نقض العهد في كلمات الإمام الحسين عليه السلام

بقلم: الشيخ علي الفتلاوي

قال الإمام الحسين عليه السلام في إحدى خطبه الشريفة:
(وَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَنَقَضْتُمْ عَهْدَكُمْ، وَخَلَعْتُمْ بَيْعَتِي مِنْ أعْناقِكُم، فَلَعَمْري مَاهِي لَكُمُ بنُكْرٍ، لقد فَعَلتُموها بِأبِي وَأخِي وابْنِ عَمِّي مُسْلِمٍ، والمَغْرُور مِنْ اغَتَرَّ بِكُمْ، فَحَظَّكُمْ أخْطَأتُمْ، وَنَصيبَكُمْ ضَيَّعْتُمْ، وَمَنْ نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، وَسَيُغْنِي اللهُ عَنْكُمْ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ).

ورد ذكر الوفاء بالعهد في القرآن الكريم وجاء بعنوان صفة لعباد الله تعالى الصالحين كما في قوله تعالى: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا)[1].

كما ذكرت آيات أخرى العهد بمفردات تدل معناها عليه كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)[2].
أو قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[3].

ولقد أكد ذلك الإمام الصادق عليه السلام (لَمّا سُئِلَ عَنْ قولِهِ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ([4]).بقوله: «العهود»)[5].

ووردت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث كثيرة تحثّ على وجوب الالتزام بالعهد كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ دِينَ لِمَن لاَ عَهْدَ لَهُ»[6].

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر: «حُسْنُ العَهْدِ مِنَ الإيمانِ»[7].

وأشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى الالتزام بالعهد والوفاء به فهو مما يقرب العبد إلى ربه ومما يُنجي يوم القيامة، وأمّا نقض العهد فيؤدي إلى عاقبة وخيمة في الدنيا والآخرة كما في قوله عليه السلام: «إنَّ العُهودَ قَلاَئِدُ في الأعْناقِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، فَمَنْ وَصَلَها وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ نَقَضَها خَذَلَهُ اللهُ، وَمَنْ استَخَفَّ بِها خاصَمَتَهُ إلَى الّذي أكَّدَها وأخَذَ خَلْقَهُ بِحِفْظِها»[8].

وعهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى العامل على مصر مالك الأشتر مشهور ولا ينسى، فلقد ذكر فيه وجوب الوفاء بقوله: (فُحطْ عهدك بالوفاء.... الخ)، وحيث إن العهد يتجسد في العقد والذمة بين شخص وآخر نجد أمير المؤمنين عليه السلام يؤكد على ذلك بقوله: «وإنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وبَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً، أوْ ألْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً، فَحُطْ عَهْدَكَ بِالوَفاءِ، وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالأمانَةِ، وَاجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دونَ ما أعْطَيْتَ؛ فَإنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرائِضِ اللهِ شَيْءٌ النّاسُ أشَدُّ عَلَيْهِ اجتِماعاً ــ مَعَ تَفَرُّقِ أهْوائِهِم، وتَشَتُّتِ آرائِهِمْ ــ مِنْ تَعْظيمِ الوَفاءِ بِالعُهودِ وَقَدْ لَزِمَ ذلِكَ المُشْرِكُونَ فيما بَيْنَهُمْ دونَ المُسْلِمينَ لِما استَوْبَلوا مِنْ عَواقِبِ الغَدْرِ، فَلاَ تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ، وَلاَ تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ، وَلاَ تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ»[9].

فإن لنقض العهد عواقب سيئة في الدنيا وهي السقوط في الذلة والخسران أمام الأعداء كما في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذَا نَقَضوا العَهْدَ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ»[10].

وعواقب وخيمة في الآخرة وهي أن يكون خصماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة فيخصم كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ألاَ مَنْ ظَلَمَ مُعاهَداً، أوِ انْتَقَصَهُ، أو كَلَّفَهُ فَوْقَ طاقَتِهِ، أو أخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَأنا حَجيجُه يَوْمَ القِيامَةِ»[11].

وعهد الله تعالى أولى بالوفاء وأولى بالصيانة من أي شيء آخر فلذا ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام ذمٌّ لمن لم يصن عهد الله تعالى ولم يف به كما في قوله عليه السلام: «ما أيْقَنَ بِاللهِ مَنْ لَمْ يَرْعَ عُهودَهُ وَذِمَّتَهُ»[12].

وكذلك جاء على لسان أمير المؤمنين عليه السلام مدحٌ لمن وفى بعهده أو أن هذا الوفاء من الخصال الجيدة والفضائل الرشيدة كما صرح به في قوله: «واعِياً لِوَحْيِكَ، حافِظاً لِعَهْدِكَ، ماضِياً عَلى نَفاذِ أمْرِكَ»[13].

ولأن الوفاء بالعهد من القيم الأخلاقية العالية والفضائل العظيمة صار لابد من الدفاع عنها وإلاّ استحق من لم يدافع عنها اللوم والذم كما استحقه بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام كما في قوله عليه السلام: «وَقَدْ تَرَوْنَ عُهودَ اللهِ مَنْقُوضَةً، فَلاَ تَغْضَبونَ، وَأنْتُمْ لِنَقْضِ ذِمَمِ آبائِكُمْ تَأنَفُونَ!»[14].

وفي هذا الحديث حث على الوفاء بالعهد حتى لغير المسلمين بل حتى لمن كان عاصياً فاجراً.

قال الإمام الباقر عليه السلام: «ثَلاثٌ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لأَحَدٍ فيهِنَّ رُخْصَة: أداءُ الأمانَةِ إلَى البَرِّ وَالفاجِرِ، والوَفاءُ بِالعَهْدِ لِلبَرِّ وَالفاجِرِ، وبِرُّ الوالِدَيْنِ بَرَّيْنِ كانا أو فاجِرَيْنِ»[15].


ـــــــــــــــ
[1] سورة البقرة، الآية: 177.
[2] سورة المائدة، الآية: 1.
[3] سورة الأنفال، الآية: 72.
[4] سورة المائدة، الآية: 1.
[5] تفسير العياشي: ج1، ص289، ح5. ميزان الحكمة: ج7، ص2848، ح14410.
[6] نوادر الراونديّ: ص5. ميزان الحكمة: ج7، ص2850، ح14424.
[7] كنز العمال: 10937. ميزان الحكمة: ج7، ص2850، ح14425.
[8] غرر الحكم: 3650. ميزان الحكمة: ج7، ص2848، ح14417.
[9] نهج البلاغة: الكتاب 53. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج17، ص106. ميزان الحكمة: ج7، ص2849، ح14419.
[10] بحار الأنوار: ج100، ص46، ح3.ميزان الحكمة: ج7، ص2849، ح14420.
[11] كنز العمال: 10924. ميزان الحكمة: ج7، ص2849، ح14422.
[12] غرر الحكم: 9577. ميزان الحكمة: ج7، ص2850، ح14428. في مستدرك الوسائل (وذِمَمَهُ): ج11، ص201.
[13] نهج البلاغة: الخطبة 72. ميزان الحكمة: ج7، ص2850، ح14429.
[14] نهج البلاغة: الخطبة 106. ميزان الحكمة: ج7، ص2851، ح14431.
[15] بحار الأنوار: ج74، ص56، ح15. ميزان الحكمة: ج11، ص4885، ح22682.

إرسال تعليق