وقفة مع كتاب لقد شيَّعني الحسين للكاتب إدريس الحسيني المغربي


يُعدّ هذا الكتاب، تدوين تجربة خاضها الأستاذ إدريس الحسيني في دائرة الفكر والاعتقاد، ليختار لنفسه المعتقد الذي يفرض نفسه بالدليل والبرهان، فكانت النتيجة أنَّه وجد الحقّ في غير ما ورثه من أسلافه.

وفي هذا الكتاب يسجّل المؤلّف تجربته في التحوّل من المذهب السُنّي إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام فيقول في المقدّمة: (في تجربتي هذه، ليس مهمّاً أن أعرّف الناس بشخصيتي، فقيمة الموضوع الذي يتبنّاه هذا الكتاب، أهمّ بكثير، هذه تجربتي في خطّ العقيدة وأنا مسؤول عنها، لذلك أتوخّى لها أن تكون حرّة، طليقة بلا قيود!).


الفصل الأوّل: كيف كان تصوري للتاريخ الإسلامي؟

يرى المؤلّف أنَّ الأجواء التي عاش فيها، تركت أسمى التأثير في صياغة إطاره الفكري الذي ينظر من خلاله إلى التاريخ، فيقول: (فمنذ البداية كانوا قد زرقوني بهذا التاريخ... ونكفّ إذا رأينا الدم والفسق والكفر، ليس لنا الحقّ سوى أن نغمض الأعين، ونكفّ الألسن - حين قراءة التاريخ الإسلامي - ثمّ نقول: تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت...).

ويصف المؤلّف هذه الحالة أنَّها عملية لجم مبرمجة وقيود توضع على عقل الإنسان، قبل أن يدخل إلى محراب التاريخ المقدَّس: (لقد علَّمونا، أن نرفض عقولنا، لنكون كائنات (روبوت)، توجّهنا كمبيوترات مجهولة، وغلبت السياسة على التاريخ، وحوَّلته إلى بؤس حقيقي).

ولكن ما إن سما وعي الأستاذ إدريس تحوَّل إلى صاحب عقلية ناقدة لا تقبل شيئاً إلاَّ بعد البحث والتنقيب ومن هنا كانت الأزمة التي يصفها بقوله: (ما أثقلها من أزمة على طلاّب الحقيقة!).

الفصل الثاني: مرحلة التحوّل والانتقال

يذكر المؤلّف في هذا الفصل قصَّة استبصاره، ويرى أنَّ من أهمّ الموانع التي كان يضعها أبناء مجتمعه حين مبادرته إلى البحث العقائدي ودراسة أحداث صدر الإسلام أنَّهم كانوا يقولون له: (تلك فتنة طهَّرنا الله منها، وليس لنا مصلحة في استحضارها والخوض فيها).

لكن الأستاذ إدريس يذكر أنَّه كان يقول: (كيف طهَّرنا الله منها، وهي ما زالت حاضرة فينا، بعيوبها ومسوخاتها؟).

وكان يطرح الأستاذ إدريس دائماً على أصدقائه قضيّة مظلومية الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، وكان يبحث عن تفسير شافٍ لهذه المأساة، ومن هنا بدأت قصَّة استبصاره! لأنَّه خلال التفكير حول هذه القضيّة وجد نفسه أمام موجة عارمة من التساؤلات التي جعلته أن يقف حتماً على قاعدة اعتقادية صلبة، فاندفع ليجدّد منطلقاته ويعالج مسلّماته!

فيقول الأستاذ: (لم تكن عندي يومها المراجع الكافية لاستقصاء المذهب الشيعي... ويعلم الله، أنَّني رسَّخت قناعاتي الشيعية، من خلال مستندات أهل السُنّة والجماعة أنفسهم. ومن خلال ما رزحت به من تناقضات).
الفصل الثالث: وسقطت ورقة التوت

يحاول المؤلّف في هذا الفصل أن يعيد تحليل التاريخ، فيتناول المسألة (الشيعية) من وجهة نظر تاريخية، وليس من وجهة نظر مذهبية، ثمّ يبحث حول أصل نشوء الشيعة.

فيقول حول ادّعاء انتساب التشيّع إلى عبد الله بن سبأ: (ليس هذه أوّل خرافة، تلقى بهذا الشكل (التهريجي على التشيّع)، بل أخريات من تلكم الشبهات المحبوكة بالأصابع المأجورة والمسيئة، بالترغيب والترهيب الأموي، لا بدَّ من الوقوف على هزالها!).

