بقلم: السيد نبيل الحسني
بل: ليجد الباحث ان كثيراً من هذه الآراء ليس فقط انها تخالف المنهج العلمي والموضوعي وإنما فيها تعمد الكذب فيكون صاحب هذا الرأي قد جمع الجهل في المنهج الأخلاقي والعلمي والموضوعي.
وأيضاً ــ والقول للحلبي ــ: (قد حصلت له الطمأنينة بقول الصادق له لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم فلم يكن فيه فداء بالنفس ولا إيثار بالحياة، والآية المذكورة في سورة البقرة هي مدنية باتفاق، وقد قيل إنها نزلت في صهيب لما هاجر، أي كما تقدم؛ لكنه في الإمتاع لم يذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: ما ذكر، وعليه: فيكون فداؤه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه واضحاً ولا مانع من تكرر نزول الآية في حق علي وفي حق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وفي حق صهيب بمعنى اشترى نفسه بماله هذه الآية بمكة لا يخرج سورة البقرة عن كونها مدنية لأن الحكم يكون للغالب)([2]).
وهذه الشبهة التي أطلقها الحلبي والتي تضمنت رأي إمامه ابن تيمية وتبنيه لهذا الرأي فهي مخالفة للمنهج الأخلاقي والقرآني والعلمي كما سيمر بيانه خلال المباحث والمسائل في هذا الفصل، ولكن قبل المضي في ذلك نحدد مرتكزات هذه الشبهة الواهية، وهي كالآتي:
1 ــ إن حديث نزول جبرائيل وميكائيل لحفظ الإمام علي عليه السلام قال فيه ابن تيمية كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير.
2 ــ قد حصل له الطمأنينة بقول الصادق له لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم فلم يكن فيه فداء بالنفس ولا إيثار بالحياة.
3 ــ إن الآية المذكورة: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)([3]). في سورة البقرة هي مدنية باتفاق.
4 ــ أنها نزلت في صهيب لما هاجر فيكون فداؤه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه واضحاً.
5 ــ لا مانع من تكرار نزول الآية في حق علي وفي حق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وفي حق صهيب بمعنى اشترى نفسه بماله.
6 ــ هذه الآية بمكة لا يخرج سورة البقرة عن كونها مدنية لأن الحكم يكون للغالب.
فهل سافر إلى جميع أقطار المسلمين وسأل أهلها عن العلماء فالتقى بهم وسألهم عن هذا الحديث فقالوا له انه كذب؟ فإن قيل: نعم، فهذا هو الكذب لأن ابن تيمية سيقضي عمره كله بالسفر إلى أقطار المسلمين يبحث عن أهل العلم بالحديث وعندها لن يستطيع ان يجمع لنا أقوالهم ولن ولم يحصل على اتفاقهم وان قيل: لا فهذا إقرار بأنه كاذب في قوله: بأن أهل العلم قد اتفقوا.
فعلم إبليس بالصراط المستقيم يمكنه من تضليل الناس عنه، بل إن إبليس أعلم من ابن تيمية بالصراط المستقيم ولذا فهو سبب ضلال البشرية منذ ان أدخل آدم وحواء الجنة.
كما ان كعب الأحبار من أهل العلم بالحديث، بل ان كل فرقة من المسلمين تعتقد بأن أئمتها وزعماءها هم من أهل العلم بالحديث ولذا فهم يعتقدون بأنهم الفرقة الناجية من هذه الأمة فعلى سبيل المثال: «يعتقد الخوارج أنهم من الناحية الدينية يمثلون الفئة القليلة التي لا تقبل في الحق مساومة، وأن زعماءهم من جماعة القراء والفقهاء وهم الحريصون على الالتزام بالكتاب والسنة دون مواربة أو تأويل»([5]) ولا أدري أي كتاب أو سنة تجيز قتل علي بن أبي طالب عليه السلام؟!
ولذلك: لم يصرح ابن تيمية بالقاعدة أو الضوابط التي لديه في معرفة أهل العلم كي نعتقد بأنه ينطبق عليهم هذا الوصف وكي نأخذ بكلامه.
دال: أي قسم من أهل العلم في هذه الأمة بتعدد فرقها علم بقولهم ابن تيمية
أما أهل العلم بالحديث الذين أقرت لهم الأمة الإسلامية فهم قسمان:
القسم الأول: فهم علماء الشيعة الذين لا يرى فيهم ابن تيمية ومن اتخذه إماماً له بأنهم من أهل العلم إلا إننا نؤمن بأنهم من أهل العلم على رغم أنف ابن تيمية ومن تولاه إذ يكفي ثبوت صدقهم عندنا كثبوت كذب ابن تيمية.
وأما القسم الثاني: فهم علماء السنة والجماعة وهؤلاء اتفقوا على كذب ابن تيمية الذي نسب إليهم ما لم ينطقوا به وتقوّل عليهم ما لم يقولوا، وكي نثبت للقارئ كذب ابن تيمية في قوله حول حديث نزول جبرائيل وميكائيل عليهما السلام لحفظ علي بن أبي طالب حينما فدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه.
