قصة استبصار المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب

نشرت مجلَّة المنبر في العدد العاشر/ ذي الحجّة (1421هـ) خطاباً لأحمد حسين يعقوب يبيّن فيه كيفية استبصاره وانتمائه لمذهب أهل البيت عليهم السلام، جاء فيما نشرته المجلَّة: موضوع مجلَّة المنبر

لم يكن مناظرة عقائدية، أو شخصية علمائية، أو تباحثاً شخصياً، أو كتاباً شيعياً.. ذلك الذي دفع المحامي الأردني الشهير (أحمد حسين يعقوب) إلى التشيّع واعتناق عقيدة أهل البيت عليهم السلام، بل كانت الومضة الأولى التي قادته إلى هذا المعين العذب، كتاباً أفجعه، لكاتب سُنّي هو (خالد محمّد خالد)، الأديب المعروف.

(أبناء الرسول في كربلاء)، كان اسم هذا الكتاب الذي وقعت عينا (أحمد حسين يعقوب) عليه، فقرأه بشغف، ليكتشف كيف أنَّ الظالمين وثبوا لتبديل شريعة الله تعالى، ومحو ذكر (محمّد وعلي) عليهما السلام، بما ارتكبوه من جرائم يندى لها جبين الإنسانية، وإرهاب لم تعرف البشرية له مثيلاً، وبما رسَّخوه في أذهان العامّة من مضامين ثقافية جعلت الحلال حراماً والحرام حلالاً، وبدَّلت المعروف بالمنكر، وآل البيت بالصحابة!

إنَّه (الحسين).. سيّد الأحرار والشهداء عليه السلام، هو من فتح ذراعيه لـ (أحمد حسين يعقوب)، الذي ظلَّ يبكي ألماً ويئنُّ لوعةً، لما جرى على (أبي عبد الله عليه السلام)، فكان جرحه النازف ودمعه الهادر، طريقاً سلك به إلى برّ الأمان، حيث صاحب الزمان عليه السلام.

يتحدَّث المحامي الذي عاهد ربّه أن يدافع طوال حياته عن قضيّة أهل البيت عليهم السلام العادلة، عن قصَّته، وكيف تبيَّن له أنَّ شيعة آل محمّد عليهم السلام هم الفئة الناجية، كيف واجه المجتمع والناس، الذين اتَّهموه بالكفر والارتداد والرفض والمروق عن الملَّة والدين.

إنَّها كلمات يسردها (أحمد حسين يعقوب) صاحب كتاب (المواجهة) الذي حوكم بسببه، في خطاب خاصّ أرسله إلى (المنبر)، ها هو نصّه:

السيرة الشخصية للمحامي احمد حسين يعقوب

انتمي لعشيرة بني طه أبو عتمة إحدى بطون عشيرة العنوم، ولدت في كفرخل الواقعة شمال جرش عام (1939م)، متزوّج من امرأة واحدة ولي عشرة أولاد ذكور، وأربع بنات، حصلت على الثانوية العامّة من مصر، وأكملت دراسة الحقوق في جامعة دمشق، وسجَّلت للدراسات العالية / دبلوم القانون العامّ في الجامعة اللبنانية، وسجَّلت لدراسة الماجستير في جامعة الحكمة، كنت موظَّفاً ومعلّماً وخطيب جمعة ورئيس بلدية، وأنا أعمل في مهنة المحاماة منذ (17) عاماً.
كيف اهتديت؟

سافرت إلى بيروت لمناقشة بحث قدَّمته للجامعة اللبنانية عن رئاسة دولة الخلافة في الشريعة والتاريخ، وهو تقليدي من جميع الوجوه، ويحمل وجهة نظر العامّة ومعتقداتها في هذا المجال، وأثناء وجودي في بيروت قرأت بالصدفة كتاب (أبناء الرسول في كربلاء) لخالد محمّد خالد، ومع أنَّ المؤلّف يتعاطف مع القتلة، ويلتمس لهم الأعذار، إلاَّ أنَّني فجعت إلى أقصى الحدود بما أصاب الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيت النبوّة وأصحابهم، وكان جرحي النازف بمقتل الحسين هو نقطة التحوّل في حياتي كلّها، وأثناء وجودي في بيروت قرأت كتاب (الشيعة بين الحقائق والأوهام) لمحسن الأمين، وكتاب (المراجعات) للإمام العاملي، وتابعت بشغف بالغ المطالعة في فكر أهل بيت النبوّة وأوليائهم، لقد تغيَّرت فكرتي عن التاريخ كلّه، وانهارت تباعاً القناعات الخاطئة كلّها التي كانت مستقرّة في ذهني، وتساءلت إن كانت هذه أفعال الظالمين بابن النبيّ وأهل بيته، فكيف تكون أفعالهم من الناس الاعتياديين؟