ثمّ يذكر تهمة فارسية التشيّع ويقول: (لم يكن التشيّع من إبداع الفرس إلاَّ عند مهرّجي التاريخ، والعرب سبّاقون إلى التشيّع، وهم الذين أدخلوه إلى فارس، والدليل على ذلك، أنَّ معظم علماء السُنّة الكبار في التفسير والحديث والأدب واللغة... هم من فارس، وبقيت إيران - لمدّة - على السُنّة الأموية في سبّ علي عليه السلام ولعنه في المساجد وعلى المنابر).

الفصل الرابع: من بؤس التاريخ إلى تاريخ البؤس!

يدعو المؤلّف في هذا الفصل إلى الحكم بالوجدان حين قراءة التاريخ، ثمّ يبيّن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع التركيز على المحطّات الحسّاسة التي يعدّها مفتاحاً لفهم الظاهرات التي شهدها التاريخ الإسلامي فيما بعد.

ثمّ يوضّح أنَّ المؤامرة على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بدأت بعد الفتح، حيث حاول المنافقون الذين كانوا يشكّلون جزءاً من المجتمع الإسلامي أن يغتالوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في اللحظات التي توافَرت لديهم فيها الفرصة.

ويطرح المؤلّف مسألة الوصاية والخلافة، فيقول: (إنَّ المشروع الرسالي في عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقتضي الاهتمام، ولفت الأنظار لذلك الامتداد القيادي لرسالة الإسلام، حتَّى لا يطرأ على التصوّر المناوئ أنَّ المشروع النبوي، مشروع وقتي ينتهي بانتهاء صاحبه.

ولم يكن من منطق الرسالات السابقة أن تغيب هذه المسألة المتَّصلة بواقع الرسالة الإسلاميّة ومستقبلها المصيري).

ويخرج المؤلّف في نهاية المطاف بهذه النتيجة: (إنَّ الأصل في القيادة، هي الوصيّة، ولم تكن الشورى، سوى تبرير تاريخي لما وقع في سقيفة بني ساعدة. إذ أنَّ التاريخ يفضح حقيقة الشورى التي اعتمدوها في السقيفة. بل إنَّها - أي الشورى - أثبت (بؤسها) في انتخاب صيغة الحكم، وفي خلق الممانعة الشرعية والمطامع النفسية والقبلية التي كانت سائدة يومها وليس من السهولة التغاضي عمَّا وقع حول الخلافة من خلاف وتضارب!).

ثمّ يثبت المؤلّف بأنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أقام علياً عليه السلام بوصفه مؤازراً ووزيراً ووصيّاً، ثمّ يستنطق التاريخ ليكشف عن أعماقه فيذكر عدَّة مواقف نصَّب فيها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم علياً بوصفه وصيّاً وخليفة من بعده، منها: حديث الدار، والمؤاخاة، وحديث غدير خُمّ و...

ثمّ يقول: (إنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن - حاشاه - غافلاً عن قيمة الخلافة والاستخلاف، وكانت خطبة الوداع، برنامجاً لهم، يقيهم عثرات المستقبل، وأكَّد فيها على آل بيته عليهم السلام وولّى فيها الإمام علياً عليه السلام... وحذَّرهم من مغبّة التجاوز للنصّ ابتغاء الرأي والباطل، كما حذَّرهم من مغبّة التضليل والردّة والافتتان.

ذكر اليعقوبي في تاريخه: «لا ترجعوا بعدي كفّاراً مضلّين يملك بعضكم رقاب بعض إنّي خلَّفت فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي...»، ثمّ أمر الناس بالالتزام بما أعلنه وأودعه فيهم قائلاً: «إنَّكم مسؤولون فليبلّغ الشاهد الغائب»([1])).

بيعة الإمام علي عليه السلام

يرى المؤلّف أنَّ المؤامرة ضدّ الإمام علي عليه السلام اصطدمت مع التاريخ، ولم يبقَ أمام الناس سوى الرجوع إليه، وكان لابدَّ مِن أن يكون للمؤامرة سقف تقف عنده، وكان هذا السقف هو يقظة الجماهير المسلمة على أثر مقتل عثمان.