الذي قال عنه ابن تيمية: (إنه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير) فهؤلاء أهل العلم بالحديث والسير ندرجهم بأسمائهم كي يتضح كذب ابن تيمية.
وقبل ان نورد أسماء أهل العلم نذكّر القارئ الكريم بأنّنا في صدد الحديث القائل بنزول الملائكة في ليلة مبيت الإمام علي عليه السلام، وليس في اختصاص الآية في علي عليه السلام وحصرها فيه فهذا سيرد بيانه.
2. أخرجه الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه (المتوفى سنة 460 هـ) في الأمالي بإسناده فقال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال حدثنا أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي سنة خمسين ومائتين، قال حدثني الحسن بن حمزة أبو العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، عن الزبير بن سعيد الهاشمي، قال: حدّثنيه أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر رضي الله عنه بين القبر والروضة، عن أبيه وعبيد الله بن أبي رافع جميعاً عن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) وأبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال أبو عبيدة: وحدثنيه سنان بن أبي سنان: أن هند بن هند بن أبي هالة الأسدي حدثه عن أبيه هند بن أبي هالة ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمه خديجة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخته لأمه فاطمة صلوات الله عليها.
قال أبو عبيدة: وكان هؤلاء الثلاثة هند بن هالة وأبو رافع وعمار بن ياسر جميعاً يحدثون عن هجرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة وبيته قبل ذلك على فراشه([7]).
أقول: أما حديث نزول الملائكة لحراسة علي بن أبي طالب عليه السلام ليلة المبيت فقد حدّث به الصحابي المنتجب أبو اليقظان عمار بن ياسر كما صرح به الشيخ الطوسي في الصفحة 469 من أماليه.
وأما ما قاله أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر: «وحدثنيه سنان بن أبي سنان: أن هند بن هند بن أبي هالة الأسدي حدثه عن ابيه هند بن أبي هالة ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمه خديجة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخته لأمه فاطمة صلوات الله عليها.
فقد أثبتنا في الفصل الأول من كتابنا: (خديجة بنت خويلد أمّة جمعت في امرأة) عدم صحة زواج أم المؤمنين خديجة عليها السلام قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وان هند هذا هو ابن اختها احتضنته أم المؤمنين خديجة وتكفلت برعايته فنشأ في دارها حاله كحال زينب وأم كلثوم ورقية، فعرف بابنها كما عرفت هؤلاء النسوة ببناتها ــ وقد مرّ بيانه مفصلاً فليراجع ــ([8]).
3. الحافظ ابن شهر آشوب المازندراني (المتوفى سنة 588 هـ)
قال: الثعلبي في تفسيره، وابن عقب في ملحمته، وأبو السعادات في فضايل العترة، والغزالي في الأحياء وفي كيمياء السعادة أيضاً برواياتهم عن أبي اليقظان، وجماعة من أصحابنا ومن ينتمي إلينا نحو: ابن بابويه، وابن شاذان، والكليني، والطوسي، وابن عقدة، والبرقي، وابن فياض، والعبدلي، والصفواني، والثقفي بأسانيدهم عن أبن عباس وأبي رافع وهند بن أبي هالة... وساق الحديث»([9]).
2. قد يكون الحافظ ابن شهر آشوب قد وجد هذا الحديث في مصنفات أولئك العلماء في زمانه وان هذه المصنفات لم تنشر بعد فهي مازالت في أروقة حصائن المخطوطات المنتشرة في البلاد الإسلامية، وفي الواقع لم أعثر على الحديث فيما توفر من نشر لبعض مصنفات ابن بابويه رحمه الله وغيره.
3. وقد يكون الحافظ قد وجد هذا الحديث في ضمن مصنفات علماء العامة الذين ذكرهم الا ان هذه المصنفات قد تعرضت للحذف والتزوير بعد مرور أكثر من ثمانمائة عام كما حدث لصحيح مسلم من التزوير كما أشرنا في مبحث منزلة خديجة في السنة وانها من رواة الحديث الشريف.
4. السيد ابن طاووس رحمه الله تعالى (المتوفى سنة 664هـ).
قال رحمه الله: «قال الثعلبي بعد كلام ذكره: ففعل ذلك علي عليه السلام فأوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل عليهما السلام...»([10]).
5. الشيخ الطبرسي رحمه الله (المتوفى 548 هـ) وقد أورد الرواية في المجمع([11]).
6. الحافظ ابن كرامة رحمه الله (المتوفى 494هـ) وقد رواه في التنبيه([12]).
7. الحافظ ابن البطريق رحمه الله (المتوفى سنة 600 هـ)([13]).
8. الحافظ ابن أبي حاتم رحمه الله (المتوفى سنة 664 هـ)([14]).
9. الحافظ ابن جبر رحمه الله (من أعلام القرن السابع للهجرة)([15]).
10. الشيخ الحر العاملي رحمه الله تعالى صاحب الوسائل المتوفى سنة 1104 رواه في جواهره([16]).
11. السيد هاشم البحراني رحمه الله (المتوفى سنة 1107 هـ)([17]).
12. العلامة المجلسي رحمه الله (المتوفى 1111هـ)([18]).