لقد أدركت بأنَّ الدولة التاريخية - وهي دولة عظمى - قد سخَّرت جميع مواردها ونفوذها من خلال برامجها التربوية والتعليمية لغايات قلب الحقائق الشرعية، وتسخير الدين الحنيف لخدمة وقائع التاريخ وإضفاء الشرعية على تلك الوقائع، وإظهار الدين والتاريخ بوصفهما وجهين لعملة واحدة.

وأنَّ الناس قد انطلت عليهم هذه الخطّة، فأُشربوا ثقافة التاريخ متصوّرين بحكم العادة والتكرار وتبنّي الدولة لهذه الثقافة، بأنَّ ثقافة التاريخ هي ثقافة الدين.

وبهذا المناخ الثقافي حملت الدولة التاريخية على أهل بيت النبوّة ومن والاهم، وصوَّرتهم بصورة الخارجين على الجماعة، الشاقّين لعصا الطاعة، المنحرفين عن إسلام الدولة، وتقوَّلت عليهم ما لم يقولوه، ونسبت إليهم ما لا يؤمنون به، وصدَّقت العامّة دعايات الدولة ضدّ أهل بيت النبوّة ومن والاهم، وتبنّى الأبناء والأحفاد ما آمنت به العامّة من دون تدقيق أو تمحيص، ولا دليل لا من كتاب الله ولا من سُنّة رسوله، لقد صارت كلمة الشيعة في أذهان العامّة مرادفة لكلمات الانحراف والكفر والخروج على الشرعية.

وتلك ثمرة من ثمرات الحملة التاريخية الظالمة التي شنَّتها الدولة على أهل البيت عليهم السلام عامّة، وعلى شيعتهم بشكل خاصّ. عندما أخذت الحقائق تنكشف رويداً رويداً خفَّفت الدولة من حملتها على أهل بيت النبوّة، ولكنَّها ضاعفت وكثَّفت حملتها على شيعة أهل البيت عليهم السلام.

الحقائق التي اكتشفتها

لقد تبيَّن لي أنَّ أهل بيت النبوّة ومن والاهم موالاة حقيقية هم المؤمنون حقّاً، وهم الفئة الناجية، وهم شهود الحقّ طوال التاريخ، وأنَّ الإسلام النقي لا يفهم إلاَّ من خلالهم، فهم أحد الثقلين، وهم سفينة نوح وهم باب حِطّة، وهم نجوم الهدى، ولولاهم لضاع الإسلام الحقيقي ولما بقي للحقّ من شهود، لقد رفعوا لواء المعارضة طوال التاريخ، وتحمَّلوا في سبيل الله فوق ما يتحمّله البشر، حتَّى أوصلوا لنا هذا الدين الحنيف بصورته النقية الكاملة المباركة.

وباختصار شديد لقد اهتديت، وعرفت أنَّ لأهل بيت النبوّة قضيّة عالمية عادلة، وعاهدت ربّي أن أدافع عن هذه القضيّة ما حييت، فكانت كلّ مؤلّفاتي مرافعات ومدافعات عن عدالة هذه القضيّة، واستنهاضات للعقل المسلم خاصّة، وللعقل البشري عامّة، لينتقل من التقليد الأعمى إلى الإيمان المستنير المبدع.

أنا وأهلي والمجتمع

لقد اهتديت وأولادي والحمد لله، فصارت أفراح أهل البيت أفراحنا وأتراحهم أتراحنا، وأنا على بيّنة من ربّي، ولست معنيّاً بما يقوله المجتمع عنّي.

