضي الله عنهم), فقال الشيخ أبو الحسن عليّ بن محمَّد السمري (قدس الله روحه) إبتداء منه: رحم الله عليَّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي.
قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم, فورد الخبر: إنَّه توفي ذلك اليوم.
ومضى أبو الحسن السمري (رضي الله عنه) بعد ذلك في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة[2].
3 . وقال الصَّدوق: وأخبرنا محمَّد بن علي بن متيل قال: كانت امرأة يقال لها: زينب من أهل آبة, وكانت امراة محمَّد بن عبديل الآبي, معها ثلاثمائة دينار, فصارت إلى عمِّي جعفر بن محمَّد بن متيل, وقالت: أحبّ أنْ أسُلِّمَ هذا المال من يدي إلى يد أبي القاسم بن روح.
قال: فأنفذني معها أُترجم عنها، فلمَّا دخلت على أبي القاسم (رضي الله عنه) أقبل يكلِّمها بلسان آبي فصيح, فقال لها: (زينب جونا، خويذا، كوابذا، جون استه) ومعناه كيف أنت؟ وكيف كُنْتِ؟ وما خبر صبيانك؟.
قال: فاستغنت عن الترجمة, وسلَّمت المال, ورجعت[3].
4 . وروى الصدوق قال: وأخبرنا محمَّد بن علي بن متيل قال: قال عمِّي جعفر بن محمَّد بن متيل: دعاني أبو جعفر محمَّد بن عثمان السَّمان المعروف بالعَمْري (رضي الله عنه), فأخرج إليَّ ثويبات معلمة, وصُرَّة فيها دراهم, فقال لي: يحتاج أنْ تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت, وتدفع ما دفعت إليك إلى أول رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلى الشط بواسط.
قال: فتداخلني من ذلك غمّ شديد، وقلت: مثلي يرسل في هذا الأمر, ويحمل هذا الشيء الوتح؟ أي القليل.
قال: فخرجت إلى واسط, وصعدت المركب، فأوَّل رجل يلقاني سألته عن الحسن بن محمَّد بن قطاة الصيدلاني, وكيل الوقف بواسط، فقال: أنا هو، من أنت؟.
فقلت: أنا جعفر بن محمَّد بن متيل.
قال: فعرفني باسمي، وسلَّم عليَّ، وسلَّمْتُ عليه، وتعانقنا، فقلت له: أبو جعفر العَمْري يقرأ عليك السلام، ودفع إليَّ هذه الثويبات، وهذه الصُّرَّة لأسلِّمها إليك.
فقال الحمد لله, فإنَّ محمَّد بن عبد الله الحائري قد مات، وخرجت لإصلاح كفنه، فَحَلَّ الثياب وإذا فيها ما يحتاج إليه من حبر، وثياب، وكافور في الصُّرَّة، وكرى الحمَّالين, والحفار.
قال: فشيَّعنا الجنازة، وانصرفت[4].
5 . وقال الصدوق: وأخبرنا أبو محمَّد الحسن بن محمَّد بن يحيى العلوي ابن أخي طاهر ببغداد طرف سوق القطن في داره, قال: قدم أبو الحسن علي بن أحمد بن علي العقيقي ببغداد سنة ثمان وتسعين ومائتين إلى علي بن عيسى بن الجراح. وهو يومئذ وزير في أمر ضيعة له، فسأله، فقال له: إنَّ أهل بيتك في هذا البلد كثير, فإنْ ذَهْبَنا نعطي كُلَّما سألونا طال ذلك أو كما قال.
فقال له العقيقي: فإنِّي أسأله مَنْ في يده قضاء حاجتي.
فقال له علي بن عيسى: مَنْ هو؟.
فقال: الله عزَّ وجل، وخرج مغضباً.
قال: فخرجت وأنا أقول: في الله عزاء من كل هالك، ودرك من كل مصيبة.
قال: فانصرفت، فجاءني الرَّسول من عند الحسين بن روح (رضي الله عنه وأرضاه)، فشكوت اليه، فذهب من عندي، فأبلغه, فجاءني الرَّسول بمائة درهم عدداً، ووزناً، ومنديل، وشيء من حنوط، وأكفان, وقال لي: مولاك يقرئك السلام, ويقول لك: إذا أهمَّك أمر، أو غمّ فامسح بهذا المنديل وجهك, فإنَّ هذا منديل مولاك عليه السلام، وخذ هذه الدراهم، وهذا الحنوط، وهذه الأكفان، وستقضى حاجتك في ليلتك هذه، وإذا قدمت إلى مصر يموت محمَّد بن اسماعيل من قبلك بعشرة أيام, ثُمَّ تموت بعده فيكون هذا كفنك, وهذا حنوطك, وهذا جهازك.