وغيرهم من العلماء رحمهم الله تعالى.
1. الثعلبي (المتوفى سنة 427 هـ) قائلاً: «ورأيت في الكتب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده... إلى أن يقول: فأوحى الله تعالى إلى جبرائيل وميكائيل عليهما السلام وساق الحديث»([19]).
أقول: وقول الثعلبي: (ورأيت في الكتب).
دليل قوي على انتشار هذا الحديث في مصنفات علماء المسلمين إلا ان يد السياسة الجائرة والمتزلفة لحكام بني أمية ومن سار على نهجهم منعت وصول هذا الحديث إلى اسماع كثير من الناس وفضلاً عن هذا الحديث وغيره مما يتعلق بفضائل أهل البيت عليهم السلام ما زال محجوباً عن الناس ومخزوناً في المخطوطات التي يتعمد أرباب المكاتب العامة والمشرفون عليها عدم إخراجها للنور ناظرين في ذلك إلى الجانب المادي وما غلا سعره دون النظر إلى ما ينفع الناس والذي فيه رضا الله تعالى.
2. الحاكم الحسكاني (من أعلام القرن الخامس للهجرة) أخرجه في الشواهد مسندا، فقال: أخبرنا أبو سعد السعدي بقراءتي عليه من أصل سماعه بخط السلمي قال: حدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن زكريا الطحان ببغداد قال: حدثنا إبراهيم بن احمد البذوري قال: حدثنا أبو أيوب سليمان بن أحمد الملطي قال: حدثنا سعيد بن عبد الله الرفاء قال: حدثنا علي بن حكام الرازي عن شعبة عن أبي سلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد الغار، بات علي بن أبي طالب على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل: إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأوحى الله إليهما فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟
فكلاهما اختارها وأحبا الحياة، فأوحى الله إليهما أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فبات على فراشه يقيه بنفسه، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فكان جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرائيل ينادي: بخ بخ، من مثلك يابن أبي طالب، الله عز وجل يباهي بك الملائكة فأنزل الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)([20]))([21]).
أقول: لقد أوردت الحديث بتمامه كي يطلع القارئ على تطابق المتن مع ما أورده أهل العلم بالحديث والسير في مصنفاتهم، وان هذا الحديث له إسناد آخر أورده الحاكم الحسكاني عن أبي سعيد الخدري في حين كان للحديث إسناد آخر إلى أبي اليقظان عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
3. أبو حامد الغزالي (المتوفى سنة 505هـ) أورد الحديث بدون ذكر السند وهو طابعه في إيراد الأحاديث في الأحياء غالباً([22]).
4. الفخر الرازي، إمام المفسرين عند أهل السنة والجماعة (المتوفى سنة 606 هـ) وقد أورد الحديث بحذف السند مع اختصار في المتن([23]).
5. الحافظ ابن الأثير (المتوفى سنة 630 هـ) وقد اسند الحديث إلى الثعلبي المفسر([24]).
6. الحافظ محمد بن أحمد بن الشهاب الدمشقي (المتوفى سنة 871 هـ) وقد أورده في جواهره نقلاً عن الغزالي([25]).
7. المؤرخ اليعقوبي (المتوفى سنة 292 هـ)([26])، رواه في تاريخه.
8. إبن حجة الحموي (المتوفى سنة 767 هـ)([27])، وقد أورده في الثمرات.
9. العاصمي([28]) المكي الشافعي (المتوفى سنة 1111هـ) وقد أورده في تاريخه سمط النجوم.
10. الدياربكري (المتوفى 966 هـ)([29])، وقد أورده في تاريخه.
11. الزبيدي الحنفي([30])، وأورده في الإتحاف.
12. القاضي التنوخي (المتوفى سنة 327 هـ)([31])، وقد أورده في المستجاد.
13. الحافظ أبو الفضل زين الدين العراقي (المتوفى سنة 806 هـ) شيخ ابن حجر والهيثمي، قال في تخريجه لأحاديث الاحياء حينما تناول الحديث المذكور أعلاه: (رواه احمد مختصراً عن ابن عباس).
ولم يقم الحافظ العراقي بتكذيب الحديث كما كذب ابن تيمية على المسلمين فقال: كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير([32]).
14. ابن الصباغ المالكي (المتوفى سنة 855)([33])، وقد رواه في الفصول.
15. القندوزي (المتوفى سنة 1294 هـ)([34])، وقد رواه في الينابيع.
فهؤلاء جميعاً قد رووا الحديث في كتبهم فإما انهم ليسوا من أهل العلم وإما ان ابن تيمية كذب عليهم؛ وإما ان أهل العلم لم يتفقوا أصلاً في هذا الحديث ومن ثم يكون ابن تيمية كاذباً أيضاً.
