بقلم: السيد صدرالدين شرف الدين / صاحب جريدة الساعة
أفاقت الإنسانية الشقية من صرعتها الكبرى على يد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الممتدة اليها بنشاط وأناة من ثورته البكر المجددة، وأفاق تاريخنا الضخم في ذلك الفجر الحبيب موسوماً من تلك الثورة بهذا الإيمان العجيب بهذه الصلابة النادرة التي ظلت مصدراً تستوجبه همم المصلحين الماضين في اصلاحهم غير هيابين ولا مبالين بما يلقيه المرجفون تحت أقدامهم من شوك أو قتاد.
غدا على أبي طالب نفر من عتاة قريش الجبارين – وقد ضاقوا بأبن أخيه الثائر- ومعهم فتى من أصبح فتيانهم وآثرهم لدى شيوخهم، وزعموا لأبي طالب أن عمارة كفء لمحمد فهو عوض يقايضونه به، ولكن أبا طالب ردهم على اعقابهم وعاد الى أبن أخيه في هينه وبشاشة وحنان فكلمه ليجد ما عنده فإذا هو يطلب اليه الرفق في ((الدعوة)) والاتئاد في الخطوة ويروي اليه قصة عمارة ولعله يروي اليه عرض قريش ان يكون له من ثرواتهم كفاء ما يشاء.
ترى ماذا ننتظر أن نسمع من جواب محمد..!
اننا لا ننتظر غير الذي سمعنا مما يتفق وصلابة إيمانه ومضيه بالأمر الذي أراده لسعادة البشر.
قال ((والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر. ما أنا بتاركه أو أموت دونه)).
وكان بعدئذ ما كان كان أن انتصر العدل على الظلم والحرية على الفوضى والمساواة على الإستئثار، والتسامح على الإحتكار وما تشاؤون من خير تفيض النعمة من ضروعه واطرافه على ما يشاء النفعيون من شر تشقى به الجماعة ليسعد به الفرد.
ولكن ذلك لم يطل إلاّ ريثما يدعى محمد فيجيب، ويخرج العدوان الأزليان –النفعية والمثالية- الى ميدانها أشد ما يكونان صراعاً يخرجان منذ ترك النبي وحده مسجى لا يحفل بها إلاّ الأقلون من أهلها ولا نريد أن نتصور الأضرار التي نجمت عن ذلك كلها وإنما نجملها في هذه الوقفة القصيرة إجمالاًيرينا انتكاسة الإنسانية من جديد ويرينا اعراض الصرعة تبدوا على ملامحها من جديد ايضاً وتمضي على ذلك أعوام خمسون ونيف تتعاقب فيها (خلافات) اربع و(ملك) واحد وتمر الخمسون سنة ونيف واثناء الخلافات الأربع والملك المستبد ألوان من الأحداث والمفاجئات فتعرض علينا ألواناً من التطورات والإنقلابات فيها الكثير جداً من المغالبة بين أنماط من الحكم وتتراوح بين نفر يرون فيه وسيلة للإصلاح والعدل واداة (عمرانيِّة) – إن صح التعبير- يستعينون بها على بناء المدينة الفاضلة وبين نفر يناقضون أولئك أشد المناقضة فهم يرون اليها وسيلة للإفساد والسيطرة والكنز والأخذ بأسباب العنصرية والطبقات ووضع الحوائل بين الإنسان وأخيه الإنسان.
ولعلنا لو أردنا التوسع مستطيعون أن نجد السبيل الى استجلاء صور كثيرة من اشكال الحكم والمبادئ الإجتماعية والسياسية التي تتنازع أزمة الشعوب في فترتنا هذه ولكنها جميعاً ترد بإختصار الى الصراع بين مبادئ [المثالية] و [النفعية] أو [ العدل] و [ الإستئثار] أو ( الأريحية) و [ المادية] أو ماشاء الفلاسفة والأدباء أن يعبروا عما يشير في جوهره الى الخير والشر أو الأمن والخوف أو المصلحة والمفسدة أو التنظيم والفوضى. وليس الشأن في التعبير إنما الشأن فيما تشير اليه العبارة مما هو العبرة – في اساسه وروحه- والذي عليه المدار في انشاء الحكم الخاضع لمصالح الشعوب والجماعات على تقدير والخاضع لمصالح الأفراد والأنانيات على تقدير آخر.
