قال لي صاحبي: ما علاقة عائشة بنت أبي بكر بالثريد؟ فأجبته...

بقلم: أسامة إبراهيم


  قال لي صاحبي  
وهو يأكل من طبق الثريد الذي كان بين يديه: لو كنت صنعت لنا طعاماً آخر غير الثريد لأني لا أحبه.
  فقلت له:  
كل يا أخي واشكر الله على هذه النعمة فإن أناساً كثيرين لا يجدون لقمة مما هو موضوع بين يديك.

  فقال صاحبي:  
الحمد لله ولكني أقول لو صنعت لنا طعاماً آخر لكان أطيب.
  فقلت له:  
أراك مصرا على الاعتراض على الثريد، ألا تخاف أن تغضب عليك عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي الأعظم صلى الله عليه واله؟.

  فقال صاحبي:  
وما علاقة عائشة بنت أبي بكر بالثريد، وما دخلها في كوني أحب الثريد أم يحبني الثريد؟.
  فقلت لصاحبي:  
وكيف لا يكون لها ارتباط ألا تعلم إن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الأطعمة؟

  فضحك صاحبي  
من كل قلبه حتى كاد أن يغص، وهو يريد أن يسأل بصوت متقطع بالضحك، ولماذا الثريد، ومن هذا الذي يقول عنها ذلك؟.
  فقلت له:  
إننا نحن الشيعة لا نقول بذلك ولله الحمد، لكن إخواننا من أهل السنة يصححون حديثاً يروونه عن النبي الأعظم صلى الله عليه واله انه قال كما في مسند أحمد مثلا (ج3 ص156): (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).

  فسكت صاحبي  
عن ضحكه بعد أن علم أن الموضوع ليس مزحة كما قد توقع، وإن الأمر فيه حديث نبوي وإن أهل السنة قد صححوا هذا الحديث، وتوقف لحظة عن الكلام ثم التفت إلي مرة أخرى فقال: هل تصدق أن النبي الأعظم صلى الله عليه واله قال هذا فعلا؟ ثم لماذا الثريد دون غيره من الأطعمة اللذيذة؟.
  فقلت لصاحبي:  
نحن نعتقد بأن هذا الحديث وإن صحت بعض أسانيده عند أهل السنة إلا أن صدوره عن النبي الأعظم صلى الله عليه واله بعيد للغاية، لأننا نعتقد بان هذا الحديث شأنه شأن الكثير من الأحاديث قد وضع مقابل بعض الفضائل المجمع عليها والتي قالها النبي الأعظم صلى الله عليه واله في حق أهل البيت عليهم السلام.

  فقال صاحبي:  
لحظة من فضلك، عندي سؤالان قبل أن تسترسل في الكلام، الأول هو كيف يكون الحديث صحيحاً سندا لكنه غير صحيح متناً؟ والسؤال الثاني ما هو قصدك في ان حديث الثريد وضع في مقابل بعض أحاديث الفضائل التي قيلت في حق أهل البيت فهل تذكر لي أمام أي حديث بالذات قد وضع حديث الثريد؟.
  فقلت لصاحبي:  
أما السؤال الأول فان كلمة محدثي الشيعة والسنة قد اجتمعت على أن صحة السند لا تكون دليلاً لوحدها على صحة المتن، فكم من حديث صحيح السند عند محدثي أهل السنة قد أعرضوا عنه لنكارة متنه أو مخالفته لأحاديث أخرى أو وقائع تاريخية أخرى ثابتة، وفي هذا الصدد يقول ابن حجر في (النكت على ابن الصلاح ج1 ص404): (صحة الحديث وحسنه ليس تابعاً لحال الراوي فقط، بل لأمور تنضم إلى ذلك من المتابعات والشواهد وعدم الشذوذ والنكارة).
أما سؤالك الثاني: ثبت من البحث الطويل والمقابلة والتمحيص والتدقيق في روايات وكتب إخواننا أهل السنة أن هنالك أيادياً خبيثة قد تلاعبت في أحاديث الفضائل التي صدرت عن النبي الأعظم صلى الله عليه واله في حق أهل البيت وباقي الصحابة، وثبت أيضا أن كثيراً من أحاديث الفضائل التي قيلت في حق أهل البيت عليهم السلام قد سلبت منهم وسرقت وأعطيت لأناس آخرين وهذا موضوع طويل يحتاج إلى وقت طويل.

