بقلم: الدكتور علي كاظم المصلاوي
والمقصود من شعر الاستنهاض تلك القصائد أو الأشعار الخاصة الموجهة إلى الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام لاستنهاضه والتعجيل بخروجه وطلب نصرته والانتقام من الظالمين الذين ملؤوا الأرض ظلماً وجوراً فيحل بهم القصاص العادل وينفذ إرادة السماء فيهم.
وقد أصبح استنهاض الإمام محمد المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من المقصاد التي يتوخاها الشاعر الشيعي حينما يرثى الإمام الحسين عليه السلام بوجه خاص أو يذكر أئمة أهل البيت ومصائبهم بوجه عام ثم بدأ يستقل غرضاً قائماً بذاته أي تشكلت (قصيدة الاستنهاض) بمفاصلها البنائية؛ ولاريب في ان لذلك أسبابه ودواعيه التي من أهمها الواقع السياسي السيئ الذي يعيشه الشاعر مما يتيح لتلك الأشعار ان تمثل رفضاً سياسياً واضحاً، فضلاً عن كونها تنفسياً نفسياً عما يصطرع في نفسه من آمال وأحلام ورؤية الواقع بأفضل ما يكون.
وقد شاعت في حقبة الشاعر كثير من تلك القصائد[1]، واستقرأت في ديوانه خمس قصائد امتازت بالطول.
اما مضامين هذه القصائد فانها تمحورت على عدة محاور أهمها الرفض السياسي للواقع المعاش الذي اشرنا إليه ونرى الشاعر محسن ابو الحب يصرح بغضبه ونقمته على الحكام الجائرين الذين يتحكمون في مصائر الناس بدون حق فهو يقول[2]:
أفي كـل يوم فاجراً وابن فاجر *** يحـكم فـينا باديات معايبه
تروح بنــا الدنيا وتغدو منيرة *** ويملكها من ليس تخفى مثالبه
ويقول في الأخرى[3]:
إلى الله نشكو اليوم فقد نبـينا *** وغيبتك اللاتي يضيق لها الصدرُ
عسى الله بعد اليوم يبدل عسرنا *** بيسرك ان العســر يعقبه اليسرُ
أحاطت بنا الأعداء من كل جانب *** و لا وزر نـأوي إليـه ولا إزرُ
ملــلنا وملتنا بطــول قراعها *** فحتى متى نحن القطا وهم الصقرُ
فالشاعر يتمثل روح الجماعة وهو يخاطب الإمام الغائب ويشكو فقد النبيصلى الله عليه وآله وسلم وغيبته التي ضاق بها الصدر لطولها، وهو يدعو الله ويتمنى عليه ان يبدل العسر الذي نحن فيه إلى يسر وهو مصداق الآية المباركة: «فانَّ مع العُسرِ يُسراً، إنَّ مع العُسرِ يُسراً»[4].
فهذا الأمر وهذه الدعوة متأتية من واقع الأعداء المحيطين بنا من كل جانب ولم يبق مكان نلتجئ إليه غيره، وقد مللنا مقارعة الأعداء ولم نزل نحن القطا الضعيفة أمامهم وهم الصقر الكاسر. ان هذه الأبيات لتكشف عن الواقع الأليم الذي يعيشه الشيعة في كل مكان وفي كل زمن.
وقال مخاطبا الإمام الغائب طالبا منه الاستغاثة[5]:
أغثنا بالذي سـواك شـرعاً *** فقد بلغ العدو بنا المـراما
أما وأبيك لا يرضى وترضى *** إذا ما قمت منتضيا حساما
طغت حتى الكلاب الجرب لما *** أطلت فداك أنفسنا المقاما
لقد شابت نواصـينا انتظاراً *** ولم نشدد لنصركم جزاما
إن ضيق الصدر وسوء الوضع العام يجعل الشاعر يضيق ذرعاً بالحكام الجائرين وينعتهم بالكلاب الجرب، فضلاً عن مشاعره الجائشة بالترقب والانتظار وطلب الاستغاثة.
