بقلم: الشيخ وسام برهان البلداوي
قال أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الله بن حسن قال: (كان الحسن بن علي كثير نكاح النساء،وكن قلما يحظين عنده،وكان قل امرأة تزوجها إلا أحبته وصبت[1]به)[2].
وفي هذه الرواية عدة من الإشكالات التي لا يمكن التسليم بها اخترنا أهمها فيما يلي:
الإشكال الأول: الرواية عن الواقدي وهو غير ممدوح في نقله
محمد بن عمر الذي وردت هذه الرواية عنه هو الواقدي وقد بينا حاله مفصلا في الرد الأول على الرواية الأولى وقلنا تبعا لقول من يحتج بكلامه ان محمد بن عمر الواقدي ضعيف عند أهل الحديث وغيرهم لا يحتج برواياته المتصلة فكيف بما يرسله أو يقوله عن نفسه، فتصبح الرواية ضعيفة وساقطة عن الحجية والاعتبار.
الإشكال الثاني: مفهوم القلة والكثرة مفهوم نسبي
لم يحدد الراوي مقصوده ومراده من معنى الكثرة في قوله (كان الحسن بن علي كثير نكاح النساء) فالكثرة والقلة شيء نسبي[3] تابع إلى مقاييس ومعايير كل شخص على حدة، وهو يختلف من شخص إلى آخر فلرب أربع زوجات قليل عند بعض الناس لكن نفس هذا العدد يعتبر كثيرا عند اغلب الناس، فثماني زوجات في ذلك الزمن كان عددا طبيعيا، فكان صاحب الثلاثة مقلا، أما اليوم فالحال قد تغير وأصبح صاحب الثلاث زوجات مكثرا مزواجا، واشد منه أن يكون للرجل ثمانية زوجات.
إذاً فمفهوم القلة والكثرة مفهوم نسبي يختلف الحكم عليه من زمن إلى آخر، ومن شخص لثاني، ولا يمكن الاكتفاء به لوحده في الحكم على الشيء الذي استكثره الطرف الثاني أو استقله، نعم يمكن تحديد كون الكثير كثيرا فعلا فيما لو ذكر ذلك الإنسان المستكثر مصاديق خارجية تؤيد صحة استكثاره[4].
والراوي لم يذكر لنا مصاديق من زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه لا اسماً ولا قبيلةً ولا أولاداً لهؤلاء النسوة الكثيرات، وعليه لا يمكن الاعتماد على مجرد استكثار الراوي للحكم على كون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه مزواجا، إذ لعل الراوي استكثر ما لا ينبغي الاستكثار منه في المعتاد.
الإشكال الثالث: هل كانت زيجات الإمام الحسن عليه السلام قصيرة المدة؟
ذكر عدة من علماء ومؤرخي الفريقين ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه كان له أولاد من نساء شتى وقد ذكرت تلك النصوص التاريخية أسماء أولاده وأمهاتهم، قال الشيخ المفيد رحمه الله: (أولاد الحسن بن علي صلوات الله وسلامه عليهما خمسة عشر ولدا ذكرا وأنثى: زيد بن الحسن وأختاه أم الحسن وأم الحسين أمهم أم بشير بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجية. والحسن بن الحسن أمه خولة بنت منظور الفزارية. وعمرو بن الحسن وأخواه القاسم و عبد الله ابنا الحسن أمهم أم ولد. و عبد الرحمن بن الحسن أمه أم ولد. والحسين بن الحسن الملقب بالأثرم وأخوه طلحة بن الحسن وأختهما فاطمة بنت الحسن، أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي. وأم عبد الله وفاطمة وأم سلمة ورقية بنات الحسن صلوات الله وسلامه عليه لأمهات أولاد شتى)[5].
ومثله قال الشيخ الطبرسي رحمه الله غير انه ذكر ان أولاده صلوات الله وسلامه عليه ستة عشر ولدا وليس خمسة عشر[6].
وقال ابن شهر آشوب: (وأولاده ثلاثة عشر ذكرا وابنة واحدة: عبد الله، وعمر، والقاسم، أمهم أم ولد، والحسين الأثرم، والحسن أمهما خولة بنت منظور الفزارية، وعقيل، والحسن أمهما أم بشير بنت أبي مسعود الخزرجية، وزيد، وعمر من الثقفية، و عبد الرحمن من أم ولد، وطلحة، وأبو بكر أمهما أم إسحاق بنت طلحة التميمي، وأحمد، وإسماعيل، والحسن الأصغر، ابنته أم الحسن فقط عند عبد الله، ويقال وأم الحسين وكانتا من أم بشير الخزاعية، وفاطمة من أم إسحاق بنت طلحة، وأم عبد الله، وأم سلمة، ورقية لأمهات أولاد)[7].
فزوجاته اللاتي اتفق المؤرخون على وجودهن:
1: أم بشير بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجية.
2: خولة بنت منظور الفزارية.
3: أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي.