  فقال صاحبي:  
لنترك تفاصيل التلاعب والسرقة لفضائل أهل البيت عليهم السلام إلى وقت آخر، ولكن أخبرني فقط في قبال أي حديث من أحاديث الفضائل وضع حديث الثريد؟.
  فقلت لصاحبي:  
حديث الثريد وان فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وضع في مقابل تلك الأحاديث الكثيرة التي قالها النبي الأعظم صلى الله عليه واله في حق السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام والتي نصت على كونها فضلت على سائر نساء العالمين من الأولين والآخرين، أو انها سيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء أهل الجنة، وغير ذلك من الألفاظ التي صحت سندا ومتنا عند أهل السنة قبل الشيعة.

  فقال صاحبي:  
سبحان الله فالقضية إذن أكبر من مجرد أكلة ثريد، ولكن لماذا لا يمكن لنا أن نصدق أن النبي الأعظم صلى الله عليه واله قد قال ذلك لعائشة؟ ألا يوجد احتمال ولو ضعيف يرجح أن النبي الأعظم قد جعل فضل عائشة كفضل الثريد؟
  فقلت لصاحبي:  
إن تفنيد هذا الحديث يحتاج إلى مقدمتين، المقدمة الأولى: هي إن عائشة كما هو معروف عنها كانت شديدة الغيرة من سائر نساء النبي الأعظم ومن إبنته وحتى من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وتوجد شواهد كثيرة على هذه الحقيقة لا مجال هنا لاستقصائها.
والمقدمة الثانية إن النبي صلى الله عليه واله كان كثير المزاح مع زوجاته وأصحابه وغيرهم، وهو أمر يستغني عن البرهان لشهرته، ولكني أقدم لك قول ابن هشام في (السيرة الحلبية ج 3 ص440) لتتأكد من ذلك: (كان صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم يمازح أصحابه قال وقد جاء إني لأمزح ولا أقول إلا حقا لكن جاء عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم مزاحا وكان يقول إن الله تعالى لا يؤاخذ المزاح الصادق في مزاحه وجاء عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما رأيت أحدا أكثر مزاحا من رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كانت في النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم دعابة وعن بعض السلف كان للنبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم مهابة فكان يبسط الناس بالدعابة...).
والنبي الأعظم صلى الله عليه واله كان يعلم بشديد غيرتها التي كانت تشتد وتتعاظم كلما سمعت النبي الأعظم صلى الله عليه واله يصف السيدة خديجة ضرتها وإبنتها السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليهما بأنهما سيدتا نساء العالمين تارة، وسيدتا نساء أهل الجنة تارة ثانية، وإنَّهما فضّلتا على سائر نساء العالمين من الأولين والآخرين حتى على مريم العذراء وآسية بنت مزاحم صلوات الله وسلامه عليهما.
فكان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله يرى شدة الغيرة فيها والحرص على أن يكون لها ألقاباً نظير ما لسيدتي نساء العالمين من ألقاب، ومن شدة رحمة النبي صلى الله عليه واله وعطفه ورقة قلبه، قال لها حديث الثريد ليطيب قلبها من جهة، وليخفف غيرتها من جهة ثانية، وليوضح للأمة أن هذا الحديث بهذا اللفظ هو من قبيل دعاباته صلى الله عليه واله.
وإلا لو كان لعائشة فضل حقيقي تتفاضل به على سائر النساء لعبر النبي صلى الله عليه واله بغير هذا التعبير، ولقال فضلت بالتقوى أو بالعلم أو الطاعة أو الخلق أو غير ذلك من جهات الفضل التي يتفاضل بها أبناء آدم بعضهم على بعض، ولما عجز النبي الأعظم صلى الله عليه واله عن الإتيان بلفظ يشعر السامع بأن قصده جدي وليس بدعابة كما الحال بالنسبة لحديث الثريد، وكيف يعجز عن ذلك وهو سيد البلغاء وأفصح العرب لسانا وبيانا، فلما لم يفعل النبي صلى الله عليه واله ذلك، وجاء بلفظ يعلم كل من سمعه بأنه مزحة ودعابة من دعاباته صلى الله عليه واله ، علمنا انه لم يكن يقصد المعنى الحقيقي للتفضيل، وأن تفضيله لعائشة وتشبيهها بالثريد دون الجوهر أو الذهب أو الكبريت الأحمر وغير ذلك هو تفضيل صوري يقصد منه الدعابة وجبر الخاطر وتخفيف الغيرة.

