بقلم: السيد نبيل الحسني
الظلامة العظيمة
لم تشهد حادثة ــ حتى الآن ــ من حوادث ووقائع السيرة النبوية من الإخفاء والتضليل والتعتيم ما شهدته حادثة تكسير الأصنام في ليلة مبيت الإمام علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم. على الرغم من مرور 1432 سنة من ليلة وقوعها.
وعليه فكم هي كبيرة تلك الظلامة التي لحقت بتاريخ المسلم؛ بل: كم من الظلم أنزله هؤلاء الجناة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما ضيعوا جهوده وجهاده في محاربة الوثنية وإعلاء كلمة التوحيد؟!
وكم هو محارب صاحب هذه الليلة منذ أن بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ظهور ولده المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟!
وأي ضحية أكبر من التاريخ الإسلامي الذي نهشت فيه أنياب أولئك الجناة الذين شروا الدنيا وباعوا الآخرة بثمن بخس ــ فإنا لله وإنا إليه راجعون ــ.
1 ــ فمنهم من عتم عليها كليا كالبخاري، ومسلم، والترمذي، وأبي داود، وابن ماجة، وغيرهم.
2 ــ ومنهم من ذكر الحادثة ولكنه عتم على تعيين الليلة، وعلى هوية الصنم الذي كسره النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام أي: اكتفى بذكر الحادثة فقط مما جعل صعوبة كبيرة في تشخيص زمان الحادثة؛ أهو قبل الهجرة، أم في عام الفتح، أي: اتباع المشهور في أن عملية تكسير الأصنام إنما كانت محصورة في عام فتح مكة فقط، ومن ثم تم تضييع هذه الحقيقة المتعلقة بمرحلة زمنية مهمة من حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي مرحلة ما قبل الهجرة.
ومن الذين اكتفوا بذكر الحادثة فقط هم:
أحمد، والنسائي، وابن أبي شيبة،والموصلي، والزيلعي.
3 ــ ومنهم من عتم على الليلة وصرح بهوية الصنم؛ مما دفع بالقارئ إلى الاعتقاد بأن الحادثة مرتبطة بفتح مكة، وهؤلاء هم:
ابن أبي شيبة، والحاكم النيسابوري، والخطيب البغدادي.
4 ــ ولم يصرح بهذه الحقيقة سوى الحاكم النيسابوري ــ جزاه الله عن المسلمين خيراً ــ إلا أن اتباع المسلمين للمشهور في حادثة تكسير الأصنام وانحصارها عندهم في عام الفتح جعلهم يعتمدون على ذلك دون أن يتبادر لديهم إمكانية وقوعها قبل عام الفتح وتحديداً قبل الهجرة.
وهذا نص الرواية التي أخرجها الحاكم في المستدرك على الصحيحين:
فعن علي ــ عليه السلام ــ أنه قال:«لما كان الليلة التي أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أبيت على فراشه وخرج من مكة مهاجراً، انطلق بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الأصنام فقال: «اجلس»، فجلست إلى جنب الكعبة ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على منكبي ثم قال: «انهض». فنهضت به، فلما رأى ضعفي تحته قال: «اجلس».
فجلست، فأنزلته عني، وجلس لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال لي: «يا علي، اصعد على منكبي»، فصعدت على منكبيه ثم نهض بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخيل لي أني لو شئت نلت السماء وصعدت إلى الكعبة وتنحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فألقيت صنمهم الأكبر وكان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الأرض.
فقالي لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عالجه».
فعالجته، فما زلت أعالجه، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ايه، ايه».
فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه.
فقال: «دقه».
فدققته فكسرته ونزلت»[1].
والحديث يحدد بوضوح السنة التي وقعت فيها حادثة تكسير الأصنام قبل الهجرة النبوية المباركة، بل يحدد الحديث الليلة أيضاً، وهي ليلة مبيت الإمام علي عليه السلام على فراش رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حينما عزم على الخروج من مكة مهاجراً إلى المدينة.