ولكن الإمام علي عليه السلام واجه في حكومته بيئة تحكمها الامتيازات الطبقية، فتقدَّم ليرفع صخوراً ثقال، إلى سماء الروح ليعطي للجميع حقّه، فلهذا سخط عليه من الذين اعتادوا على الاستئثار، فانحاز هؤلاء في النهاية إلى معسكر الآخر: معسكر بني أميّة، حيث يجدون فيه تحقيقاً لأطماعهم.

ولذلك دخل الإمام علي عليه السلام في معركة تاريخية مع فئتين إحداهما إقطاعية والأخرى فقيرة انتهازية.

ومن هذا المنطلق وقعت حرب الجمل وهي الحرب التي كانت تلقائية، تخطّطها عقول ارتجالية وتقودهم امرأة ضعيفة العقل، ثمّ تلتها حرب صفّين نتيجة محاولة الإمام علي عليه السلام لعزل معاوية من الحكم مهما كانت مضاعفات هذا الإجراء، ثمّ وقعت حرب النهروان نتيجة سذاجة البعض ومخالفتهم لما ارتآه الإمام علي عليه السلام من موقف إزاء معاوية في الظروف الحرجة التي كانت تحيطه والتي دفعته للتمسّك بجعل الحكمين فيما بين جماعته وفئة معاوية.

ثمّ يستمرّ المؤلّف بسرد أهمّ الأحداث التاريخية التي صاغتها أيدي المخالفين للوقوف بوجه الحقّ، فيذكر ما حدث في خلافة الحسن عليه السلام والمؤامرة الكبرى لقتله عليه السلام، ثمّ مبادرة معاوية لتغيير الخلافة إلى ملك، ثمّ دخول يزيد إلى معمعة السلطة ممَّا أدّى إلى وقوع ملحمة كربلاء، ويذكر المؤلّف عموميات مختصرة حول المشهد الدراماتيكي لملحة كربلاء كما اتَّفقت عليها تواريخ المسلمين، ثمّ يبيّن استنتاجاته التي أدَّت به إلى التشيّع والانتماء إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام.

الفصل الخامس: مفاهيم كُشف عنها الغطاء

يختار المؤلّف في هذا الفصل مفهومي الصحابي والإمامة، فيكشف في الأوّل عن السلوك السياسي والأخلاقي للجماعة التي سُمّيت بالصحابة، فيذكر نماذج منهم، فيجعلهم في الميزان.

ثمّ يخرج بهذه النتيجة: ليس كلّ الصحابة عدول، ويبيّن أنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أنَّ بعض الصحابة سيرتدّون على أعقابهم.

وأمَّا بالنسبة إلى مفهوم الإمامة، فيورد بحثاً كاملاً حوله وحول ضرورته وصفات الإمام وأفضليته وعصمته و...

الفصل السادس: في عقائد الإمامية

يبيّن المؤلّف في هذا الفصل كيفية ظهور علم الكلام، فيقول: (لقد ظهر علم الكلام على أثر الأحداث التي تلت وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذ أنَّ أمواجاً من التحدّيات الفكرية والفلسفية التي وردت على المسلمين من البلدان المفتوحة، كانت تفرض على المسلمين الاهتمام بالكلام، لإثبات عقيدتهم إثباتاً عقلياً يلزم حتَّى الخارجين عن الإسلام).

ثمّ يركّز الأستاذ إدريس على بعض مباحث علم الكلام، منها: التوحيد والصفات، العدل الإلهي، الرؤية والتجسيم، في كلام الله والبداء، فيستعرض في كلّ من هذه الخصائص بإيجاز وجهة نظر كلّ من الفِرَق الثلاثة: الشيعة، المعتزلة، الأشاعرة، ويذكر الأدلّة التي دفعته للاقتناع بآراء مذهب أهل البيت عليهم السلام.

ويلخّص الأستاذ إدريس الحسيني في نهاية الكتاب رحلته السريعة في رحاب المعتقد قائلاً: (نعلن أهمّية الرجوع إلى أصل المعتقدات لإعادة بناء القناعة، على أسس علمية دقيقه، بعيداً عن ذوي التقليد).

ثمّ يضيف: (إَّنني لم أتذوَّق حلاوة العقيدة إلاَّ في ظلّ هذه الجولة وفي ضوء تلك الرحلة).


...........................................................
الهوامش:

([1]) أنظر: تاريخ اليعقوبي 2: 111 و112.

إرسال تعليق