لقد وصفت الأكثرية الساحقة من أبناء المجتمعات القديمة كلّها الرسل والأنبياء الكرام، بالمجانين، واتَّهمتّهم بالسحر والكهانة والشعر والكذب.. ولم يسلم خاتم النبيّين من هذه الأوصاف الظالمة! لقد بلغ العرب المدى عندما قالوا بأنَّ القرآن أساطير الأوّلين! ولكن بوقت طال أم قصر، سقطت أكاذيب الأكثرية من أبناء المجتمعات، وحصحص الحقّ، وبقيت الحقيقة الخالدة التي نادى بها النبيّون.

المطلوب أن أنجو بنفسي، ولا يضيرني عند الله إن ضلَّ ابني أو تنكَّر لي مجتمعي، ليقولوا: إنَّني كافر.. وإنَّني رافضي.. الخ، هم يعرفون أنَّني أُصلّي وأحجّ وأبكي من خشية الله، لقد كنت خطيبهم، وإمامهم في الصلاة، ورئيس بلديتهم، فكيف يمكن التوفيق بين هذه الاتّهامات وحقيقة الواقع!؟

تلك طبيعة المجتمع البشري

إنَّ فرعون كان يعتقد أنَّ حكمه وطريقته وعقيدته الفاسدة هي المثلى، وأنَّه كان يخشى أن يذهب موسى (بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) (طه: 63)، كان يعتقد أنَّ دينه هو الصحيح، وهو يخاف من موسى أن ينجح بتبديل دين المجتمع، (أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) (غافر: 26)، كما يعتقد أنَّه مصلح، ويخشى أن يظهر موسى (فِي الأَْرْضِ الْفَسادَ) (غافر: 26)! لكن من يصدّق اليوم أنَّ فرعون مصلح، وأنَّ طريقته هي المثلى، وأنَّ موسى مفسد، حاشاه!؟ من يصدّق اليوم أكاذيب العرب بأنَّ القرآن أساطير الأوّلين!؟ بوقت يطول أو يقصر ستسقط الأكاذيب كلّها، وتزول الأصباغ الزائفة كلّها، وتظهر الحقائق الشرعية المجرَّدة، والخاسرون هم الذين يكذّبون على أنفسهم، ويسجنون أنفسهم وعقولهم في كهوف التاريخ ومغرة.

لقد أدمنت العامّة على ثقافة التاريخ، وبتعبير القرآن الكريم: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) (البقرة: 93)، واختلطت بدمهم ولحمهم، وهم يعتقدون بأنَّهم على الحقّ لأنَّهم الأكثرية، وأنَّ موالي أهل بيت النبوّة على الباطل لأنَّهم الأقلّية، ونادراً ما ينفع الجدل معهم، لأنَّهم قد اكتسبوا معتقداتهم بالوراثة والعادة، والعادة طبيعة ثانية، وإبطال مفعولها يحتاج عوناً من الله، ورغبة في التغيير، وجهداً عقلياً منظَّماً، وهم ليسوا على استعداد ليبذلوه، ولقد ساق القرآن الكريم نماذج رائعة من خلال جحد الأقوام لأنبيائهم ورسلهم، وفي هذه النماذج عبرة، قال تعالى: (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (الملك: 10).

التحريفات

لقد تعهَّد الله تعالى بحفظ القرآن الكريم، وعمل أهل بيت النبّوة عليهم السلام وأوليائهم على حفظ بيان النبيّ لهذا القرآن، ومهما كانت قوّة الإعلام ومهما عظم المكر التاريخي فإنَّ دين الله الحنيف من الوضوح بحيث لا يخفى على عاقل، مع التمسّك بهذه المقدّمة، فقد جرت عدَّة محاولات للتحريف ولكنَّها كانت مكشوفة، من ذلك ما رواه الطبري في تاريخه عن حديث الدار وقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي: «إنَّ هذا أخي ووصيّ وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا»([1]).

ثمّ اكتشف الطبري أو الناشرون في ما بعد خطورة هذا النصّ الشرعي على ثقافة التاريخ وبناها التحتية، فحذفوا كلمتي (وصيّي وخليفتي) ووضعوا بدلاً منهما: «إنَّ هذا أخي وكذا وكذا»([2])! هذا أنموذج للتحريف، وعندما ذكر ابن الأثير رسالة محمّد بن أبي بكر لمعاوية لم يذكر نصّ الرسالة، لأنَّها تكشف حقيقة معاوية وتاريخه، واكتفى بالقول بأنَّ فيها أموراً لا تحتمل العامّة سماعها([3])!

