قصة استبصار السيد إبراهيم وترى من ساحل العاج

بقلم: الشيخ ياسر الصالحي

ولادته ومذهبه

ولد بقرية (سوكو) التابعة لمدينة (بوندوكو) في ساحل العاج([1]) عام (1980م)، من عائلة تعتنق المذهب المالكي.

سنة استبصاره

تشرَّف باعتناق مذهب أهل البيت عليهم السلام عام (1993م) في بلاده، بعد أن تجلَّت له الحقائق من خلال البحث والتتبّع.


بداية الالتفات إلى الحقيقة

يقول إبراهيم: (ما زلت أتذكَّر ذلك اليوم الذي طرق سمعي فيه كلمة الشيعة، إذ كنت آنذاك طالباً في مدرسة التربية والتعليم الإسلامي، وكنت أحبّ مادّة التاريخ، وفي أحد الأيّام كان الدرس يرتبط بالعهد الأموي، فتطرَّق الأستاذ في الدرس حول أهمّ الأحداث التي وقعت خلال مدّة حكم الأمويين، ومنها واقعة الطفّ! فأشار الأستاذ بشكل عابر إلى مجريات واقعة الطفّ، وذكر أنَّ الخليفة يزيد بن معاوية قتل الحسين عليه السلام وأهل بيته بصورة فجيعة وبادر إلى إبادة الشيعة في هذه الواقعة، ثمّ أشار الأستاذ إلى بعض الأفعال المروّعة التي ارتكبها معسكر يزيد ضدّ الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه.

التعرّف على الشيعة

فتأثَّرت من أعماق كياني بواقعة الطفّ الدامية التي كان ضحيَّتها ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، وتداعى في ذهني كيف تجرَّأ يزيد بارتكاب هذه الأفعال الشنيعة وهو الخليفة يوم ذاك!

ثمّ وقع تساؤل في نفسي: يا ترى من هم الشيعة الذين ذكرهم الأستاذ وقال: إنَّ يزيد أبادهم؟ وما هي صلتهم بالحسين عليه السلام؟

فلمَّا انتهى الدرس توجَّهت إلى الأستاذ لأستفسر منه حول الشيعة الذين ذكرهم، فقلت له: من هم هؤلاء؟ وما هي صلتهم بالحسين عليه السلام؟ ولماذا أمر الخليفة يزيد بقتلهم وقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

فأجابني الأستاذ: إنَّ الشيعة طائفة إسلاميّة تعتقد بإمامة علي بن أبي طالب وولده، وتقول بأنَّه الأحقّ بالخلافة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، كما أنَّ لهؤلاء معتقدات تغاير ما عليه المسلمون وهي عقائد ضالّة ومنحرفة، وهم أناس خرافيّون لا يستندون إلى دليل منطقي أو برهان عقلي فيما يذهبون إليه.

ثمّ أضاف الأستاذ قائلاً: ويمكن تمييز هؤلاء من غيرهم بكيفية أدائهم للصلاة، فهم يسجدون على التربة، ثمّ قال لي: ويمكنك للمزيد من التعرّف عليهم أن تذهب إلى (آدم) لأنَّه أصبح منهم وانتمى إلى التشيّع، فأحبّذ أن تلتقي به لتجد الانحراف الفكري عنده بصورة مباشرة وتلمس أفكاره الضالّة بوضوح.

المفاجأة باستبصار أحد أقربائي

استغربت من كلام الأستاذ عندما أنبأني بأنَّ (آدم) قد انتمى إلى التشيّع! فقلت في نفسي: إنَّه خير من أستفسر منه حقيقة هؤلاء الناس الذين لاقوا ما لاقوا يوم عاشوراء.

فقصدته وأخبرته بما جرى بيني وبين أستاذي حول واقعة الطفّ، وطلبت منه أن يبيّن لي ما عنده ويذكر لي أسباب انتمائه لهؤلاء الناس، فقبل منّي ذلك واتَّفقنا معاً على موعد معيَّن لنتحدَّث في هذا الموضوع.

