حقوق الأخوة والصحبة

بقلم: السيد عبد الله شبر

وهي في المال والنفس واللسان والقلب بالعفو والدعاء والإخلاص والوفاء والتخفيف وترك التكلف والتكليف، وتجمعها ثمانية أمور:


الأول: المال، وله مراتب ثلاث:

أولها: وهي أدناها أن تنزله منزلة عبدك وخادمك في القيام بحوائجه وأموره من دون أن تحوجه إلى سؤال.

الثانية: وهي أوسطها أن تنزله منزلة نفسك وترضى بمشاركته إياك في مالك.
الثالثة: وهي أعلاها أن تؤثره على نفسك وتقدم حاجته على حاجتك، قال تعالى: ((وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ))[1]، وقال السجاد عليه السلام لرجل: هل يدخل أحدكم يده في كم أخيه وكيسه فيأخذ منه ما يريد من غير إذن؟ قال: لا. قال: فلستم بإخوان[2].

الثاني: في الإعانة بالنفس في قضاء حاجاته والقيام بها قبل السؤال وهذه أيضاً لها درجات: أدناها القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة مع البشاشة. وعن الصادق عليه السلام قال: إني لأتسارع إلى قضاء حوائج أعدائي مخافة أن أردهم فيستغنون عني[3]. هذا في الأعداء فكيف في الأصدقاء.

الثالث والرابع: على اللسان بالسكوت عن ذكر عيوبه في حضرته وغيبته والمماراة[4] والمنافسة معه إلا في الله، وعن أسراره التي تنهى إليه ولو بعد القطيعة، فإن ذلك من لؤم الطبع، وأن يسكت عن القدح[5] في أحبائه وأهله وولده، وعن حكاية قدح غيره فيه، فإن الذي سبك من بلغك[6]، وبالنطق بإظهار التودد والتفقد والدعاء والثناء، وينصحه ويخوفه إذا ارتكب حراماً وينبهه على عيوبه، ويقبح القبيح في عينه ويحسن الحسن.

قال صلى الله عليه وآله وسلم: المؤمن مرآة المؤمن[7] ــ أي يرى منه ما لا يرى من نفسه، كما يستفيد بالمرآة الوقوف على عيوب صورته الظاهرة.

الخامس: العفو عن زلاته وهفواته[8]، وهفوته إن كانت في الدين نصحته وأرشدته، وإن كانت لتقصير في الأخوة عفوت عنه ولا تعاقبه، وإذا اعتذر إليك فاقبل عذره. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:من اعتذر إليه أخوه فلم يقبل فعليه مثل إثم صاحب المكس[10].[9]
السادس: الدعاء له في حياته ومماته بكل ما يحبه لنفسه ولأهله، ولا تفرق بين نفسك وبينه، فإن دعاءك له دعاء لنفسك. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا دعا رجل لأخيه في ظهر الغيب قال الملك: ولك مثل ذلك[11].

وعن الباقر عليه السلام: في قوله تعالى: ((وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحٰاتِ وَيَزِيدُهُم مِن فَضْلِهِ))[12] قال: هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب، فتقول له الملائكة: آمين. ويقول الله العزيز الجبار: ولك مثل ما سألت، ولقد أعطيت ما سألت بحبك إياه[13].

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: مثل الميت في قبره مثل الغريق يتعلق بكل شيء، ينتظر دعوة من ولد أو والد أو أخ أو قريب[14]. وإنه ليدخل على قبور الأموات من دعاء الأحياء من الأنوار مثل الجبال.

السابع: الوفاء والإخلاص، والوفاء هو الثبات على الحب وإدامته إلى الموت معه وبعد الموت مع أولاده وأصدقائه، فإن الحب إنما يراد للآخرة، فإن انقطع قبل الموت حبط العمل وضاع السعي، ولذلك قيل: «قليل الوفاء بعد الوفاة خير من كثير الوفاء في حال الحياة»[16].[15]

وروي أنه صلى الله عليه وآله وسلم أكرم عجوزاً دخلت عليه، فقيل له في ذلك فقال: «إنها كانت تأتينا أيام خديجة»[17].