ولعل في الثورة على عثمان - وقد كانت خلافته بذرة للملك العضوض- لعل فيها مظهراً من مظاهر ذلك الصراع الذي لا يعدو أن يكون أحدى الصور التي نجد لها نموذجاً في حياتنا الحاضرة أو نجد لحياتنا الى الحاضرة فيها نموذجاً كبيراً يعتمد على الكثير من الجرأة المبدأية الصارمة.
ومهما يكن من أمر فقد كانت الخمسون سنة ميداناً لصرعة جديدة تقبض احداثها على عنق الإنسانية بعنف وشدة ولكن لهذه الإنسانية أبطالاً شامخين لا تهولهم التضحية. بل تغريهم المحنة في سبيل الواجب، وها هي اعقاب (الخمسون سنة) تعيد لنا صورة من صلابة الثائر (( الجد)) تلك في نهضة الثائر ((السبط)) هذا الحسين يجمع في خمسين ونيف اسباب ( ثورته) الحمراء وهاهم عتاة قريش أولئك يخيرونه بين أثنتين كما خيروا جده من قبل!
فآثر أن يسعى على جمرة الوغى برجل ولا يعطي القادة عن يد ولقد قال الناس في الحسين - منذ يومه - فأكثروا القول وأطالوا فيه وجودوه ولست ببالغ في هذه الوقفة المرتجلة بعض ما أريد أو بعض ما يريده الموضوع لي من قول .. ولكني مع ذلك سأكتفي بجلو نقط من النقاط التي تعودت الجماهير أن لا تمعن فيها.
الناس أن يكبروا موقف الحسين لشجاعته ولابائه ولصبره ولما يقارن ذلك أو بما يشبه من ظواهر ( يوم الطف) وانه لحق أن نكبر يوم الطف لذلك كله ولكن ليوم الطف خصائص وميزات كثراً لا ينفك بعضها عن بعض ولعل بعضها أو واحدة من هذا البعض يكفي لأن يرفع يوم الحسين على أيام الشهداء جميعاً غير أن الذي أراه والذي أريد أن تراه ( الاحتفالات) بهذا اليوم كلها هو أن في موقف الحسين ظاهرة جامعة اليها ترد جوامع صفاته وهي التضحية التي جعلت يومه [ ثورة حمراء] تعصف بالاستبداد من جهة وتقود الجماهير الى [مدينتهم الفاضلة] من جهة أخرى، أريد أن أقول أن تلك الصفات الكبيرة كلها تذوب وتنصهر حين تبدوا هذه الظاهرة التي ترينا الحسين ضحية رفاه الناس وعيشهم السعيد ضحية المبادئ المثلى والمثل ضحية الحقيقة التي يسيطر عليها الجلادون والسفاكون من جزاري البشر.
ولا تحتاجون الى دليل على ذلك - فيما أظن - فأنتم تعلمون انه وفد على كربلا عارفاً بهذا المصير أنتم لا تنسون - فيما أظن - أنه كتب لمن تخلف عنه في المدينة (ألا من أدركني فقد أدركني ومن لم يدركني لم يبلغ الفتح) ولا تنسون كذلك أنه كان يقول (وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء) وتعلمون من هاتين الكلمتين أن لون علمه بمصيره كان لون المصلح الثائر المؤمن بأن دمه يسقي بذرة مبدئه وان تضحيته ستكون اساساً لسعادة البشر ودواء لصرعة الإنسانية التي بدأت تظهر ملامحها في يوم جده يوم تركت جنازته لا يحفل بها إلاّ الأقلون من أهليه وذهب الناس يختصمون على لون الحكم ويتنازعون أزمته.
ونحن الآن في فترة أن باعد الزمن بينها وبين مصرع الحسين فإنها لقريبة جداً منه بروحها وشكلها، وحري بنا أن ننتفع بالغاية السامية التي رمت اليها ثورة الحسين (عليه السلام).
أما مسح الدموع بأطراف المناديل، والإصغاء بالأذان المجردة الى اصوات هذه الذكرى الكريمة فعمل لا يصلح أن يكون صدى لولاء الشهيد العظيم. ومن كان مسلماً فليكن حسينياً يهتدي بذلك المنار ويمشي على ذلك الوضح.