  فقال صاحبي:  
فعلاً ما تقول لأن حديث الثريد لو تأمل فيه المتأمل لوجده للهزل هو أقرب منه إلى الجد، ولكن القوم استغلوا هذا المزاح ليقلبوه إلى حقيقة، والله يعلم كيف حاول أنصار عائشة الاستفادة منه لصالح عقيدتهم ومذهبهم.
  فقلت لصاحبي:  
صدقت يا أخي فالقوم حاولوا وبكل ما أوتوا من قوة الاستفادة من حديث الثريد ليصنعوا لعائشة صورة خيالية مبهرة، وليحولوا حديث الثريد من حديث هزلي إلى أعظم فضيلة من فضائلها، كما فعل المباركفوري في (تحفة الأحوذي ج10 ص260 ــ 261): (قوله «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»...فضرب به مثلا ليؤذن بأنها أعطيت مع حسن الخلق والخلق وحلاوة النطق فصاحة اللهجة وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب إلى البعل فهي تصلح للتبعل والتحدث والاستئناس بها والإصغاء إليها وحسبك أنها عقلت عن النبي ما لم تعقل غيرها من النساء وروت ما لم يرو مثلها من الرجال).
وكما فعل ابن عبد الهادي في (حاشية السندي على النسائي ج 7 ص 68: (قوله كفضل الثريد هو أفضل طعام العرب لأنه مع اللحم جامع بين اللذة والقوة وسهولة التناول وقلة المؤونة في المضغ فيفيد أنها جامعة لحسن الخلق وحلاوة المنطق ونحو ذلك).

  فقال صاحبي:  
هذا الكلام والله مخجل جداً لا يصدر عن جاهل حتى وهو تحميل واستنتاجات من صنع الخيال، وليس في الحديث شيء يشير إلى ما استنتجوه لا من قريب ولا من بعيد، ولو رجع الإنسان وقاس بمنطق الإنصاف لا بمنطق التعصب والتحيز لوجد أن لكل نوع من أنواع الطعام فوائد ومنافع إن لم تكن أكثر من الثريد فهي مساوية له قطعاً، ولكن هل أقر جميع أهل السنة وعلمائهم بهذه التأويلات الباطلة؟
  فقلت لصاحبي:  
الحمد لله الذي جعل من محدثي أهل السنة من يقر بخطأ هذا التأويلات الباطلة كما أقررنا نحن، فابن حجر رد في (فتح الباري ج 6 ص 321) على هؤلاء المتفلسفين بقوله: (وكل هذه الخصال لا تستلزم ثبوت الأفضلية له من كل جهة فقد يكون مفضولاً بالنسبة لغيره من جهات أخرى).
ثم إن ثبوت الفضل للثريد على سائر الطعام لو ثبت فعلاً، لكان في ذلك الزمن فقط دون الأزمنة اللاحقة والحالية، فالثريد في هذا الزمن ليس هو الأفضل قطعاً ولا من أفضلها، فقد وجدت في هذا الزمن أصناف وأنواع للطعام تفوق الثريد جودة ولذة وذوقاً، والى هذا المعنى يشير العيني في (عمدة القاري ج 16 ص 251) بقوله: (والظاهر أن فضل الثريد على سائر الطعام إنما كان في زمنهم لأنهم قلما كانوا يجدون الطبيخ، ولا سيما إذا كان باللحم، وأما في هذا الزمان فأطعمة معمولة من أشياء كثيرة متنوعة فيها من أنواع اللحوم ومعها أنواع من الخبز الحواري، فلا يقال: إن مجرد اللحم مع الخبز المكسور أفضل من هذه الأطعمة المختلفة الأجناس والأنواع، وهذا ظاهر لا يخفى).
والمفروض إن حديث الثريد لو كان حقيقيا لانطبق صدقه على كل زمان، حتى زماننا، وهذا لم يحصل فيتبين لنا أن حديث الثريد المزعوم إما هو مكذوب على الرسول الأعظم صلى الله عليه واله ، وإما قد صدر عنه من باب المزاح،ٍٍ فصيره القوم حقيقة بعد أن عجزوا عن إيجاد ما يساوي أو يشابه أحاديث السيادة والسؤدد لسيدتي نساء العالمين وسيدتي نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة صلوات الله وسلامه عليهما.

  فقال صاحبي:  
صدقت وجزيت خيرا على هذا التوضيح، والآن أنا مصر على ترك أكل الثريد وأنا ادعوك إلى ذلك المطعم القريب من بيتنا الآن لنأكل بعض المشويات وليغضب مني من يغضب.
 

إرسال تعليق