ومن الوفاء مراعاة جميع أقاربه وأصدقائه، وأن لا يتغير حاله في التواضع مع أخيه وإن ارتفع شأنه واتسعت ولايته، وأن لا يصادق أعدائه.

الثامن: التخفيف وترك التكليف، وذلك بأن لا يكلف أخاه ما يشق عليه، ولا يستمد منه من جاه ولا مال، ولا يكلفه التواضع له والتفقد والقيام بحقوقه، بل لا يقصد بمحبته إلا الله تبارك وتعالى تبركاً بدعائه واستئناساً بلقائه[18].

قال أمير المؤمنين عليه السلام: شر الأصدقاء من تكلف لك، ومن أحوجك إلى مداراة، وألجاك إلى اعتذار[19].

وعن الصادق عليه السلام قال: أثقل إخواني عليّ من يتكلف لي وأتحفظ منهم[20]، وأخفهم على قلبي من أكون معه[21] كما أكون وحدي[22].




[1] سورة الحشر/ 9.
[2] أنظر: المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني: 3/320، كتاب آداب الصحبة والعشرة، الباب الثاني في حقوق الأخوة والصحبة، الحق الأول. كتاب الإخوان، ابن أبي الدنيا: 205، في سخاء النفس بالبذل للإخوان. وفيه النص: "عن عبد الله بن الوليد، قال: قال لنا أبو جعفر محمد بن علي: يدخل أحدكم يده في كم صاحبه ويأخذ ما يريد؟ قلنا: لا، قال: فلستم بإخوان كما تزعمون.
[3] المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني: 3/321، كتاب آداب الصحبة والعشرة، الباب الثاني في حقوق الأخوة والصحبة، الحق الثاني.
[4] دع المماراة، أي دع المجادلة فيما فيه المرية والشك.
[5] قدحت في نسبه، أي: طعنت.
[6] أنظر: المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني: 3/323، كتاب آداب الصحبة والمعاشرة، الباب الثاني في حقوق الأخوة والصحبة، الحق الثالث.
[7] سنن أبي داود،ابن الأشعث السجستاني:2/460،كتاب الأدب،باب 57 في النصيحة والحياطة/ح1.
[8] الهفوة: الزلة.
[9] المكس: انتقاص الثمن في البياعة.
[10] المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني: 3/339، كتاب آداب الصحبة والمعاشرة، الباب الثاني في حقوق الأخوة والصحبة، الحق الخامس.
[11] الأمالي، الطوسي: 481، المجلس 17/ ح20. وفيه النص: "من دعا لمؤمن بظهر الغيب قال الملك ولك مثل ذلك".
[12] سورة الشورى/ 26.
[13] أنظر: تفسير الصافي، الفيض الكاشاني: 4/376، تفسير سورة الشورى.
[14] إحياء علوم الدين، الغزالي: 2/167، كتاب آداب الألفة والأخوة، الباب الثاني في حقوق الأخوة والصحبة، الحق السادس الدعاء للأخ في حياته وبعد مماته.
[15] ذيل الحديث في الآداب: "خير من كثيره وقت الحياة".
[16] آداب الصحبة، أبي عبد الرحمن السلمي: 1 / 93 /  ح 124.
[17] الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض: 1 / 127.
[18] أنظر: المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني: 3/ 318 ــ 345، كتاب آداب الصحبة والمعاشرة، الباب الثاني، في حقوق الأخوة والصحبة. إحياء علوم الدين، الغزالي: 2/155 ــ 171، كتاب آداب الألفة والأخوة، الباب الثاني  في حقوق الأخوة.
[19] إحياء علوم الدين، الغزالي: 2/169، كتاب آداب الألفة والأخوة، الباب الثاني في حقوق الأخوة، الحق الثامن  التخفيف وترك التكلف والتكليف.
[20] في المستدرك: "منه".
[21] في المستدرك: "معهم".
[22] مستدرك الوسائل، المحدث النوري: 9/155، كتاب الحج، أبواب أحكام العشرة، باب 146 نوادر ما يتعلق بأبواب أحكام العشرة/ ح5.

إرسال تعليق