اما المحور الآخر الذي تضمنته قصائد الاستنهاض هو عرض مظلومية أهل البيت عليهم السلام وقد خص منها مظلومية فاطمة عليها السلام والإمام علي عليه السلام، وركز الحديث طويلاً في الحسين عليه السلام وما جرى عليه وعلى أولاده وصحبه على صعيد كربلا فنراه يخاطب الإمام بقوله[6]:
أقص عليك اليوم أخبار ما جرى *** وأنت الذي لايعد عن علمك الذرُ
لمن أعين سالت نجيعاً بكربـلا *** زماناً وجفَّت ثمّ سـاعدها القطرُ
لمن جثث فوق الرمول تلاعبت *** عليهاعوادي الخيل لاجازها العقرُ
لمن أرؤس في كل مجلس ريبة *** تلــذ لمرآها لشاربـها الخمرُ
هكذا يقص علي الإمام الغائب أحداث كربلاء وما جرى عليها من فواجع، وهو باستذكاره هذا يحفز الإمام على اخذ الثار ممن قتل الحسين عليه السلام وأهل بيته ونراه يؤكد هذا المعنى بقوله في مفتتح قصيدته[7]:
متى تدرك الثار الذي انت طالبه *** متى تملك الأمر الذي أنت صاحبه
ويقول مخاطبا الإمام الغائب[8]:
ودع عنك ما نال الحسين فانـَّه *** أجلُّ وأعلى ان تعدَّ مصايبــه
وماذا الذي أنسى وما أنا ذاكـر *** وهذا بأعلى العرش يزعق نادبه
ولا تسألن من بعده كيف أصبحت *** حلايـله بين العدى ونــجايبه
إن الشاعر يعرض مصائب أهل البيت عليه لتكون مدعاة لخروجه وتعجيل ذلك فضلاً عن مواساته وتعزيته بما حلّ على أجداده من مصائب يشيب لها الوليدُ.
اما المحور الآخر الذي رصد هو مشاعر الشاعر الصارخة وقد لمسناها في المحورين المتقدمين ولكننا نراها أيضا في خاتمة قصائده الاستنهاضية وقد خفت حدة الانفعال وراح الشاعر يبث همومه ويطلب حوائجه من الإمام؛ فنراه يقول في ختام إحدى قصائده الاستنهاضية[9]:
ذا بعض ما نالكم فانهض فداك أبي *** كل الرزايا بــكم ينجاب غيهبها
أنــت البقـــية من قوم اكفَّهم *** عمَّ البريـــة بالإحسان صيِّبها
كـم نعمـة لك لا اسطيع اشكرها *** وكيف شكري ولا اسطيع احسبها
وحــاجة لي أخرى سوف انزلها *** بريع جودك فانظـر كيف توهبها
لابدّ منــها فقد أمسيت في قـلق *** منها وها أنا مــنك اليوم أطلبها
عليــك مني سلام الله مــتصل *** ما هبّ من نسمات الريح أطيـبها
فالشاعر يذكر ان نظمه لحاجة أقلقته ويطلب استيفاءها من الإمام، وكأن وراء نظمه هذه القصيدة او تلك من القصائد الاستنهاضية وحتى الطفية هي لحاجة عند الشاعر اما دنيوية او أخروية كطلبه الشفاعة والعفو من النار وتخفيف الذنوب؛ ونراه يقول مخاطباً الإمام[10]:
بابي أنـت لا ترعـني بخطب *** انـا والله اضعـف الناس حالا
جد بما ارتجيه أنـت لعمـري *** أكـرم الناس للعــفاة نـوالا
واعــنِّي على زمــاني أني *** لا أرى غيركم لنفسي ثمـالا
وسلامي عليك يترى مدى الدهـ *** ـر وما هاجت الرياح الرمالا
وشبيه بهذه الخاتمة يختم الأخرى بقوله[11]:
فخــذ بيدي فقد ثقلت ذنـوبي *** عليّ فلم أطـــق منها القياما
وكن لي مـلجأ من كل خـطب *** وكن لي من يد البلوى عصاما
وكن بي راضياً في الحشر عبداً *** فاني قـد رضيتك لي إمـاما
وبلـغك المهيمن كـل يــوم *** صلاتـي والتحيـة والسلاما
ومهما يكن من امر فان قصيدة الاستنهاض أخذت ابعاد متعددة ناسبت طبيعة الأحداث التي يواجهها الشاعر والأخطار المحيطة به، فكانت تعبيراً عن صرخة سياسية عقائدية في إطار ذاتي نفسي.
ـــــــــــــــــ
[1] ينظر على سبيل المثال لا الحصر ديوان السيد حيدر الحلي:1/65، 73، 88،111،وديوان الشيخ صالح الكواز الحلي: 112، وديوان ابن كمونة:38.
[2] ديوان الشيخ محسن أبو الحب الكبير:52.
[3] م.ن:82.
[4]الشرح:5ـ6.
[5] ديوان الشيخ محسن أبو الحب الكبير:139.
[6] م.ن:83.
[7] م.ن:52.
[8] م.ن:54.
[9] م.ن:57.
[10] م.ن:124.
[11] م.ن:140.
إرسال تعليق