والثابت أنَّ البخاري لم يكن يكتب ما يسمعه من حديث الرسول مباشرة، إنَّما كان يسمع في بلد، ويصيغ ما يسمعه في بلد آخر، مراعياً في صياغته معتقدات الناس ونظرتهم للأمور، لقد صيغت الأخبار لتكون منسجمة مع الواقع التاريخي وغير متعارضة معه.

فالبخاري ومسلم وهما أصحّ كتب الحديث عند إخواننا أهل السُنّة يؤكّدان أنَّ اليهود قد سحروا الرسول بحيث يخيّل إليه أنَّه قد فعل الشيء وما فعله([4])، وأنَّ الرسول كان قد نسي آية من القرآن الكريم فذكّره بها فرد اعتيادي من الناس([5])، وأنّ الرسول كان يفقد السيطرة على أعصابه فيسبّ ويشتم ويلعن الناس بلا سبب([6])... الخ! وتلك تحريفات واضحة لتخدم وقائع التاريخ، لأنَّ القرآن الكريم يؤكّد أنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى، وأنَّ الرسول على خُلُق عظيم، وما رواه البخاري ومسلم يناقض القرآن الكريم، والسيرة النبوية المطهَّرة، وفي كتابي (المواجهة) تصدَّيت لهذه الترّهات، وبيَّنت الغاية الحقيقية من اختراعها.

وإن تعجب - لا أراك الدهر عجباً - فاعجب بربّك من أحد مشركي مكّة، دعاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لتناول الطعام عنده، فرفض هذا المشرك أن يأكل من طعام الرسول بحجّة أنَّه لا يأكل إلاَّ ما ذكر اسم الله عليه! وإن كنت في شكّ من هذا فارجع إلى صحيح البخاري، كتاب الذبائح، باب ما ذبح على النصب والأصنام([7])! وعلى أيّ حال فقد ناقشت أساس مثل هذه الأمور في كتابي (أين سُنّة الرسول وماذا فعلوا بها؟!).

عندما يكون المرء شيعياً

عندما يكون المرء شيعياً، يعني إنَّه مؤمن حقيقي، يسير على خطى الرسول وأهل بيته الطاهرين، قانونه النافذ عليه هو كتاب الله وبيان النبيّ لهذا الكتاب، وقيادته الشرعية الوحيدة هم أهل بيت النبوّة، يواليهم ويوالي من يواليهم، ويعادي من يعاديهم سواء أكان حيّاً أم ميّتاً.

كيف تعرف أنَّك شيعي؟

علاوة على التزامك الكامل بالإسلام اسأل نفسك، لو كنت موجوداً في زمن الإمام الحسين عليه السلام، هل كنت ستقف معه، وتقاتل دونه حتَّى تُقتل بين يديه؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب فأنت من موالي أهل البيت حقّاً ومن شيعتهم، وإن تردَّدت فأنت بحاجة إلى تعمّق مفهوم الولاية في قلبك وذهنك.
الشيعة لا يوالون أهل البيت بطراً

الشيعة لا يوالون أهل بيت النبوّة بطراً ولا تشهّياً، لكنَّهم يوالون أهل البيت بناءً على أحكام شرعية وتنفيذاً لأوامر إلهيّة آخذة بالأعناق، لا مجال للفرار من تنفيذها، ويترتَّب على التنفيذ نتائج محورية ومنجية أو مدمّرة، فالهدى لا يُدرك إلاَّ بالتمسّك بالثقلين معاً، إنَّها أحكام شرعية يتوقَّف على تنفيذها اكتمال الإسلام والإيمان وبالتفصيل الوارد في أمكنته الشرعية.
مرتبة دينية وثقافية