وعليه: إنّ اختيار هذه الليلة ــ تحديداً ــ أي ليلة المبيت على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخروجه من مكة مهاجراً هو بحد ذاته يطرح العديد من الأسئلة منها:
أولاً: ما هي الحكمة في جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخروج وتكسير صنم قريش الأكبر ومبيت الإمام علي عليه السلام في ليلة واحدة والقوم يتهيأون لقتل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟
ثانياً: كيف سيترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وحده يواجه طواغيت قريش حينما يكتشفون ما جرى لصنمهم الأكبر؟
ثالثاً: ما هو أثر هذه العملية في المجتمع المكي عامة وقريش خاصة من الناحية العقائدية؟
رابعاً: ما هي آثارها المستقبلية في المنافقين؟ وكيف سيتعاطون مع علي بن أبي طالب وقد كسّر ما تؤمن به قلوبهم؟
وغيرها من الأسئلة التي احتاجت إلى مجموعة من العنوانين للإجابة عليها، وهي كالآتي:
المسألة الأولى: ما يدل على أن عملية التكسير لصنم قريش الأكبر كانت ليلة خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهاجرا وهي الليلة التي نام فيها علي عليه السلام على فراشه
لقد تضمنت الأحاديث السابقة مجموعة من القرائن التي تدل على أن عملية تكسير الأصنام فضلاً عن أنها وقعت قبل الهجرة فهي تجمع على إثبات أن هذه العملية كانت ليلة خروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهاجراً إلى المدينة وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جمع في هذه الليلة بين الهجرة وتكسير صنم قريش الأكبر بيد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
وأن الإمام علياً عليه الصلاة والسلام قد جمع في هذه الليلة بين تكسيره لصنم قريش الأكبر مع فدائه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه حينما نام على فراشه.
بمعنى آخر: إن الإمام علياً عليه السلام قد أحرز في هذه الليلة وفي صبيحتها مجموعة من المناقب لم تجمع لأحد قط، فهو:
1 ــ من أشركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نشر التوحيد ومحاربة الوثنية وتطهير بيت الله الحرام من الأصنام.
3 ــ قلعه لصنم قريش الأكبر وقذفه من على سطح الكعبة.
4 ــ قبوله للعرض الذي قدمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المبيت على فراشه كي يستطيع الخروج من مكة.
5 ــ مباشرة فداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتعريض نفسه للقتل حينما نام على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك الليلة.
6 ــ صبره على ألم الحجارة التي كان المشركون يرمونه بها ولم يمكنهم من معرفته فلم يكشف لهم عن وجهه وهم يظنونه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
7 ــ مواجهته للمشركين حينما هجموا عليه في صبيحة ليلة المبيت.
8 ــ تحمله لأعظم الشدائد والمخاطر حينما فوت على المشركين النيل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقتله ومعرفتهم بأنه من كسر صنمهم الأكبر، وهما من أعظم المصائب التي حلت بقريش فكيف سيواجه علي عليه السلام هذه المخاطر والتحديات؟!
إنه سؤال تطول الإجابة عليه ولا يسعها البحث ها هنا ــ ولكن ــ.
فإن هذه الحادثة بما تحمل من آثار ومعان وحقائق دفعت أعداء الإسلام إلى العمل بشتى الوسائل على تضييعها وطمسها، ولكن: ((وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ))[2].
من هنا: كان لزاماً أن نورد تلك القرائن التي أثبتت هذه الحقيقة كي نقطع الطريق على المنافقين ــ والله ولي التوفيق ــ.
أولاً: إن هذه الليلة وردت بلفظ صريح وبسند صحيح
إن تكسير صنم قريش في ليلة مبيت الإمام علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخروجه مهاجراً نصّ عليها ــ كما أسلفنا ــ الحاكم النيسابوري عن علي عليه السلام بلفظ صريح، وهو: «لما كان الليلة التي أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أبيت على فراشه وخروجه من مكة مهاجراً، انطلق بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الأصنام.....».
وأشار إليها الموصلي وابن شاذان كناية، أما الموصلي فأوردها بلفظ:«انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم ليلاً حتى أتينا الكعبة، فقال لي أجلس: فجلست، فصعد رسول الله على منكبي...».
