بقلم:
السيد عبد الله شبر
في
آداب المعيشة والمجالسة مع أصناف الخلق إجمالاً، ملتقطة من كلام الحكماء وأخبار
أهل البيت عليهم السلام.
إذا
أردت حسن المعيشة فالق صديقك وعدوك بوجه الرضا من غير ذلة لهم ولا وحشة منهم.
وتوقر([1])
في غير كبر وتواضع في غير مذلة.
وكن في
جميع أمورك في أوسطها، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
ولا
تنظر في عطفيك، ولا تكثر الالتفات، ولا تقف على الجماعات وإذا جلست فلا تستوفز([2]).
وتحفظ من تشبيك أصابعك، والعبث بلحيتك وخاتمك،
وتخليل أسنانك وإدخال يدك في أنفك، وكثرة بصاقك وتنخمك([3])،
وطرد الذباب عن وجهك، وكثرة التمطي([4])
والتثاؤب في وجوه الناس وفي الصلاة وفي غيرها.
وليكن
مجلسك هادئاً، وحديثك منظوماً مرتباً، واصغ إلى الكلام الحسن ممن حدثك بغير إظهار
تعجب مفرط، ولا تسأله إعادته.
واسكت
عن المضاحك والحكايات، ولا تحدث عن إعجابك بولدك ولا جاريتك ولا شعرك وتصنيفك
وسائر ما يخصك.
ولا
تتصنع تصنع المرأة في التزيين ولا تتبذل تبذل العبيد، وتوق كثرة الكحل والإسراف في
الدهن، ولا تلح في الحاجات،ولا تشجع أحداً على الظلم.
ولا
تعلم أهلك وولدك فضلاً عن غيرهم مقدار مالك، فإنهم إن رأوه قليلاً هنت عندهم، وإن
كان كثيراً لم تبلغ قط رضاهم، واجفهم([5])
من غير عنف، ولن لهم من غير ضعف.
ولا
تهازل أمتك ولا عبدك فيسقط وقارك، وإذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وتجنب عجلتك،
وتفكر في حجتك، ولا تكثر من الإشارة بيديك، ولا تكثر الالتفات إلى من وراءك.
ولا تجث على ركبتيك، وإذا هدأ
غيظك فتكلم، وإن قربك سلطان فكن منه على حد السنان، وإن استرسل إليك فلا تأمن
انقلابه عليك، ورافق به رفقك بالصبي، وكلمه بما يشتهيه ولا يحملنّك لطفه بك أن
تدخل بينه وبين أهله وولده وجيشه وإن كنت لذلك مستحقاً عنده، فإن سقطة الداخل بين الملك وأهله سقطة لا تنعش وزلة لا تقال.
وإياك وصديق العافية، فإنه أعدى الأعداء، ولا تجعل مالك
أكرم من عرضك، وإذا
دخلت مجلساً فالأدب البداية بالتسليم وترك التخطي لمن سبق والجلوس حيث تسعى وحيث
يكون أقرب إلى التواضع، وأن تحيي بالسلام من قرب منك عند الجلوس، ولا تجلس على
الطريق، وإن جلست فأدبه غض البصر، ونصرة
المظلوم وإغاثة الملهوف وعون الضعيف وإرشاد الضال ورد السلام وإعطاء السائل والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، والارتياد لموضع البصاق، فلا تصبق عن جهة القبلة ولا
عن يمينك ولكن عن يسارك وتحت قدمك اليسرى.
ولا
تجالس الملوك، فإن فعلت فأدبه ترك الغيبة ومجانبة الكذب وصيانة السر وقلة الحوائج
وتهذيب الألفاظ والإعراب في الخطاب، والمذاكرة بأخلاق الملوك وقلة المداعبة وكثرة
الحذر منهم وإن ظهرت المودة، وأن لا يتجشأ([6]) بحضرته ولا يتخلل بعد الأكل
عنده.
وعلى الملك أن يتحمل كل شيء إلا إفشاء السر والقدح في الملك
والتعرض للحرم. ولا
تجالس العامة، فإن فعلت فأدبه ترك الخوض في حديثهم، وقلة الإصغاء إلى أراجيفهم([7])،
والتغافل عما يجري في سوء ألفاظهم، وقلة اللقاء لهم مع الحاجة إليهم([8]).
وإياك وأن تمازح
لبيباً([9]) أو غير لبيب، فإن
اللبيب يحقد عليك والسفيه([10]) يجترئ عليك، لأن
المزاح يخرق الهيبة، ويسقط ماء الوجه، ويعقب الحقد، ويذهب بحلاوة الود، ويشين فقه
الفقيه ويجرئ السفيه، ويسقط المنزلة عند الحكيم، ويمقته([11]) المتقون. وهو يميت
القلب، ويباعد عن الرب، ويكسب الغفلة، ويورث الذلة، وبه تظلم السرائر وتموت
الخواطر، وبه تكثر العيوب وتبين الذنوب. وقد قيل: لا يكون المزاح إلا من سخف أو
بطر، ومن بلي في مجلس بمزاح أو لفظ فليذكر الله تعالى عند قيامه. قال النبي صلى
الله عليه وآله وسلم: من جلس في مجلس وكثر فيه لفظه فقال قبل أن يقوم من مجلسه
ذلك: «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك» غفر له ما
كان في مجلسه ذلك([12]).
الفروق اللغوية، أبو هلال
العسكري: 147، الفرق بين التوقير والوقار.
([3]) النخامة، بالضم:
النخاعة. يقال تنخم الرجل، إذا تنخع. والنخاعة: ما يخرجه الإنسان من حلقه من مخرج
الخاء.
مجمع
البحرين، الطريحي: 4/ 286، مادة "نخم".
لسان
العرب، ابن منظور: 7/ 404، مادة "مطط".
مستدرك
سفينة البحار، النمازي: 2/ 63، مادة "جشأ".
السفيه: الجاهل، والضعيف
الأحمق.
لسان العرب، ابن منظور:
13/499، مادة "سفه".
إرسال تعليق