فضلاً عن ذلك فقد اعتمد ابن تيمية طريقة شيطانية ماكرة، فقد مكر في الجمع بين سبب نزول الآية المباركة في علي بن أبي طالب عليه السلام، مع هذا الحديث الذي ينص على نزول الملائكة لنصرته ليرد الآية عن علي عليه السلام حينما جعل سبب النزول محصوراً في نزول جبرائيل وميكائيل ليلة المبيت على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس في قيام علي عليه السلام في فداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه كي ينصرف ذهن القارئ أو السامع إلى أن هذه الآية ليست من الآيات التي تتحدث عن فداء علي للنبي بنفسه، فضلاً عن نفي الحادثة من الأصل، لكن فات على ابن تيمية أن هذا المكر لا يصمد أمام مكر الله تعالى بالذين كذبوا بآيات الله والذين يصدون عن سبيله فسرعان ما يفضحهم ويخزيهم في الحياة الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
..........................................................
المسألة الأولى: عرض الشبهة وبيانها وتعيين مرتكزاتها الواهية
إن مما يستوقف الباحث في السيرة النبوية هو مروره بآراء كثيرة لمن كتبوا في سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لا تنسجم مع جوهر القرآن الكريم فضلاً عن أنها مخالفة للمنهج العلمي والموضوعي.بل: ليجد الباحث ان كثيراً من هذه الآراء ليس فقط انها تخالف المنهج العلمي والموضوعي وإنما فيها تعمد الكذب فيكون صاحب هذا الرأي قد جمع الجهل في المنهج الأخلاقي والعلمي والموضوعي.
ومن هذه الأمثلة التي حوت بين جنباتها هذا النموذج من الآراء، هو قول الحلبي ــ صاحب السيرة النبوية ــ في رده لفضيلة الفداء التي اختص بها علي بن أبي طالب عليه السلام ليلة المبيت في فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دار خديجة فيقول بعد استشهاده بقول إمامه ابن تيمية: (وأما ما روي أن الله تعالى أوحى إلى جبرائيل وميكائيل إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختار كلاهما الحياة فأوحى الله إليهما ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فبات على فراشه ليفديه بنفسه ويؤثره بالحياة اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فنزلا فكان جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه فقال: جبرائيل بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب باهى الله بك الملائكة وأنزل الله عز وجل: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)([1]). قال فيه الإمام ابن تيمية: إنه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير).
وأيضاً ــ والقول للحلبي ــ: (قد حصلت له الطمأنينة بقول الصادق له لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم فلم يكن فيه فداء بالنفس ولا إيثار بالحياة، والآية المذكورة في سورة البقرة هي مدنية باتفاق، وقد قيل إنها نزلت في صهيب لما هاجر، أي كما تقدم؛ لكنه في الإمتاع لم يذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: ما ذكر، وعليه: فيكون فداؤه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه واضحاً ولا مانع من تكرر نزول الآية في حق علي وفي حق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وفي حق صهيب بمعنى اشترى نفسه بماله هذه الآية بمكة لا يخرج سورة البقرة عن كونها مدنية لأن الحكم يكون للغالب)([2]).
وهذه الشبهة التي أطلقها الحلبي والتي تضمنت رأي إمامه ابن تيمية وتبنيه لهذا الرأي فهي مخالفة للمنهج الأخلاقي والقرآني والعلمي كما سيمر بيانه خلال المباحث والمسائل في هذا الفصل، ولكن قبل المضي في ذلك نحدد مرتكزات هذه الشبهة الواهية، وهي كالآتي:
1 ــ إن حديث نزول جبرائيل وميكائيل لحفظ الإمام علي عليه السلام قال فيه ابن تيمية كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير.
2 ــ قد حصل له الطمأنينة بقول الصادق له لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم فلم يكن فيه فداء بالنفس ولا إيثار بالحياة.
3 ــ إن الآية المذكورة: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)([3]). في سورة البقرة هي مدنية باتفاق.
4 ــ أنها نزلت في صهيب لما هاجر فيكون فداؤه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه واضحاً.
5 ــ لا مانع من تكرار نزول الآية في حق علي وفي حق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وفي حق صهيب بمعنى اشترى نفسه بماله.
6 ــ هذه الآية بمكة لا يخرج سورة البقرة عن كونها مدنية لأن الحكم يكون للغالب.
المسألة الثانية: اتفاق أهل العلم بالحديث والسير على صدور حديث نزول الملائكة لحفظ الإمام علي عليه السلام في ليلة المبيت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبه يتضح كذب ابن تيمية
إن ما أطلقه ابن تيمية وتبناه الحلبي إتماماً بإمامته فهو كذب صراح ومخالف للأخلاق؛ لأن الكذب من أسوأ صفات الإنسان على أي دين كان وذلك لما يأتي:ألف: كيف حصل ابن تيمية على العلم باتفاق أهل العلم بالحديث والسير
فابن تيمية لم يوضح للقارئ كيف حصل له العلم بأن (أهل العلم بالحديث والسير قد اتفقوا على ان هذا الحديث كذب).فهل سافر إلى جميع أقطار المسلمين وسأل أهلها عن العلماء فالتقى بهم وسألهم عن هذا الحديث فقالوا له انه كذب؟ فإن قيل: نعم، فهذا هو الكذب لأن ابن تيمية سيقضي عمره كله بالسفر إلى أقطار المسلمين يبحث عن أهل العلم بالحديث وعندها لن يستطيع ان يجمع لنا أقوالهم ولن ولم يحصل على اتفاقهم وان قيل: لا فهذا إقرار بأنه كاذب في قوله: بأن أهل العلم قد اتفقوا.
