كيف كان يتعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع السبايا؟

بقلم: السيد نبيل الحسني

تكشف لنا النصوص التاريخية الأسلوب الذي كان يتعامل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع السبايا هذا الأسلوب المتميز يظهر خصائص كثيرة، منها:

1ــ التغيير الجذري للطبقية الاجتماعية.

2ــ إظهار الرحمة والعطف على المرأة المسبية.

3ــ حفظ الحقوق الإنسانية.
4ـ العفو سمة ملازمة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وغيرها من الخصائص التي رافقت هذه المشاهد التاريخية، فكان منها:

أولاً: تعامله صلى الله عليه وآله وسلم مع جويرية بنت الحارث


ترجم ابن سعد في الطبقات لها قائلاً: (عن عائشة قالت: أصاب رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ نساء بني المصطلق فأخرج الخمس منه ثم قسمه بين الناس فأعطى الفرس سهمين والرجل سهما، فوقعت جويرية بنت الحارث ابن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، وكانت تحت ابن عم لها يقال له صفوان بن مالك بن جذيمة ذو الشفر فقتل عنها، فكاتبها ثابت بن قيس على نفسها على تسع أواق، وكانت امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه.

فبينا النبي، صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم، عندي إذ دخلت عليه جويرية تسأله في كتابتها، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي، صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم، وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت.

فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من الأمر ما قد علمت فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على تسع أواق، فأعني في فكاكي، فقال: «أو خير من ذلك؟».

فقالت: ما هو؟ فقال: «أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك».

قالت: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله: «قد فعلت».

وخرج الخبر إلى الناس فقالوا: أصهار رسول الله، صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم، يسترقون! فأعتقوا ما كان في أيديهم من سبي بني المصطلق فبلغ عتقهم مائة أهل بيت بتزويجه إياها، فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها، وذلك منصرفه من غزوة المريسيع.

أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا منصور بن أبي الأسود وسفيان بن عيينة عن زكريا عن الشعبي قال: كانت جويرية من ملك اليمين فأعتقها رسول الله، صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم، وتزوجها)[1].

أقول: الرواية واضحة الدلالة على غيرة عائشة من كل امرأة فيها جمال لدرجة الخوف من دخول أم المؤمنين جويرية عليه، وهذا فضلاً عن التعريض بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي تصفه الرواية بأنه سريع الانجذاب للمرأة الجميلة كما تصف عائشة. في حين أن النبي لم يطلب منها الزواج ولم يعرض عليها ذلك بل أبوها الذي افتداها كما افتدى بنو المصطلق نساءهم من المسلمين فلم تبقَ امرأة مسبية، كما يدل عليه ما رواه ابن سعد أيضاً:

فقال: أخبرنا محمد بن عمر حدثنا عبد الله بن أبي الأبيض مولى جويرية عن أبيه قال: سبى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني المصطلق فوقعت جويرية في السبي فجاء أبوها فافتداها ثم أنكحها رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ بعد[2].

وفي لفظ آخر يكشف كيفية تعامل رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ مع السبايا، فيقول ابن سعد:

(وكان السبي منهم من منّ عليه رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ بغير فداء، ومنهم من افتدي، فافتديت المرأة والذرية بسبب فرائض وقدموا المدينة ببعض السبي فقدم عليهم أهلوهم فافتدوهم فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها)[3].

ثانيا: تعامله صلى الله عليه وآله وسلم مع عمة عدي بن حاتم لما سباها المسلمون


وهذا مشهد آخر من مشاهد الرحمة والعفو الذي كان يتفجر من جوانح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما سبى المسلمون امرأة من أرض الشام.

