بقلم: الأستاذ عبد الحميد داوود
الكنين
أهمل كتاب ( كربلاء في التاريخ) –
على وجه التخصيص- كما أهمل كتاب ( أمية في التاريخ) – على وجه التعميم- ذكر الصحف
التي كانت تصدر في كربلاء لتاريخ 10 محرم
سنة 61هـ.
ومجال التاريخ غير متسع – على
عادته- لأستيعاب الحوادث بحقيقتها المجردة ما دامت السلطة هي التي توجه التاريخ
وتطوي ما تريد طيَّه وتنشر ما تسمح بنشره.
ويكاد أن يكون تاريخ الحركات
الحربية بين الحسين وأعدائه مديناً لشاب من بني أسد قد أغفل التاريخ إسمه حيث كان
يبعث النشرة تلو النشرة في أكثر أودية كربلاء.. وفي بعض الواحات المجاورة لها من
الجهة الشرقية. رداً على ما كانت تنشره صحف أمية من شجب نهضة الحسين عليه السلام) وكانت تعينه على كتمان أمره إمراة
من تميم قيل انها امراة أو أرملة الحر أو الحرث بن يزيد الرياحي أو التميمي على حد
ما شاء ان ينسبه التاريخ.
ومن كبريات الصحف الكربلائية لذلك
العهد ثلاث صحف مشهورة بصيغتها الرسمية وهي ( سمية) و (شفية) و(الغاضريات) وليس
يعنينا هنا ما كانت تحمله – على الإطلاق- من صفاقة اللهجة وموجع الطعن. وقارس
الكلم، وبذئ القول في آل بيت رسول الله. وذلك إذا أيقنا أنها تنتمي كلها الى حكومة
يزيد. وتدافع عنها دفاع القاضي بلهجة الشهوة من بيت مال المسلمين. ولا تنتظر
بالطبع من صحف تصدر في إمالة عبيد الله بن زياد أن تنصف الذمة – على الأقل- خاصة
ما سمى منها بأسم جدته فهي لم تكتف بنشر الرسائل التي تمدها بها مراسلوها في ساحة
الحرب، بل تضفي عليها من عندياتها أكثر من تجربة، وأوسع من إفك وبهتان.
وعمر بن سعد بن أبي وقاص – وابوه
سادس الإسلام- كان يتولى علاوة على وظيفته الأصلية – مراسلة (( سمية)) بما يبدوا
له من حركات الحرب وكانت رسائله تنشر بحروف بارزة في أولى الصفحات!
وقد سمح التاريخ بإيفاء بعض سطور
نقلت على نشرة من نشرات الشباب الأسدي تحمل بعض ردود على بعض رسائل نشرت لإبن سعد
بعنوان (( السم النقيع… في نحر الرضيع)) و ( أذقناهم الحتوف… يوم الطفوف) و
(أشهدوا أني أول من رمى) وقد إستخلصنا من تلك السطور ما له مساس بعبد الله الرضيع:
فقد نعتت ((سمية)) الحسين بالضعف
لأنه تشفع بالرضيع ليحصل على غلة الماء..! وذكرت (( شفية)) أن أول من تشفع بالرضيع
هي أمه حين لجأت إلى العباس وبين يديها طفلها ملتمسة إليه الماء وكانت هي السبب في
تعجيل إستشهاد العباس عليه السلام) وقالت الغاضريات أن الحسين عليه السلام) سمع ما دار بين الرباب والعباس
فمنع زوجته من أن تثير عاطفة أخيه وخشى عليه من الذهاب قبل أوانه وجذب الطفل من
يدي أمه ومضى به إلى حومة القتال وجعل يقول ((يا قوم إن كانت لرجالنا ذنوب في
مبادئكم فما ذنب الأطفال..؟)) فأحدثت مقالته هذه ضجة بين صفوف الأعداء ورقت للطفل
بعض القلوب..! فخاف أبن سعد ((الإنقلاب)) فأمر جندياً معروف السجية والطوية من
جنوده بأن (يقطع نزاع القوم) يقطع وريد الرضيع ((بسهم)) وهكذا كان…!