قال: فأخذتُ ذلك, وحفظته، وأنصرف الرَّسول، وإذا أنا بالمشاعل على بابي، والباب يُدَّق، فقلت لغلامي خير: يا خير, انظر أي شيء هو ذا؟
فقال خير: هذا غلام حميد بن محمَّد الكاتب أبن عم الوزير.
فادخله إليَّ، فقال لي: قد طلبك الوزير، ويقول لك مولاي حميد اركب إليَّ.
قال: فركبت [وخبت الشوارع, والدروب]، وجئتُ إلى شارع الرزازين، فإذا بحميد ينتظرني، فلمَّا رآني أخذ بيدي، وركبنا، فدخلنا على الوزير، فقال لي الوزير: يا شيخ قد قضى الله حاجتك، واعتذرَ إليَّ، ودفع إليَّ الكتب مكتوبة مختومة قد فرغ منها.
قال: فأخذتُ ذلك، وخرجتُ.
قال أبو محمَّد الحسن بن محمَّد, فحدَّثنا أبو الحسن علي بن أحمد العقيقي (رحمه الله) بنصيبين بهذا, وقال لي: ما خرج هذا الحنوط الا لعمَّتي فلانة لم يسمِّها, وقد نعيت إليّ نفسي، ولقد قال لي الحسين بن روح (رضي الله عنه): إنِّي أملك الضيعة, وقد كتب لي بالذي أردت، فقمت إليه، وقَبَّلْتُ رأسه، وعينيه، وقلت: يا سيدي أرني الأكفان، والحنوط، والدراهم.
قال: فأخرج إليَّ الأكفان، وإذا فيها برد حبرة, مسهم, من نسيج اليمن، وثلاثة أثواب مروي، وعمامة، وإذا الحنوط في خريطة، وأخرج إليَّ الدراهم، فعددتها مائة درهم، ووزنها مائة درهم.
فقلت: يا سيدي: هب لي منها درهماً أصوغه خاتماً.
قال: وكيف يكون ذلك، خذ من عندي ما شئت.
فقلت: أريد من هذه، وألححت عليه، وقَبَّلْتُ رأسه، وعينيه, فأعطاني درهماً، فشددتهُ في منديل، وجعلتهُ في كُمِّي، فلما صرت إلى الخان, فتحت زنفيلجة[5] معي، وجعلت المنديل في الزنفيلجة, وقيد الدرهم مشدود، وجعلت كتبي, ودفاتري فوقه، وأقمتُ أياماً, ثُمَّ جئت أطلب الدرهم, فإذا الصُّرَّة مصرورة بحالها, ولاشيء فيها، فأخذني شبه الوسواس، فصرتُ إلى باب العقيقي، فقلت لغلامه خير: أُريد الدُّخول إلى الشيخ.
فادخلني اليه، فقال لي: مالك؟.
فقلت: يا سيدي الدّرهم الذي أعطيتني إيَّاه ما أصبته في الصُّرَّة، فدعا بالزنفليجة، وأخرج الدَّراهم, فإذا هي مائة درهم عدداً، ووزناً، ولم يكن معي أحد اتهمته، فسألته في ردِّه إليَّ فأبى، ثُمَّ خرج إلى مصر، وأخذ الضيعة، ثُمَّ مات قبله محمَّد بن إسماعيل بعشرة أيام كما قيل، ثُمّ توفي (رضي الله عنه) وكُفِّنَ في الأكفان التي دُفِعَتْ إليه[6].
6 . وقال الصدوق حدَّثنا محمَّد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني (رضي الله عنه), قال: كنتُ عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه), مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري، فقام إليه رجل, فقال له: إنِّي أريد أن أسألك عن شي، فقال له: سل عمَّا بدا لك.
قال: نعم.
قال: أخبرني عن قاتله، أهو عدو الله؟.
قال: نعم.
قال الرَّجل: فهل يجوز أنْ يسلِّط الله عزَّ وجل عدوَّه على وليِّه؟.
فقال له أبو القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه): إفهم عَنِّي ما أقول لك: إعلم أنَّ الله (عزَّ وجل) لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان، ولايشافههم بالكلام، ولكنَّه جلَّ جلاله يبعث اليهم رسلاً من أجناسهم, وأصنافهم بشراً مثلهم، ولو بعث اليهم رسلاً من غير صنفهم, وصورهم لنفروا عنهم، ولم يقبلوا، منهم.
