دورنا في الغيبة وعظيم أجر المنتظرين

بقلم: الشيخ علي الفتلاوي
كثيراً ما يسأل الإنسان الموالي نفسه عن ما هو تكليفه وواجبه في عصر غيبة الإمام الثاني عشر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وما هو فضل الموالين زمن الانتظار على غيرهم من الناس، وجواب هذا السؤال وإن غاب عن أذهان كثير من الناس وعقولهم، إلا أن أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لم يتركوا هذا السؤال من غير إجابة، فأحاديثهم الشريفة ورواياتهم المطهرة ذكرت وبشكل مفصل مجموعة من الوظائف والأدوار لابد للمكلف من الالتزام بها والعمل بمقتضاها، ونحن فيما يلي نذكر جملة من هذه الأدوار والوظائف مقتصرين على المهم منها مع مراعاة الاختصار والبساطة في العرض ليسهل على القراء الكرام فهمه والعمل بمقتضاه.

  1:    أكدت الروايات الشريفة للمعصومين عليهم السلام على أهمية وضرورة انتظار الفرج من قبل الموالين وعدم اليأس وقد عد الانتظار في بعض الأحاديث من أفضل العبادات كما واعتبرت أحاديث أخرى المنتظرين لفرج إمامهم الثاني عشر أفضل أهل كل زمان حتى أفضل من الذين عاشوا مع النبي الأعظم صلى الله عليه واله وصحبوه.

  2:    أن يكون موالياً للأئمة ومتبرئاً من أعدائهم.

  3:    أن يكون من أهل الورع والاجتهاد في العمل الصالح ويصلح نفسه قبل غيره.

  4:    أن يكون مطمئناً أنّ أعماله تعرض على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والأئمة عليهم السلام، فلا يفعل إلا ما يسرهم ويرضيهم.

  5:    أن يكون محارباً لنفسه ومجاهداً لشهواته وصابراً في مرضاة الله تعالى.

  6:    أن يكون ممتثلاً لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه واله وسلم والأئمة عليهم السلام ولاسيما إمام الزمان الذي يأمرنا بطاعة وكلائه والسير على نهجهم.

  7:    أن يكون متأسياً برسول الله صل الله عليه وآله وسلم، ومتخلقاً بأخلاق الله تعالى «تخلقوا بأخلاق الله»، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). سورة الأحزاب، الآية: 21.

  8:    أن يتصف بكل صفات النصير للإمام عليه السلام حتى يتسنى له الادعاء أَنه من أنصار الإمام عليه السلام.

  فضل المنتظرين وعظيم أجر الانتظار 
تحدثت الروايات الشريفة وبشكل مفصل عن رفعة مقام المنتظرين وعظيم قدرهم وجزيل أجرهم وثوابهم بالقياس إلى غيرهم من المؤمنين حتى أولئك الذين عاشوا أيام وحياة الرسول الأعظم صلى الله عليه واله، وفيما يلي جملة من هذه الأحاديث الشريفة:

  1: الانتظار من أعظم الأعمال والقربات الإلهية 
فعن ينابيع المودة عن مناقب الخوارزمي عن أبي جعفر عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: «أفضل العبادة انتظار الفرج».

وعن الخصال الأربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلام: «انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فإن أحب الأعمال إلى الله عز وجلّ انتظار الفرج».

  2: المنتظرون أفضل أهل كل زمان حتى الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه واله وسلم 
عن الاحتجاج، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: «تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والأئمة بعده، يا أبا خالد، إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته، المنتظرين لظهوره أفضل أهل كلّ زمان؛ لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنـزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنـزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقاً والدعاة إلى دين الله سراً وجهراً، وقال عليه السلام انتظار الفرج من أعظم الفرج».

كما أن هناك رواية تشير إلى ان أجر المنتظرين أكثر من أجر الصحابة بخمسين مرة، كما في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي قدس سره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: «سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا: يا رسول الله نحن كنّا معك ببدر وأحد وحنين، ونزل فينا القرآن، فقال إنكم لو تحمّلوا لما حُمّلوا لم تصبروا صبرهم».

  3: المنتظرون أفضل حتى من الذين سيعيشون في دولة القائم عليه السلام 
كما أن هناك روايات توضح أن العبادة والعمل مع الخوف من دولة الباطل أفضل مما في دولة الحق لما فيها من الأمن، فعن إكمال الدين عن عمار الساباطي قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام العبادة مع الإمام منكم المستتر في السّر في دولة الباطل أفضل، أم العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام الظاهر منكم؟.