ولئن إختلفت الروايات الثلاث في
بعض العروض فإنها متفقة دون شك – في الجوهر- وقد إتفق معها التاريخ بإجماع – على
رغم السلطة- على أن للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام) سبط رسول
الله إلى عباده (صلى
الله عليه وآله وسلم) رضيعاً إسمه (عبد الله) وقد عطش في كربلاء عند واقعة
الطف فلم يكف أمية منعه من الماء وحسب، بل تعمدت ذبحه عطشاناً بين يدي أبيه –
الطفل الكبير الذي رقى على صدر الرسول- على خلاف عادة المحاربين حتى الذين هم من
غير المسلمين فقد كانوا – وما زالوا- يجتنبون الفتك بالأطفال.
والآن…؟؟ يحار التاريخ إلى بني أمية..؟
أينميها إلى الإسلام..؟ وقد أوحى نبي الإسلام قواده إلى حرب غير المسلمين بأن
يتحاشوا من العجزة والنسوة والأطفال بسوء… على حين أن أمية مثلت حتى بالأطفال..؟!
أم ينميها إلى العرب..؟ وقد قال التاريخ (( ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب))
على حين أن قسوة المراوفة اعرف من أن تعرف في إجبار مساكين أفريقيا على الإقامة
بالقوقاز، وإفنائهم ببطئ عن طريق مشقة المسير البعيد وتبدل المناخ والأشغال
الشاقة..؟! كل ذلك مما تفضل بتسجيله التاريخ وهو من بني الحوادث التي أنصف التاريخ
بوصفها نفسه على ما جاء به من غموض وإقتضاب..!
وذي شهرة قامت بأعمال غيره ****
وذي عمل أعماله ابداً تخفى
فلو أنصف التاريخ بعض رجاله ****
لما خط في اسفاره لهمو خطا
ومن أعجب العجب أن يدعي أذكياء
أمية الإسلام..؟؟ وكتاب الله يقول }إن أكرمكم عند الله أتقاكم {وما
يروى عن نبي الإسلام: (( لافضل لعربي على أعجمي قط إلاّ بالتقوى)) و ((سلمان منا
أهل البيت)) فضلاً عما روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أقوال
في بلال الحبشي. وصهيب الرومي وغيرهما من تلامذته الأحرار. مما يعتبر حجة قاطعة
على أن قاعدة الأفضلية التي درج عليها الإسلام هي التقوى.. }وتزودوا فإن خير الزاد التقوى{ .
وبعد..؟؟! فليس تألب الشعوب
الأخرى على العرب من أسبابه –إن لم نقل سببه الوحيد- أمية بالذات، فهي التي أذكت
نار الشعوبية وعملت على تغذيتها وإيقادها، وهي التي أحفظت على العرب شعوباً كانت
جدُّ موالية صاغرة مستكينة تلتمس المزيد من عطف الإسلام وتستمد الإنتعاش الحيوي في
ظل الإسلام… وأمية هي التي غيرت مجرى التاريخ الإسلامي وبعثت التفسخ بين صحائفه
وسطوره وهي التي افسدت ضمائر الشعراء وقتلت مشاعرهم الحساسة، وهي التي وارت مواهب
الكتاب ووجهت تفكيرهم إلى حيث الضلال، وهي التي إبتاعت ذمم المؤرخين في سوق المزاد
وأعدمت ما أشيع عنهم في بقايا من الوجدان…!!
وناهيك بوقائع الزنوج والتتر فقد
وقعت إنتقاماً من همجية أمية وإشفاء لغليل يتوقد في النفس حيث قوبلت البربرية
بمثلها - والبادئ أظلم - وما عرف التأريخ ظالماً مثل أمية.
واحربا يا آل حرب منكمو ****
يا آل حرب منكمو واحربا
فيكـم ومنـكم
ولكـم **** ما لو شرحناه فضحنا الكنبا
إرسال تعليق