باء: لم يقدم ابن تيمية القاعدة في تحديد أهل العلم
ما هو الميزان الذي اعتمده ابن تيمية في تحديد أهل العلم كي نتعرف عليهم ونصدّق قول ابن تيمية في انهم من أهل العلم؛ فإبليس من أهل العلم، ولذا قال لله رب العالمين: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)([4]).فعلم إبليس بالصراط المستقيم يمكنه من تضليل الناس عنه، بل إن إبليس أعلم من ابن تيمية بالصراط المستقيم ولذا فهو سبب ضلال البشرية منذ ان أدخل آدم وحواء الجنة.
كما ان كعب الأحبار من أهل العلم بالحديث، بل ان كل فرقة من المسلمين تعتقد بأن أئمتها وزعماءها هم من أهل العلم بالحديث ولذا فهم يعتقدون بأنهم الفرقة الناجية من هذه الأمة فعلى سبيل المثال: «يعتقد الخوارج أنهم من الناحية الدينية يمثلون الفئة القليلة التي لا تقبل في الحق مساومة، وأن زعماءهم من جماعة القراء والفقهاء وهم الحريصون على الالتزام بالكتاب والسنة دون مواربة أو تأويل»([5]) ولا أدري أي كتاب أو سنة تجيز قتل علي بن أبي طالب عليه السلام؟!
ولذلك: لم يصرح ابن تيمية بالقاعدة أو الضوابط التي لديه في معرفة أهل العلم كي نعتقد بأنه ينطبق عليهم هذا الوصف وكي نأخذ بكلامه.
جيم: أين مواضع هذا الاتفاق الذي ادعاه ابن تيمية عند أهل العلم؟
ثم لماذا لم يرشدنا إلى مواضع اتفاق أهل العلم ويدلنا على أقوالهم أكان مدوناً في مصنفاتهم أم تحديثا في حلقاتهم فسمعه ابن تيمية من تلامذتهم؟ فعلم أنه كذب؟دال: أي قسم من أهل العلم في هذه الأمة بتعدد فرقها علم بقولهم ابن تيمية
أما أهل العلم بالحديث الذين أقرت لهم الأمة الإسلامية فهم قسمان:
القسم الأول: فهم علماء الشيعة الذين لا يرى فيهم ابن تيمية ومن اتخذه إماماً له بأنهم من أهل العلم إلا إننا نؤمن بأنهم من أهل العلم على رغم أنف ابن تيمية ومن تولاه إذ يكفي ثبوت صدقهم عندنا كثبوت كذب ابن تيمية.
وأما القسم الثاني: فهم علماء السنة والجماعة وهؤلاء اتفقوا على كذب ابن تيمية الذي نسب إليهم ما لم ينطقوا به وتقوّل عليهم ما لم يقولوا، وكي نثبت للقارئ كذب ابن تيمية في قوله حول حديث نزول جبرائيل وميكائيل عليهما السلام لحفظ علي بن أبي طالب حينما فدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه.
الذي قال عنه ابن تيمية: (إنه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير) فهؤلاء أهل العلم بالحديث والسير ندرجهم بأسمائهم كي يتضح كذب ابن تيمية.
وقبل ان نورد أسماء أهل العلم نذكّر القارئ الكريم بأنّنا في صدد الحديث القائل بنزول الملائكة في ليلة مبيت الإمام علي عليه السلام، وليس في اختصاص الآية في علي عليه السلام وحصرها فيه فهذا سيرد بيانه.
أولا: رواية أهل العلم بالحديث والسير في مدرسة العترة النبوية لنزول جبرائيل وميكائيل لحفظ علي عليه السلام ليلة المبيت
1. الحافظ ابن عقدة الكوفي رحمه الله (المتوفى سنة 333هـ) وقد رواه بإسناده، عن ابن عباس، وأبي رافع ــ مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ــ وهند بن أبي هالة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل إني آخيت بينكما...»([6]).2. أخرجه الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه (المتوفى سنة 460 هـ) في الأمالي بإسناده فقال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال حدثنا أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي سنة خمسين ومائتين، قال حدثني الحسن بن حمزة أبو العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، عن الزبير بن سعيد الهاشمي، قال: حدّثنيه أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر رضي الله عنه بين القبر والروضة، عن أبيه وعبيد الله بن أبي رافع جميعاً عن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) وأبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال أبو عبيدة: وحدثنيه سنان بن أبي سنان: أن هند بن هند بن أبي هالة الأسدي حدثه عن أبيه هند بن أبي هالة ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمه خديجة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخته لأمه فاطمة صلوات الله عليها.
قال أبو عبيدة: وكان هؤلاء الثلاثة هند بن هالة وأبو رافع وعمار بن ياسر جميعاً يحدثون عن هجرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة وبيته قبل ذلك على فراشه([7]).