وفي الموعد المقرَّر، بدأ الأخ (آدم) الحديث قائلاً: إنَّ الأحداث التي تلت وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيرة، ويحتار الباحث في تعيين الانطلاقة في البحث.

فقلت له: الأفضل أن نشرع من البداية كي تتَّضح الأمور، فبدأ (آدم) بالحديث عن مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتجرّؤ بعض الصحابة عليه واتّهامهم له صلى الله عليه وآله وسلم بالهجر والهذيان، وما جرى بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من أحداث في السقيفة، وانتهاك القوم لحرمة بيت فاطمة عليها السلام و...، ثمّ تدرَّج في الأحداث التي وقعت بعد تولّي يزيد لأمر الخلافة).


نقطة التحوّل والاستبصار

يقول إبراهيم وترى: (جعلني كلام قريبي آدم مذهولاً مندهشاً بعدما كشف لي الستار عن هذه الحقائق التاريخية! فتجلّى لي بوضوح أنَّ من يحمل هذه الصفات المذمومة والرذائل الموبقة لا يجوز له أن يقود أمّة ترعرعت في أوساطها أقدس رسالات الله تعالى، ولا يستحقّ أن يلقَّب: خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنَّه يفقد جميع مقوّمات الخلافة.

فمن ذلك الحين وجدت يزيد رجلاً على حدّ تعبير الذهبي: (ناصبياً، فظّاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحَرّة، فمقته الناس»([2]).

فاتَّفقت مع الأخ (آدم) على عقد لقاءات أخرى لأتعرَّف على الشيعة أكثر فأكثر، وتكرَّرت اللقاءات وتعدَّدت البحوث حول موضوعات الإمامة والخلافة، وكان (آدم) يدعم أقواله بالأدلّة والبراهين، ويرشدني إلى الكتب، لاسيّما كتب أبناء العامّة لأحقّق في الأمر بنفسي، وهكذا بقيت استفسر وأطالع و...

ومن جانب آخر كنت أناقش أستاذي - الذي أرشدني لـ(آدم) - في هذه المسائل، فبدأ الأستاذ يمتعض منّي، وخشي أن أتحوَّل إلى مذهب الشيعة، فزوَّدني بعناوين بعض المؤسّسات الثقافية لترفدني بالكتب والإصدارات التي قد توقف وتحدّ من تأمّلاتي في سلوك خلفاء الإسلام الذين كنت أجهل عنهم كلّ شيء تقريباً.

ولكنَّني بمرور الزمان تعرَّفت على حقائق واجهت في الإذعان بها صعوبة بالغة، نتيجة الترسّبات الفكرية السابقة، وكنت أقول في نفسي: كيف أترك مذهبي؟! كيف أهجر معتقداتي؟! كيف؟ كيف...؟ ودارت الأيّام حتَّى التقيت بأحد أصدقائي السابقين - وكان أحد طلاّب مدرسة أهل البيت عليهم السلام في غانا - فتحاورت معه في هذا المجال، فأعطاني كتاب (ثمّ اهتديت) و(لأكون مع الصادقين) و(مؤتمر علماء بغداد)، فوجدت فيها حقائق أخرى تؤيّد ما ذكر لي (آدم) من قبل.

وشيئاً فشيئاً بدأت سحب الظلام تنقشع من أمامي ونور الهداية يجذبني، فقرَّرت الالتحاق بسفينة النجاة والاهتداء بنجوم الأمان والانتماء إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، فأعلنت استبصاري عام (1993م) في ساحل العاج).




([1]) ساحل العاج: تقع في الجزء الغربي من أفريقيا وتطل على المحيط الأطلسي، يبلغ عدد سكّانها قرابة (18) مليون نسمة، تتجاوز نسبة المسلمين (50%)، أغلبهم من أتباع المذهب المالكي، أمَّا الشيعة فيوجد عدَّة آلاف من أهل البلد إضافة إلى عشرات الآلاف من المهاجرين.
([2]) سير أعلام النبلاء 4: 37 و38.

إرسال تعليق