نهضة الحسين (عليه السلام) دروس في التضحية

بقلم: عبد العظيم الجصاني

أي تضحية كتضحية الحسين (عليه السلام)..؟ وأي جهاد كجهاده..؟ وأي شجاعة كشجاعته..؟ وأي إباء كإبائه..؟ لقد ضرب سلام الله عليه أكرم الأمثال وأنبل المقاصد في ثورته. ضد الظلم، وضد الدكتاتورية وضد الشرور والطغيان، ثورة لم ينقطع صداها منذ تفجيره إياها متى ما شاء الله من بقاء الدنيا. ثورة وقف لها كل انسان من مختلف الملل والنحل منذ ذلك اليوم والى يومنا هذا. ويقف الى الأبد وقفة إعجاب وإكبار أمام عظمة الذكرى. أمام البطولة، أمام الصبر، أمام الحق، أمام الإنتصار العظيم الذي حققه عليه السلام هذا الإنتصار الذي ما شابهه ولن يشابهه أي انتصار آخر. ولقد اثبت سلام الله عليه. إن الحياة لا قيمة لها مع اناس لا يستحقون الحياة. وأن لا كرامة في ظل الإستعباد والظلم، ولا خير في الإنسان أن يقبل التعسف والهوان ويرى الكفر والإلحاد والفسق والفجور ولم يثر. ورسم عليه افضل الصلاة والسلام في ثورته دروب السعادة وطرق الفضيلة للناس كافة. وعلم الطيبين المجاهدين في سبيل الله وفي سبيل المثل العليا. كيف يجب أن يثوروا وكيف يجب أن ينتصروا، وأكد أن الظالمين هم المغلوبون وأن المظلومين هم المنتصرون. فلا انتصار مع الظلم ولا هزيمة مع العدل والإنصاف. كل هذه الدروس خطها عليه السلام في ثورته الدائمة الأبدية. والتي خاضها مع الأمويين الكفرة. اتباع يزيد الذين لم يعرفوا للإنسانية معنى ولا للدين قيمة ولا هدفاً.

إن الأمويين الطغاة ما فتروا قط في محاربة الإسلام. فناهضوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وظاهروا عليه في يوم مبعثه الى يوم مماته. وانتقلت حروبهم وعداوتهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى أهل بيته (عليهم السلام) يحاربون بحربهم الإسلام وأثار معاوية بن هند الذي يدعيه أبو سفيان الحرب على أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حلقة من حلقات الحروب التي اقامتها أمية على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وعلى الإسلام، وغدر معاوية وخيانته للحسن (عليه السلام) واعلان سب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على المنابر وحمل الناس على التعبد به تمهيداً لحمل الناس على سب رسول الله والرجوع بهم الى الجاهلية الأولى. هذه الأمور حلقة من تلك الحلقات.

إن أمية عدوة الإسلام. وعدوة محمد وآل محمد وعدوة المسلمين في صورها الشتى وأحوالها المختلفة فهي عدوة لبني هاشم في الجاهلية. وعدوة لبني هاشم ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما بعث الإسلام، وعدوة بني هاشم ومحمد وآل محمد والمسلمين عندما قام الإسلام وأشرق نوره ودخل فيه الناس أفواجاً. وعدوة لبني هاشم ومحمد وآل محمد والمسلمين بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن يتتبع سيرة بني أمية من يوم وجدوا الى أن أبادهم الله يجد عداوتهم صارخة عاتية لبني هاشم ولله ولرسوله بما كانت أمية تقوم به في الجاهلية والإسلام من التأليب والإثارة- وظلت عداوة أمية لبني هاشم ولمحمد ولآل محمد وللمسلمين متلهبة حتى في حكم أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم) ولكنها بقيت كامنة في صدور الأمويين كمون النار في الحجارة. حتى إذا أفضى الأمر الى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) برزت تلك النار من مكمنها فكانت نار جاهلية محرقة. فأحرق بتلك النار معاوية ما استطاع احراقه من الإسلام والمسلمين، وخلفه ابن ميسون، فصار يحرق بتلك النار ما استطاع احراقه. حتى قتل الحسين سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). واستباح المدينة وهدم الكعبة. الى ما تجاهر في محاربة الإسلام والتظاهر بالفسوق والفجور وارتكاب الفواحش والمنكرات.
لم يكن الحسين مكتوف الأيدي ولم يبق ولم يصبر على هذا الضيم من أعمال بني أمية ومخازيهم. فأستنكر آل أمية في خطبه وعدم البيعة لهم ومحاولاته في تعديل ما عوجوه من قوانين الإسلام ونصائحه المتكررة لأتباعهم في أن يميزوا بين الحق والباطل. وأن لا ينفضوا أيديهم مما علق بها من تراث الإسلام. وتذكيره أياهم بايام الرسول وأيام أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) وما كانوا عليه من إيمان وعقيدة. كل ذلك لم يحرك ساكناً من الأمويين وأتباعهم بل زادهم تعنتاً وتجبراً، مما اضطره أن يواجه الأمر الواقع.