أقول: أما حديث نزول الملائكة لحراسة علي بن أبي طالب عليه السلام ليلة المبيت فقد حدّث به الصحابي المنتجب أبو اليقظان عمار بن ياسر كما صرح به الشيخ الطوسي في الصفحة 469 من أماليه.
وأما ما قاله أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر: «وحدثنيه سنان بن أبي سنان: أن هند بن هند بن أبي هالة الأسدي حدثه عن ابيه هند بن أبي هالة ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمه خديجة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخته لأمه فاطمة صلوات الله عليها.
فقد أثبتنا في الفصل الأول من كتابنا: (خديجة بنت خويلد أمّة جمعت في امرأة) عدم صحة زواج أم المؤمنين خديجة عليها السلام قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وان هند هذا هو ابن اختها احتضنته أم المؤمنين خديجة وتكفلت برعايته فنشأ في دارها حاله كحال زينب وأم كلثوم ورقية، فعرف بابنها كما عرفت هؤلاء النسوة ببناتها ــ وقد مرّ بيانه مفصلاً فليراجع ــ([8]).
3. الحافظ ابن شهر آشوب المازندراني (المتوفى سنة 588 هـ)
قال: الثعلبي في تفسيره، وابن عقب في ملحمته، وأبو السعادات في فضايل العترة، والغزالي في الأحياء وفي كيمياء السعادة أيضاً برواياتهم عن أبي اليقظان، وجماعة من أصحابنا ومن ينتمي إلينا نحو: ابن بابويه، وابن شاذان، والكليني، والطوسي، وابن عقدة، والبرقي، وابن فياض، والعبدلي، والصفواني، والثقفي بأسانيدهم عن أبن عباس وأبي رافع وهند بن أبي هالة... وساق الحديث»([9]).
أقول: الظاهر في كلام ابن شهر رحمه الله أمور منها:
1. أنه قد جمع في قوله هذا اختصاص آية الفداء والشراء في علي بن أبي طالب عليه السلام بشكل عام وبين إيرادها مع ذكر نزول الملائكة عليهم السلام، إذ إن اختصاص الآية بعلي عليه السلام رواها العلماء عن ابن عباس كما سيمر، واختصاص نزول الملائكة رواه العلماء عن أبي اليقظان عمار بن ياسر (رضي الله تعالى عنه).2. قد يكون الحافظ ابن شهر آشوب قد وجد هذا الحديث في مصنفات أولئك العلماء في زمانه وان هذه المصنفات لم تنشر بعد فهي مازالت في أروقة حصائن المخطوطات المنتشرة في البلاد الإسلامية، وفي الواقع لم أعثر على الحديث فيما توفر من نشر لبعض مصنفات ابن بابويه رحمه الله وغيره.
3. وقد يكون الحافظ قد وجد هذا الحديث في ضمن مصنفات علماء العامة الذين ذكرهم الا ان هذه المصنفات قد تعرضت للحذف والتزوير بعد مرور أكثر من ثمانمائة عام كما حدث لصحيح مسلم من التزوير كما أشرنا في مبحث منزلة خديجة في السنة وانها من رواة الحديث الشريف.
وعليه: فغرضنا إيراد أسماء أهل العلم بالحديث والسير من علماء الشيعة رحمهم الله تعالى.
قال رحمه الله: «قال الثعلبي بعد كلام ذكره: ففعل ذلك علي عليه السلام فأوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل عليهما السلام...»([10]).
5. الشيخ الطبرسي رحمه الله (المتوفى 548 هـ) وقد أورد الرواية في المجمع([11]).
6. الحافظ ابن كرامة رحمه الله (المتوفى 494هـ) وقد رواه في التنبيه([12]).
7. الحافظ ابن البطريق رحمه الله (المتوفى سنة 600 هـ)([13]).
8. الحافظ ابن أبي حاتم رحمه الله (المتوفى سنة 664 هـ)([14]).
9. الحافظ ابن جبر رحمه الله (من أعلام القرن السابع للهجرة)([15]).
10. الشيخ الحر العاملي رحمه الله تعالى صاحب الوسائل المتوفى سنة 1104 رواه في جواهره([16]).
11. السيد هاشم البحراني رحمه الله (المتوفى سنة 1107 هـ)([17]).
12. العلامة المجلسي رحمه الله (المتوفى 1111هـ)([18]).
وغيرهم من العلماء رحمهم الله تعالى.
ثانياً: رواية أهل العلم بالحديث والسير من مدرسة الخلافة لنزول جبرائيل وميكائيل لحفظ الإمام علي عليه السلام ليلة مبيته على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم
1. الثعلبي (المتوفى سنة 427 هـ) قائلاً: «ورأيت في الكتب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده... إلى أن يقول: فأوحى الله تعالى إلى جبرائيل وميكائيل عليهما السلام وساق الحديث»([19]).
أقول: وقول الثعلبي: (ورأيت في الكتب).