أفاقت الإنسانية الشقية من صرعتها الكبرى على يد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الممتدة اليها بنشاط وأناة من ثورته البكر المجددة، وأفاق تاريخنا الضخم في ذلك الفجر الحبيب موسوماً من تلك الثورة بهذا الإيمان العجيب بهذه الصلابة النادرة التي ظلت مصدراً تستوجبه همم المصلحين الماضين في اصلاحهم غير هيابين ولا مبالين بما يلقيه المرجفون تحت أقدامهم من شوك أو قتاد.
غدا على أبي طالب نفر من عتاة قريش الجبارين – وقد ضاقوا بأبن أخيه الثائر- ومعهم فتى من أصبح فتيانهم وآثرهم لدى شيوخهم، وزعموا لأبي طالب أن عمارة كفء لمحمد فهو عوض يقايضونه به، ولكن أبا طالب ردهم على اعقابهم وعاد الى أبن أخيه في هينه وبشاشة وحنان فكلمه ليجد ما عنده فإذا هو يطلب اليه الرفق في ((الدعوة)) والاتئاد في الخطوة ويروي اليه قصة عمارة ولعله يروي اليه عرض قريش ان يكون له من ثرواتهم كفاء ما يشاء.
ترى ماذا ننتظر أن نسمع من جواب محمد..!
اننا لا ننتظر غير الذي سمعنا مما يتفق وصلابة إيمانه ومضيه بالأمر الذي أراده لسعادة البشر.
قال ((والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر. ما أنا بتاركه أو أموت دونه)).
وكان بعدئذ ما كان كان أن انتصر العدل على الظلم والحرية على الفوضى والمساواة على الإستئثار، والتسامح على الإحتكار وما تشاؤون من خير تفيض النعمة من ضروعه واطرافه على ما يشاء النفعيون من شر تشقى به الجماعة ليسعد به الفرد.
ولكن ذلك لم يطل إلاّ ريثما يدعى محمد فيجيب، ويخرج العدوان الأزليان –النفعية والمثالية- الى ميدانها أشد ما يكونان صراعاً يخرجان منذ ترك النبي وحده مسجى لا يحفل بها إلاّ الأقلون من أهلها ولا نريد أن نتصور الأضرار التي نجمت عن ذلك كلها وإنما نجملها في هذه الوقفة القصيرة إجمالاًيرينا انتكاسة الإنسانية من جديد ويرينا اعراض الصرعة تبدوا على ملامحها من جديد ايضاً وتمضي على ذلك أعوام خمسون ونيف تتعاقب فيها (خلافات) اربع و(ملك) واحد وتمر الخمسون سنة ونيف واثناء الخلافات الأربع والملك المستبد ألوان من الأحداث والمفاجئات فتعرض علينا ألواناً من التطورات والإنقلابات فيها الكثير جداً من المغالبة بين أنماط من الحكم وتتراوح بين نفر يرون فيه وسيلة للإصلاح والعدل واداة (عمرانيِّة) – إن صح التعبير- يستعينون بها على بناء المدينة الفاضلة وبين نفر يناقضون أولئك أشد المناقضة فهم يرون اليها وسيلة للإفساد والسيطرة والكنز والأخذ بأسباب العنصرية والطبقات ووضع الحوائل بين الإنسان وأخيه الإنسان.
ولعلنا لو أردنا التوسع مستطيعون أن نجد السبيل الى استجلاء صور كثيرة من اشكال الحكم والمبادئ الإجتماعية والسياسية التي تتنازع أزمة الشعوب في فترتنا هذه ولكنها جميعاً ترد بإختصار الى الصراع بين مبادئ [المثالية] و [النفعية] أو [ العدل] و [ الإستئثار] أو ( الأريحية) و [ المادية] أو ماشاء الفلاسفة والأدباء أن يعبروا عما يشير في جوهره الى الخير والشر أو الأمن والخوف أو المصلحة والمفسدة أو التنظيم والفوضى. وليس الشأن في التعبير إنما الشأن فيما تشير اليه العبارة مما هو العبرة – في اساسه وروحه- والذي عليه المدار في انشاء الحكم الخاضع لمصالح الشعوب والجماعات على تقدير والخاضع لمصالح الأفراد والأنانيات على تقدير آخر.