فلمَّا جاؤوهم، وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، قالوا لهم: انتم بشر مثلنا، ولا نقبل منكم حتى تأتوننا بشيء نعجز أنْ نأتي بمثله، فنعلم أنَّكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه.
فجعل الله (عزَّ وجل) لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها، فمِنْهُمْ: مَنْ جاء بالطوفان بعد الإنذار، والإعذار، فغرق جميع من طغى، وتَمَرَّدَ.
ومِنْهُمْ: مَنْ أُلْقِيَ في النار، فكانت برداً، وسلاماً.
ومِنْهُمْ: مَنْ أخْرَجَ من الحجر الصلد، ناقة, وأجرى من ضرعها لبناً.
ومِنْهُمْ: مَنْ فُلِقَ له البحر، وفُجِّرَ له من الحجر العيون، وجُعِلَ له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفكون.
ومِنْهُمْ: مَنْ أبرأ الأكْمَهَ والأبْرَصَ، وأحيى الموتى بإذن الله، وأنبأهم بما يأكلون, وما يدَّخرون في بيوتهم.
ومِنْهُمْ: مَنْ أنشقَّ له القمر، وكلمته البهائم, مثل البعير، والذئب، وغير ذلك.
فلمَّا أتوا بمثل ذلك، وعجز الخلق عن أمرهم، وعن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله (عزَّ وجل)، ولطفه بعباده، وحكمته أنْ جعل أنبياءه عليهم السلام مع هذه القدرة، والمعجزات في حالةٍ غالبين، وفي أخرى مغلوبين؛ وفي حالٍ قاهرين، وفي أخرى مقهورين، ولو جعلهم الله عزَّ وجل في جميع أحوالهم غالبين، وقاهرين، ولم يبتلهم، ولم يمتحنهم لاتخذهم النَّاس آلهة من دون الله عزَّ وجل.
ولما عرف فضل صبرهم على البلاء، والمحن، والاختبار، ولكنَّه (عزَّ وجل) جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة، والبلوى صابرين، وفي حال العافية، والظهور على الأعداء شاكرين، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين، وليعلم العباد انّ لهم إلهاً هو خالقهم، ومدبرهم، فيعبدوه، ويطيعوا رسله، وتكون حجة الله ثابتة على مَنْ تجاوز الحدَّ فيهم، وأدَّعى لهم الربوبية، أو عاند،،أو خالف،وعصى، وجحد بما أتت به الرسل، والأنبياء عليهم السلام.
{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}[7].
قال محمَّد بن إبراهيم بن اسحاق (رضي الله عنه): فعدتُ إلى الشيخ أبي القاسم بن روح قدس الله روحه من الغد، وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه.
فأبتدأني، فقال لي: يا محمَّد بن ابراهيم! لإن أَخِرَّ مِنَ السماء، فتخطفني الطير، أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبّ إليَّ مِنْ أنْ أقول في دين الله عزَّ وجل برأيي، أو من عند نفسي، بل ذلك عن الأصل[8]، ومسموع عن الحجَّة (صلوات الله عليه وسلامه) [9].
7 . وقال الصدوق: حدَّثنا أبو جعفر محمَّد بن علي بن أحمد بن بزرج، بن عبد الله بن منصور بن يونس بن بزرج صاحب الصادق عليه السلام قال: سمعت محمَّد بن الحسن الصيرفي الدورقي المقيم بأرض بلخ يقول: أردت الخروج إلى الحج، وكان معي مال بعضه ذهب، وبعضه فضة، فجعلت ما كان معي من الذهب سبائك، وما كان معي من الفضة نُقُراً, وكان قد دفع ذلك المال إليَّ لأُسَلِّمَهُ من الشيخ[10] أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه)، قال:
فلما نزلت سرخس ضربتُ خيمتي على موضع فيه رمل، فجعلت أميِّز تلك السبائك، والنقر، فسقطت سبيكة من تلك السبائك منِّي، وغاضت في الرَّمل، وأنا لا أعلم.
قال: فلمَّا دخلتُ همدان ميَّزْتُ تلك السبائك، والنُّقَرَ مرَّة أخرى اهتماماً منِّي بحفظها، ففقدتُ منها سبيكة، وزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل، أو قال: ثلاثة وتسعون مثقالاً: قال: فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة، وجعلتها بين السبائك.
فلمَّا وردتُ مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه)، وسلمت إليه ما كان معي من السبائك، والنقر، فمدَّ يده من بين تلك السبائك إلى السبيكة التي كنتُ سبكتها من مالي بدلاً مما ضاع منِّي، فرمى بها اليّ، وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا، وسبيكتنا ضَيَّعْتَها بسرخس حيث ضَرَبْتَ خيمتك في الرَّمل، فارجع إلى مكانك، وانزل حيث نزلت، وأطلب السبيكة هناك تحت الرَّمل، فإنَّك ستجدها, وستعود إلى ههنا, فلا تراني.