قال الطبراني وهو يروي عن الشعبي عن عدي بن حاتم، قال: (لما قدم النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ المدينة وهاجر إليها جعل يبعث السرايا فلا يزال إبل قوم قد أغارت عليها خيلة فلما رأيت ذلك قلت والله لو خلفت إجمالا من ابلي فكانت تكون قريبا فوالله ما شعرت ذات يوم إذ راعي الإبل قد جاء يعدو بعصاه قلت: ويلك ما لك، قال: أغير والله على النعم، قلت: من أغار عليها، قال: خيل محمد، قلت: لنفسي هذا الذي كنت أحذر فوثبت أرحل اجمالي أنجو بأهلي وكنت نصرانيا ولي عمة فدخلت فقلت: ما ترى يصنع بها وحملت امرأتي وجاءتني عمتي فقالت: يا عدي أما تتقي الله أن تنجو بامرأتك وتدع عمتك فقلت ما عسى ان يصنعوا بها امرأة قد خلي من سنها فمضيت ولم التفت إليها حتى وردت الشام فانتهيت إلى قيصر وهو يومئذ بحمص فقلت: اني رجل من العرب وأنا على دينك وان هذا الرجل ليتناولنا فكان المفر إليك.

قال اذهب فأنزل مكان كذا وكذا حتى نرى من رأيك فذهبت فنزلت المكان الذي قال لي فكنت به حينا فبينا أنا ذات يوم إذا أنا بظعينة متوجهة إلينا حتى انتهت إلى بيوتنا فإذا هي عمتي فقالت لي: يا عدي أما اتقيت الله أن نجوت بامرأتك وتركت عمتك قلت قد كان ذلك فأخبرينا ما كان بعدنا، قالت: إنكم لما انطلقتم أتتنا الخيل فسبونا وذهب بي في السبي حتى انتهيت إلى المدينة وكنا في ناحية من المسجد فمر علينا رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم عند القائلة وخلفه رجل يتبعه وهو علي بن أبي طالب فأومأ إلي ذلك الرجل أن كلميه فهتفت به فقلت: يا رسول الله هلك الولد وغاب الوافد فمنّ علي منّ الله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم: «ومن وافدك».

قلت عدي بن حاتم، قال: «الذي فر من الله ورسوله».

ثم مضى ولم يلتفت إلي حتى كان الغد فمر بي نحو تلك الساعة وخلفه ذلك الرجل فأومأ إلي أن كلميه فهتفت به فقلت: يا رسول الله هلك الولد وغاب الوافد فمنّ علي منّ الله عليك، قال: «ومن وافدك».

قلت عدي بن حاتم الطائي، قال: «الذي فر من الله ورسوله».

ولم يلتفت إلي فلما كان اليوم الثالث نحوا من تلك الساعة مر وخلفه ذاك يعني عليا فأومأ أن كلميه فأومأت إليه بيدي أن قد كلمته مرتين فأومأ كلميه أيضا فهتفت به فقلت: يا رسول الله هلك الولد وغاب الوافد فمنّ علي منّ الله عليك، قال: «ومن وافدك».

قلت عدي بن حاتم، قال: «الذي فر من الله ورسوله».

ثم قال: «اذهبي فأنت حرة لوجه الله عز وجل فإذا وجدت أحدا يأتي أهلك فأخبرينا نحملك إلى أهلك».

قالت: فانطلقت فإذا أنا برفقة من تنوخ يحملون الزيت فباعوا زيتهم وهم يرجعون فحملني على هذا الجمل وزودني.

قال عدي ثم قالت لي عمتي: أنت رجل أحمق أنت قد غلبك على شرفك من قومك من ليس مثلك ائت هذا الرجل فخذ بنصيبك، فقلت: وإنه لقد نصحت لي عمتي فوالله لو أتيت هذا الرجل فإن رأيت ما يسرني أخذت وان رأيت غير ذلك رجعت وكنت أضن بديني فأتيت حتى وصلت المدينة في غير جوار فانتهيت إلى المسجد فإذا أنا فيه بحلقة عظيمة ولم أكن قط في قوم إلا عرفت فلما انتهيت إلى الحلقة سلمت فقال لي رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم: «من أنت».