وأوردها ابن شاذان بلفظ: «دعاني رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم ذات ليلة وهو بمنزل خديجة...».
في حين لا يخفى على المتتبع أن عملية تكسير الأصنام في فتح مكة لم تكن ليلاً وفي حالة من التخفي والحذر ولم يخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينها من منزل خديجة عليها السلام وذلك أن عقيل بن أبي طالب قد باعه بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثانياً: إنّ طريقة الخروج لتكسير الأصنام كانت في الروايات على صيغة واحدة تفيد بمعنى واحد ودلالة واحدة
1 ــ فعن أبي مريم الأسدي عن علي ــ عليه السلام ــ قال: «لما كان الليلة التي أمرني رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم أن أبيت على فراشه وخرج من مكة مهاجراً انطلق بي رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ إلى الأصنام فقال اجلس فجلست إلى جنب الكعبة...»[3].
2 ــ ذكرها أحمد بن حنبل بلفظ: «انطلقت أنا والنبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم حتى أتينا الكعبة»[4].
3 ــ وذكرها الزيلعي بلفظ: «انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم حتى أتينا الكعبة»[5].
4 ــ وذكرها الموصلي بلفظ:«انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم ليلاً حتى أتى الكعبة، فقال: اجلس، فجلست إلى جنب الكعبة....»[6].
5 ــ وذكرها ابن أبي شيبة بلفظ: «انطلق بي رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم حتى أتى بي الكعبة، فقال: اجلس، فجلست إلى جنب الكعبة....»[7].
6 ــ وذكرها الزرندي الحنفي بلفظ: «انطلق بي رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم للكعبة، فقال: اجلس، فجلست إلى جنب الكعبة...»[8].
7 ــ وذكرها الخطيب البغدادي بلفظ: «انطلق بي رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم إلى الأصنام فقال: اجلس، فجلست إلى جنب الكعبة...»[9].
8 ــ وذكرها الموفق الخوارزمي بلفظ: «انطلق بي رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم حتى أتى بي الكعبة، فقال: اجلس، فجلست الى جنب الكعبة....»[10].
9 ــ وذكرها ابن جبر بلفظ: «انطلق بي رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم إلى الأصنام، فقال: اجلس، فجلست إلى جنب الكعبة...»[11].
10 ــ وذكرها الحلبي بلفظ: «انطلق بي رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم ليلاً حتى أتى الكعبة فقال: اجلس، فجلست إلى جنب الكعبة....»[12].
11 ــ وذكرها القندوزي بلفظ: «انطلق بي رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم إلى كسر الأصنام فقال: اجلس، فجلست إلى جنب الكعبة...»[13].
12 ــ وذكرها النسائي بلفظ: «انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم حتى أتينا الكعبة....»[14].
ثالثاً: تدخل الراوي في نص الرواية التي أخرجها النسائي
ويمكن لنا ملاحظة تدخل الرواة في التعتيم على عملية تكسير الأصنام من خلال الرواية التي أخرجها النسائي.
فعن أحمد بن حرب عن أسباط عن نعيم بن حكيم المدائني عن أبي مريم قال: قال عليٌّ: (انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم حتى أتينا الكعبة فصعد رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم على منكبي، فنهض به علي فلما رأى رسول الله ضعفه قال له اجلس، فجلس، فنزل نبي الله).
ونلاحظ هنا تدخل الراوي في صياغة الحديث ضمن الألفاظ الآتية:
1 ــ (فنهض به علي)، في حين كان (الصحيح الذي يتناسب مع سياق الرواية الناطقة عن لسان علي عليه السلام أن يكون الضمير، ضمير المتكلم فيكون اللفظ: (فنهضت به).
2 ــ قول الراوي بلفظ (فلما رأى رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم ضعفه، قال له اجلس)، وهو بصيغة الغائب؛ في حين يلزم سياق الحديث أن يكون بصيغة المتكلم الحاضر كلفظ (فلما رأى رسول الله ضعفي قال لي: اجلس، فجلست إلى جنب الكعبة)، وهو ما نصت عليه الروايات السابقة.