قال: فرجعت إلى سرخس، ونزلت حيث كنت نزلت، فوجدت السبيكة تحت الرَّمل، وقد نبت عليها الحشيش، فأخذت السبيكة، وانصرفت إلى بلدي، فلمَّا كان بعد ذلك حججتُ، ومعي السبيكة، فدخلتُ مدينة السلام، وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) مضى، ولقيت أبا الحسن علي بن محمَّد السمري (رضي الله عنه) فسلَّمْتُ السبيكة إليه[11].
8 . وقال الصدوق: حدَّثنا الحسين بن علي بن محمَّد القمي المعروف بأبي علي البغدادي قال:
كنت ببخارى، فدفع اليّ المعروف بابن جاوشير عشرة سبائك ذهباً، وأمرني أنْ أُسَلِّمها بمدينة السلام إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه).
فَحَمَلْتُها معي، فلمَّا بلغت آمويه ضاعت منِّي سبيكة من تلك السبائك، ولم أعلم بذلك حتىَّ دخلتُ مدينة السلام، فأخرجتُ السبائك لأسلِّمها، فوجدتُها قد نقصت واحدة، فاشتريتُ سبيكة مكانها بوزنها، وأضفتُها إلى التسع السبائك؛ ثُمَّ دخلتُ على الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه)، ووضعتُ السبائك بين يديه، فقال لي: خذ تلك السبيكة التِّي اشتريتها، وأشار إليها بيده, وقال: إنَّ السبيكة التي ضَيَّعْتَها قد وصلت إلينا، وهو ذا هي، ثُمَّ أخرج إليَّ تلك السبيكة التي كانت ضاعت منِّي بآمويه، فنظرتُ إليها فعرفتها.
قال الحسين بن علي بن محمَّد المعروف بأبي علي البغدادي، ورأيتُ تلك السنة بمدينة السلام امرأة، فسألتني عن وكيل مولانا عليه السلام من هو؟.
فأخبرها بعض القميين: انَّه أبو القاسم الحسين بن روح، وأشار إليها، فدخلَتْ عليه، وأنا عنده، فقالت له: أيُّها الشيخ, أي شيء معي؟.
فقال: ما معك , فألقيه في الدجلة، ثُمَّ إئتيني حتَّى أخبرك.
قال: فذهبت المرأة، وحَمَلَتْ ما كان معها, فألقته في الدجلة، ثُمَّ رجعت, ودخلت إلى أبي القاسم الرُّوحي (قدس الله روحه).
فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إليّ الحُقَّ.
فأخْرَجَتْ إليه حقّة، فقال للمرأة: هذه الحقّة التي كانت معك، ورميت بها في الدجلة؟ أخبرك بما فيها، أو تخبريني؟. فقالت له: بل, أخبرني أنت.
فقال: في الحقّة زوج سوار ذهب، وحلقة كبيرة, فيها جوهرة، وحلقتان صغيرتان, فيهما جوهر, وخاتمان: أحدهما فيروزج، والآخر عقيق.
فكان الأمر كما ذكر, لم يغادر منه شيئاً، ثُمَّ فتح الحقة، فعرض عليّ ما فيها، فنظرت المرأة إليه, فقالت: هذا الذي حملته بعينه، ورميت به في الدجلة، فغشي عليَّ، وعلى المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة.
ثم قال الحسين لي بعدما حدَّثني بهذا الحديث: أشهد عند الله عزَّ وجل يوم القيامة بما حدَّثت به أنَّه كما ذكرته لم أزد فيه، ولم أنقص منه، وحلف بالأئمة الأثني عشر (صلوات الله عليهم) لقد صدق فيما حدَّث به وما زاد فيه, وما نقص منه[12].
9 . وقال الطوسي قال ابن نوح: أخبرني ابو نصر هبة الله بن محمَّد قال: حدثني [أبو] علي بن أبي جيد القمي (رحمه الله), قال: حدَّثنا أبو الحسن عليّ بن أحمد الدَّلال القمي, قال: دخلتُ على أبي جعفر محمَّد بن عثمان (رضي الله عنه) يوماً لأسلِّم عليه، فوجدته, وبين يديه ساجة, ونقاش ينقش عليها، ويكتب آياً من القرآن، وأسماء الأئمة عليهم السلام على حواشيها.
فقلت له: يا سيدي ما هذه الساجة؟.