فقال: يا عمار، الصدقة في السّر والله أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك عبادتكم في السّر، مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل لخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة، ممن يعبد الله في ظهور الحق مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق اعلموا أن من صلى منكم صلاة فريضة وحداناً مستتراً بها من عدوّه قي وقتها فأتمها، كتب الله عز وجلّ له بها خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمها كتب الله عز وجلّ له عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله تعالى حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان الله بالتقية على دينه، وعلى إمامه وعلى نفسه، وأمسك من لسانه، أضعافاً مضاعفة كثيرة إن الله عز وجلّ كريم.

قال: فقلت: جعلت فداك قد رغّبتني في العمل، وحثثتني عليه، ولكنّني أحب أن أعلم: كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام منكم الظاهر في دولة الحق، ونحن وهم على دين واحد، وهو دين الله عز وجلّ؟.

فقال: إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله، وإلى الصلاة والصوم والحج وإلى كل فقه وخير، وإلى عبادة الله سراً من عدوّكم مع الإمام المستتر، مطيعون له، صابرون معه، منتظرون لدولة الحق، خائفون على إمامكم وعلى أنفسكم من الملوك تنظرون إلى حقّ إمامكم وحقّكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك، واضطروكم إلى جذب الدنيا وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة ربّكم والخوف من عدوكم، فبذلك ضاعف الله أعمالكم فهنيئاً لكم هنيئاً.

قال: فقلت: جعلت فداك فما نتمنى إذاً أن نكون من أصحاب القائم عليه السلام في ظهور الحق؟ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أعمال دولة الحق.

فقال: سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله عز وجلّ الحق والعدل في البلاد، ويحسن حال عامة الناس، ويجمع الله الكلمة ويؤلف بين القلوب المختلفة، ولا يعصى الله في أرضه، وتقام حدود الله في خلقه، ويردّ الحق إلى أهله، فيظهروه حتى لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق. أما والله يا عمار لا يموت منكم ميّت على التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله عز وجلّ من كثير ممن شهد بدراً واحداً فابشروا.

  هل مجرد الانتظار يكفي لتحصيل كل هذا الأجر 
ان مجرد الانتظار لا يكفي لوحده في تحصيل جميع تلك الامتيازات السابقة، بل لابد من العمل والورع والتقوى وهذا ما ورد في غيبة النعماني عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام إذ يقول: «من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه فجدّوا وانتظروا هنيئاً لكم أيتها العصابة».

فينبغي على المؤمن وفقا لهذا الحديث الشريف ان يتصف بصفات أهل الإيمان قولاً وفعلاً، كما ورد ذلك في كثير من الروايات، والتي منها:

  1:    قال رجل للحسين بن علي عليهما السلام: يا ابن رسول الله أنا من شيعتكم، قال: اتق الله ولا تدعين شيئا يقول الله لك كذبت وفجرت في دعواك، إن شيعتنا من سلمت قلوبهم من كل غش وغل ودغل، ولكن قل أنا من مواليكم ومحبيكم.

  2:    عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.

  3:    عن عبد الله بن الوليد، قال: قال لنا أبو جعفر محمد بن علي: «يدخل أحدكم يده في كم صاحبه ويأخذ ما يريد؟ قلنا: لا. قال: فلستم بإخوان كما تزعمون».

  الخلاصة 
وبناءً على ما تقدم يجب على كل مؤمن موالٍ أن يفكر في مؤهلاته التي هو عليها الآن، ويسأل نفسه هل هو مؤهلاً ليكون من المنتظرين؟ أو من الأنصار للإمام عليه السلام؟ فإذا لم يكن كذلك ولم يكن تتوافر فيه الشروط السابقة فلابد له حينئذ من تزكية النفس عن قذارة الدنيا، ولابد له من الكدح والعمل للوصول إلى القرب الإلهي، ولابد له من الورع والابتعاد عن الشبهات، ولابد له من التخلق بالأخلاق العليا في القول والفعل، ولابد له من جعل الظاهر والباطن واحداً إلا في تقية، ولابد له من الامتثال الكامل لأوامر الإمام عجل الله تعالى فرجه، ولابد ولابد ولابد...وبخلاف هذا سيكون الكلام مجرد ادعاء ويبقى المرء بعيداً عن الإمام عجل الله تعالى فرجه، مهما أعطى لنفسه من عناوين ومناصب.

إرسال تعليق