بقلم: الشيخ حبيب آل ابراهيم
بهذا الأسم وحده دلالة كافية على ذلك المسمى الفذ، والعلم الفرد، فلا نحتاج في تعريفه والدلالة عليه الى أن نقول ابن من ولا ابو من، وان كان جده صلى الله عليه وآله وسلم تتشرف الاندية والاسماع وبذكر ابيه أمير المؤمنين تتطيب الالسنة والافواه وبذكر امه الزهراء ترفع الرؤوس وتتطلع الاعناق.
- الحسين ((سبط من الاسباط))
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتكلم بجوامع الكلم فصلا لا فضول فيه ولا تقصير، فما الذي اراد النبي بهذه الكلمة الموجزة ؟ وما الذي عنى الرسول بهذا النبأ العظيم؟
يقولون اراد المصطفى ان يبين ان الحسين امة من الامم في الخير. نعم الحسين امة من الفضائل، اجتمعت في فرد من الرجال يغني غناء الامة ويكفي كفايتها ؟
نعم لقد صدق ظن جده فيه، فلم يخطئ نظره، ولم يخب حدسه ولم تنب فراسته، وانها من اعلام نبوته، كأنه رأى الغيب وعلمه، والغيب لا يعلمه إلا الله.
اجل كأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى ما يفضي اليه امر سلطان المسلمين ذلك السلطان الذي اسسه بيده، وعقد لوائه، وسن قوانينه واحكامه، وشيد اركانه واحكم بنيانه.
راى انه يفضي الى أمية وبني مروان، رأى انه ينتهي ويصير الى الشجرة الملعونة في القرآن رأى ان بني امية وبني مروان يعلون منبره، ويهتكون حرمة مسجده ويتحكمون في مقدسات الاسلام ويستولون على رقاب المسلمين فيوسعونهم ظلماً وجوراً وعسفاً واستبداداً.
رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك كله، ورأى انه ان دام لهم الحال على ذلك، وبقي الامر اليهم وترك سلطان المسلمين فيهم رجع الناس الى ما كانوا عليه في جاهليتهم، وذهب عمل الرسول وجهاده وجده وجلاده وقرآنه وبنيانه وشرائعه واحكامه ادراج الرياح لا يبقى لها في الناس علم ولا اثر علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك كله ويعلم هذا كل من سبر تاريخ بني امية ونظر في سيرتهم.
تذكر معي
أليس معاوية القائل ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتزكوا ولا لتحجوا ولا لتصوموا وانما قاتلتكم لأتأمر عليكم ؟
أليس هو الراد لحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رداً مكشوفاً في زياد بن ابيه؟ والراد على رسول الله راد على الله. أليس هو المحارب لأمير المؤمنين علي ؟ وقد قال فيه رسول الله يا علي سلمك سلمي وحربك حربي ؟ وسلم علي سلمي وحربه حربي. أليس هو الساب له والآمر بسبه على المنابر، وقد قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي من سبك فقد سبني ومن سبني فقد سب الله، الم يجعل امر المسلمين لابنه يزيد وهو من تعلمون ألم يبح يزيد المدينة ثلاثة ايام لعسكره حتى افتضت الف بكر في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ ألم يهدم امير جيشه الكعبة ؟ ألم يقتل هو وأبوه الاخيار من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويستبقوا الاشرار ؟
أليس وليدهم القائل وقد استفتح بالقرآن فخرجت فاستفتحوا وخاب كل جبار عنيد:
تهـددنـي بجبـار عنيـد *** فها انا ذاك جبار عنيـد
اذا ما جئت ربك يوم حشر *** فقل يا رب مزقني الوليد
بعدما نصب القرآن غرضاً لنباله وسهامه، يرميه ويصوب اليه استخفافاً واستهزاءً.
وعلى هذا فقس فان من الاول تعرف الآخر ومن الظاهر تعرف الباطن.
فالى من تفزع الشريعة ولمن يشكو الاسلام والمسلمون ؟ هل يشكو الاسلام الا الى حافظيه وحاميه ؟ ومن غير الحسين ؟ ولكن من الذي يقدر ان يقوم بوجه بني امية وقد استولوا على سلطان المسلمين ؟ اليس الثائر عليهم انما يثور على امة لها سلطانها وجيشها وقوتها ؟ ماهو السبيل الى تحطيم تلك القوة ؟ ما الطريق الىاستبدال تلك الأمة بخير منها، ما الرأي ان تحفظ الشريعة ويحترم قانونها وتصان مقدساتها ؟ ويمضي في سبيل نشرها ورقي أهلها ؟
ايمكن ذلك مع غلبة بني امية الجادين في محوها وتهديمها ؟ اليس الناهض لهم، الثائر عليهم يحتاج الى امة تقابل تلك الامة ؟ وسلطان يقاوم ذلك السلطان ؟ وجيش يقاتل ذلك الجيش وهب انه وجد ذلك كله ؟ فمن يحسن ان ينهض نهوضاً ينتهي بما يراد من تلك النتائج الصعبة المنال البعيدة الغاية ؟ وما السبيل اليها والى الحصول عليها ؟
اجل كان الحسين هو المرتب ذلك والناهض به، والموصل اليه، ولرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علم ذلك كله.
(الحسين أمة من الامم في الخير قضى على امة من الامم في الشر) قضى الحسين على أمة ضالة ظالمة مستبدة فاستبدلها بخير منها.
اجل قضى عليها بما دبر من نهضته التي كشفت عن نفسيات لامعة وفضائل فيه باهرة لا تزال موضع اعجاب البشر الى اليوم وبعد اليوم والى منتهى العالم.
وكشفت عن ظلم بني امية وجورهم وهمجيتهم وتوحشهم الى سوء تدبير، وقصر رأي وقلة علم الى غير ذلك من الفضائح والفجائع التي ادت الى استئصالهم، وهلاكهم هلاكاً ابدياً.
ففضائله التي تجلت في نهضته كانت بمنـزلة نور لا يزال يشع في العالم سناه، او شمس لا تزال مضيئة تملئ قلوب البشر حياة ورحمة ورشداً.
وهمجية بني امية التي ظهرت للناس بظهوره، وتبينها العالم بقيامه ونهوضه كانت بمنـزلة ظلمة انجاب سد فها، وتقشع دجاها واصبح مهدداً كل من يريد ان يسير بسيرتهم، ويمضي على منهاجهم أترى أمة تقدر على القيام بهذين العملين العظيمين والفوز بهذين النصرين المبينين ؟
تحيي الحق ؟ وتميت الباطل في آن واحد، تقضي على الظلم وتقتلعه من اصله واساسه وترفع منار الحق والعدل فتعلي لوائه وتجلي سناه، وتجعله باقياً ما بقي الدهر خفاق العذبات، متألق اللمعات ؟ هكذا صنع الحسين بعون الله وتأييده والى هذا أشار جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله (حسين سبط من الاسباط).
إرسال تعليق