الموالاة لأهل بيت النبوّة مرتبة ثقافية، وهي أعلى مراتب الوعي عند المسلم، إنَّها تمثّل النضج العقلي، بأرقى وأرفع صورة، إنَّها القدوة الصالحة، فأيُّ عاقل في الدنيا يترك آل محمّد ويقتدي بغيرهم؟ أصحاب المذاهب الأربعة من تلاميذ الإمام الصادق، ويتمنّون لو كانوا خدماً لعمداء أهل بيت النبوّة، والصحابة الكرام على مختلف طبقاتهم لا تصحّ صلاتهم إن لم يصلّوا فيها على محمّد وآل محمّد، إنَّ النصوص الشرعية آخذة بالأعناق، نحن لا نقلّل من أهمّية أصحاب المذاهب، ولا من أهمّية الشيخ حسن البنّا، أو ابن تيميّة، أو محمّد بن عبد الوهّاب أو غيرهم من قادة الفِرَق والأحزاب، لكن أيُّ أعمى قلب ذلك الذي يترك آل محمّد أعدال الكتاب ويتمسَّك بغيرهم من قادة الفِرَق والاتّجاهات والأحزاب!؟ بئس للظالمين بدلاً!
ضحايا التاريخ

طبعاً الجميع إخواننا، لنا ولهم كتاب، ونبيّ واحد، وقبلة واحدة، ودين واحد، ومن واجبنا أن نبذل كلّ ما بوسعنا وبالحكمة والموعظة الحسنة، لنضع تحت تصرّفهم الحقائق الشرعية والموضوعية المجرَّدة، وندلّهم على صراط الله المستقيم.

قصة استبصاره كما روتها مجلَّة العصر

نشرت مجلَّة العصر لقاءً مع أحمد حسين يعقوب في عددها (26) شهر رمضان (1424هـ)، وهذه مقتطفات ممَّا جاء في اللقاء:

سؤال: هل تسمح لنا بالحديث عن رحلتك مع أهل البيت عليهم السلام؟

جواب: أعتقد أنَّ الولاء لأهل بيت النبوّة عليهم السلام مرحلة من مراحل التكامل العقلي، وأعتقد أيضاً بأنَّ أيّ إنسان لو يترك نفسه على سجيّتها، ويبحث بحثاً علمياً مجرَّداً فإنَّه سيصل إلى نتيجة مفادها أنَّ الولاء لأهل بيت النبوّة عليهم السلام هو الحلّ، وهو الطريق السليم، ولو أنَّ الناس عرفوا حقيقة أهل بيت النبوّة عليهم السلام لدخلوا جميعاً في دائرة الولاء لهم عليهم السلام، ولو أنَّهم أحاطوا علماً بوجهة نظر أهل بيت النبوّة لتغيَّر مجرى التاريخ تماماً.

في الحقيقة أنا لم أصل إلى هذا الاعتقاد نتيجة نشاط عقلي، ولم يخطر في بالي هل أنّي على المذهب الحقّ؟ ولم أكن أُفكّر بالإجابة عن مثل هذا السؤال، لكن عندما ذهبت إلى بيروت لمناقشة رسالة بحث لدبلوم القانون العامّ، وبينما كنت أتجوَّل في الشارع رأيت رجلاً يبيع كتباً، فتناولت كتاباً اسمه (المراجعات) للسيّد عبد الحسين شرف الدين، وكتاباً آخر اسمه (الشيعة بين الحقائق والأوهام) حدث لي تحوّل، فعندما قرأت الكتابين أدركت أنَّ هنالك شيئاً مخفيّاً عن الناس، وهو أنَّ لأهل بيت النبوّة عليهم السلام فكراً كاملاً يغطّي ساحة الحياة، ولكن وسائل الإعلام طوال التاريخ طمسته وتجاهلته.

ومنذ ذلك التاريخ أخذت أقرأ وأقرأ وأقرأ، فتبيَّن لي تفاصيل مأساة كربلاء التي اكتشفت فظاعتها، إذ لو كان الإمام الحسين عليه السلام حبراً يهودياً أو عالماً مسيحياً لما فعل فيه ذلك الجيش الذي يدَّعي الإسلام ما فعله. ولما تصرَّفوا معه بهمجيّة بالغة. لقد أدركت عندما وقفت على كلّيات محنة الإمام الحسين عليه السلام وتفاصيلها في كربلاء أنَّ أهل بيت النبوّة عليهم السلام هم وحدهم القادرون على فهم الإسلام على حقيقته، ووحدهم المكلَّفون بقيادة العالم نحو الأفضل.. لقد صرت حينها أقرأ أو أكتب كلّ يوم ما بين العشر والاثنتي عشرة ساعة.. وأنا الآن ولله الحمد أقول - بغير ادّعاء-: بأنَّني على علم بالكثير من كلّيات قضيّة أهل البيت عليهم السلام العادلة وتفاصيلها.