ولعل في الثورة على عثمان - وقد كانت خلافته بذرة للملك العضوض- لعل فيها مظهراً من مظاهر ذلك الصراع الذي لا يعدو أن يكون أحدى الصور التي نجد لها نموذجاً في حياتنا الحاضرة أو نجد لحياتنا الى الحاضرة فيها نموذجاً كبيراً يعتمد على الكثير من الجرأة المبدأية الصارمة.
ومهما يكن من أمر فقد كانت الخمسون سنة ميداناً لصرعة جديدة تقبض احداثها على عنق الإنسانية بعنف وشدة ولكن لهذه الإنسانية أبطالاً شامخين لا تهولهم التضحية. بل تغريهم المحنة في سبيل الواجب، وها هي اعقاب (الخمسون سنة) تعيد لنا صورة من صلابة الثائر (( الجد)) تلك في نهضة الثائر ((السبط)) هذا الحسين يجمع في خمسين ونيف اسباب ( ثورته) الحمراء وهاهم عتاة قريش أولئك يخيرونه بين أثنتين كما خيروا جده من قبل!
فآثر أن يسعى على جمرة الوغى برجل ولا يعطي القادة عن يد ولقد قال الناس في الحسين - منذ يومه - فأكثروا القول وأطالوا فيه وجودوه ولست ببالغ في هذه الوقفة المرتجلة بعض ما أريد أو بعض ما يريده الموضوع لي من قول .. ولكني مع ذلك سأكتفي بجلو نقط من النقاط التي تعودت الجماهير أن لا تمعن فيها.
الناس أن يكبروا موقف الحسين لشجاعته ولابائه ولصبره ولما يقارن ذلك أو بما يشبه من ظواهر ( يوم الطف) وانه لحق أن نكبر يوم الطف لذلك كله ولكن ليوم الطف خصائص وميزات كثراً لا ينفك بعضها عن بعض ولعل بعضها أو واحدة من هذا البعض يكفي لأن يرفع يوم الحسين على أيام الشهداء جميعاً غير أن الذي أراه والذي أريد أن تراه ( الاحتفالات) بهذا اليوم كلها هو أن في موقف الحسين ظاهرة جامعة اليها ترد جوامع صفاته وهي التضحية التي جعلت يومه [ ثورة حمراء] تعصف بالاستبداد من جهة وتقود الجماهير الى [مدينتهم الفاضلة] من جهة أخرى، أريد أن أقول أن تلك الصفات الكبيرة كلها تذوب وتنصهر حين تبدوا هذه الظاهرة التي ترينا الحسين ضحية رفاه الناس وعيشهم السعيد ضحية المبادئ المثلى والمثل ضحية الحقيقة التي يسيطر عليها الجلادون والسفاكون من جزاري البشر.
ولا تحتاجون الى دليل على ذلك - فيما أظن - فأنتم تعلمون انه وفد على كربلا عارفاً بهذا المصير أنتم لا تنسون - فيما أظن - أنه كتب لمن تخلف عنه في المدينة (ألا من أدركني فقد أدركني ومن لم يدركني لم يبلغ الفتح) ولا تنسون كذلك أنه كان يقول (وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء) وتعلمون من هاتين الكلمتين أن لون علمه بمصيره كان لون المصلح الثائر المؤمن بأن دمه يسقي بذرة مبدئه وان تضحيته ستكون اساساً لسعادة البشر ودواء لصرعة الإنسانية التي بدأت تظهر ملامحها في يوم جده يوم تركت جنازته لا يحفل بها إلاّ الأقلون من أهليه وذهب الناس يختصمون على لون الحكم ويتنازعون أزمته.
ونحن الآن في فترة أن باعد الزمن بينها وبين مصرع الحسين فإنها لقريبة جداً منه بروحها وشكلها، وحري بنا أن ننتفع بالغاية السامية التي رمت اليها ثورة الحسين (عليه السلام).
أما مسح الدموع بأطراف المناديل، والإصغاء بالأذان المجردة الى اصوات هذه الذكرى الكريمة فعمل لا يصلح أن يكون صدى لولاء الشهيد العظيم. ومن كان مسلماً فليكن حسينياً يهتدي بذلك المنار ويمشي على ذلك الوضح.
إرسال تعليق