دليل قوي على انتشار هذا الحديث في مصنفات علماء المسلمين إلا ان يد السياسة الجائرة والمتزلفة لحكام بني أمية ومن سار على نهجهم منعت وصول هذا الحديث إلى اسماع كثير من الناس وفضلاً عن هذا الحديث وغيره مما يتعلق بفضائل أهل البيت عليهم السلام ما زال محجوباً عن الناس ومخزوناً في المخطوطات التي يتعمد أرباب المكاتب العامة والمشرفون عليها عدم إخراجها للنور ناظرين في ذلك إلى الجانب المادي وما غلا سعره دون النظر إلى ما ينفع الناس والذي فيه رضا الله تعالى.
2. الحاكم الحسكاني (من أعلام القرن الخامس للهجرة) أخرجه في الشواهد مسندا، فقال: أخبرنا أبو سعد السعدي بقراءتي عليه من أصل سماعه بخط السلمي قال: حدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن زكريا الطحان ببغداد قال: حدثنا إبراهيم بن احمد البذوري قال: حدثنا أبو أيوب سليمان بن أحمد الملطي قال: حدثنا سعيد بن عبد الله الرفاء قال: حدثنا علي بن حكام الرازي عن شعبة عن أبي سلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد الغار، بات علي بن أبي طالب على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل: إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأوحى الله إليهما فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟
فكلاهما اختارها وأحبا الحياة، فأوحى الله إليهما أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فبات على فراشه يقيه بنفسه، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فكان جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرائيل ينادي: بخ بخ، من مثلك يابن أبي طالب، الله عز وجل يباهي بك الملائكة فأنزل الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)([20]))([21]).
أقول: لقد أوردت الحديث بتمامه كي يطلع القارئ على تطابق المتن مع ما أورده أهل العلم بالحديث والسير في مصنفاتهم، وان هذا الحديث له إسناد آخر أورده الحاكم الحسكاني عن أبي سعيد الخدري في حين كان للحديث إسناد آخر إلى أبي اليقظان عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
3. أبو حامد الغزالي (المتوفى سنة 505هـ) أورد الحديث بدون ذكر السند وهو طابعه في إيراد الأحاديث في الأحياء غالباً([22]).
4. الفخر الرازي، إمام المفسرين عند أهل السنة والجماعة (المتوفى سنة 606 هـ) وقد أورد الحديث بحذف السند مع اختصار في المتن([23]).
5. الحافظ ابن الأثير (المتوفى سنة 630 هـ) وقد اسند الحديث إلى الثعلبي المفسر([24]).
6. الحافظ محمد بن أحمد بن الشهاب الدمشقي (المتوفى سنة 871 هـ) وقد أورده في جواهره نقلاً عن الغزالي([25]).
7. المؤرخ اليعقوبي (المتوفى سنة 292 هـ)([26])، رواه في تاريخه.
8. إبن حجة الحموي (المتوفى سنة 767 هـ)([27])، وقد أورده في الثمرات.
9. العاصمي([28]) المكي الشافعي (المتوفى سنة 1111هـ) وقد أورده في تاريخه سمط النجوم.
10. الدياربكري (المتوفى 966 هـ)([29])، وقد أورده في تاريخه.
11. الزبيدي الحنفي([30])، وأورده في الإتحاف.
12. القاضي التنوخي (المتوفى سنة 327 هـ)([31])، وقد أورده في المستجاد.
13. الحافظ أبو الفضل زين الدين العراقي (المتوفى سنة 806 هـ) شيخ ابن حجر والهيثمي، قال في تخريجه لأحاديث الاحياء حينما تناول الحديث المذكور أعلاه: (رواه احمد مختصراً عن ابن عباس).
ولم يقم الحافظ العراقي بتكذيب الحديث كما كذب ابن تيمية على المسلمين فقال: كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير([32]).
14. ابن الصباغ المالكي (المتوفى سنة 855)([33])، وقد رواه في الفصول.
15. القندوزي (المتوفى سنة 1294 هـ)([34])، وقد رواه في الينابيع.
فهؤلاء جميعاً قد رووا الحديث في كتبهم فإما انهم ليسوا من أهل العلم وإما ان ابن تيمية كذب عليهم؛ وإما ان أهل العلم لم يتفقوا أصلاً في هذا الحديث ومن ثم يكون ابن تيمية كاذباً أيضاً.
فضلاً عن ذلك فقد اعتمد ابن تيمية طريقة شيطانية ماكرة، فقد مكر في الجمع بين سبب نزول الآية المباركة في علي بن أبي طالب عليه السلام، مع هذا الحديث الذي ينص على نزول الملائكة لنصرته ليرد الآية عن علي عليه السلام حينما جعل سبب النزول محصوراً في نزول جبرائيل وميكائيل ليلة المبيت على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس في قيام علي عليه السلام في فداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه كي ينصرف ذهن القارئ أو السامع إلى أن هذه الآية ليست من الآيات التي تتحدث عن فداء علي للنبي بنفسه، فضلاً عن نفي الحادثة من الأصل، لكن فات على ابن تيمية أن هذا المكر لا يصمد أمام مكر الله تعالى بالذين كذبوا بآيات الله والذين يصدون عن سبيله فسرعان ما يفضحهم ويخزيهم في الحياة الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
..........................................................