وهذه النسوة ورد النص التاريخي بزواجه صلوات الله وسلامه عليه منهن ولا يوجد عندنا نص آخر يصرح بأنه صلوات الله وسلامه عليه قد طلقهن إلى أن مات، وهذا يعني بان كل واحدة من هذه النسوة قد عاشت عمرا مديدا معه صلوات الله وسلامه عليه، لان كل واحدة منهن قد أنجبت له عدة من الذكور والإناث وإنجابهن لهذا العدد يستلزم بقاءَهنَّ تحت عصمته صلوات الله وسلامه عليه لسنين طويلة، ومثل هذا البقاء يكذِّب قول الراوي وافتراءه على الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه بقوله: (كان الحسن بن علي كثير نكاح النساء،وكن قلما يحظين عنده).
والإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه ليست زيجاته طويلة الأمد فحسب وإنما هو صلوات الله وسلامه عليه متمسك بزوجاته حافظ لحرمتهن حتى بعد موته، فقد روي انه صلوات الله وسلامه عليه من شدة تمسكه بزوجاته وأمهات أولاده أوصى إلى الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه بان لا يخرج أم إسحاق بنت عبيد الله التيمي من دور أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فلذلك تزوجها من بعده الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه عملا بوصية أخيه الحسن صلوات الله وسلامه عليه، فولدت له ابنته فاطمة بنت الحسين عليها السلام فقد روى ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق عن عبد الله بن عبد الرحيم قال في تسمية ولد الحسين بن علي: ( فاطمة بنت الحسين وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي وكانت قبله عند الحسن بن علي فولدت له طلحة لا عقب له فلما حضرت حسنا الوفاة قال لأخيه حسين يا أخي لا تخرجن أم إسحاق من دوركم فخلف على أم إسحاق الحسين بن علي بن أبي طالب)[8].
فهل يصح أن يوصف مثل هذا الرجل العظيم، الذي يحمل هم زوجاته حتى بعد رحيله إلى الله سبحانه، فيوصي بهن وبحفظهن، وان لا يتركن ولا يعرضن للإهمال بعد موته، بأنه قلما كان يحتفظ بزوجة وان سيرته مع النساء كانت تتميز بقصر المدة وسرعة الضجر، فيعمد على التخلص منهن بأسرع وقت ليتسنى له الإسراع بالزواج من امرأة ثانية حاشاه ثم حاشاه من افتراء الوضاعين وكذب المغرضين الذين عز عليهم مثل هذا الموقف النبيل من الإمام صلوات الله وسلامه عليه تجاه زوجاته فعمدوا إلى رميه بما يناقض هذا النبل ويغاير هذا الفيض من الحنان والحب لأهل بيته وزوجاته أمهات أولاده.
ـــــــــــــــــ
[1] في رواية ابن عساكر ضنت به بدل صبت به راجع ترجمة الإمام الحسن عليه السلام لابن عساكر ص209.
[2] البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص47 في سنة تسع وأربعين ذكر من توفي فيها الحسن بن علي بن أبي طالب، وراجع أيضا تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج13 ص283،وتهذيب الكمال للمزي ج6 ص252، وترجمة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه من طبقات ابن سعد ص82 ــ 83 تحقيق: السيد عبد العزيز الطباطبائي.
[3] ويقول أبو بكر الكاشاني في بدائع الصنائع ج 1 ص 80 :
(الكثرة والقلة من الأسماء الإضافية لا يكون الشيء قليلا إلا أن يكون بمقابلته كثير وكذا لا يكون كثيرا الا وأن يكون بمقابلته قليل).
ويقول السيد الخوئي رحمه الله في كتاب الصلاة ج 7 شرح ص 11 ــ 12:
(أن الكثرة والقلة كالكبر والصغر ليست من الأمور الواقعية التي لها تقرر في حد ذاتها وإنما يتصف الشيء بهما عند ملاحظته مع شيء آخر ولدى المقايسة بينهما، فهي من الصفات الإضافية كالفوقية والتحتية.
فالجسم الواحد كبير بالإضافة إلى ما هو أصغر منه حجما، وهو بنفسه صغير بالنسبة إلى الأكبر منه، كما أن كمية خاصة من المال مثلا كثيرة بالقياس إلى ما دونها، وقليلة بالإضافة إلى ما فوقها، ولا يصح توصيف شيء بالكثرة والقلة أو الكبر والصغر بقول مطلق من غير ملاحظته مع شيء آخر) .
[4] كمن يريد أن يصف كثرة أكل زيد للتفاح فيقول زيد كثير الأكل للتفاح حتى انه ليأكل في اليوم خمسين تفاحة، فذكر عدد الخمسين يكون شاهدا خارجيا على صدق استكثار أكل التفاح من قبل زيد.
[5] كتاب الإرشاد الشيخ المفيد ج 2 ص 20.
[6] إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي ج 1 ص 416.
[7] مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب ج 3 ص 192 ــ 193.
[8] تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 70 ص 16 ــ 17.
إرسال تعليق