قلت: أنا عدي بن حاتم الطائي، وكان أعجب شيء إليه أن يسلم عليه أشراف العرب ورؤوسهم، فوثب من الحلقة فأخذ بيدي فوجه بي إلى منزله فبينا هو يمشي معي إذ نادته امرأة وغلام معها يا رسول الله إن لنا إليك حاجة فخلوا به قائما معهما حتى أويت له من طول القيام قلت في نفسي أشهد أنك بريء من ديني ودين النعمان بن المنذر وإنك لو كنت ملكا لم يقم معه صبي وامرأة طول ما أرى فقذف الله في قلبي له حبا حتى انتهيت إلى منزله فألقى إلي وسادة حشوها ليف فقعدت عليها وقعد هو على الأرض فقلت: في نفسي وهذا، ثم قال لي:

«ما أفرك من المسلمين إلا أنك سمعتهم يقولون لا إله إلا الله وهل من إله إلا الله وما أفرك من المسلمين إلا انك سمعتهم يقولون الله أكبر فهل تعلم شيئا هو أكبر من الله عز وجل».

فلم يزل حتى أسلمت وأذهب الله عز وجل ما كان في قلبي من حب النصرانية)[4].

ثالثا: تعامله صلى الله عليه وآله وسلم مع سبايا اليهود


لم يزل حبيب الرحمان صلى الله عليه وآله وسلم يغدق الناس بالرحمة ويحنو على الضعاف لاسيما المرأة والطفل دون النظر إلى العرق أو اللون أو المعتقد.

فها هو يرحم سبايا اليهود ويؤنّب بلالاً لأنه مرّ بامرأتين يهوديتين على قتلاهما في فتح خيبر ليجل التاريخ أعظم المشاهد الإنسانية في تاريخ الأمم وحضارات الشعوب.

روى المجلسي رحمه الله في فتح خيبر: (وأخذ علي فيمن أخذ صفية بنت حيي، فدعا بلال فدفعها إليه وقال له: لا تضعها إلا في يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يرى فيها رأيه، فأخرجها بلال ومرّ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على القتلى وقد كادت تذهب روحها جزعاً.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أنزعت منك الرحمة يا بلال؟».

ثم اصطفاها ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ لنفسه ثم أعتقها وتزوّجها)[5].

ويروي ابن إسحاق جانباً من هذا المشهد فيقول: (لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حصن ابن أبي الحقيق أتي بصفية ابنة حيي ومعها ابنة عم لها جاء بها بلال فمرّ بهما على قتلى من اليهود فلما رأتهم التي مع صفية صكت وجهها وصامت وحثت التراب على رأسها.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم غربوا هذه الشيطانة عني وأمر بصفية خلفه وغطى عليها ثوبه فعرف به الناس أنه اصطفاها لنفسه وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبلال حيث رأى من اليهودية ما رأى: «يا بلال نزعت منك الرحمة حين تمر بامرأتين على قتلاهما»)[6].

وبعد هذه الشواهد من الرحمة والإنسانية التي يرويها التاريخ عن سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يكون حاله مع المرأة المسلمة التي تضام وتهان وتذل بما لم تذل به نساء اليهود والديلم؟!

والسؤال الذي يفرض نفسه في البحث: إذا كان نبي الإسلام هكذا يتعامل مع اليهود والمشركين، فكيف يكون حاله وهو يرى بناته سبايا بأيدي المسلمين؟ قد قتلوا أبناءهن وإخوانهن وأزواجهن ونهبوا حجابهن وحليهن وربطوهنّ بالحبال وساقوهن بالسياط؟!!!

لعل الجواب معلوم لدى أصحاب الضمائر الحية، أما من مات ضميره فلن يسأل عن شيء.

ــــــــــــــــــــــــ
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد: ج8، ص116.
[2] المصدر نفسه.
[3] الطبقات الكبرى لابن سعد: ج2، ص64.
[4] الأحاديث الطوال للطبراني: ص14 ــ 16.
[5] البحار للمجلسي: ج21، ص22.
[6] سيرة ابن إسحاق: ج5، ص246.

إرسال تعليق