فخرج من المدينة الى مكة قاصداً الحج وكانت حجة الوداع. فخرج من مكة في يوم التروية في الثامن من ذي الحجة الحرام. لأن المجرمين من بني أمية كـانوا يـريدون قتله في بيت الله الحـرام وفي الشهر الحـرام غيلة كما قتلوا اباه (عليه السلام) وهو يصلي في المحراب، ولما قيل للحسين (عليه السلام) ما الذي اعجلك يابن رسول الله عن الحج..؟ قال: (  إن يزيد قد دس في الحج سبعين رجلاً من شياطين بني أمية وأمرهم بأغتيالي ولو كنت متعلقاً باستار الكعبة وأن بني أمية لن يتركوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فخرجت لئلا تستباح بي حرمة هذا البيت ).

فخرج متوجهاً الى العراق بعد أن تسلم من العراقيين آلافاً مؤلفة من الكتب والرسائل التي كانت تطالبه بالقدوم الى العراق قائلة: لقد اخضر الجنان واينعت الثمار، فأقدم الينا فلعل الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى وإنما تقدم على جنود لك مجندة. وفي بعضها: فأن لم تقدم خاصمناك عند جدك رسول الله يوم القيامة. فبعد أن رأى الحسين ذلك أصبح مضطراً من مغادرة الحجاز الى الكوفة، فخطب خطبته الشهيرة المعروفة وهي:
( الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلاّ بالله.خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة. وما أولهني الى اسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف. وخير لي مصرع انا لاقيه. كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني اكراشاً جوفاً وأجربة سغباً لا محيص عن يوم خط بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين لن نشذ عن رسول الله لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقربهم عينه وينجز بهم وعده. من كان باذلاً فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فاني راحل مصبحاً ان شاء الله ).

ومن هذه الخطبة يظهر له إن الحسين (عليه السلام) لم يكن مغتراً ولا مخدوعاً ولا سالكاً على غير بصيرة من أمره ولكن يدري بما سيصير اليه ويعرف ما سيلاقيه في وجهته هذه وأن لا محيص عن يوم خط بالقلم لعلم علمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وأمر ندبه الله اليه للثورة في وجه الطغيان الأموي فكانت الثورة وكانت الدروس الثمينة والمعنويات العظيمة والعبر الخالدة فيها. ومن أوضح وأظهر ما في هذه الثورة المقدسة هو هذا الإنتصار العجيب والفريد من نوعه حيث ان الأمويين سفكوا الدماء وقتلوا ونهبوا وأسروا وأرتكبوا كبائر الأجرام ولكنهم خسروا المعركة دنياً وآخرة ولحقهم الخزي والعار أين ما ثقفوا وباؤا بغضب من الله. وغضب من الناس. وغضب من التاريخ. وان الإمام الحسين (عليه السلام) قتل في هذه المعركة هو وأهل بيته واصحابه، وسبوا عياله ويتمت أطفاله. ولكنه ربح المعركة دنيا وآخرة وانتصر ذلك الإنتصار الباهر وخلد التاريخ ثورته بأحرف من نور وحصل على إعجاب كل الناس ورضا الله ورسوله.

إن هذا السر في هذا النصر المبين وبقائه كبقاء القرآن الكريم. هو حكمة اخرى من حكم الله جل وعلا وحجة على العباد في أن ينتهجوا نهج هذا الإمام العظيم ويضعوا أقدامهم على الطريق الذي سار فيه وعلى الأثر حتى يصلوا الى نهايتهم السعيدة كما انتهى اليها الإمام (عليه السلام)، ولكن اذا لم يلتفتوا الى سر الثورة ومعناها الكبير ومحتواها القيم وينظرون اليها بنظرة العطف والحزن والبكاء فقط، ويلقون التوصيات وما أمر به الإسلام وما قام من أجله أبو الأئمة جانباً، فلا ينفع البكاء ولا الحزن ولا العطف إن الإمام (عليه السلام) والأئمة من بعده ومؤسس الإسلام جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومركز دعائم الإيمان والتقوى وصيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام). يريدون العمل بالإسلام والجهاد في سبيل الإسلام كافة غاية ما تتطلبه النفوس من سعادة ورخاء وأمن واستقرار وعدل وانصاف ومساواة وهناء وكل الصفاة الطيبة والمثل العليا والأخلاق الكريمة فإذا ما توفرت كل هذه المكرمات في المسلم كان من شيعتهم والمتبعين لأولئك القادة الذين نهجوا الطريق المستقيم للمسلمين والصراط السوي للمؤمنين ورسموا وخططوا الحياة السعيدة لمواليهم ومحبيهم ومؤيدي فكرتهم والمؤمنين بما جاءوا به من عند الله فيا ايها المؤمنون عليكم بالإسلام وتعاليمه وتمسكوا بأهدافه لأنها المنجى لكم دنيا وآخرة وتفهموا جيداً نهضة الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) وتضحيته من أجلكم. فسلام عليك أبا عبد الله يوم ولدت وسلام عليك يوم استشهدت وسلام عليك مع الخالدين.

إرسال تعليق