سؤال: برأيك ما هي أهمّ الأسباب التي أدَّت إلى وقوع الاختلاف بين المسلمين؟

جواب: الاختلاف في المجتمعات يكون نتيجة أحد سببين: القيادة أو القانون، وقد حسم الله سبحانه وتعالى مسألة القيادة طوال عصر النبوّة، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو القائد، وهو المرجع، أمَّا مسألة القانون فإنَّ القرآن الكريم وبيان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وتفسيره لهذا القرآن هما التشريع أو القانون النافذ.

وفي اليوم نفسه الذي أعلن فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنباء النبوّة والرسالة والكتاب، أعلن عن ولاية الإمام علي عليه السلام فقال أمام عشيرته الأقربين: «إنَّ هذا أخي وخليفتي ووصيّي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا»([8]).

وشاءت العناية الإلهية أن لا يبقى لرسول الله ولد من صلبه، ويأمره الله سبحانه وتعالى أن يزوّج ابنته فاطمة عليها السلام المعروفة بسيّدة نساء العالمين مِن هذا الرجل الذي اختاره الله ليكون خليفة لنبيّه من بعده، فسيّدة نساء العالمين تتزوَّج سيّد المسلمين وسيّد العرب، الصدّيقة الطاهرة تتزوَّج وليّ الله الذي أعدَّه لقيادة مرحلة ما بعد النبوّة، ومن هذين الزوجين الطاهرين انبعثت القيادة للعالم أجمع.

لقد كان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقول للإمام علي عليه السلام أمام الصحابة: «أنت سيّد المسلمين»([9]).

ويقول أيضاً: «أنت راية الهدى ونور من أطاعني وإمام أوليائي»([10]).

أي كان يخلع على الإمام علي عليه السلام المصطلحات كافّة التي يخلعها الناس على الرئيس عادة، ويقدّمه بوصفه إماماً من بعده، ولم يفعل ذلك لأنَّه قريبه وابن عمّه، بل لأنَّ الله سبحانه وتعالى أمره بذلك، والذي أمره أيضاً بأن يعدّ هذا الإمام إعداداً تامّاً بحيث يكون هو الأفضل والأعلم والأتقى والأقرب، وهذا الأمر لا يجادل فيه أحد من المسلمين حتَّى الذين كرهوا الإمام علياً عليه السلام اعترفوا بأنَّه الأعلم، واعترفوا بأنَّه الأشجع والأقرب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهكذا حلَّت مسألة القيادة ومن قبلها مسألة القانون بعد رحيل النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، غير أنَّ المسلمين لم يلتزموا بهما كاملاً، فوقع الاختلاف فيما بينهم.

سؤال: برأيك أين تكمن مواطن الضعف عند المسلمين على الرغم من الفكر الأصيل والتراث العظيم الذي يملكونه؟

جواب: موطن الضعف في المسلمين أنَّهم دائماً مع الغالب، فمن يغلب ينصاعون له، والمغلوب يتركونه. تلك السُنّة قد تعلَّموها من ثقافة التاريخ، فعندما تمكَّن يزيد بن معاوية من سحق المقاومة في المدينة المنوَّرة واستباحة مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سأل الناس أحد أقطابهم الروحية آنذاك: من يؤمُّ بنا؟ فقال: (نحن مع من غلب)([11])!

سؤال: كيف استطعت الجمع بين الأمور المختلفة التي مارستها في حياتك، مثل المحاماة والبلدية وإمامة المصلّين والخطابة والتأليف والتحقيق؟

جواب: أنا كنت إماماً وخطيباً معيَّناً من وزارة الأوقاف الأردنية وموظَّفاً، ثمّ أُحلت على التقاعد، وترشَّحت لرئاسة البلدية، ونجحت في الانتخابات، وبعد مدّة معيَّنة درست القانون وأصبحت محامياً وأستاذاً، واتَّخذت لنفسي مكتباً في جرش، وعندما تعرَّفت على معالم قضيّة أهل بيت النبوّة عليهم السلام توقَّفت عن ممارسة مهنة المحاماة، وتفرَّغت للبحث والدراسة والتحقيق، وكلّ هذا بفضل من الله ونعمه.