الهامش:
([1]) سورة البقرة، الآية: 207.
([2]) السيرة الحلبية: ج2، ص192.
([3]) سورة البقرة، الآية: 207.
([4]) سورة الأعراف، الآيتان: 16 ــ 17.
([5]) المسوعة العربية العالمية، الخوارج: ص1.
([6]) فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن عقدة الكوفي: ص181.
([7]) الأمالي للشيخ الطوسي: ص463.
([8]) خديجة بنت خويلد أمّة جُمعت في امرأة: ج1، ص88 ــ 89.
([9]) مناقب آل أبي طالب للمازندراني: ج1، ص340.
([10]) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسيد ابن طاووس: ص37؛ وذكره أيضاً في تفسير سعد السعود: ص216.
([11]) مجمع البيان في تفسير الميزان للشيخ الطبرسي: ج2، ص57.
([12]) تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين للمحسن ابن كرامة: ص24.
([13]) خصائص الوحي المبين للحافظ ابن البطريق: ص120.
([14]) الدر النظيم لابن أبي حاتم: ص321.
([15]) نهج الإيمان لابن جبر: ص305.
([16]) الجواهر السنية للحر العاملي: ص308.
([17]) حلية الأبرار: ج1، ص129.
([18]) بحار الأنوار: ج19، ص87.
([19]) تفسير الثعلبي: ج2، ص126.
([20]) سورة البقرة، الآية: 207.
([21]) شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج1، ص125، حديث رقم 133.
([22]) إحياء علوم الدين حامد الغزالي: ج3، ص258.
([23]) تفسير الرازي: ج5، ص224.
([24]) اُسد الغابة: ج4، ص25.
([25]) جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لابن الدمشقي: ج1، ص219.
([26]) تاريخ اليعقوبي: ص119.
([27]) ثمرات الأوراق لابن حجة الحموي: ج1، ص219.
([28]) سمط النجوم العوالي للعاصمي: ص146.
([29]) تاريخ الخميس: ج1، ص325، ط المطبعة ا لوهبية بمصر سنة 1283.
([30]) اتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج8، ص202، ط الميمنية بمصر.
([31]) المستجاد للقاضي التنوخي: ص1.
([32]) تخريج أحاديث الاحياء للعراقي: ج7، ص399؛ الابتلاء سنة الهية لعلي سباط: ج6، ص10؛ سبيل المستبصرين للدكتور صلاح: ج16، ص9.
([33]) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ج1، ص294.
([34]) ينابيع المودة للقندوزي: ج1، ص275، الباب الحادي والعشرون.
([1]) سورة البقرة، الآية: 207.
([2]) السيرة الحلبية: ج2، ص192.
([3]) سورة البقرة، الآية: 207.
([4]) سورة الأعراف، الآيتان: 16 ــ 17.
([5]) المسوعة العربية العالمية، الخوارج: ص1.
([6]) فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن عقدة الكوفي: ص181.
([7]) الأمالي للشيخ الطوسي: ص463.
([8]) خديجة بنت خويلد أمّة جُمعت في امرأة: ج1، ص88 ــ 89.
([9]) مناقب آل أبي طالب للمازندراني: ج1، ص340.
([10]) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسيد ابن طاووس: ص37؛ وذكره أيضاً في تفسير سعد السعود: ص216.
([11]) مجمع البيان في تفسير الميزان للشيخ الطبرسي: ج2، ص57.
([12]) تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين للمحسن ابن كرامة: ص24.
([13]) خصائص الوحي المبين للحافظ ابن البطريق: ص120.
([14]) الدر النظيم لابن أبي حاتم: ص321.
([15]) نهج الإيمان لابن جبر: ص305.
([16]) الجواهر السنية للحر العاملي: ص308.
([17]) حلية الأبرار: ج1، ص129.
([18]) بحار الأنوار: ج19، ص87.
([19]) تفسير الثعلبي: ج2، ص126.
([20]) سورة البقرة، الآية: 207.
([21]) شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج1، ص125، حديث رقم 133.
([22]) إحياء علوم الدين حامد الغزالي: ج3، ص258.
([23]) تفسير الرازي: ج5، ص224.
([24]) اُسد الغابة: ج4، ص25.
([25]) جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لابن الدمشقي: ج1، ص219.
([26]) تاريخ اليعقوبي: ص119.
([27]) ثمرات الأوراق لابن حجة الحموي: ج1، ص219.
([28]) سمط النجوم العوالي للعاصمي: ص146.
([29]) تاريخ الخميس: ج1، ص325، ط المطبعة ا لوهبية بمصر سنة 1283.
([30]) اتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج8، ص202، ط الميمنية بمصر.
([31]) المستجاد للقاضي التنوخي: ص1.
([32]) تخريج أحاديث الاحياء للعراقي: ج7، ص399؛ الابتلاء سنة الهية لعلي سباط: ج6، ص10؛ سبيل المستبصرين للدكتور صلاح: ج16، ص9.
([33]) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ج1، ص294.
([34]) ينابيع المودة للقندوزي: ج1، ص275، الباب الحادي والعشرون.
إرسال تعليق