فقال لي: هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها، أو قال: أسند إليها، وقد فرغت (عرفت،عزفت خ.ل) منه، وأنا في كل يوم أنزل فيه, فأقرأ جزءاً من القرآن (فيه), فأصعد.
وأظُّنه قال: فأخذ بيدي وأرانيه.فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا, صرت إلى الله عزَّ وجل، ودفنت فيه, وهذه الساجة (معي).
فلَّما خرجتُ من عنده، أَثْبَتُّ ما ذكره، ولم أزل مترقباً به ذلك, فما تأخر الأمر حتى اعتل أبو جعفر، فمات في اليوم الذي ذكره, من الشهر الذي قاله, من السنة التي ذكرها, ودفن فيه.
قال أبو نصر هبة الله: وقد سمعت هذا الحديث من غير [أبي] عليّ, وحدَّثتني به أيضاً ام كلثوم بنت أبي جعفر (رضي الله تعالى عنهما)[13].
والأخبار في ذلك كثيرة لكننا اقتصرنا على هذا المقدار روماً للاختصار، وفيه كفاية لمن كان له قلب، أو القى السمع وهو شهيد فقد كان أولئك النُّواب عليهم السلام في أوصافهم الذاتية بمرتبة عالية من الكمال, والقداسة بحيث أجرى الله (عزَّ وجل) على أيديهم الكرامات، وثبت لكل عارف عياناً صدق ادعائهم، وارتباطهم ببقية الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ـــــــــــــــــــــ
[1] كمال الدين / ص502، ح31.
[2] كمال الدين /ص 503، ح32
[3] كمال الدين / ص503، ح34.
[4] كمال الدين / ص504، ح35.
[5] وعاء يستخدم لحمل بعض الأمتعة، ويسمى باللهجة العراقية (الزنبيل)، وفي معجمات اللغة: وعاء الراعي.
[6] كمال الدين / ص505، ح36.
[7] من الآية (42) / سورة الانفال.
[8] ربّما تُفَسََّّر كلمة (الأصل) بالإمام عليه السلام, ولذلك فقد عدََّّ بعض الفقهاء أنَّ من اسماء الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف): (الأصل) ولكن قد يردّ عليه: بأنَّ عطفه على: (ومسموع عن الحجة) ان هذا الثاني طريق اخر من مصادر المعرفة عند النائب ابن روح (رضي الله تعالى عنه). وربَّما يُفَسََّّر (الأصل) بالكتب المعبَّرّ عنها في كتب الرجال بـ(الأصل), وما جمعت تحت عنوان: الاصول الأربعمائة. فقد يكون الجواب موجوداًً في أصل من تلك الأصول الصحيحة التي كان قد عرفها النائب ابن روح (رضي الله عنه) ولم يُعلن هذا الأصل؛ كما أنَّ هناك كثيراً من الأصول التي ضاعت عنا ولم تصلنا وربَّما يقال ايضاً: إنَّ (الأصل), هو الكتب المختصة عند النواب الأربعة, كما إن هناك كتباً مختصة عند الأئمة عليهم السلام المسمَّاة بالجفر الأبيض. وان هذا الكتاب المسمّى بـ(الأصل) لم يصلنا, ولم نعرفه لانه مختص بالنواب الأربعة. وقد يستشهد لهذه الحقيقة في ان هناك كتباً كانت عند النواب الأربعة بما ذكره الشيخ الطوسي (رحمه الله) في غيبته , ص 363, الفقرة 328: ((قال ابن نوح: أخبرني أبو نصر هبة الله ابن بنت أُم كلثوم بنت أبي جعفر العَمْري, قال: كان لأبي جعفر محمَّد بن عثمان العَمْري كتب مصَّنفة في الفقه ممّا سمعها من أبي محمَّد الحسن عليه السلام, ومن الصاحب عليه السلام, من أبيه عثمان بن سعيد , عن أبي محمد , وعن أبيه عليّ بن محمَّد عليهم السلام, فيهما كتب ترجمتها: كتب الأشربة. ذكرت الكبيرة أُم كلثوم بنت أبي جعفر (رضي الله عنها) أنها وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) عند الوصية إليه, وكانت فريدة. قال أبو نصر: واظنُّها قالت: وصلت بعد ذلك الى أبي الحسن السَّمري (رضي الله عنه, وأرضاه).
[9] كمال الدين / ص507، ح37
[10] في بعض النسخ البدل (لتسليمه إلى الشيخ..)
[11] كمال الدين / ص516، ح45.
[12] كمال الدين / ص518، ح47.
[13] الغيبة / الطوسي/ ص364،ح332.
إرسال تعليق