رابعاً: إنّ جميع الروايات نصت على أن الصنم الذي تم تكسيره كان من نحاس
1 ــ ففي مسند أحمد كانت بلفظ: «عليه تمثال صفر أو نحاس»[15].
2 ــ وفي مسند ابن أبي شيبة بلفظ: «ألق صنمهم الأكبر صنم قريش وكان من نحاس، وكان موتدا بأوتاد من حديد»[16].
3 ــ وفي سنن النسائي، بلفظ: «وعليها تمثال صفر أو نحاس، فجعلت أعالجه لأزيله»[17].
4 ــ وفي مسند الموصلي بلفظ: «فأتيت صنم قريش وهو تمثال رجل من صفر أو نحاس فلم أزل أعالجه»[18].
5 ــ وفي مستدرك الحاكم بلفظ: «ألق صنمهم الأكبر صنم قريش وكان من نحاس موتدا بأوتاد»[19].
6 ــ وفي مجمع الزوائد للهيثمي بلفظ: «وعليه تمثال صفر أو نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الأرض»[20].
7 ــ وفي نظم درر الزرندي الحنفي بلفظ: «وكان صنما من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الأرض»[21].
8 ــ وفي تخريج الأحاديث للزيلعي بلفظ: «فصعدت على الكعبة وعليها تمثال صفر أو نحاس»[22].
9 ــ وفي كنز العمال للهندي بلفظ: «حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفر أو نحاس»[23].
10 ــ وفي تاريخ بغداد للخطيب بلفظ:«فألقيت صنمهم الأكبر صنم قريش وكان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد»[24].
11 ــ وفي مناقب الخوارزمي بلفظ: «فقال لي: ألق صنمهم الأكبر صنم قريش وكان من نحاس موتدا بأوتاد»[25].
خامساً: إنّ هذه الروايات قد أجمعت على طريقة واحدة في قلع الصنم من على سطح الكعبة
1 ــ قال أحمد في المسند: «فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه حتى إذا استمكنت منه».
2 ــ وفي مستدرك الحاكم: «فمازلت أعالجه ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيه أيه فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه»[26].
3 ــ وعند الهيثمي: «فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه حتى إذا استمكنت منه»[27].
4 ــ وعند ابن أبي شيبة: «فجعلت أعالجه ورسول الله يقول: أيه...»[28].
5 ــ وعند النسائي:«فجعلت أعالجه لأزيله يمينا وشمالا وقداما ومن بين يديه ومن خلفه حتى استمكنت منه»[29].
6 ــ وعند أبي يعلى الموصلي: «فلم أزل أعالجه يمينا وشمالا ومن بين يديه وخلفه حتى استمكنت منه، ورسول الله يقول: هيه، هيه...»[30].
7 ــ وعند الزيلعي:«فجعلت أعالجه يمينا وشمالا وقدّاماً ومن بين يديه ومن خلفه حتى إذا استمكنت منه»[31].
سادساً: إنّ عملية الانسحاب كانت على هيئة واحدة في الروايات
1 ــ في مسند أحمد بلفظ:«فانطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس»[32].
2 ــ وفي سنن النسائي بلفظ:«فانطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس»[33].
3 ــ وفي مسند أبي يعلى الموصلي بلفظ:«ثم نزلت فانطلقنا نسعى حتى استترنا بالبيوت خشية أن يعلم بنا أحد»[34].
4 ــ وفي مجمع الزوائد للهيثمي:«فانطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس»[35].
5 ــ وفي تخريج الزيلعي بلفظ:«فانطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس»[36].
6 ــ وفي مناقب الخوارزمي بلفظ:«فانطلقت أنا والنبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وخشينا أن يرانا أحد من قريش أو غيرهم»[37].