سؤال: في ضوء الإرهاصات العالمية والصحوة الإسلاميّة الشاملة للأمّة، ما هو الدور الذي يؤدّيه الولاء لأهل البيت عليهم السلام في مواجهة التحدّيات المعاصرة؟

جواب: الولاء لأهل بيت النبوّة عليهم السلام يؤهّل الإنسان لتحمّل المسؤوليّة، لأنَّ الولاء لهم قائم على الشرع الحنيف، وكلّ ما يقوله من رسول الله وهو من عند الله عز وجل، لذلك يفهم الناس من أهل بيت النبوّة عليهم السلام بقدر ما يستفيدون منهم، فهم كالنهر الصافي والجاري، يعرفه الذين يشربون منه أكثر من الذين يتفرَّجون عليه.. وعلى كلّ حال لن تكون هناك صحوة حقيقية إلاَّ باللجوء إلى أهل البيت عليهم السلام.

مؤلّفاته

1 - النظام السياسي في الإسلام (رأي الشيعة، رأي السُنّة، حكم الشرع)، صدر في طبعته الثانية عام (1412هـ) عن مؤسسة أنصاريان/ قم.

2 - نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الإسلام (رأي الشيعة، رأي السُنّة، حكم الشرع)، ترجمه إلى الفارسية محمّد قاضي زاده/ الناشر: اميد/ عام (1374هـ ش).

3 - مرتكزات الفكر السياسي (في الإسلام، في الرأسمالية، في الشيوعية)، صدر عن شركة شمس المشرق للخدمات الثقافية سنة (1413هـ).

4 - الخطط السياسية لتوحيد الأمّة الإسلاميّة، صدر عن دار الثقلين/ بيروت عام (1415هـ).

5 - طبيعة الأحزاب السياسية العربية (الأحزاب العلمانية، الأحزاب الدينية، معالم فكر أهل بيت النبوّة)، صدر عن الدار الإسلاميّة/ بيروت عام (1417هـ).

6 - الوجيز في الإمامة والولاية، صدر عن دار الغدير سنة (1417هـ).

7 - المواجهة مع رسول الله وآله (القصَّة الكاملة)، صدر عن دار الغدير في طبعته الثانية عام (1417هـ).

8 - مساحة للحوار، من أجل الوفاق ومعرفة الحقيقة، صدر عام (1418هـ) عن دار الغدير/ بيروت.

9 - كربلاء (الثورة والمأساة)، صدر عام (1418هـ) عن دار الغدير/ بيروت.

10 - الهاشميون في الشريعة والتاريخ، صدر في طبعته الثانية (1999م).

11 - حقيقة الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر، صدر عام (2000م) عن دار الملاك/ الأردن.

12 - أين سُنّة الرسول، وماذا فعلوا بها؟

13 - الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية، الطبعة الأولى/ 1421هـ/ مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة.

14 - المرجعية السياسية في الإسلام.

15 - مختصر المواجهة.

المقالات

1 - مفهوم الإمامة والولاية في الشريعة والتاريخ، نُشرت في مجلة المنهاج العدد الثالث/ خريف 1417هـ/ 1996م.

2 - الحزب الوحيد في القرآن الكريم، نُشرت في مجلة المنهاج/ العدد السادس/ صيف 1418هـ/ 1997م.

......................................
الهامش:

([1]) تاريخ الطبري 2: 63.

([2]) تفسير الطبري 19: 149/ ح 20374.

([3]) أنظر: الكامل في التاريخ 3: 273.

([4]) أنظر: صحيح البخاري 4: 91؛ صحيح مسلم 7: 14.

([5]) أنظر: صحيح البخاري 6: 110؛ صحيح مسلم 2: 190.

([6]) أنظر: صحيح البخاري 7: 157؛ صحيح مسلم 8 : 26.

([7]) أنظر: صحيح البخاري 6: 225.

([8]) تاريخ الطبري 2: 63.

([9]) المناقب للخوارزمي: 295/ ح 287.

([10]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9: 167؛ مطالب السؤول: 128.

([11]) أنظر: معالم المدرستين 1: 148، عن الأحكام السلطانية لأبي يعلى.

إرسال تعليق