سابعاً: أجمعت الأحاديث على تكسير صنم قريش الأكبر
ورد في الأحاديث لفظ (صنمهم الأكبر) دون الإشارة إلى تسمية هذا الصنم، وهذا له عدة أوجه، منها:
1 ــ وجود أصنام مختلفة الأحجام وإن هناك صنما أكبر من هبل من حيث الحجم وكان موضوعاً على سطح الكعبة ــ كما ذهب إلى هذا الاعتقاد الحلبي فقال في معرض قوله حول تكسير الأصنام في عام الفتح:
(وهذا السياق يدل على أن هذا الصنم غير هبل وأن هبل ليس أكبر أصنامهم بل هذا أكبر منه ولم أقف على اسمه)[38].
2 ــ إنّ هذا السياق الذي استدل منه الحلبي على وجود صنم أكبر من هبل كان خاصاً في حديثه عن تكسير الأصنام في عام الفتح إلا أنه لا يفيد في وجود أصنام مختلفة على سطح الكعبة، في فتح مكة وإنما هو صنم واحد وهو صنم خزاعة[39].
فضلاً عن أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال (صنمهم) لا يعلم هذا المراد بـ(هم) العرب أم قريش فكل هؤلاء لهم اعتقاد بالأصنام ويعظمونها وقد اشتركوا في تعظيمها ــ كما مرّ بيانه سابقا ــ.
3 ــ إلا أن القرائن تجمع على أن صنم العرب الأكبر من حيث التعظيم هو هبل ولا يراد بـ(الأكبر) الحجم ولذا لم يقف على اسمه الحلبي.
إذن: فإن هذه الروايات قد أجمعت على حقيقة واحدة وهي أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد قام بتكسير صنم قريش ليلة خروجه من مكة مهاجرا إلى المدينة وقد صحب في هذه العملية أخاه علي بن أبي طالب عليه السلام فهو الذي صعد على كتف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وارتقى سطح الكعبة وقام بقلع صنم قريش الأكبر فقذف به من على سطحها فتكسر كما تنكسر القوارير ثم نزل، وقد انسحبا من الكعبة يتسابقان خشية أن يراهما أحد من الناس وهما يتواريان خلف البيوت حتى عادا إلى بيت خديجة عليها السلام لتبدأ مرحلة جديدة من الجهاد ومواجهة الشرك وذلك في نوم علي عليه السلام على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد عزم فيها علي عليه السلام على الموت من أجل سلامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتمكنه من الخروج.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج3، ص5.
[2] سورة التوبة، الآية: 32.
[3] المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج3، ص5.
[4] مسند أحمد بن حنبل: ج1، ص84.
[5] تخريج الأحاديث للزيلعي: ج2، ص287.
[6] مسند أبي يعلى الموصلي: ج1، ص251، برقم 292.
[7] المصنف لابن أبي شيبة: ج8، ص534.
[8] نظم درر السمطين للزرندي: ص125.
[9] تاريخ مدينة بغداد: ج13، ص304.
[10] مناقب الإمام علي عليه السلام للموفق الخوارزمي: ص123.
[11] نهج الإيمان لابن جبر: ص608.
[12] السيرة الحلبية: ج3، ص29.
[13] ينابيع المودة للقندوزي: ج2، ص303.
[14] سنن النسائي الكبرى: ج5، ص142.
[15] مسند أحمد بن حنبل: ج1، ص84.
[16] مسند ابن أبي شيبة: ج8، ص534.
[17] ج5، ص143.
[18] ج1، ص252.
[19] ج2، ص367.
[20] ج6، ص23.
[21] ص126.
[22] ج2، ص288.
[23] ج13، ص171.
[24] ج3، ص304.
[25] ص125.
[26] ج3، ص5.
[27] ج6، ص23.
[28] ج8، ص534.
[29] ج5، ص143.
[30] ج1، ص253.
[31] ج2، ص288.
[32] مسند أحمد: ج1، ص84.
[33] ج5، ص143.
[34] ج1، ص252.
[35] ج6، ص23.
[36] ج2، 288.
[37] ص125.
[38] السيرة الحلبية: ج3، ص32.
[39]لمعرفة المزيد من المناقشة لحقيقة تكسير الأصنام قبل الهجرة النبوية وفي فتح مكة ينظر: تكسير الأصنام بين تصريح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعتيم البخاري دراسة في الميثولوجيا والتاريخ ورواية الحديث للمؤلف.
إرسال تعليق